أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد المسعودي - اسس القيادة في المجتمع العربي الاسلامي ( الثقافة وقيادة الاستبداد )















المزيد.....

اسس القيادة في المجتمع العربي الاسلامي ( الثقافة وقيادة الاستبداد )


وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اسس القيادة في المجتمع العربي الاسلامي
الثقافة وقيادة الاستبداد

من الاسس المحددة لمفهوم القيادة في المجتمع العربي الاسلامي هو طبيعة الثقافة كسلوك جمعي يعمل على تأبيد النسق السياسي ويجعله صالحا ومستديما لكل زمان ومكان ، والثقافة كمفهوم لغوي له نشأته وحضوره في المجتمعات العربية بشكل يختلف عن المفهوم نفسه في المجتمعات الحديثة ، حيث ان كلمة ثقافة المنبعثة من ثقف اي صار حاذقا خفيفا والمثاقفة والثقاف ما يسوى به الرماح ، ( 32)
والثقاف والثقافة العمل بالسيف ، ويقول الشاعر عمرو ذي الكلب الهذلي
" فأما تثقفوني فاقتلوني فان اثقف فسوف ترون بالي (33)
وهكذا نرى بوضوح ذلك الترابط اللغوي مع البيئة المنتجة للمفهوم الثقافة والمثقف والتثقيف رغم تعابير الحذاقة واللقافة فإنها تشير الى بيئة مقاتلة مأخوذة بأوضاعها ومعيشتها البدوية القاسية ، تلك التي يقاتل فيها الناس بعضهم الاخر .
في حين يشير المفهوم نفسه الثقافة في اللغات الاخرى كالإنجليزية والفرنسية الى معنى مختلف يتجاوز البيئة البدوية ليصل البيئة الزراعية حيث تشير كلمة (culture ) الى زرع حرث وثقافة والارض المزروعة (34)
وهكذا تعد الثقافة منذ نشأتها وليدة البيئة المنتجة لها ومأخوذة في دعم قواعدها واسسها ، وهذه الاسس تختلف من مجتمع الى اخر ومن حضارة الى اخرى ولكنها تشارك ضمن حدود النسبي في التأثير على الابنية السياسية السائدة ، وتعد احدى المؤثرات في ديمومتها وبقائها .
وبما اننا هنا نشتغل هنا على علاقة الثقافة والاستبداد وكيفية دعمه واسناده وتأبيده اجتماعيا وسياسيا ، فان ذلك الاثر الثقافي يبدأ من خلال التمجيد والتقديس والتأليه لشخصية القائد ، البطل ، المنقذ ، باني البلاد وحاميها ومؤسسها ووو الخ ، حيث تبقى الرمزية المستمرة للقائد البطل احدى الوظائف الثقافية المؤثرة على المجتمع ، وهذه الوظائف من المؤكد ان الدولة او السياسة تشارك في وجودها ولكن ليست هي المؤسسة له ، اذ ان المسالة عميقة وتضرب في جذور الطبقات الارضية المتكلسة للذهنية العربية الاسلامية ، فشخصية البطل المطلق نجدها قديما في المجتمع السومري حيث دائما ما يكون الملك السومري مقدسا ومحاطا بالكثير من مشاعر الخوف والعنف ، فضلا عن وجود حياته السرية البعيدة عن انظار المجتمع تتمثل في طقوسه وعبادته ، ويلعب الدين الدور الكبير في التأثير على المجتمع بشكل يجعل حياة الملوك نفسها خالدة ليس من خلال التقديس المعنوي بل المادي من خلال وجود التماثيل التي تخلد ذكراهم ، وبالتالي المزيد من الرمزية الاجتماعية والخلود المطلق لشخص الحاكم حيا كان او ميتا ، وبالطبع خلف هذا التقديس والرمزية هنالك الجوانب الاقتصادية والاستفادة المادية حيث وجود كهنة المعابد وادوارهم في تثبيت السلطة الدينية المطلقة للحاكم السومري . (35)
ان رمزية البطل المطلق سوف تستمر في تثبيتها اكثر واكثر مع ظهور الاسلام حيث وجود مفهوم البيعة الذي يدخل المجتمع الاسلامي كله في العهد والمبايعة والقبول بشخص الحاكم ، وبالتالي هنالك الطاعة كما اوضحنا سابقا ضمن رؤية ابن خلدون حيث بيع الناس انفسهم وارواحهم لشخص الحاكم ، وبعد هذه البيعة يعد كل خروج ومعارضة بمثابة الكفر والارتداد عن الدين ، وكل ما ينتظر المعارض معروف جدا الا وهو العقاب والموت ، وهذه الرمزية استمرت مع كل حاكم او خليفة ، والمفارقة تكمن في الموت موت الحاكم نفسه بالقتل مرسخة قيم العصبية ضمن جميع فترات حكمها المتعاقبة المتصارعة والمقتولة ايضا بموت حكامها .
ولم تتوقف الازمنة الثقافية العربية الاسلامية عن تأبيد صورة المطلق السياسي مرتبطا بالدين تارة ، وبالأمة او الجماعة او القبيلة تارة اخرى ، حيث لا يجد المجتمع المنغلق داخل الهوية الضيقة الا وهو ملتصقا بالقائد او الحاكم ، وبالتالي هناك مفهوم التضحية الذي سوف يختزل ثقافيا ليس من اجل المبادئ التي تعلي شأن الانسان وكرامته بل تلك التي تدافع عن حياة الملك او الرئيس ، لذلك تظهر الشعارات اجتماعيا وهي ملتصقة بالملك او القائد ، وما ارتباط الدم الاجتماعي بحياة السلطة وملكها وزعيمها سوى التصاق وارتباط بالقهر الثقافي او الذات المقهورة ثقافيا وانسانيا ، فبدلا من ان يكون الحاكم