اتفاق امبريالي وثورة شعبية يتيمة
غياث نعيسة
الحوار المتمدن
-
العدد: 4094 - 2013 / 5 / 16 - 00:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لقد آربك الوضع السوري ,بتآثيراته الجيوسياسية الاقليمية, العديد من آطراف اليسار العالمي الذي اخذ بعضا منها موقفا صريحا في دعم دكتاتورية مجرمة وموقفا معاديا من قضية شعب يتعرض للمجازر اليومية. وكان اخر هذه المجازر قتل العشرات من المدنيين في مدينة بانياس الساحلية. مجزرة مرت بتعتيم اعلامي شبه كامل بسبب الغارات الاسرائيلية على عدة مواقع للجيش الحكومي في دمشق يومي 4 و 5 ايار. وكالعادة اكتفى النظام, كردة فعل عليها, بالتصريح بانه " يحتفظ بحقه بالرد في المكان والزمان المناسبين" .
والحال, فاننا نعتقد ان من بين اهداف هذه الغارات الاسراذيلية يكمن هدف اساسي هو مسعى الدولة الصهيونية لتدمير , او على الاقل اضعاف,القدرات العسكرية للبلاد بحيث يكون النظام القادم في سوريا , ايا يكن , ضعيف جدا عسكريا واقتصاديا, وبشكل لا يعد يشكل فيه تهديدا جديا لها. ومن بين اهدافها ايضا, ايصال رسالة للنظام الحاكم في دمشق تردعه من مجرد التفكير بتسليم اسلحة استراتيجية لحزب الله, ولا سيما وان الامين العام لهذا الحزب كان قد اعلن في خطابه يوم 30 نيسان موقف حزبه الواضح في دعمه لنظام بشار الاسد معلنا ان " حلفاء النظام لن يسمحوا بسقوطه ابدا".
وما يدعو للاستغراب , انه لم تسجل اية احتجاجات اسرائيلية او غربية جدية على المشاركة العسكرية الفعلية لحزب الله الى جانب جيش الدكتاتورية وميليشاتها, وبشكل بارز في اطراف مدينة حمص, حيث حققت فيها تقدما عسكريا ملحوظا ضد القوى الثورية الشعبية المسلحة.
في هذا السياق, عقد لقاء موسكو بين الحكومتين الامريكية والروسية, الذي تتوج اخيرا باتفاق اكبر قوتين امبريالتين في العالم في 7 آيار على "ايجاد حل سياسي للنزاع" والعمل العاجل على تنظيم " مؤتمر دولي حول سوريا" من خلال " حث الحكومة السورية ومجموعات المعارضة على العمل من اجل التوصل الى حل سياسي".
ولم يشر اتفاق القوتين الامبريالتين الجديد على الشرط المسبق السابق الداعي الى تنحي الاسد كمدخل للدخول في المفاوضات. رغم ان جون كيري وزير الخارجية الاميريكي اعاد القول في اليوم التالي للاتفاق الروسي - الامريكي بانه لا يرى لبشار الاسد "مكانا في سوريا المستقبل" . ما يعني بان مصير الدكتاتور ما يزال غائما , ولكن رحيله, بالنسبة لهذه الدول , لم يعد شرطا للبدء في المفاوضات حول المرحلة الانتقالية.
باستثناء هذا الفارق الاخير, فان الاتفاق الجديد بين هاتين القوتين الامبرياليتين لم يقدم جديدا مقارنة بخطة جنيف لحزيران 2012 .سوى فارق جوهري, ان بين الحدثين زاد عدد قتلى السوريين ثلاثين الف سوريا اخرين.
وعلى سؤال لماذا توصلت هاتين الدولتين على اتفاقهما الان؟ علينا ان نجيب فورا بانه لا علاقه له بيقظة ضمير لهما بسبب المجزرة التي يقوم بها النظام بحق الشعب السوري منذ اكثر من عامين. اذ نجد في تصريح الوزير الاميريكي جون كيري الجواب الوافي, وحقيقة الاسباب لتوصلهما الى هذا الاتفاق , حيث يقول " تعتقد الولايات المتحدة بآننا نتشارك (مع الحكومة الروسية) مصالح هامة جدا حول سوريا وخاصة استقرار المنطقة , ورغبتنا المشتركة بان لا نرى متطرفين يسببون مشاكلا في المنطقة وخارجها".
وبالفعل, فان انتصار الثورة الشعبية السورية سيكون له تبعات استراتيجية هامة على صيرورة الثورات الجارية في المنطقة , وبالاخص على دول الخليج والدولة الصهيونية الحليفة للامبريالية الامريكية. وهذا ما يفسر, الى حد كبير, بانه لم يقدم اي فعلي من اجل انتصار هذه الثورة, بل على العكس , تقوم الملكيات النفطية بتركيز دعمها الى المجموعات الاسلامية الهامشية والرجعية.
للاتفاق الروسي -الامريكي مفعول يزيد من تفكك المعارضة السياسية السورية . ان كانت تلك المراهنة على الغرب وملكيات النفط , وبالتخصيص المجلس الوطني والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وهما تشكيلان يهيمن عليهما الاخوان المسلمون وحلفائهم. او تلك القوى المنضوية في هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي التي تراهن على الروس وحلفاء النظام. وكذلك هو حال من يقف بينهما من العدد واسع لمجموعات ليبرالية ويسارية ستالينية, هاجسها الاساسي اللهاث لايجاد مكان لها في اللعبة السياسية. ويندرج فيه المؤتمر الاخير الذي الذي نظمه الكاتب ميشيل كيلو في القاهرة يومي 11 و12 ايار معلنا فيه , مرة اخرى ,تشكيل كيان سياسي باسم "اتحاد الديمقراطيين السوريين" وقدم اقتراحا بدخول الائتلاف الوطني مقابل اعطائه 25 مقعدا في الاخير.
انه الزمن السياسي, الذي يظهر فيه, من جديد, مدى محدودية هذه المعارضة السياسية وعزلتها الحقيقية عن الشعب.
بينما الزمن الاجتماعي مختلف تماما, فان كان صحيحا ان المقاومة المسلحة قد انسحبت من عدد من قرى ريف حمص , لكنها تقدمت في الشمال والشمال الشرقي من البلاد. في الوقت الذي تقوم فيه الشرائح الشعبية , وبشكل متزايد, في تشكيل اجهزة حكمها الذاتي من الاسفل, ويتابع فيه الحراك الشعبي زخمه المتواصل في المظاهرات بالرغم من الدمار والقصف والموت.
ما هو جدير بالاشادة, ان الشعب الثائر من اجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية قد ادرك, بالتجربة والوعي, ان الثمن الذي سيدفعه في حالة بقاء نظام الطغمة الحاكم- وهو امر مرفوض حتى التفكير فيه- هو اعلى واكثر تكلفة مما دفعه وسيدفعه لاسقاطه. وان مهمة اسقاط هذا النظام انما تقع على عاتقه ,هوفحسب.
الثورة مستمرة
15 آيار- مايو 2013