أوكرانيا تعترف بوضع «بائس» وروسيا تنجح في حرب الاستنزاف / قراءة عسكرية – سياسية لتطورات الحرب في أوكرانيا


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7988 - 2024 / 5 / 25 - 22:15
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

اعداد:

تعترف أوكرانيا علنا، أن وضعها العسكري بائس. ومع افتتاح الجبهة الجديدة في منطقة خاركوف، يبدو أن الجيش الأوكراني قادر بالكاد على الصمود في وجه الضغط العسكري الروسي المتزايد.
منذ 10 أيار الحالي، وحتى قبل أن يبدأ هجوم شمال خاركوف الأخير، كانت القوات الأوكرانية في الشرق تتراجع. وتمكن الجيش الروسي من زيادة وتيرة تقدمه بعد احتلال بلدة أفديفكا المحصنة (إحدى ضواحي دونيتسك)، لان خطوط الدفاع الأوكرانية الحالية ليست قوية مثل سابقاتها التي تم بناؤها في سنوات 2014 – 2022. وفي نهاية نيسان، لم يكن ممكنا احتواء الاختراقات الأولى للقوات الروسية غرب دونيتسك، من قبل قوات النخبة الأوكرانية المنهكة، إلا بصعوبة ومقابل خسائر فادحة.
وعلى خلفية الوضع المتوتر في دونباس، بدأ الهجوم الروسي في الشمال. ومن أجل وقف تقدم القوات الروسية شمالي خاركوف، كان على كييف، وفي سياق عملية إعادة انتشار قواتها، أن ترسل احتياطيها الشحيح لصد الهجوم الجديد، على حساب قوتها العسكرية في الشرق (دونباس، لوغانسك، خيرسون). والآن أصبح لدى الكرملين العديد من الخيارات المفتوحة أمامه. ولم ينشر الجيش الروسي سوى جزء صغير من قواته المتجمعة على الحدود الشمالية الشرقية لأوكرانيا (50 ألف إلى 70 ألف رجل في منتصف أيار)؛ وهناك تكهنات حول توسيع منطقة القتال في منطقة سومي التي تعاني من تزايد نيران المدفعية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام خاركوف لمشاغلة الجيش الأوكراني، وتعزيز القوات الروسية في دونباس او المناطق المحيطة بها، وشن هجوم كبير هناك. ولم يعد لدى كييف أي خيارات أو احتياطيات للرد بشكل مناسب على المزيد من التصعيد العسكري الروسي.
لقد انتهت المرحلة التي اقتصرت فيها الهجمات على شبكة الطرق، في حين أن شحنات الأسلحة الغربية، التي أفرجت عنها واشنطن في نيسان الفائت، ما زالت غير جاهزة لتكون فعالة على الخطوط الأمامية. ولا يشكل نقص الذخيرة وأنظمة الأسلحة سوى مشكلة ثانوية. ويبقى العامل الحاسم يكمن في تضاؤل الموارد البشرية في حرب الاستنزاف القاسية والمدمرة، التي فرضتها روسيا على أوكرانيا فيما الخسائر البشرية تقترب من مليون. إنها سلسلة من معارك الاستنزاف التي تبدو ثابتة (باخموت، أفدييفكا)، والتي تسمى في الخطوط الأمامية „مطاحن اللحوم»، حيث تتحول أجساد الجنود الى ثمن للوقت.
واضح إن روسيا متفوقة إلى حد كبير في هذا النوع من الحروب، حيث الاحتياطيات البشرية هائلة، وبدأت حسابات بوتين التي تعتمد على حرب الاستنزاف تؤتي ثمارها. أذ تمتلك روسيا مئات الآلاف من القوات الجديدة تحت تصرفها لشن هجوم كبير خلال الصيف على أوكرانيا، التي تواجه مشكلة في حشد قوات الاحتياط في الوقت المناسب.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ كييف الآن هو التدخل العسكري المباشر والشامل للناتو، وهو تطور صعب الحدوث، لأن دوامة التصعيد قد تؤدي إلى حرب نووية. وفي بداية أيار الحالي، استدعت وزارة الخارجية الروسية سفيري فرنسا وبريطانيا العظمى لتحذيرهما من أي خطوات تصعيدية واستفزازات، وكان الأوروبيون، وخاصة الرئيس الفرنسي ماكرون، قد طرح علناً سيناريوهات مختلفة لتدخل قوات أوروبية، للضغط على روسيا.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلن الكرملين في بداية الشهر الحالي عن مناورات عسكرية يتم فيها التدريب على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وليس أمام الجيش الروسي، الذي يعاني من الفساد، سوى فرصة ضئيلة لدحر قوات حلف الناتو في حرب تقليدية. مما يجعل استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أمراً محتملاً. لكن الأمر نفسه ينطبق أيضًا على قوات الناتو التي تجد نفسها عرضة لضربات نووية روسية.
وفي الوقت الحالي، تبدو موسكو متأكدة من ان التدخل الغربي في أوكرانيا سيبقى محصورا بالوجود غير الرسمي المحدود للقوات الخاصة والمدربين، ولن يكون هناك تدخل عسكري كبير من قِبَل الغرب في أوكرانيا.
ولم يكن استبدال وزير الدفاع سيرجي شويغو، أقرب حلفاء بوتين، دليلا على ضعف عسكري، بل لأن المؤسسة العسكرية الروسية متفوقة. فشويغو يعتبر فاسدًا ولا يحظى بشعبية كبيرة في القوات المسلحة، وقد انتقد كثيرا بسبب مسارات الحرب، وبالمقابل يبقى بوتين خارج أي انتقاد، وفقا لهرمية السلطة، على الرغم من مسؤوليته عن اندلاع الحرب. وبالنظر لاستقرار الوضع العسكري والسياسي الداخلي، جرى نقل وزير الدفاع ليترأس مجلس الأمن القومي.
ويبدو أن الرجل الجديد في وزارة الدفاع، الخبير الاقتصادي أندريه بيلوسوف، يشير إلى أن الكرملين سوف يستمر ويكثف تكتيكاته السابقة في حرب الاستنزاف. إنها إلى حد ما حرب اقتصادية عكسية، حيث تُستخدم القدرات الإنتاجية التي أعيد إحياؤها للمجمع الصناعي العسكري الروسي لتدمير البنية الأساسية في أوكرانيا وإمكاناتها الإنتاجية. ويبدو أن بيلوسوف برز كممثل للتكنوقراط، الذين حققوا الاستقرار الاقتصادي في روسيا وتعزيز صناعتها العسكرية بعد اندلاع الحرب على الرغم من العقوبات الغربية القاسية.
ــــــــــــــــــــــ
عن مقالة بقلم فون توماس كونيتز نشرت في موقع «شيوعيون» الألماني في 22 أيار 2024