الأردن ينتفض ضد سياسات التجويع ورفع الأسعار

طاهر الشيخ
الحوار المتمدن - العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 10:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

بسبب روشتة صندوق النقد الدولي
الأردن ينتفض ضد سياسات التجويع ورفع الأسعار


تخوض الجماهير الأردنية بقيادة عمال النقل نضالًا مبهرًا ضد سياسات رفع الأسعار وروشتة صندوق النقد الدولي، في المحافظات الجنوبية وعلى رأسها محافظة معان، بؤرة الانتفاضة الراهنة، في حين دعت بلدية الكرك إلى إضراب عام غدًا الاثنين، بينما طالبت قوى سياسية عديدة بإقالة الحكومة.

وكان قرار الحكومة برفع أسعار الوقود هو الشرارة التي أشعلت غضب أصحاب وسائقي الشاحنات ليعلنوا الإضراب عن العمل منذ نحو أسبوعين، والذي سرعان ما امتد إلى سائقي التاكسي والنقل العام لتدخل الجماهير الشعبية إلى خط الاحتجاجات وتشتعل مصادمات عنيفة مع قوات الأمن في جنوب ووسط البلاد.

وبينما تواصل الحكومة الأردنية محاولاتها لتجاهل المطالب الشعبية بخفض أسعار المحروقات وتسعى للالتفاف على تلك المطالب بتقديم وعود فارغة لا تملأ المدافئ في بيوت الأردنيين ولا تحل أزمة قطاع النقل التي تتفاقم يومًا بعد يوم.

مظاهرات وقمع
من الواضح أن الحكومة تراهن على نجاح الإجراءات الأمنية وعلى إحباط وتفكيك جبهة المحتجين والمضربين وعدم قدرتهم على مواصلة الاحتجاجات بأشكالها.

ومثل كل الطغاة، أوقفت السلطات الأردنية تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك عن العمل في أنحاء المملكة، وسعت إلى استخدام أعمال العنف التي اندلعت لتشيطن الانتفاضة، بدلًا من الاستجابة إلى مطالبها. .

وقالت مديرية الأمن العام، في بيان على صفحتها عبر فيسبوك، إن وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية قررت “إيقاف منصة تيك توك عن العمل موقتًا داخل المملكة، بعد إساءة استخدامها وعدم تعاملها مع منشورات تحرض على العنف ودعوات الفوضى”.

وكان ضابط أردني كبير قد قُتِلَ أثناء احتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود بمحافظة معان.

وقالت الشرطة في بيان إن الضابط أُصيب برصاصة في الرأس، عندما كان “يتعامل مع أعمال شغب كانت تقوم بها مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون في منطقة الحسينية”، بمحافظة معان، الفقيرة التي شهدت من قبل احتجاجات على ارتفاع الأسعار.

وأضاف البيان: “سنضرب بيد من حديد على كل من يحاول الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة ويهدد أمن الوطن والمواطن”.

ووجه الملك عبد الله الثاني الجمعة رسالة إلى قوات الأمن في ظل مظاهرات يشهدها الأردن ازدادت ضراوتها في أعقاب مقتل الضابط عبد الرازق الدلابيح، نائب مدير شرطة محافظة معان. وأكد أن الاعتداءات و”أعمال التخريب”، على حد قوله، مساس خطير بأمن الوطن و”لن نسمح بذلك”، بحسب بيان للديوان الملكي الأردني.

وذكر شهود لوسائل إعلام أردنية أن موكبًا طويلًا من العربات المدرعة شوهد يدخل معان، بينما أُرسِلَت تعزيزات إلى الحي الذي قُتل فيه ضابط الشرطة، مؤكدين أن شبابًا اشتبكوا مع الشرطة في عدة أحياء فقيرة بالمدينة، وكذلك في مدينة الزرقاء ذات الكثافة السكانية العالية شمال شرقي العاصمة عمان.

وأطلقت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع في حي الجبل الأبيض في مدينة الزرقاء، لتفريق الاحتجاجات التي اندلعت في ثاني أعلى المدن الأردنية كثافة بالسكان. وقال الشهود إن شبابًا أشعلوا النار في إطارات سيارات على طريق سريع رئيسي بين العاصمة والبحر الميت، الأمر الذي عرقل حركة المرور. وفي شمال البلاد قرب الحدود مع سوريا، اشتبك شباب مع الشرطة في عدة أحياء في مدينة إربد.

وامتدت مناوشات متفرقة إلى بلدات أصغر في المنطقة، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الشباب الذين يرشقونها بالحجارة.

وأصدرت السفارة الأميركية تحذيرًا أمنيًا منعت فيه موظفي الحكومة الأميركية من السفر الشخصي والرسمي إلى جنوب الأردن.

وكانت قوى سياسية وحزبية قد حاولت تنظيم تظاهرة احتجاجية، الخميس الماضي أمام مبنى رئاسة الوزراء، وجرى على إثرها اعتقال عدد من الشخصيات.

وتعهدت الحكومة النظر في مطالب المضربين، لكنها قالت إنها دفعت بالفعل أكثر من 500 مليون دينار (700 مليون دولار)، للسيطرة على ارتفاع أسعار الوقود هذا العام.

