رجل لكل العصور


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 04:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

عند الحديث عن، "رجل لكل العصور"، أو "رجل لكل الفصول"، يتعين على المرء أن يأخذ في الاعتبار جانبين: الفترة التي كتبت فيها المسرحية، والخلفية التاريخية التي تستند إليها.

ولد روبرت بولت، كاتب المسرحية، في لانكشاير، في 15 أغسطس 1924. بدأ حياته المهنية بكتابة سلسلة من المسرحيات الشهيرة، بما في ذلك مسرحية "الناقد والقلب". بالرغم من كونه مدرّس لغة إنجليزية وتاريخ، إلا أن أيا من أعماله المبكرة، لم يكن مبنيا على أحداث تاريخية.

صدرت مسرحية "رجل لكل العصور"، عام 1960. كانت أول مسرحية تاريخية لبولت، وأكثر أعماله شهرة. تبع ذلك مسرحيتان، هما: "فيفات ريجينا" عن إليزابيث الأولى، وحالة "الثورة" عن الثورة الروسية عام 1917.

بعد نجاح مسرحية "رجل لكل العصور"، كتب سيناريو العديد من الأفلام الشهيرة، بما في ذلك "لورانس العرب" و"دكتور زيفاجو". بسبب سيناريو "رجل لكل العصور"، وسيناريو "لورانس العرب"، حصل بولت على جائزتي أوسكار.

بالرغم من أن بولت لم تكن لديه مدرسته الخاصة في المسرح، إلا أنه في "رجل لكل العصور"، تبنى أسلوب بريخت. من خلال الوسيط الذي يخاطب الجمهور مباشرة. فيما يتعلق بالخلفية التاريخية، تقع أحداث المسرحية في عهد هنري الثامن، ملك إنجلترا.

بعد وفاة آرثر، الشقيق الأكبر لهنري وولي عهد المملكة، أخذ هنري مكانه، وتزوج أرملته بعد موافقة البابا، ثم صار هنري ملكا على إنجلترا تحت اسم هنري الثامن.

إلا أن كاثرين لم تنجب الوريث الذكر المطلوب. في نفس الوقت، يقع الملك في سحر آن بولين، فأخذ يسعى إلى الطلاق من كاثرين. عندما يرفض البابا، يأمر هنري المستشار، الكاردينال وولسي، بإيجاد حل. لكن يفشل الكاردينال في القيام بذلك، مما يتسبب في وفاته.

يتولى توماس مور، الشخصية الرئيسية في المسرحية، منصب المستشار، مكان وولسي. ويتسبب رفضه لما يريد أن يفعله هنري، إلى إعدامه بقطع رقبته.

اليوم، تعتبر الكنيسة الكاثوليكية مور قديسا، لعدم تخليه عن إيمانه ومبادئه. يستوحي بولت أحداث المسرحية من هذه الواقعة، ويبين شخصية توماس مور، ليس كقديس فقط، ولكن كرجل ذو مبادئ عالية أيضا.

ملخص مسرحية "رجل لكل العصور"

تبدأ المسرحية بالرجل العادي، يقف على المسرح ليقدمها للجمهور. يسمي نفسه آدم، ثم يذهب إلى طاولة لتفريغ كل ما لديه من ملابس في سلة، تمثل الأدوار التي سيقوم بها.

بعد ذلك، ينتقل المشهد إلى شخصين أخريين، توماس مور، وريتشارد ريتش، اللذين يتبادلان الحديث عما إذا كان يمكن شراء أي رجل بالمال أو المنصب.

يسأل توماس مور ريتش، عما إذا كان قد قرأ كتابا معينا عن الفساد، فيعترف بأن الكتاب الذي قرأه، قد أوصى به توماس كرومويل. سرعان ما يكتشفا أن كرومويل هو أحد معارفهما.

يعتبر مور أن ريتش صديقا له، أما ريتش فيرى مور مجرد شخص آخر له نفوذ، يمكنه مساعدته على التقدم في مجاله الوظيفي.

