مشكلة الأقباط في مصر
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن
-
العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 11:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"لا يحزنني فعل الأشرار، وإنما صمت الأخيار" مارتن لوثر كنج
صرح شيخ الأزهر، بمناسبة أحداث قرية الفواخر وغيرها بمحافظة المنيا، بأنه ما يحدث من مضايقات عند بناء أي كنيسة ليس له أصل في الإسلام. فمن هو المسؤول إذن عن حوادث العنف ضد أقباط مصر؟ ومن هم البهاليل الذين يقومون بأعمال الهدم والحرق وترويع الأبرياء، وإراقة دماءهم الطاهرة؟ وأي رجولة في ذلك أو شهامة؟
لماذا نفعل مثل هذه الأعمال القذرة؟ ألكي تتطهر أرواحنا وتتبوأ مكانا مرموقا في الجنة؟ التي تجري من تحتها الأنهار من لبن وعسل مصفى، حيث الحور العين وكل ما يسر الأعين وتشتهيه الأنفس؟
هل سنكون سعداء ونحن نحتسي الخمر ونضاجع الحور العين ونجلس على الأرائك، لابسين ثيابا سندس خضر وإستبرق، ونحن نعلم أن ثمن هذا النعيم المقيم، هو قتل وترويع الأبرياء من أطفال ونساء وكهول. لا ذنب لهم ولا جريرة. كل ما يطلبونه ويرجونه من هذا الوطن البائس، هو تركهم في حالهم يعبدون ربهم بالطريقة التي يريدونها.
لا يا سيدي، السبب سياسي وليس ديني. أعتقد أن سبب حوادث اضطهاد الأقباط في مصر، هو شعور قوى الظلام والتخلف أن الأقباط هم خط دفاعها الأخير والوحيد، قبل أن تسقط مصر في براثن الأصولية الإسلامية، لكي تكون دينية.
ماذا يفعل أقباط مصر بعد أن تخلت عنهم حماية الدولة وعدلها وإنسانيتها، وبعد أن شاهدوا تجاهل كبار رجال الدولة ووزرائها، وصمتهم الرهيب؟
ماذا نفعل نحن المصريين ونحن نرى أحشاء الوطن تتمزق إلى أشلاء وشيع وأحزاب وملل ونحل دينية وعنصرية؟ دوائر جهنمية ملوثة بأصباغ الطائفية والتفرقة والتمييز وعدم المساواة؟
كل دائرة جهنمية يقول من بداخلها: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا – متى أضع العمامة تعرفوني. كل من بداخل الدائرة لنا، وكل من بخارجها علينا. حجاب ونقاب وجلابيب فوق الركبة وسبح ولحى طويلة وشوارب محفوفة، لا للعبادة، ولكن لتمزيق أحشاء الوطن وتقطيع أوصاله.
فمتى كان الإسلام له زي مخصوص ولباس مميز؟ إذا تميز المسلمون بلباسهم بمحض إرادتهم، بات الأقباط مميزين بغير إرادتهم، ومن ثم أصبحوا عرضة للاضطهاد.
نحن المصريون، إن لم نستطع حماية أنفسنا وأقباطنا ووحدة أوطاننا، فهذا يعني أن هناك شيء خاطئ في بنائنا الحضاري والإنساني. المصري يجب أن يعيش في بلده آمنا على نفسه وأسرته وممتلكاته ومعتقداته ومؤلفاته ومخترعاته، مهما كانت ديانته وأفكاره. غير مهدد من الذين يخالفونه في العقيدة، ومن رجال الأمن، أو من جاره أو من سائقي عربات الأجرة والميكروباص، أو من بلطجية الشوارع، أو من الروتين الحكومي، أو من أي شيء آخر.
المرأة القبطية يجب أن تخرج إلى الشارع وهي آمنة، فخورة بنفسها ووطنها. فخورة بكونها مصرية تنتمي إلى هذا الشعب العريق. فلا يجب أن تتوارى خجلا من كشفها لوجهها وشعرها، في مجتمع يتجه بخطى ثابته إلى الوراء، والتخلف، والتطرف، والهاوية.
الطفل القبطي لا يجب أن يشعر بالغربة والازدراء في بلده ومدرسته عندما تأتي حصة الدين، حيث يجد نفسه وحيدا فريدا مختلفا عن باقي الأطفال المسلمين. وكذلك، التفرقة لا يجب أن تكون بسبب الدين في الوظائف العامة، والمناصب القيادية، والجيش، والبوليس.
