صعود الاسلام السياسى - الأسباب والنتائج
صلاح السروى
الحوار المتمدن
-
العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 12:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يتفاجأ كثير من المتابعين والمراقبين من نتائج الانتخابات البرلمانية, التى جسدت صعود نجم تيار الاسلام السياسى وحيازته على غالبية الأصوات. فهذا الأمر - وان كان مفجعا فى حد ذاته – الا أنه فى الحقيقة يبدو منطقيا تماما فى ضوء الخراب السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى ران على وجه الحياة فى مصر خلال الأعوام الأربعين الماضية. والذى كان من أهم مظاهره ذلك الفساد الاقتصادى واسع النطاق, والذى لاتخطئه العين ولو كانت كليلة, والكوارث الاجتماعية المتمثلة فى انتشار الفقر والبطالة والجريمة (باعتبارها عناصر متلازمة يفضى كل منها الى الآخر), وتدهور الخدمات العامة كالتعليم والصحة والأمن .. الخ, فضلا عن انهيار هيبة الدولة المصرية وتراجع دورها الاقليمى والدولى, وسيطرة الاحساس العام بالمهانة الشخصية والوطنية والقومية.
تجريف الحياة السياسية
لقد تزامن كل ذلك مع التضييق والاختراق وزرع العملاء والهيمنة البوليسية على كافة الفعاليات والقوى السياسية والنقابية الشرعية, بما كاد أن يقضى عليها بالكامل , حيث ندر أن تجد حزبا أو نقابة واحدة لاتعانى من الانقسام والصراع . بما كاد أن يفضى الى تجريم العمل السياسى فى قنواته الحزبية القانونية, فضلا عن تلك التى لم تفلح فى انتزاع شرعيتها الرسمية فكانت مهددة بالاعتقال والتعذيب. وهو ما أدى الى تفريغ الفضاء السياسى المصرى من أية ممارسة سياسية جادة,وتجريف الحياة السياسية وافقارها على نحو مريع.
وأنا هنا لاأبرىء الأحزاب والقوى السياسية المدنية ولكنى أقدم الظرف الموضوعى الذى كان يحيط بها , فاذا أضفنا اليه الظرف الذاتى المهلهل والملىء بالأطماع والمفاسد وألوان الاستحواذ على القيادة والسلطة مهما كلف الأمر, لوصلنا الى ذات النتيجة.
مما أدى بدوره الى سيطرة حالة من الجهالة السياسية العامة, التى ساهمت فى خلق نوع من الاستعداد الواسع لتقبل الآراء والتفسيرات الغيبية والميتافيزيقية للواقع المأزوم. ومن ثم, تقبل واعتناق مبادىء الاسلام السياسى, باعتبار أن هذا التيار – رغم أنه لم يسلم بدوره من التضييق والاعتقال بالطبع - بقى هو الأقرب الى مزاج من يعانون ويلات هذا الواقع. فهو الذى يقدم العزاء النفسى والطمأنينة الروحية والأمل فى جنة الآخرة. وهو كذلك الاتجاه الأنسب الى الأفهام المحرومة من الوعى, وذلك بسبب الغيبية والبساطة المعرفية للفكر الذى يتبناه. وأيضا .. باعتباره الفكر الأكثر توافرا فى المجال العام , بل يكاد يكون الفكر الوحيد المتوفر فى بعض المناطق الريفية, وبخاصة النائية والبعيدة عن المراكز الحضرية. وذك من خلال دروس المساجد وخطب الجمعة والفضائيات الدينية المتعددة.
وقد تصاحب ذلك مع ظهور عناصر هذا التيار بمظهر الضحايا والمضطهدين من لدن نظام أمنى قمعى فاسد متخاذل على نحو لاتخطئه العين, وهو ما أكسبهم نوعا من التعاطف الشعبى العام .
تقديم الخدمات الاجتماعية
لقد أدى انسحاب الدولة من مجالات الخدمات العامة كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والاستثمار الاقتصادى الى اتاحة الفرصة لكى تتقدم وتملأ هذا الفراغ عناصر هذا التيار, حيث استغلت (تلك العناصر) خبرتها التاريخية الممتدة منذ نهاية العشرينيات, معتمدة على التمويل المالى الكثيف المقدم من دول الخليج, التى تتمتع بوفرة مالية متزايدة, والتى تحاول بشتى السبل نشر أيديولوجيتها المحافظة ومكافحة أية نزعة تحررية وديمقراطية ويسارية فى العالم العربى وباقى العالم, فهى لايمكنها احتمال ظهور ناصر جديد فى المنطقة يهدد ثباتها واستقرارها وتحجر أنظمتها الملكية المستبدة.