يأسى مور لحال مجتمعه، فهو يرى أن كل شخص فيه، قد تلوث، ويمكن شراؤه بسهولة. ثم يظهر لريتش كأسا فضية، كان قد حصل عليها كرشوة. مدعيا أن هذا قد جعله يشعر بعدم الارتياح. لذلك، تخلص من الكأس، وأعطاه لريتش، الذي قبله بسهولة، وحتى أخبر مور، أنه سيبيعه ويشتري لنفسه ملابس فاخرة.

بعد ذلك، يظهر دوق نورفولك، وأليس، زوجة مور، على المسرح. يتحدثان عن كتاب الأمير لمكيافيلي. ثم يعلن الدوق أن كرومويل قد تمت ترقيته إلى منصب سكرتير الكاردينال. ويتم استدعاء مور إلى مكتب الكاردينال، فيغادر على الفور.

في مكتب الكاردينال، يجد توماس مور أن الملك قد طلب من البابا إلغاء زواجه من كاثرين، حتى يتمكن من الزواج مرة أخرى من آن، لكن البابا يرفض بشدة. ومع ذلك، يجادل الكاردينال مور، ويرى أنه من المهم للغاية زواج الملك كما يريد، لأن كاثرين غير قادرة على إنجاب وريث للعرش.

يصدر مور المزيد من التلميحات، التي تبين أنه ضد الطلاق، لكن الكاردينال يحاول إقناعه، بأن الطلاق ضروري لمستقبل البلاد. كما يخبر مور الكاردينال أيضا، بأن اختيار كرومويل لكي يكون هو الكاردينال التالي، هو اختيار سيء للغاية.

ثم يتغير المشهد ويجلس مور على حافة النهر، في انتظار القارب للعودة إلى منزله. يظهر كرومويل من الظل، ويبدأ في التحدث مع مور. ثم يظهر شابويز، وهو دبلوماسي من إسبانيا. فلا يخفي مور رأيه، بأنه ضد طلاق الملك لكاثرين.

يتم أخذ مور إلى المنزل، وهناك يجد ابنته، مارجريت، لا تزال مستيقظة تتحدث مع الشاب ويل. يطلب ويل يد مارغريت للزواج، لكن مور يرفض، واصفا ويل بأنه زنديق. يستمر الاثنان في المناقشة لبعض الوقت، ثم يغادر ويل. بعد فترة وجيزة، يأتي رجل ليعلن أن المستشار، قد توفي، وأن مور تم تعيينه مستشارا جديدا في مكانه.

يتغير المشهد مرة أخرى، ويلتقي ريتش وكرومويل في القصر. يتحدث الاثنان لفترة من الوقت، ويشير كرومويل إلى كيفية صعود ريتش إلى السلطة في فترة زمنية قصيرة. ثم يأتي شابويز مع مرافقه، لينضم إلى المحادثة.

يتحدثون عن مور، وكيف سيحاول الملك إقناعه بقبول طلاقه قانونيا لزوجته. بينما يؤكد ريتش أن مور لن يوافق أبدا، بسبب مبادئه، فيشير كرومويل إلى أن مور، مجرد رجل ككل الرجال، يمكن التأثير عليه وشرائه بسهولة.

يأتي أيضا مدير الخدم، ويحاول كل من ريتش وكرومويل التحدث معه على انفراد، حول مور، وكيف كان رد فعله عندما وجد أنه سيكون المستشار التالي.

يخبرهما أن مور قلق، وأنه يقضي معظم وقته في الصلاة. يحرص رئيس الخدم على عدم البوح بالمزيد من المعلومات عن مور، فتغادر باقي الشخصيات الأخرى المسرح غاضبة.

داخل منزل مور، يستعد الجميع باستثناء مور، للزيارة المترقبة الملك. يصل الملك في قارب فاخر، ويتصرف الجميع كما لو أنهم قد فوجئوا بالزيارة.

يبدأ مور والملك في الحديث عن الدين، وكيف شعر الملك بأنه مقيد من قبل المستشار الراحل. ثم يتحدثون عن زواج الملك، ويعترف الملك بأنه أخطأ ونام مع امرأة أخرى، غير زوجته. وهذا يعني أن زواجه لم يعد زواجا شرعيا، ويطلب الطلاق.