محافظا على حياة الناس وكرامتهم تنعكس الصورة ليصبح الناس جميعا فداء للحاكم حيث عبارات عاش القائد ، عاش الملك ، بالروح بالدم .. الخ نجدها اكثر التصاقا بالقهر الانساني الذي لا تمارسه السياسة فحسب بل ايضا منتجاتها الثقافية ، ولو تتبعنا تاريخ الكثير من الاجناس الادبية والثقافية فإننا نجدها موظفة جميع جهودها بما يخدم السلطة السياسية ولا توجد سوى استثناءات ضئيلة قديما وحديثا ابتعدت بمنتجها الادبي عن التقرب للسلطة السياسية والامثلة هنا حاضرة مع المثقف الكوني ابو العلاء المعري الذي لم يقف على باب السلطان بقدر ما وقف على باب النقد الاجتماعي والسياسي والديني ، حيث كان يدمج بين النص والواقع من دون اية عملية فصل بينهما .
ويبقى الشعر سيد الكتابة السلطوية في المجتمعات العربية الاسلامية ضمن حدود النسبي الاكثري ، والموضوع قديم جدا ، خصوصا وان المدح احد الاغراض او الاساليب التي يذهب اليها الشعراء بسبب ظروف مادية ومعنوية على حد سواء ، وبذلك تكون الكتابة الشعرية كتابة خدمية للسلطة لا كتابة تقويمية نقدية لها بالرغم من وجود ما يعاكس المدح وهو القدح او الذم ايضا استخدمه الشعراء ، وربما اكثر غايات القدح والذم هي غايات مادية او ايدلوجية ، ولا يختلف عصر ما قبل الاسلام عن عصر الاسلام وما بعده ، فاكثر اساليب الشعراء يتخللها المدح والثناء على الحكام حتى وان كانوا هؤلاء الحكام طغاة ومجرمين ، وبالتالي يكون الشعر احد الاشكال الادبية التي تدفع بديمومة قيادة الاستبداد ، ولو اعطينا جردة مختصرة من الاسماء التي لا تنفك تستخدم هذا الاسلوب لكان لدينا مجلدا كبيرا يحوي شعراء المديح السلطوي لحكام قبائل تتوسع لتصبح ممالك ودول ، وحتى تلك التي تسمى حديثة لا يستثنى منها طابع الشعر الكسبي بسبب ثبات الابنية والانساق الاجتماعية والسلطوية السائدة ، والشعر العربي الكسبي ينشط عندما تكون المدن هي مدن القبيلة وعوائلها الحاكمة لا مدن الاجتماع البشري المديني المعني بالحكمة والتعقل والتسامح ، وبالتالي تجده شعرا يمجد الملك او السلطان او الرئيس غير المنتخب من قبل المواطنين ، ويكون حاضرا ومؤثرا في السلام او في الحرب ، وفي كل المعارك القبلية تجد الشاعر مثقف صالح للتجييش الاجتماعي ، وناشط في مجال الاحتيال على الوقائع والاحداث لغايات مادية ومعنوية على حد سواء ، والشعر العربي حديثا لا يختلف عن الشعر العربي قديما ، فهذا شاعر العرب الاكبر " الجواهري " يمدح الملوك والرؤساء ، وهذا عبد الوهاب البياتي يصف صدام حسين بانه " هو الذي رأى كل شيء " ، ضمن اشارة تقرب القائد المستبد من الملك السومري جلجامش ، وهكذا تتجه بوصلة الشعر العربي الى اخصاء الفكر والنقد والمشاهدة في روح الشعر نفسه ، ولا يقف الشعر العربي في العراق هذا الموقف ، اذ ان اكثر البلدان العربية تفسح مجالا واسعا في أديباتها للمديح السلطوي ، فهذا نزار قباني يمدح الاسد الاب ويجزل عليه الاخير في العطاء والاهتمام والرعاية ، ويهجوه ايضا بعد اغتيال زوجته بلقيس ، وقائمة الشعراء السوريين تطول ولا تقصر في مدح الاسد وابنه الى درجة ان شاعر راحل ( محسن محمد الجراح ) قد تقرب بشكل عشقي واسطوري لوجه بشار الاسد ، حيث يقول " عشقت وجهك يا بشار فلسفة / والعشق كالجمر يشكو حرقة اللهب ، ولكن بالرغم من وجود شعراء الثناء هناك شعراء الهجاء وابرزهم عمر ابو ريشة وبدوي الجبل وغيرهم ، وهكذا يكون الشعر الكسبي نتاج بيئة قبلية عصبوية تربط البلاد بالقائد والرئيس وليس بالشعوب او المواطنين ، ولا تختلف الكثير من البلدان العربية الاخرى عن الاهتمام بالمديح السلطوي كجاهز ادبي مقدم ومبارك فيه اكثر من شعر النقد والتقويم السياسي والاجتماعي ، الى درجة انه تم افراغ المجتمع من ثقافة الالتزام الادبي بقضايا الانسان وكرامته وحريته بمواجهة قوى الظلام المحلية والخارجية . يقول ابو العلاء المعري مخاطبا المثقف في زمانه
توحد فان الله ربك واحد
ولا ترغبن بعشرة الرؤساء (36)
هنا يعد ابو العلاء حالة مختلفة عن شعراء الخبز اينما وجد " تنور السلطة " ويا ليت الشاعر العربي عموما كون تلك الطبيعة المختلفة المؤثرة على مجتمعه ليس بالانعزال عن المجتمع وليس بالامتثال لقيم السلطة وجاهزها السياسي والثقافي بل بالتوحد والاختلاف والتميز عن الاخرين ضمن صفات الالتزام الادبي والانساني رغم صعوبة الوقوف على باب الناس دون الوقوف على باب السلطان وهذا ما اصاب الشعر العربي ونجح تقليده وتكراره عبر الزمن بسبب تكرار ونسخ البنى السياسية والاجتماعية السائدة .