فانتشرت المراكز التعليمية (الاسلامية) التى تقدم الدروس الخصوصية شبه المجانية فى المساجد, وأنشئت الجمعيات الخيرية (الاسلامية) التى تقوم على تقديم المساعدة للفقراء والأيتام, وبنيت المستوصفات والمستشفيات الخيرية (الاسلامية) التى تقدم العلاج بأجور زهيدة. وافتتحت المشاغل (الاسلامية) التى توظف الفتيات والعمال, وجرى تقديم اعانات الزواج والاعانات التموينية للفقراء والمساعدة على اتمام فريضة الحج .. الخ. كل ذلك كان تحت سمع وبصر الدولة التى كانت تضطهدهم !!!! ولا أدرى هل كانت عيون النظام قد وصلت بها الغفلة الى حد أن لاترى مايقومون به من حلول محل الدولة ؟؟ أم أنها كانت تقصد الى ذلك وتغض الطرف عنه لحسابات معينة ؟؟
لكل هذه الأسباب كان هذا التيار هو الأكثر تواجدا واختراقا لعمق الواقع الشعبى والسكانى المصرى, والأقرب الى اكتساب تعاطف القاعدة العريضة من الجماهير المهمشة والفقيرة والكادحة.
واذا تذكرنا ما قلناه عن محاصرة القوى السياسية والتضييق عليها .. فانه يصبح من الممكن لنا أن نرتب على ذلك أن تيار الاسلام السياسى كاد أن يكون هو التيار الوحيد الموجود على نحو فاعل ومؤثر فى الساحة السياسية والجماهيرية العامة فى مصر . ومن ثم فلا غرابة فى اكتساحه للانتخابات واقترابه من السيطرة على مقدرات البلاد.
نتائج الصعود
للمرة الثانية لم يفاجئنا هذا التيار بتصريحاته الفجة (على الأقل من بعض أطرافه السلفية والمتحالفة معها مثل الجماعة الاسلامية , ولا يعنى هذا أن الاخوان مختلفون عنهم فى الكليات, غير أنهم أكثر ذكاء وخبرة على المستوى السياسى) حول حقوق المرأة والأقباط والموقف من الديمقراطية والحريات العامة والسياحة .. الخ. فهذا التيار يتبنى أجندة دينية طائفية متعصبة, مشروعها هو اقامة دولة دينية تعتمد على التفسيرات الأكثر جمودا وتزمتا للاسلام بما يجعل الدولة, بقيادتهم ,تقوم بنوع من الوصاية على الناس وعلى أفكارهم وقناعاتهم الدينية وحرياتهم العامة.
فهاهو المتحدث باسم الاخوان يقول بضرورة تحصيل الزكاة عنوة وبواسطة أدوات السلطة, وهو ما يعتبر تدخلا سافرا فى حرية العبادة. فالزكاة – مثلها فى ذلك مثل الصلاة وباقى أركان الاسلام – عبادة, وهى بالذات ينبغى اأداؤها فى سرية تامة, وبحرية تامة ودون اجبار أو تعسف والا فقدت قيمتها التعبدية المعتمدة على الضمير والوازع الدينى أولا وأخيرا. كما يعتبر اطاحة كاملة بمبدأ دستورى أساسى ألا وهو حرية الاعتقاد والعبادة. وبالطبع فان هذا المنحى يستتبع بالضرورة تحصيل الجزية من المسيحيين فى مقابل الزكاة, وهو مالم يصرح به عضو الاخوان المسلمين ولكن صرح به أحد السلفيين بجلاء, مضيفا اليه برنامجا كاملا للتمييز فى الحقوق على أساس من الانتماء الدينى.