يرفض مور التورط بالرأي في هذا الموضوع، ويدعي أنه من الأفضل للكنيسة الكاثوليكية أن تقرر ما إذا كان بإمكان الملك تطليق زوجته أم لا.

ينصح الملك مور بالتفكير في الأمر، وتوخي الحذر فيما يتحدث به، لأن كل ما يتعارض مع رغباته كملك، سيعتبر خيانة. وقبل أن يغادر بنفس القارب الذي جاء به، يعد بمنصب أكبر إذا ساعده مور في هذا الأمر..

تحث أليس مور على عدم مخالفة رغبات الملك، وبذل كل ما في وسعه لإرضائه. ثم يأتي ويل أيضا ويخبر مور أن الملك أصبح مهتما به بسبب آرائه الدينية. لكن، يعتقد مور أنه سيترك وشأنه. طالما هو يحتمي بالقانون.

ثم ينتقل المشهد إلى حانة، حيث يتقابل كرومويل مع ريتش، ويتحدثان عن المزيد. يحاول كرومويل رشوة ريتش، لمساعدته في تأمين طلاق الملك، فيبدي ريتش استعداده لفعل كل شيء، وأي شيء، طالما كان الأجر مناسبا.

يحدث الفصل الثاني بعد عامين من الفصل الأول، وبعد إنشاء كنيسة إنجلترا. ثم ينتقل المشهد إلى مور الذي يجلس على مكتب، وإلى ويل الذي يسير أمامه، وحول عنقه صليب.

كما أصبح مور أكثر استعدادا للسماح للملك بتطليق زوجته، مما جعل الكثير من الناس غير راضين عنه. لكن، عندما دخل رجل الغرفة، معلنا أن إنجلترا قد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية وروما، قرر مور الاستقالة من منصبه كمستشار، وحتى طلب من مارغريت ابنته، مساعدته في خلع سلسلة الصليب حول عنقه. أي أنه يطلب منها موافقته على قراره.

في القصر، يتحدث كرومويل وريتش عن مور وتداعيات قراره. ثم يتحدثون كيف يمكنهم التأثير على مور. هنا يذكر ريتش واقعة قبول مور كأسا كرشوة.

بالرغم من أن مور قد أعطى الكأس لريتش على الفور تقريبا، إلا أنهما يعتقدان أنه بالإمكان استخدام هذا الحدث لصالحهما. فيحث كرومويل نورفولك على اضطهاد مور، والوقوف إلى جانبهما، لكنه يرفض في البداية.

بعد فقد مور لوظيفته، أصبح أكثر فقرا، واضطر إلى تسريح خدمه، لأنه بات غير قادر على دفع رواتبهم. يعتقد بعض الناس أنه، منذ أن رفض مور دعم الملك ودينه الجديد، صار ضد إنجلترا أيضا، لكن مور استمر في الادعاء بإخلاصه للملك. كما رفض مور قبول المساعدة من الكنيسة، معتقدا أن هذا قد يجرمه ويعرض عائلته للخطر.

في هذه المرحلة، تتم خطوبة ابنته مارغريت من الشاب ويل، لكن مور يحذره من نشر آرائه السياسية على الملأ. وبعد أن خيب أمل ملكه، يعتزم مور أن يعيش حياة خاصة قدر الإمكان. لكن يحاول نورفولك إقناع توماس بالرضوخ، مما أجبر توماس على إخبار نورفولك برأيه الحقيقي فيه. وهو أنه قد تخلى عن ضميره الخاص، لخدمة شؤونه العامة.

يقوم كرومويل باتهام المزيد من الناس، وإجبارهم على المثول للمحاكمة، بتهمة الخيانة العظمى. ويقوم بشكل مخادع وبمعاونة ريتش، بتوجيه الاتهام بالخيانة إلى مور وقبول الرشوة. فيحكم على توماس مور بالإعدام، ويقتاد إلى البرج.