إضرابات واسعة
أُغلقت المتاجر في معان وعدة مدن أردنية أخرى أبوابها تضامنًا مع مطالبات للحكومة بخفض أسعار الوقود التي يقول السائقون إن زيادتها كبدتهم خسائر في أعمالهم.

وفي الأثناء، انتقدت قوى سياسية ونقابية وحزبية وناشطون طريقة تعامل الحكومة الأردنية مع الأزمة، مطالبين “بالابتعاد عن المقاربات الأمنية في التعاطي مع مطالب اقتصادية بحتة”.

ويقول مراقبون إن الحكومة فوجئت بصمود السائقين وإصرارهم على مطالبهم، بينما كانت المفاجأة أكبر عندما بدأت تبعات الإضراب تتسلل إلى العاصمة عمان الأكثر حيوية وشريان الحياة الأبرز في الأردن، التي ظلت إلى وقت قريب بمنأى عما يحدث في المحافظات والأطراف القريبة منها.

ووصف مراقبون ما حدث في مدن أردنية عدة بأنه عصيان مدني، تسبب في إرباك جديد للحكومة وتعطيل للحياة العامة في أول اختبار لقدرة الشارع الأردني الذي يعيش احتقانًا منذ سنوات على وقع وضع اقتصادي صعب.

وبسبب الإضراب، تعطلت حركة النقل العام في كثير من المدن والمحافظات الأردنية مما زاد من النقمة الشعبية على الحكومة، وتعطلت كذلك حركة النقل السياحي والدراسة الجامعية في مدن عدة.

ويُتوقع أن تؤثر هذه الأزمة على فرص بقاء حكومة بشر الخصاونة، التي تصر على رفض أي خفض لأسعار المشتقات النفطية على رغم انخفاض أسعارها عالميًا، يذكر أنه منذ عام 2020، ارتفعت أسعار المشتقات النفطية في الأردن نحو ثماني مرات متتالية.

وكانت تبعات الإضراب قاسية وفق الجهات التجارية والصناعية، التي وصفت ما حدث بأنه أخطر وأسوأ مما حدث للقطاعات الاقتصادية خلال جائحة كورونا، وقال رئيس غرفتي صناعة عمان والأردن فتحي الجغبير إن “استمرار إضراب الشاحنات وما تبعه من انقطاع سلاسل التوريد محليًا أدى إلى أضرار مهولة”، مضيفًا أن “40 مصنعًا أُغلِقَ جراء الإضراب، وآلاف الحاويات عالقة في العقبة”.

ويتوقع مراقبون أن تتكدس نحو 22 ألف حاوية في ميناء العقبة إذا ما استمر الإضراب في الأيام المقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلى تفريغ الحاويات في موانئ مجاورة بكلفة إضافية مرتفعة.

وفي الوقت الذي اتسعت فيه الإضرابات لتصل إلى مجمعات رئيسية لحافلات النقل العام وأصحاب التكاسي الصفراء في العاصمة، لم ينجح قرار حكومي في زيادة دعم الحافلات وخطوط النقل (السرافيس) والتكاسي الصفراء في تهدئة أزمة الإضراب الذي تشهده محافظات من المملكة، ليتواصل إضراب سائقي الشاحنات في جنوب المملكة، ليشهد الطريق الصحراوي محاولات منع مرور الشاحنات التي لم تلتزم بالإضراب ونقلت بضائع من ميناء العقبة باتجاه العاصمة.

وفي مشهد بدأت تحذر منه غرف الصناعة والتجارة في الأردن، أكدت بيانات صحافية عن بدء رفع أسعار البضائع والمواد المستوردة عبر الميناء، وهي كلف سيتحملها المستهلك كنتيجة طبيعية لدخول إضراب سائقي الشاحنات أسبوعه الثاني، وعدم قدرة الحكومة على التوصل لتفاهمات سريعة تعيد حركة الشحن لطبيعتها.

الإضراب، الذي بدأ بشكل سلمي، بدأ يضغط على عصب حركة الطرق الخارجية بعد تنفيذ احتجاجات واسعة انطلقت من محافظة معان (300 كم جنوب البلاد) وامتدت إلى مناطق الوسط والشمال، وسط أزمة قد تهدد مصير وزراء في الحكومة بعد أحاديث عن بدء توقيع مذكرة نيابية لحجب الثقة عن الحكومة أو الوزراء المعنيين فيها.

كانت أزمة إضراب سائقي الشاحنات قد تفجّرت بعد جلسة نيابية تشريعية تحوّلت إلى جلسة مناقشة عامة سخطت على الحكومة التي تجاهلت مطالب فئات شعبية بعدم رفع أسعار مادتي الديزل والكاز خلال فصل الشتاء، بعد 5 رفعات متتالية لأسعار المحروقات استهدفت أصحاب الدخل المحدود في المملكة.

ويبقى أن واجب الجماهير العربية في كل مكان مساندة مظاهرات الأردن ودعم إضرابات عمالها فانتصارهم في مواجهة سياسات التجويع والتخويف سيعطي دفعة قوية للجماهير التي تئن في مصر وتونس والسودان والعراق ولبنان وفي كل ربوع العالم لكي تقوم بدورها وتسيطر على مصيرها.