هذه أمراض اجتماعية، ولى عهدها منذ زمن بعيد. لم تعد موجودة إلا في بلاد التخلف والانحطاط. ولسنا في حاجة لبعث سلفي جديد، يعيد إلينا أيام الخوارج، والقرامطة، والحشاشين، والخناقين.
التفرقة بين المواطنين بسبب الدين جريمة، أبشع من الخيانة العظمى. الخيانة تعرض الوطن للهزيمة، لكن التفرقة بسبب الدين تعرض الوطن للضياع والتمزيق والحروب الداخلية.
من قال إن الشعب المصري ينقسم إلى قسمين، أقباط ومسلمين؟ وأين حدود القسمة بالضبط؟ إذا كانت موجودة، أريد أن أراها أو يدلني عليها أحد. الفرق بين القبطي والمسلم لا توجد إلا في عقولنا المريضة وقلوبنا السوداء.
إذا جلس مسلم مصري بين أقباط مصريين، هل تستطيع أن تعرفه وتميزه وتقول هذا هو المسلم؟ وإذا حدث العكس، هل تستطيع أن تتبين القبطي بينهم؟ ومن من المسلمين لم يتعلم على يدي أستاذ قبطي، أو يعالج بطبيب قبطي؟ كلمة قبطي تعني مصري، وتعني بيت الإله بتاح خالق كل شيء. أي أن المسلم، هو قبطي أيضا.
أربع رضعات، أو خمس مشبعات من نفس الثدي، تجعل الطفلين أخوين. فما بالك بمن يأكلون من نفس الأرض ويشربون من نفس النهر جل عمرهم. أليسوا إخوة وأخوات. وما دخل التخاريف الموجودة في عقولنا، بقضية الوطن والمواطنة؟
يا سيدي، الوطن أهم من الدين. الوطن (Hardware)، والدين (Software). الوطن حقيقة، والدين خيال. الوطن ثابت وملموس، والدين متغير لا يوجد إلا في العقول.
كام دين مر بمصر منذ فجر التاريخ؟ لكن ظلت مصر وطنا واحدا بحمد الله. إنك تستطيع أن تعيش بدون دين، لكن لا تستطيع أن تعيش بدون وطن. اسألوا الفلسطينيين إن كنتم في شك. الحيوانات ليس لها دين، لكن، لها وطن تدافع عنه حتى الموت.
ماذا يضير المسلمين لو حول كل قبطي داره إلى كنيسة؟ لماذا العسف في موضوع بناء الكنائس هذا؟ يا ناس عيب. وعيب التخلف الشديد ده. هذه بواقي ورواسب العصور الوسطى، وعصور الانحطاط أيام السلطان بهلول.
إيه لازمة خانة الدين في البطاقة الشخصية، أو بطاقة الرقم القومي؟ بسبب، وسبب. طيب، يا سيدي، اعمل بطاقتين. واحدة خاصة بالزواج والوفاة والمستشفيات، الخ. وأخرى عامة للوظائف والأمور المدنية. الهدف من إزاحة هذه الخانة الرديئة من بطاقة الرقم القومي، هو محاربة التفرقة البغيضة بسبب الدين، والتي لا نستطيع إنكارها.
لماذا الإصرار على النص في الدستور، على أن يكون للدولة دين؟ الدول ليس لها دين. الدين يكون للأفراد وليس للدول. الدول لها قوانين ودساتير وميثاق وطني وعقد اجتماعي، لتنظم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. لكن أن يكون للدولة دين، فهذا أمر عجب.
يعني الدولة تقدر تصلي وتصوم وتحج وتقيم الشعائر مثل الأفراد؟ وهل الدول العلمانية، سكانها كفار ملاحدة؟ إيه رأيك أن الدول العلمانية، هي التي تحمي الأديان، وهي التي تمارس فيها شعائر الأديان وطقوسها بحرية وأمان.
إذا كان دين الدولة الإسلام، فما هو وضع الإخوة الأقباط وغير المسلمين؟ في هذه الحالة، هم ليسوا مواطنين مصريين، إنما متسللين أجانب. فمن يرضى بهذا الوضع المذري.
لو كانت الأغلبية من الأقباط، فهل يقبل المسلمون أن يأتي دستور أو قانون، يصنفهم على أنهم غير مواطنين وخارج اللعبة. هذا البند يحرم المصري غير المسلم من مجرد الحلم بأن يكون رئيسا للجمهورية. ويسمح للمسلم الباكستاني أن يحكم مصر. وهذا أمر يخالف الدستور. إذن الدستور به عوار وتناقض.
ما يمنعنا من إصدار قانون يجرم التفرقة بسبب الدين، كما هو الحال في كل بلاد الدنيا؟ تكون عقوبته رادعة لكل النفوس المريضة الغبية، التي تتسبب بغبائها في ضياع الأوطان.
