أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة السودانية














المزيد.....

اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة السودانية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 13:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حينما اندلعت الثورة السودانية في ديسمبر 2018، لم تكن فقط انتفاضة شعبية على نظام البشير، بل كانت لحظة تاريخية فتحت باب الصراع الطبقي على مصراعيه. غير أن المسار الذي اتخذته الحركة الجماهيرية، خصوصًا بعد الإطاحة بالبشير، أثار أسئلة جوهرية حول جدوى ما يسمى بـ"اللاعنف الاستراتيجي"، وحول موقعه داخل استراتيجية التغيير الجذري. لقد بدا أن أدوات اللاعنف – من الاعتصام والعصيان المدني إلى التظاهر الجماهيري – تحوّلت تدريجيًا إلى سقف سياسي يعطل أي مسعى لتحطيم البنية الطبقية للدولة، لا لسبب سوى أنها قُدمت لا كتكتيك مرحلي، بل كعقيدة أخلاقية مطلقة.

واحدة من أكثر الأدبيات تأثيرًا في هذا السياق كانت كتاب "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" لجين شارب، الذي رُوّج له على نطاق واسع بوصفه "كتيب الثورات السلمية". غير أن التحليل الماركسي يكشف ما يتوارى خلف هذا الخطاب الناعم: ليس المشروع التحرري بل وظيفة أيديولوجية محددة تخدم عملية انتقال مُدار نحو رأسمالية نيوليبرالية تابعة. يتعامل شارب مع الدولة وكأنها كيان فوق طبقي، يستمد سلطته من "تعاون الجماهير" وليس من علاقات الملكية والقوة المادية للطبقات المسيطرة. بهذا التجريد، تتحول الثورة إلى معادلة أخلاقية، ويُستبعد كل ما له علاقة بالصراع الطبقي، العنف الثوري، أو تحطيم جهاز الدولة، وهو ما حذّر منه ماركس حين قال في نقد برنامج غوتا: "إن الثورة لا تُقاس بجمال شعاراتها، بل بمدى اقترابها من تفكيك علاقات الملكية القائمة".

في السودان، تجلّى هذا التناقض بشكل حاد. الثورة التي أسقطت البشير عبر الزخم الجماهيري والعصيان المدني، لم تكن مسنودة بتنظيم طبقي مستقل. لا مجالس عمالية ولا لجان فلاحية ولا ميليشيات شعبية. ورغم شجاعة الاعتصامات، بقي جهاز الدولة كما هو: الجيش، الأمن، القضاء، البنوك، الإعلام، تحت سيطرة نفس الطبقة المسيطرة. ثم جاء اتفاق 2019 ليكرّس هذا الوضع، حين تفاوضت قوى "الحرية والتغيير" – المُتأثرة صراحة بأدبيات شارب – مع المجلس العسكري على "شراكة" لم تُفكك الدولة بل شرعنتها. كانت النتيجة هي انقلاب 2021، الذي لم يُفاجئ أحدًا سوى من ظن أن العسكر يمكن أن يُهزموا بالخطب.

وهنا يُستحضر قول لينين: "الدولة البرجوازية لا يمكن إصلاحها، بل يجب تحطيمها". فالدولة ليست مجرد سلطة تنفيذية، بل شبكة من المؤسسات الطبقية (الجيش، الأمن، القضاء، السوق، الإعلام...)، لا تتزحزح بالمساومات الأخلاقية، بل تحتاج إلى بديل مادي: سلطة مضادة تمارس القوة الثورية باسم الجماهير. لم تكن مذبحة فض الاعتصام أمام القيادة العامة في يونيو 2019 إلا تتويجًا لهذا الفشل: نظام مسلح حتى النخاع، يواجه جماهير بلا أظافر. وليس العيب في الجماهير، بل في القيادات التي حولت تكتيك اللاعنف إلى عقيدة، وربطت مصير الثورة بإرضاء المجتمع الدولي لا بإرادة الشارع.

الوظيفة الإمبريالية لنظرية شارب لا تتوقف عند حدود السودان. فمن جورجيا إلى أوكرانيا، استُخدم هذا الدليل "السلمي" لإعادة هيكلة السلطة بما يخدم الهيمنة الغربية دون المساس بجوهر النظام الرأسمالي. وكما أوضح سمير أمين، فإن "التحولات الديمقراطية تحت إشراف الغرب ليست سوى ترقيعات نيوليبرالية لضمان استمرار التبعية". في السودان، لعبت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي نفس الدور: توفير غطاء تفاوضي لشرعنة العسكر، وتمييع الثورة في صفقات شكلية تُبقي على بنية الدولة دون تغيير جذري.