معاداة الديمقراطية والحريات
والدولة المزمع انشاؤها لاتعتمد – حسب تصريحاتهم - على الآليات الديمقراطية المرتكزة على التعددية والتبادل السلمى للسلطة واحترام وكفالة حق الاختلاف السياسى والدينى , بل تقوم تحديدا على تكفير الديمقراطية (وهذا ثابت بتصريحات موثقة من قبل زعماء التيار السلفى على التحديد), أو الالتفاف على تعبير الدولة المدنية ليعنى عندهم الدولة غير العسكرية فقط (كما هو لدى أقطاب الاخوان المسلمين) فاتحين الباب على مصراعيه للسيطرة الدينية من قبل الدولة التى يريدون أن يحكموها على المجتمع والمواطنين.
وهى دولة تقوم على أبدية السلطة و تقديس الحاكم أو "ولى الأمر", والخضوع التام له عن طريق تكريس مبدأ "السمع والطاعة فى المنشط والمكره", وعدم جواز نقده أو الخروج عليه. وهو مايعنى القضاء التام على مبدأ التداول السلمى للسلطة عبر المعارضة القانونية أوالاختلاف والتناقض السياسى , فالسلطة والدولة لهم, هم وحدهم, ولا يحق لأحد منازعتهم اياها, باعتبارهم الوكلاء الوحيدين فيما يتعلق بما يسمونه بتطبيق "شرع الله" !!!.
وهى كذلك دولة تقوم على نفى الآخر المختلف واستبعاده, سواء أكان مختلفا فى الجنس (المرأة) أوفى الدين (المسيحيون) أو فى المذهب داخل الدين الواحد (الشيعة) أو فى السياسة (الليبراليون واليساريون), ولقد استوقفنى تصريح لأحد قادة الجماعة الاسلامية ابان اعتصام مجلس الوزراء, عندما أبدى استعداده لتكليف عناصر جماعته بالقيام بفض هذا الاعتصام بالقوة اذا سمح لهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بذلك. ان هذا يعنى أن هذه الجماعة التى راجعت أفكارها فيما يتعلق باستخدام العنف فى مواجهة المخالفين , لم تتراجع عن ذلك بالكامل, وأنهم على استعداد للعودة الى ذلك العنف ضد مخالفيهم اذا استدعت الضرورة. وطبعا كل شىء سيتم باسم الدين والشريعة.
ولعل دراسة موضوعية ومحايدة فى تحليل مضمون الدعاية الانتخابية التى قام بها عدد من دعاة هذا التيار وشيوخه, من عدم جواز التصويت لغير القوى والأحزاب الاسلامية, وأن من يقوم بذلك "آثم قلبه", انما يؤكد على نظرة عناصر هذا التيار للمخالفين لهم على المستويات السابق ايرادها.
أضف الى ذلك موقفهم المعادى, بل والمجرم, لحريات الرأى والتعبير والفن والفكر والبحث العلمى. وكذلك المعادى للبنوك والسياحة والمسرح السينما والفنون التشكيلية والآثار القديمة.. الخ.
ولقد طلع علينا بالأمس القريب مرشد الاخوان وهو يدعو الى اقامة دولة الخلافة الاسلامية !! والسؤال الآن : هل هذه الخلافة تمثل محاولة لاحياء ذات النموذج الذى عشناه زمن الخلافة الراشدة التى قتل ثلاثة من خلفئها الأربعة, وغرقت وغرق الصحابة معها فى الصراعات والنزاعات السياسية الدنيوية (وأشدد على كلمة الدنيوية) الدموية, على الرغم من قربهم من عهد النبوة؟؟
أم ترى هى الخلافة الأموية التى تحولت الى الملكية الوراثية العضود, القائمة على العصبية والاستعلاء القبلى والعرقى والعنصرى, والتى قتلت أبناء الصحابة وآل بيت النبوة وضربت الكعبة بالمنجنيق وأفرزت أعتى السفاحين والقتلة المباهين باجرامهم, مثل الحجاج بن يوسف الثقفى وعبيد الله بن زياد وزياد بن أبيه ؟؟
أم الخلافة العباسية التى غرقت فى الجوارى والشذوذ الجنسى والقتل بالمزاج والهوى (مذبحة البرامكة ومقتل الحلاج والسهروردى وابن المقفع وبشار بن برد.. ومحنة أحمد بن حنبل, والتعذيب الجهنمى لمخالفى مذهب الخليفة .. الخ) ؟؟
أم الخلافة العثمانية التى نهبت بلادنا ودمرت مقدراتنا وأرجعتنا مئات السنين الى الخلف باستبدادها وجهلها وظلمها الذى فاق كل الحدود ؟؟
أم أنه نموذج مختلف لاندرى عنه شيئا ؟؟
وهل سيكون لهذا النموذج علاقة بالموقف المختلف عليه من الديمقراطية وحقوق الاعتقاد والتفكير والتعبير ؟؟
ان هذه الأنماط من الحكم المسماة ب"الخلافة" لها ما يبررها على المستوى التاريخى ونحن لايصح ان نحاكمها بمعايير زمننا, وانما الغريب والمثير للدهشة والاستغراب أن يجرى العمل على اعادة انتاجها رغم أن الشروط التاريخية – المكانية والزمانية المنتجة لها قد تغيرت بالكلية وأصبحت معايير الحكم الراشد هى الحكم الوطنى الديمقراطى, الراعى للحرية والعدل بالضرورة.
