سوريا: تصعيد عسكري في سياق دبلوماسي
غياث نعيسة
الحوار المتمدن
-
العدد: 5274 - 2016 / 9 / 3 - 16:25
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
سوريا : تصعيد عسكري في سياق دبلوماسي
أعلنت وسائل الإعلام يوم الجمعة 26 آب/ أغسطس2016 عن سقوط مدينة داريا الواقعة في ريف دمشق في قبضة قوات نظام الطغمة بعد التوصل الى اتفاق يسمح بإخلاء نحو 700 مقاتل و 3000 مدني وارسالهم الى مدينة ادلب في الشمال الغربي من البلاد. يشكل سقوط داريا ضربة قاسية للثوار السوريين٬ في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة حلب لضغوط قوية.
لقد جاء استسلام داريا المقاومة, رمز الثورة الشعبية بعد أربعة أعوام من الحصار المجرم والقصف اليومي عليها الذي سحق المدينة وكل الأراضي الزراعية التابعة لها. ولا يمكن اعتبار خيار النظام لمنطقة ترحيل المقاتلين إعتباطيا : فسكان داريا ينتمون للمقاومة الشعبية , أو الجيش السوري الحر, وليسوا لا سلفيين ولا جهاديين, فلذلك يرسلهم النظام الى ادلب ليقعوا في براثن جبهة النصرة الرجعية التي تسيطر على ادلب.
أما حلب, المدينة الثانية الأهم في سوريا بأحيائها الشرقية التي تخلصت من سيطرة قوات النظام فقد تعرضت للحصار الكامل في منتصف شهر تموز / يوليو من قوات النظام مع الدعم الروسي . تبعه هجوم مضاد شنه تحالف تقوده مجموعتان جهاديتان هما جبهة النصرة التي غيرت اسمها الى جبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام٬, وقد استطاع هذا التحالف في فتح ثغرة صغيرة وغير آمنة في الحصار المحكم للنظام على حلب. ولكن, في معارك حلب فان من يدفع الثمن الباهظ ويشكلون الضحايا الاساسيين للمعارك هم مدنيو حرب في شطريها ولا سيما أولئك المقيمين في أحيائها الشرقية…
لعبة أردوغان
في الوقت عينه, قامت القوات العسكرية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بمشاركة بعض الفصائل المقاتلة السورية بشن عملية عسكرية في شمال سوريا من أجل انتزاع مدينة جرابلس الحدودية من أيدي تنظيم داعش . ولكن الهدف المعلن من هذه العملية العسكرية, وفق التصريحات الرسمية التركية, هو ابعاد داعش عن شمال سوريا ومنع القوات الكردية ولا سيما وحدات حماية الشعب الكردية وحلفائها من الفصائل السورية التي تعمل تحت اسم قوات سورية الديمقراطية من ربط اراضي كانتوني الجزيرة وكوباني, في شمال شرق سوريا, بكانتون عفرين الواقع في اقصى شمال غرب البلاد.
وبعد ان تم للقوات التركية اخراج داعش من جرابلس وما حولها, فان الحكومة التركية تركز هجماتها الآن على القوات الكردية في محاولة منها لأجهاض أي محاولة لتحقيق حكم ذاتي كردي في سوريا, ما يعني, في حال تحقيقه, إقامة قاعدة دعم ومثال يحتذى للكرد في تركيا نفسها.
والحال ٬ فإن هنالك هدف اخر للتدخل العسكري التركي في سوريا, هو رغبة أردوغان وحكومته في فرض نفسه وموقعه كقوة اقليمية نافذة في سوريا ومستقبلها, ولا سيما بعد تصالحه مع روسيا بوتين وتفاهماته مع ايران , هذان الحدثان أديا الى ان يعيد اردوغان النظر في تموضعه تجاه النظام الحاكم في سوريا, بحيث اصبح يقبل ببقاء الطاغية الأسد في المرحلة الانتقالية…
ومن جهته كان نظام الاسد قد استبق هذا التحول الجديد للموقف التركي الرسمي عبر مهاجمته لمواقع وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة الحسكة, في شمال شرق سوريا, قبل اسبوع من انطلاق التدخل العسكري التركي في سوريا, وقد وصف النظام ,ولأول مرة, القوات الكردية بالعملاء لحزب العمال الكردستاني.. وهذا ما يبرهن من جديد, ان كان هنالك من حاجة للبرهان, بأن وهم بعض القوى الثورية حول صدقية « دعم » نضالها التحرري من قبل الدكتاتوريات أو القوى الإقليمية والإمبريالية , انما هو وهم خائب.
مصالح القوى الاقليمية والدولية على حساب السوريين
هنالك ما يشير إلى أن تفاهم بين القوى الامبريالية - أمريكا وروسيا- وبين القوى الإقليمية - تركيا والسعودية وايران - هو قيد الإنجاز حول « حل سياسي » في سوريا يسمح بإعادة انتاج النظام القديم باضافة بعض عناصر المعارضة البرجوازية اليه. هذا التوافق المرحلي للمصالح بين الضواري الامبريالية على فرض « حل سياسي » على الشعب السوري يحول بينه وبين تحقيقه عدة تحديات: منها حرب داعش الفاشي ضد العالم كله, و « الحرب الأهلية » التي تنهش القوى الرجعية المسلحة نفسها - داعش والنصرة واحرار الشام وجيش الاسلام وغيرها- . وهنالك أيضا التحدي الذي يعبر عنه دينامية حركة التحرر القومي الكردي…
لكن التحدي٬ بل العدو٬ الأكبر لكل من الدكتاتورية وللضواري الامبريالية وللقوى الرجعية هو الحراك الشعبي في المناطق « المحررة » الذي رغم ضعفه الراهن مايزال حيا. وأيضا, ذلك الكمون الهائل للاحتجاجات والغضب الشعبي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تسود مناطق ما يسميها النظام « سوريا المفيدة » , اي تلك المناطق التي ما يزال يسيطر عليها النظام والتي تضم الغالبية العظمى من سكان سوريا اليوم…
إن الرغبة بالتحرر والدينامية الثورية من أجل تغيير سياسي وأجتماعي أكثر عمقا و جذرية ما يزالان على جدول أعمال الطبقات الشعبية العربية والكردية , اليوم, وفي الأعوام القادمة.
غياث نعيسة
3/9/2016