ما البديل إذًا؟ البديل ليس العنف المجرد، بل التنظيم الطبقي الواعي. الثورة لا تكون ثورة إلا إذا تحولت من لحظة احتجاج إلى بناء سلطة بديلة. وهذا لا يتم عبر النوايا، بل من خلال تأسيس مجالس ثورية – في الأحياء، المصانع، المزارع – تتولى تأطير المطالب الشعبية داخل مشروع سياسي ماركسي. يجب تأميم الموارد الطبيعية (الذهب، النفط، الأراضي الزراعية)، مصادرة ممتلكات الجنرالات وكبار الرأسماليين، وتوجيهها إلى تلبية الحاجات الشعبية. لا يكفي أن نطالب بعودة الجيش إلى الثكنات، بل يجب تفكيكه، وبناء قوات شعبية خاضعة لرقابة المجالس الثورية، على غرار ما فعله البلاشفة في 1917.

في دارفور، جبال النوبة، الخرطوم، مارس الناس أشكالًا من الدفاع الشعبي – بعضها فوضوي، وبعضها منظّم – ضد المليشيات والانفلات الأمني. لكن دون رؤية طبقية واضحة، تحوّلت هذه الأدوات إلى وسائل تفاوض بدل أن تكون أدوات تحطيم للسلطة الطبقية. العنف الثوري ليس عشوائية، بل كما قال فانون: "رد فعل طبيعي على عنف النظام". والماركسية لا تمجّده، بل تنظّمه وتربطه ببرنامج سياسي شامل.

لقد كانت رؤيتنا – كما أشرنا في مقالات سابقة – لا ترفض تكتيك اللاعنف بوصفه أحد أدوات النضال الممكنة، لكن بشرط أن يكون جزءًا من استراتيجية شاملة تستبطن مشروعًا ثوريًا حقيقيًا، لا أن يتحول إلى خط أحمر مطلق يُعطل الجماهير عن حماية نفسها وتنظيم قوتها. وما لم يتم الربط بين الوسائل والمشروع الطبقي، فإن كل تكتيك – مهما بدا "نبيلاً" – سينقلب إلى أداة ضد التغيير.

اليوم، وفي ظل الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، تتعقد شروط المقاومة. فالدولة ذاتها تفككت جزئيًا، والجماهير تُسحق بين نارين. إن الدعوة إلى المقاومة الثورية في هذا السياق ليست سهلة، لكنّها ضرورية. والتحدي هنا هو كيفية ضبط أدوات المقاومة، وتنظيمها بشكل يخدم التغيير الجذري لا يُعيد إنتاج الفوضى أو الطائفية أو الحرب الأهلية. وهو ما يتطلب قيادة ماركسية، تحمل وعيًا طبقيًا صارمًا، وتدرك أن "السلم" ليس نقيضًا للعنف، بل نقيض للعدالة الطبقية إن تُرك وحيدًا.

الثورة السودانية لن تنتصر بشعارات جميلة، بل بتنظيم ثوري يربط بين المطالب اليومية (الكهرباء، الخبز، الأرض) والمشروع الاشتراكي الكبير. لن يسقط البرهان بالتغريدات، ولن ينهار النظام بهتاف "سلمية" فقط. بل فقط حين تنهض الجماهير كقوة منظمة، تحمل مشروعًا ماركسيًا ثوريًا، وتبني من نفسها دولة بديلة من الأسفل.

"الثورة لا تُطلب، الثورة تُنظّم".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- رد حازم من ترامب على احتمال إعادة تفعيل إيران لبرنامجها النو ...
- ترامب يرجح التوصل إلى اتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل
- ترامب يعرب عن استيائه بعد مكالمة مع بوتين
- القسام تؤكد قتل جنود إسرائيليين في عملية بخان يونس
- ترامب: إيران لم توافق على التفتيش والتخلي عن تخصيب اليورانيو ...
- تغير المناخ يضاعف موجات الحر.. كيف تتأثر أفريقيا؟
- العمود الزلق.. تقليد إنكليزي سنوي غريب يتحدّى الشجاعة ويُشعل ...
- الإمارات.. مستشار رئاسي يبين ما تحتاجه المنطقة بتدوينة -المن ...
- بعد رد حماس.. ترامب -متفائل- بشأن وقف إطلاق النار في غزة الأ ...
- -لا أعرف من يمكن الوثوق به-، دروز سوريا قلقون من التهميش ما ...


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة السودانية