هل هناك سبب بيولوجي أو منطقي أو نفسي، يمنع أن يكون رئيس الدولة أو رئيس الوزراء قبطي، متى ثبتت كفاءته لهذا المنصب الجليل؟ الرئيس الأمريكي السابق، أوباما، أسود من أصل أفريقي. تم انتخابه عندما تبين للشعب الأمريكي أنه الأكفأ بين المرشحين. ونحن لا نقل كفاءة عن الشعب الأمريكي كأفراد، وجذورنا الحضارية أعمق وأصلب.
عندما يحدث خلاف بين مسلم وقبطي، ويعتدي أحدهما على الآخر، تقوم الدنيا ولا تقعد. ويحضر البابا وشيخ الأزهر. ووزير الداخلية أو كبير الأمن. وكبار الأعيان والعائلات. الكل يدلي بدلوه ويلقى من الشعر أعذبه وأكذبه. وينتهي الهرج والمرج بالمصافحة والأحضان وكله تمام. ولا يأخذ الجاني جزاءه.
يظل المواطن القبطي يغلي بسبب إحساسه بالظلم والغبن. يا سادة هذا تهريج وفوضى. إذا اعتدى مواطن على آخر، ما دخل هذا بمنظومة القبطي، والمسلم واليهودي والبهائي. لماذا لا يأخذ الجاني عقابه وفقا للقانون وينتهي الأمر.
مشكلة الأقباط موجودة لأن الدولة ليست ليبرالية وعلمانية. وكيف تكون علمانية والبند الثاني من الدستور يقول عكس ذلك؟ الدول الليبرالية والعلمانية ليس فيها هذا الهراء. بسبب هذا البند، القاضي يترك قوانين البلد المدنية، ويحكم بالشريعة.
مطالبة الأقباط بحقوقهم خارج نطاق هذا الإطار، هو مضيعة للوقت. يعرض أمن الوطن للخطر. لأنه يعمق الاستقطاب بين الأقباط والمسلمين. فهل يكون الأقباط سعداء إذا أخذوا حقوقهم كاملة، وتحولت مصر إلى دولة دينية؟
القضية هنا أكبر من أن تقتصر على حقوق الأقباط المهضومة. بقدر ما هي حقوق المصريين المسلوبة. الدفاع عن الحقوق هنا لا يجب أن يقتصر على فئة معينة. إنما يجب أن يكون لكل المصريين.
الحق لا يتجزأ. والعدل ليس له دين. حقوق الإنسان قضية عامة تنطبق على كل الأفراد. رجل أو امرأة، مسلم أو قبطي، بهائي أو شيعي أو يهودي. وعلينا أن نثبت للعالم أننا شعب أرقى من صهاينة بني إسرائيل.
جهود الأقباط، وجهود الشعب المصري، يجب أن توجه في اتجاه علمانية الدولة وليبراليتها. لكي نرجع كما كنا قبل عام 1952م.
عندما تغرز العربة في الوحل، يكون من الأفضل الرجوع للخلف أولا، قبل التقدم في الطريق الصحيح. لأن الضغط على البنزين سوف يجعل العجلات تدور على الفاضي، ونظل في مكاننا محلك سر، أو نغرز أكثر وأكثر في الطين.
هناك مشاكل كثيرة بجانب مشكلة الأقباط. وهي مساواة المرأة بالرجل، وحقوق الأقليات الأخرى الدينية، البهائيون وغيرهم. وهي قضايا مهمة أيضا، تنتظر من يثيرها ويتبناها.
لقد قلت قبل ذلك مرارا وتكرارا، ولا زلت أقول، إن مشكلة مصر، هي ليست حقوق الأقباط أو حقوق البهائيين، بمعزل عن حقوق الشعب المصري كله. كل مشاكل الأقباط والأقليات سوف تحل من نفسها، إذا أخذ الشعب المصري حريته كاملة، وأضاءت ربوعه مبادئ التنوير والليبرالية.
الحل يا سادة في تعديل الدستور بما يؤكد المساواة في المواطنة للجميع. إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي. تجريم كل عمل يفرق بين الناس بسبب الأديان. حظر القنوات الفضائية والبرامج الدينية التي تنشر الكراهية لأصحاب العقائد المخالفة. إلغاء حصة الدين في المدارس. تعليم الأطفال أن الدين لله والوطن للجميع.
وأرجو من الله أن يطيل في أعمارنا، حتى نرى في مصر، رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو حتى وزير خارجية قبطي.