غزة تواجه الفاشية في الانتخابات الفرنسية
طاهر الشيخ
الحوار المتمدن
-
العدد: 8024 - 2024 / 6 / 30 - 21:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنا باقون..
كأننا عشرون مستحيل…
في اللد، والرملة، والجليل…
هنا.. على صدوركم.. باقون كالجدار..
وفي حلوقكم كقطعة الزجاج..
كالصبار..
وفى عيونكم
زوبعة من نار
هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار
نملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال.. جيلا ثائرا.. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
هذا الصمود الأسطوري والممتد للشعب الفلسطيني، الذي يجسده الشاعر الكبير توفيق زياد في قصيدته الشهيرة “إنا هنا باقون” حول غزة الى قضية عالمية امتد تأثيرها إلى برامج القوى السياسية التي تخوض معترك الانتخابات الفرنسية، التي تجرى يومي 30 يونيو و7 يوليو.
فاليمين الفاشي، حليف مجرم الحرب نتنياهو، يتصدر استطلاعات الرأي، بينما تحل في المركز الثاني الجبهة الشعبية اليسارية التي تناهض الفاشية، وتدعو الى وقف فوري لإطلاق النار في غزة ووقف تصدير الأسلحة لدولة الاحتلال، في حين يأتي حزب ماكرون في ذيل القائمة.
الفاشية والصهيونية حليفان!!
ويعتبر المفكر الفرنسي الاشتراكي المناهض للعنصرية في باريس، دينيس جودار، أن سياسات ماكرون هي المسؤولة الأولى عن صعود الفاشية من جديد، بما تعنيه من معاداة للمهاجرين، وخصوصا المسلمين، وللطبقة العاملة وللنساء وللحريات، مشيرا إلى أن ” ماكرون وعد بأن يكون جدارا ضد حزب الجبهة الوطنية، لكنه بدلا من ذلك كان بمثابة جسر نحو السلطة بالنسبة لهم”.
ويوضح أن فرنسا لم تشهد منذ تأسيسها حالةً مشابهة من الفوضى، مثلما شهدت على يد ماكرون، رغم أنه رفع شعار “أنا أو الفوضى”، وتبني سياسات الليبرالية المتوحشة، التي ضربت بعنف مستوى معيشة الشغيلة والمتقاعدين، ومرغ أنف جمهورية “الإخاء والمساواة” في التراب، بمغازلة اليمين المتطرف، فتحالف معه قبل شهور قليلة ليصدر قانونا عنصريا بامتياز للهجرة.
كما عززت حكومته سلطات الشرطة، التي قمعت بعنف الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية، وحظرت بعض المظاهرات الفلسطينية، ونفذت جولات من الإجراءات المعادية للإسلام.
وخارجيا، ومنذ عملية طوفان الأقصى، دعمت فرنسا “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، هو نفس موقف اليمين المتطرف.
وفي ظل هذا السياق المأزوم، نمت الفاشية التي تظهر، حسب المفكر الثوري ليون تروتسكي، إما عند دخول برجوازية دولة ما أزمة بنيوية مستعصية، وإما استباقًا لثورة اجتماعية حقيقية، كما حدث في إيطاليا موسوليني عام 1929، وفي ألمانيا هتلر عام 1933.
وتتميز الفاشية بقدرتها، في شروط تنامي ضغط التناقضات الاجتماعية-الاقتصادية بشكل لا يحتمل، على حشد قطاعات من صغار الملاك والطبقة الوسطى وشرائح من العمال، والتي يبهرها زعيم ذو سلطة نفسية خارقة، وتتسلح بقطاعات من الطبقة الرأسمالية وجهاز دولتها لتحطيم الحركة الجماهيرية من خلال الإرهاب الدموي والتهويل.
وكانت النزعات الفاشية تراجعت بقوة في فترة الرواج الطويلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، لكن عودة الأزمة، التي اتخذت مظاهر مختلفة الحدة من بداية الثمانينيات، كان أقواها أزمة الائتمان عام 2008، أنعشت الحركات والمنظمات الفاشية مجددًا.
ويؤكد المراقبون، أن صعود نجم الفاشية الفرنسية من شأنه أن يغذي العنصريين، بدءا من أنصار ترامب في الولايات المتحدة، نهاية باليمين الفاشي الصهيوني.
