|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم في النظر الى الرأسمالية والبلشفية
هذه المقالة ليست عرضا موجزا لرؤية راسل للإشتراكية والرأسمالية في اعتبارها رؤية مفكر ليبرالي عاش قرابة المئة عام بقدر ما هي عرض لمنهجية التعاطي مع مثل هذه القضايا ومدى الاختلاف بين الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة التي باتت تهيمن على الخطاب السياسي والإقتصادي وحتى الثقافي في العالم، لايمكن اختزال تاريخ الليبرالية الى تيار واحد في رؤيتها للنظام الاقتصادي والسياسي الأمثل وفي منهجية التعاطي مع الأزمات السياسية ،بمعنى أنه لايمكن عزو طروحات فون هايك وميلتون فريدمان وفرانسيس فوكوياما الذي بشر بنهاية التاريخ مع الرأسمالية الى جورج برنارد شو وول ديورانت وبرتراند راسل أو حتى أدم سميث وريكاردو،يمكن التقاط الخطوط العريضة بين التيارين لكن هناك اختلاف جوهري في التعاطي مع الاقتصاد والسياسة ،يمكن استشفاف النزعة التشاؤمية في الليبرالية القديمة ،بمعنى أنها كانت نقدية فيما يتعلق بالنظام الرأسمالي وحتى النظام الديمقراطي ،وهذا يرجع لتعاطيها مع النظم الاقتصادية والسياسية بتناقضاتها وصراعاتها الداخلية ،فمثلا لم يكن رواد الليبرالية القديمة ينظرون الى العلاقة بين الطبقات بكونها علاقة تناغمية وأن ازدياد ثروة الطبقة العليا سينعكس ايجابا على الطبقات السفلى تباعا ،ففكرة الصراع الطبقي مضمَنة في الاطروحات التي قدمها أدم سميث الذي تحدث عن العلاقة التناقضية بين الأرباح من جهة والأجور والريوع من جهة أخرى وفي فكرة ريكاردو عن ميل معدل الأرباح الى الهبوط بسبب ابتلاع الريع للدخل بفعل تناقص الأراضي الزراعية ذات الجودة الجيدة ونقص الموارد عموما (بالعكس من فكرة ماركس الذي أرجع هبوط معدل الأرباح الى ديناميكيات النظام الرأسمالي التنافسية والتي تفرز مستويات عليا من التقانة الصناعية التي تستبدل العمل الحي) أو حتى رؤية راسل لمصير النظام الرأسمالي بأنه سيجر الطبقات المغبونة الى العنف والثورات المسلحة رغم معارضة راسل لهذا النهج لكن الثورات العنفية هي نتيجة لا مفر منها للسياسات التي تتبعها الحكومات الغربية كما بين ذلك في كتابه البلشفية نظرية وممارسة..كان الليبراليون القدامى متشائمين فنظرتهم الى المجتمع البشري كانت على أنه تجمع يحوي من التناقضات والصراعات التي تقصي أي أمنيات حول امكانية تحقيق الرخاء المشترك بحيث تكون جميع الطبقات والأمم راضبة فالصراع والتنافس حاضر دوماً وأن الطبقة لايمكن أن تشعر بالرخاء الا على حساب الأخرى وكذا العلاقة بين الأمم ..لهذا كانت طروحاتهم حذرة يشوبها الشك واللايقين ولم يكونوا مبشرين بدين جديد كما هو الحال بالنسبة لليبراليين الجدد ..كمثال رؤية ميلتون فريدمان وهايك للرأسمالية الخالصة (اقصاء الدولة كليا عن التدخل) باعتبارها الترياق الوحيد لكل مشاكل البشرية لايمكن اعتبارها الا شكلا فجاً للإيديولوجيا لإطروحات نفر من الليبراليين في القرن التاسع عشر وهي رؤية خلاصية طوباوية لاتختلف بشيء عن رؤية المتحمسين للشيوعية دون أي رؤية نقدية وتاريخية لواقع المجتمعات ،بل حتى اختلاف نظرة الليبراليين القدامى الى الإنسان ،فهي كانت نظرة تشاؤمية محافظة ،فالإنسان كان وفقا لهذا التيار حبيسا لعواطفه ومشاعره وكان من السذاجة وفقا لهذه الرؤية أن يترك المجتمع دون نظم وضوابط ..بينما ينظر رواد الليبرالية الجديدة الى الإنسان على اعتباره آلة عاقلة يمكن أن تحسب المخاطر وتتجنبها وتتنبأ بالمستقبل كما يتضح ذلك أكثر في الفرع الاقتصادي لهذه الأيديولوجيا الاقتصاد النيوكلاسيكي ..وهكذا يتضح في رؤية الليبرالية الجديدة النزعة التقدمية الساذجة التي كانت سائدة لدى فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر (مع اختلاف أن هؤلاء كانوا أقل حماسا للبرجوازية التقدمية فعلا في عصرهم بينما الليبراليون الجدد أكثر حماسة للبرجوازية الطفيلية في زمنهم!) فالاختلاف الرئيسي يكمن في أن الليبرالية القديمة كانت نقدية ومتشائمة وحذرة بينما الليبرالية الجديدة مبشرة ومتيقنة من اطروحاتها ..
|
|