هنا ، تتوسل إليه زوجته وابنته لإنقاذ حياته. لكن يشعر توماس مور، الذي لا يلين الآن، كما كان دائما، بأنه مستعد لملاقاة الله بضمير راض.

يظهر الرجل العادي على المسرح وهو يقوم بإعدام مور، إلى جانب قتل المزيد من الناس. ثم يظهر للمرة الأخيرة، لكي ينصح الجمهور بعدم إثارة أي مشكلة، أو البوح بما هو أكثر من ضروري. فنحن نعيش في عصر الإرهاب.

لكن، يموت ريتش بسلام أثناء نومه. ويحصل هنري على طلاقه من كاثرين، ويتم زواجه من آن. إلا أنه يموت موتا مؤلما بسبب مرض الزهري. أما كرومويل، فقد فشل في إثبات ولائه لسيده، فاتهم أيضا بالخيانة، وتم إعدامه. كما اتهم نورفولك بنفس الجريمة، لكن هنري يموت قبل تنفيذ الحكم.

تعليق:

يستخدم بولت الشخصيات التاريخية في إنجلترا لتسليط الضوء على مخاطر الحنكة السياسية المصحوبة بالتخلي التام عن الأخلاق والقيم.

العبارة الدقيقة التي نطق بها مور "إن المسؤولين الحكوميين الذين يتخلون عن ضمائرهم، من أجل مصالحهم الخاصة، يقودون بلادهم إلى الفوضى" – هي عبارة تلخص موضوع المسرحية.

تتخلى العديد من الشخصيات عن ضمائرها وأخلاقها تماما، في مقابل الحصول على السلطة أو الثروة. البعض الآخر لم يتبق له ضمير كي يتخلى عنه، مثل كرومويل.

يتم تسليط الضوء على علاقات توماس الشخصية مع كل شخصية من الشخصيات طوال المسرحية. يبدأ ريتش كأحد معارفه مع فرصة ليصبح صديقا لمور. ومع ذلك، يتاجر ريتش بعلاقته مع مور للحصول على أول منصب مهم.

ينحني نورفولك في النهاية لإرادة هنري، ويطلب من مور الانضمام إليهم من أجل الصداقة التي بينهما. ويدرك كرومويل بذكاء، شخصية مور المستقيمة، التي لا تشابه الآخرين في المسرحية، لكنه يتجاهلهم، ويتابع التخلص من مور لدوافع شخصية.

لا ينحني مور للملك، أو للدولة، أو أقرب أصدقائه، أو حتى عائلته. يعترف مور بفساد الكنيسة الذي يراه ويل، خطيب ابنته، لكنه لا يوافق على آرائه الدينية المتطرفة والصارخة. ولا يسير مور مع نورفولك من أجل الصداقة بينهما.

يبين بولت، مؤلف المسرحية، أن شخصية مور قد صعدت اجتماعيا وتألقت، بسبب لطفه وتمسكه بقيمه. أما الكاردينال فكان مستعدا لخدمة رغبات الملك، ضد مسؤوليات مهنته. ومن الواضح أن كرومويل كان مراوغا، ومستعدا لخدمة أي شخص في السلطة من أجل تقدمه الوظيفي.

هناك أيضا، الأشرار المتصلبين تماما. في شخصية ريتش، نرى رجلا وصوليا، يطارده الشك الذاتي، ويتوق إلى الخلاص من نفسه. أما بالنسبة لشخصية كرومويل، فهي شخصية قلب قاس. هي معكوس مثالي لشخصية السير توماس، الذي يؤدي رفضه لخيانة الأمانة ومخالفة ضميره، إلى سقوطه النهائي.

الظهور المتكرر للرجل العادي، مع توفير فترات الراحة اللازمة من التوتر المتزايد، يعزز في المسرحية الأفكار الأعمق. التي تقول بأن اتباع ما يمليه ضمير المرء الشخصي بصفة عامة، هو خير ما يقوم به الفرد للحفاظ على سلامة المجتمع وتقدمه.