فالإجماع اليميني (على أنواع اليمين المختلفة) على إدانة “إرهاب” حركة حماس، ومن دون رؤية شاملة للصراع، تعزّز، مع مرور الأيام، ليصير مهيمناً على الخطاب السياسي اليميني الفرنسي.
وبرز التباري بين أقطاب اليمين في كسب ودّ تل أبيب، والبحث عن تبريراتٍ مخجلةٍ لعملياتها الوحشية في الأراضي الفلسطينية.
كما أبرزت الحرب على غزّة التحالف غير المنطقي نظرياً والقائم منذ عقود فعلياً، بين اليمين المتطرّف الأوروبي والمعادي تاريخياً للسامية واليمين المتطرّف الإسرائيلي.
والملاحظ أن نفوذ اللوبي اليهودي المؤيد لدولة الاحتلال في فرنسا، هو أكبر نفوذ يهودي في أوروبا، وذلك رغم محاولات الثورة الفرنسية منذ عام 1789 في دمج اليهود داخل المجتمع على قاعدة الإخاء والمساواة والعلمنة، وقد ازداد هذا النفوذ بعد قيام إسرائيل ومشاركتها في العدوان الثلاثي مع فرنسا وبريطانيا على مصر، علما بأن فرنسا تضم ثالث أكبر جالية يهودية في العالم بعد إسرائيل والولايات المتحدة.
ولا يوجد جيش مجند من اللوبيين الموالين للصهيونية في باريس مثل ذلك الذي نجده في واشنطن. فأنصار إسرائيل في فرنسا هم شخصيات مختلفة، من اليمين أو اليسار أو الوسط، ووجوه إعلامية تجيد استعمال مغالطات الجدل القائم حول مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، لإقصاء أولئك الذين يواصلون -رغم قلة الآذان الصاغية- النأي بأنفسهم عن سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم.
وبحسب وسائل إعلام لم يسبق أن كانت قضية “معاداة السامية” محورية إلى هذا الحد في الحملة الانتخابية الفرنسية، وهو ما دعا كبريات الصحف الأجنبية لكي تطرح سؤالا مفاده: هل يوجد مستقبل لليهود في فرنسا في ضوء صعود “المتطرفين” المتوقع إلى سدة الحكم؟!
معسكر المقاومة
وبالمقابل وتحت ضغط القواعد العمالية والشبابية التأم عقد تحالف يساري جديد أطلق عليه الجبهة الشعبية يحظى بدعم نقابات عمالية وحركات مؤيدة لفلسطين وضد العنصرية الخ.. لمحاولة وقف قطار الفاشية الذي يسعى الى استلام السلطة في ثاني أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن الرغبة العارمة للتصدي للخطر الفاشي، جعلت أطراف الجبهة (فرنسا الأبية والخضر والشيوعي والاشتراكي)، يتغاضون مؤقتا عن تناقضات عميقة بينهم، الأول مرتبط بجذرية الموقف من سياسات الليبرالية المتوحشة، والثاني كالعادة مرتبط بفلسطين، فهناك أطراف بالجبهة التي تدعم كل أطرافها غزة وتدعو الى وقف إطلاق النار ووقف تصدير الأسلحة لتل أبيب، توصم حماس بالإرهاب، وتدين عملية طوفان الأقصى، وهو ما يتناقض مع موقف حزب “فرنسا الأبية” الداعم على طول الخط للحق الفلسطيني.
هذا الانحياز الواضح المعادي للعصابة الحاكمة في دولة الاحتلال منح من جهة اليسار أوراقاً رابحة في أوساط الفرنسيين من أصول عربية، والذين، على عكس تاريخهم المعاصر، سيشاركون بنسبة كبيرة في الاقتراع لصالح اليسار، كما تفيد نتائج استطلاعات الرأي أخيراً.
لكنه من جهة أخرى وضع التحالف اليساري منذ اللحظة الأولى لإعلانه تحت القصف سواء من قبل المؤسسات اليهودية الموالية لإسرائيل، أو من حزب ماكرون، وقبل كل شيء من الفاشيين الجدد. وتوزعت عليهم الاتهامات، من قبيل، عملاء لحماس، مخربون، عنصريون ومعادون للسامية.