فتح باب الصراع الفقهى
واذا كان القرآن حمال أوجه, كما قال الامام على (كرم الله وجهه), واذا كان الفقهاء مختلفين, وكان المفسرون متغايرين , وهذا أمر طبيعى تماما, فان هذا التوجه نحو تديين الحياة السياسية فى مصر سيؤدى الى ازكاء الصراعات السياسية المتسترة بأردية فقهية ودينية .. وكل منهم سيدعى أنه وحده الفرقة الناجية وأن الباقين فى النار (راجعوا الصراع الدموى بين الشوقيين والجماعة الاسلامية فى الفيوم ابان حقبة التسعينيات على أساس من الخلافات الفقهية).. وهو ما سيعيدنا مرة أخرى الى أنماط من الصراع الدينى الذى لامجال فيه لأنصاف الحلول أو للمناطق الوسطى كما تتطلب طبيعة الحياة السياسية. بل سنجد أنفسنا مغموسين حتى أذقاننا فى أتون الصراعات المتعصبة التى لايمكن حلها الا بالتكفير والقتل باسم الدين. وقد شهدنا طرفا من بداية هذه الخلافات الفقهية بين فصائل من أتباع التيار السلفى ذاته, وبين السلفيين والصوفيين, وبين السلفيين والأزهر .. الخ .
ان الحصيلة الوحيدة التى يمكن أن يفضى اليها كل ذلك هى الارتداد بمصر الى عصور الظلام السحيقة .. عصور محاكم التفتيش فى الضمائر, وقمع المخالفين باسم المقدس والالهى, وتدمير الحضارة والحرية. انهم يريدون اقامة تلك الدولة التى تقوم على الالغاء المطلق لأى نوع من الحقوق والحريات الانسانية فى الاعتقاد والتعبير والتفكير والتعبد والسلوكيات الشخصية.
ان طرح هذه الأفكار الآن وبعد التغلب فى المعركة الانتخابية يعنى اننا مقبلون على مرحلة من اعادة انتاج الاستبداد السياسى والتصحر الحضارى والجدب العقلى والتخلف الفكرى .. الأمر الذى سيؤدى – اذا نجحوا فى ذلك - الى مسخ الشخصية المصرية والدخول بها الى نفق مظلم من الجهل والخرافة والتدين الصحراوى الشكلى الخالى من أى محتوى انسانى أو تحررى ينتمى الى جوهر وروح الدين السمح.
التهديد بالحرب الأهلية
الا ان ما يعادل كل ماسبق فى خطورته ويزيد هو تهديد وحدة ومصير الوطن المصرى ذاته, ان هذا المشروع الدينى المتزمت (فى حالة انتصاره النهائى) سيؤدى الى حالة من الاستقطاب الدينى الحاد الذى سيتغذى على ازكاء نيران الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين (وقد شهدنا بوادر وبدايات هذا الاحتقان خلال العام المنصرم من تاريخ الثورة, حيث وقعت ما لايقل عن عشر حوادث طائفية بواقع حادثة كل شهر منذ خلع مبارك) وذلك بسبب امتلاء الفضاء السياسى بالدعاوى الطائفية والدينية التى تستتبع بالضرورة الاحساس بالتمايز والأفضلية على الآخر المغاير دينيا (فى حال استبعادنا للأصابع الخارجية اياها). بما يمكن أن يؤدى الى مزيد من تقوقع المسيحيين المصريين وانعزالهم, وربما اتجاههم نحو المقاومة, وربما مبادلة التعصب المسلط عليهم بتعصب مضاد .. وقد ظهرت هذه الخيارات جميعا على نحو من الأنحاء خلال الفترة الماضية. وهو الأمر الذى ينذر – فى حال استمراره وتناميه - بنشوب حروب أهلية دموية, قد تؤدى الى استجلاب أنواع من التدخل الأجنبى, بحجة "حماية الأقليات" والدعوة الى اقامة "مناطق عازلة" و"مناطق محمية" .. الى آخر كلمات القاموس الاستعمارى الجاهز. مما سيعد مقدمة مناسبة جدا لتقسيم البلاد.. ولعل النموذج السودانى لم يبتعد كثيرا عن ذاكرتنا.
