ورقة عن المواجهة والقمع وإشكالية العلاقة بين الضحايا والجلادين!
أحمد الناصري
2014 / 6 / 9 - 14:08
البارحة كنت أتحدث مع صديق عزيز عن طبيعة الكارثة الحالية التي ينزلق فيها الوضع السياسي والأمني، وحجمها وأساليبها والعناصر التي تنفذها، وعن علاقتها بالفترة الفاشية، حيث وضعت أسس الخراب الشامل وبدأ التنفيذ بالقمع الرهيب والمنظم والحروب الداخلية والخارجية والحصار الجائر، والآن عملية استكمال لما كان قد بدء هناك من تخريب وإتمام له مع مشروع الاحتلال والطائفية المطبق في بلادنا ونتائجه الرهيبة والنهائية....
ما لفتني انتقال العناصر المنفذة من المشروع الفاشي إلى عملية الاحتلال والطائفية والدين السياسي دون فاصلة أو توقف أو مراجعة واعتذار عن جرائم علنية طويلة، وقد ذكرت له كيف أني كنت أعمل في مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الناصرية وقد خرجت عصراً من المقر في أكتوبر عام 78 وصعدت على جسر المدينة ونزلت من الدرج الأول إلى مدينة الألعاب، ويبدو إن نقطة المراقبة الثابتة (الدكان) الواقعة في بناية سينما الأندلس الصيفي (يساعدهم طالب متطوع يراقبنا من سطح أو من تحت باب بيتهم المقابل للمقر مباشرةً ويقف في الدكان – النقطة الأمنية أو في مقر الاتحاد العام للشباب البعثي الفاشي)، قد اتصلت بدائرة الأمن بأن الهدف المطلوب قد تحرك وقد طوقني ستة من الجلاوزة أمام الناس وقالوا لي تعال معنا إلى الدائرة فرضت بشكل قاطع وقاومتهم وصرخت عليهم وقد قمعوني بشدة وأسقطوني على الأرض ثم حملوني إلى داخل سيارتهم ومدوني على أرضيتها ووضعوا أحذيتهم الثقيلة والقذرة على رأسي ووجهي وجسمي وسألوني هل هذا الوضع أحسن من أن تأتي معنا بشكل طبيعي فرددت عليهم هذا أحسن وأنا أستعد للمواجهة في رحلة إلى الجحيم وقد كانت كذلك فنحن في مديرية أمن الناصرية الرهيبة...
آخر سؤال كان... إلى أين ستذهب الآن؟ قلت سأعود إلى الحزب سأذهب إلى المقر. وقد خرجت متحدياً وعدت إلى المقر المجاور مع تهديد بقتلي في المرة القادمة، وقد حضر لكفالتي الشهيد عبد العال موسى (أبو مؤيد) في تحد كبير لهم، رغم كل أجواء الرعب القمع والخوف والتراجع الرهيبة السائدة آنئذ ...
لقد كنا آلاف الضحايا في مدينة الناصرية فقط و(ربع مليون معتقل ومتعهد للأمن العام خلال حملة 78 حسب إحصائية ذكرها عزيز محمد في أول زيارة له إلى كردستان عام 81) التي هددت حياتنا بالمعنى الحرفي والمباشر للكلمة، بمساعدة هذه العناصر، في حين لم يعتذر أحد منهم، لكن الغريب إن ضحايا الفاشية والاستبداد وهم بالملايين لم يطالبوا بحقوقهم بشكل قانوني منظم!
الولد المذكور أعلاه يمارس حياته الطبيعية ولم يعتذر عما فعل...
كنت أتحدث ولم أنتبه إلى إن زوجتي كانت تسمع وتبكي وهي مذعورة مما جرى لي قبل عقود...
الوضع في بلادنا ينزلق ويتفاقم ويتحول إلى جحيم مفتوح لا يطاق للناس العزل على أيدي نفس العناصر المعادية للحياة التي طاردتنا ذات مرحلة وعام. وهي لم تحاسب لم تعتذر وتعود بواسطة البواب الدوارة والشبابيك الأمامية والخلفية.
أنني مع مبدأ التسامح والإنصاف والعدالة الانتقالية، ومبدأ التسامح، مبدأ حديث في الفكر السياسي - الاجتماعي والحقوقي، وهو تطوير لنزعة إنسانية كبيرة وراسخة في الإنسان الطبيعي، لتجاوز ومعالجة آثار الصراعات السياسية الدموية السابقة وما رافقها من جرائم وانتهاكات سافرة وشاملة للحقوق العامة، والتوجه للبناء الديمقراطي الجديد.
مبدأ التسامح عادة ما تتقدم به وتعرضه الضحية، لكن من موقع المنتصر والقادر على التنازل والعفو والتنفيذ والتطبيق. وهو مبدأ راق ومتقدم توصل له العقل البشري الايجابي المدافع عن الضحايا والإنسان، وينطوي على تنازل (حساس) عن حق ما. وهو ليس صفقة أو تسوية شكلية أو مؤقتة، لكنه حل متقدم وحاسم من أجل البناء والحياة والتقدم، وتجاوز حالة الدوران في دهاليز الماضي المغلقة والمظلمة...
المبدأ لا يعني بأي حال من الأحوال نسيان الشهداء والضحايا، وذلك بشطب أسمائهم وإهمال قضيتهم ومكانتهم وعدم ذكرهم وتذكرهم، أو نسيان الماضي ووقائعه وما حصل فيه من أحداث وجرائم، بل إن المسامحة والعفو والتجاوز والمصالحة تتم من خلال إنصاف الشهداء والاعتراف بقضيتهم باعتراف الجناة القتلة بجريمتهم كاملة وأساليبها وظروفها وتفاصيلها والاعتذار عنها وإعادة الاعتبار للضحايا وإقرار حقوقهم الوطنية والشخصية بتشريعات قانونية، ثم تجاوز الملاحقة القانونية وإسقاط الدعاوى والملاحقات في القضايا القانونية والجنائية للمجرمين والمرتكبين...
لكن ما هو الوضع الحقيقي في بلادنا؟!
أننا إزاء محنة حقيقية طويلة لشعب يتعرض للقتل الجماعي، ومحنة دموية قاسية للضحايا المنسيين على أيدي جلادين معروفين لكن طلقاء دون حق، وتلك محنة أخرى حقوقية ونفسية أن ترى جلادك القديم لا يزال يمارس مهنة القتل القذرة، في ظل استمرار وتراكم الجرائم القديمة والجديدة، رغم عن الجرائم الجدية لا تمسح ولا تجب الجرائم القديمة لكنها تذكر بعدم معالجة الأسس والأسباب...
* خلاصة... من يقتل إنساناً (طفلاً) أو يساعد في قتله يخرج من ملة البشر...