وأعلنت حرباً لا هوادة فيها ضد أحد المكونات الجديدة في هذه الجبهة؛ وهو حزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون الذي ما فتئ يندد بـ«حرب الإبادة» التي تقوم بها إسرائيل ضد غزة.
ودرجت هذه المؤسسات على استهداف ميلونشون، وأيضاً المحامية الفرنسية ــ الفلسطينية ريما حسن، التي انتخبت نائبة في البرلمان الأوروبي الجديد على لائحة «فرنسا الأبية».
ويقول رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، يوناتان عرفي “إن المشرعين في حركة “فرنسا الابية” يدعون أنهم ضد معاداة السامية أيضًا، لكنهم يولدون المزيد من الكراهية لليهود بدفاعهم عن الفلسطينيين وهجومهم على نتنياهو”.
ويقول جان إيف كامو، عالم سياسي يميني متخصص في الحركات المتطرفة “هذه ليست المرة الأولى التي يوجد فيها مثل هذا الغضب والعداء الشديد تجاه إسرائيل”. “كان هذا هو الحال في عام 1982 خلال حرب لبنان الأولى، لكن لم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي في ذلك الوقت”.
والفرق الآخر هو أن اليسار الراديكالي كان أقلية في ذلك الوقت. ولم يكن الاشتراكيون الذين كانوا في السلطة آنذاك ليطالبوا قط بدولة فلسطينية”. ويوافقوا على شعارات من قبيل “من النهر إلى البحر”.
انتصار داعمي فلسطين
وربطت المحامية الفرنسية ــ الفلسطينية ريما حسن، بين محاربة النظام الفاشي والعنصري وبين الدفاع عن فلسطين باعتبارها قضية تتركز على “مناهضة العنصرية وإنهاء الاستعمار”، مشيرة إلى أن داعمي فلسطين “انتصروا بالفعل في معركة هي الأهم، وهي معركة الروايات”، موضحة ذلك بالقول إن “رغبتنا في الدفاع عن القضية الفلسطينية داخل البرلمان الأوروبي وجعلها موضوعا أوروبيا تحققت حتى قبل ظهور نتائج التصويت”.
ورأت حسن أنها “تعتبر القضية الفلسطينية شأناً أوروبياً، بسبب مسؤولية تقسيم المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني وفق اتفاقية سايكس بيكو”، بحسب تعبيرها.
ولهذا لم تكن مفاجأة أن ترتفع الأعلام الفلسطينية في كل المظاهرات، التي شهدتها المدن الفرنسية المختلفة ودعا إليها تحالف الجبهة الشعبية، وهو الحضور الذي استفز كامو، ليتساءل رأيت أعلامًا ومنشورات وملصقات فلسطينية تدعو إلى الانتفاضة. ما علاقة هذا بالانتخابات التشريعية؟
وقالت جماعة مناهضة للعنصرية، تدعى “مسيرة التضامن” في بيان لها: “ما نحتاجه هو الوحدة ضد العنصرية والفاشية، الوحدة بين مناهضي العنصرية، وأولئك الذين يناضلون من أجل فلسطين وضد الاستعمار الفرنسي في كاليدونيا الجديدة، بين أولئك الذين انتفضوا قبل عام ضد عنف الشرطة وملايين العمال الذين ناضلوا ضد الهجوم على المعاشات”.
ويبقى أن الشعب الفلسطيني البطل نجح بصموده الأسطوري وتضحياته في تغيير العالم، الذي بات وبشكل تدريجي ينقسم الى معسكرين عالميا وإقليميا ومحليا، معسكر الاستعمار والصهيونية والرأسمالية والعنصرية، ومعسكر المقاومة وحركات التحرر الوطني والعدالة وحماية البيئة والمساواة.
وهنا بالضبط تنبع أهمية نجاح الجبهة الشعبية اليسارية والنقابات العمالية والحركات المدنية والمهاجرين في وقف زحف الفاشيين المتحالفين مع الصهيونية لسدة الحكم. فكل هزيمة للفاشيين وأنصار نتنياهو يصب في التحليل الأخير لصالح نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية، وللطبقات الشعبية الراغبة في العدل والمساواة والديمقراطية والاشتراكية.