وهنا نصل الى تحقيق الهدف الذى يقوم بالتخطيط والعمل الدؤوب من أجله جيش من الباحثين الصهاينة وأنصارهم من المحافظين والمتهوسين الدينيين أو أصحاب المطامع فى المعسكر الامبريالى فى الولايات المتحدة و دول الغرب منذ عشرات السنوات.
أخطر مراحل الثورة المصرية
واذا كانت المعركة الانتخابية قد تم حسمها على نحو من الأنحاء لصالح قوى الاسلام السياسى وأصبحت هذه القوى تمثل الأكثرية البرلمانية, فان المعركة القادمة الأخطر هى معركة الدستور .. وهى التى سيترتب عليها مستقبل مصر على المدى التاريخى المنظور .. انها معركة حياة أو موت .. معركة مصير ووجود .. معركة سيتحقق, اذا تم الانتصار فيها, الحلم بمصر المدنية الديمقراطية الموحدة المتحضرة, رغم أى عارض وقتى, هذا الحلم الذى استشهد من أجله الآلاف من الشهداء, وسالت على عتباته دماء الآلاف من الجرحى. وخسارة هذه المعركة تعنى أن المصريين قد خسروا مصرهم التى تليق بهم (حقيقة لامجازا) لصالح مصر أخرى صحراوية وبدوية ومنقسمة ومتخلفة.
وأظن أن تلك هى أخطر مراحل الثورة المصرية وأكثرها حرجا. فان اكتمال الثورة ونجاح مشروعها فى اقامة المجتمع المدنى الديمقراطى العادل مرتبط ارتباطا مصيريا بنتائج هذه المعركة.
ماينبغى عمله
ان المطلوب الآن هو تشكيل أكبر وأوسع جبهة ممكنة من القوى الاجتماعية المدنية غير الطائفية, تضم العلماء والأدباء والفنانين والكتاب والمهنيين والمرأة والعمال والفلاحين, بكافة تشكيلاتهم ومنظماتهم من اتحادات وجمعيات ونقابات, ومن القوى السياسية ذات المشروع المدنى الديمقراطى, بكافة منظماتهم وأحزابهم وتجمعاتهم, للوقوف صفا واحدا أمام هذا المخطط الرجعى المدمر.
وقد يحتج البعض بضرورة احترام نتائج الانتخابات والاختيار الديمقراطى والتسليم بما سيقرره نواب الشعب .. وأقول نعم علينا احترام كل ذلك, ولا أحد ينادى بالغاء نتائج الانتخابات أو تعطيل البرلمان.. ولكن علينا أن نحمى الحرية ممن يستثمرونها ويستمتعون بها ثم يحرمون الآخرين منها .. علينا أن نحترم الديمقراطية التى تجرم أى محاولة للانقضاض عليها وتدميرها باسمها نفسه من قبل من يجهرون بالعداء لها ويكفرونها.. رغم انهم وصلوا الى السلطة وحكموا عن طريقها وبواسطتها ..
علينا ألا نتقاعس عن انقاذ مصير بلادنا . فنتائج صندوق الانتخابات فى النهاية أمر قابل للتغيير من دورة انتخابية الى أخرى , لكن البلاد اذا ذهبت الى مستنقع التطرف الدينى وجهالة البداوة والاستبداد الذى يقدس نفسه بادعائه الانتساب الى الدين , فلن يمكن استعادتها مرة أخرى بذات البساطة ....