وبعد الشعر تأتي الرواية ، رواية السلطة وانتصارها ، واول راو لسلطة الاستبداد قديما هم المؤرخون , بتعاقب حياتهم وارتباطها بهذه الدولة او تلك ـ ومن الصعوبة ان تجد المعاصرة التاريخية وهي محايدة او نقدية للحاضر السياسي المروي وما يتم تناوله ونقده هو الخاسر من الدولة والحكام ، فالرواية العباسية التي يسردها الطبري هي رواية سردية للأحداث التي يقودها المنتصر السياسي متمثلا بالخليفة العباسي مع تغير الادوار والاحداث ، وبالتالي هي رؤية ذاتية تبتعد عن توجيه اي نقد سياسي من الممكن ان يجرم السلطة ، وذلك بسبب اندماج المؤرخ مع عقيدة الدولة ، وبالتالي تشكل الرواية السلطوية رواية تأخذ بالوقائع كما حدثت من وجهة نظر السلطة نفسها ، كذلك الحال مع ابن كثير لم يقدم نقدا او تحليلا عميقا لشخصيات الدولة وخلفائها ، وهنا يعد الامر طبيعيا مع مؤرخين مندمجين بشكل كبير مع اطار الدولة ، بل حتى رواية الكليني باعتباره وجها لا ينتمي الى السردية الرسمية ، لم يقدم اي نقد شخصي للخلافة العباسية بقدر ما ينقل احقية الائمة في الحكم فضلا عن راي بعضهم بالابتعاد عن الرئاسة لما فيها من جور وظلم ، وهكذا ينطلق الراوية التقليدي في نهجه الذي يخضع للواقع دونما محاولة تشخيص علله وامراضه بشكل مباشر بسبب ثبات الانظمة السياسية والاجتماعية ، ومع دخولنا الحداثة وظهور الرواية كشكل ادبي سردي يتداخل في تكوينها الخيالي والواقعي ايضا بقي هنالك التكرار لذات النماذج التي تقدس واقع السلطة والاستبداد من خلال روائيين اشتغلت ماكنتهم الادبية في تجميد الواقع السياسي ، والذي يطلع ويقرأ ما كتب من ادب " قادسية صدام " سيجد ان الكثير من الروائيين يقدمون ادبا يحاول ان يجعل للأسلحة والحروب وكأنها الارث الذي ينبغي ان نحصل عليه مع تعاقب الاجيال ، فهذا الروائي عبد الستار ناصر يكتب عن النصر الذي يكفي اطفاله واحفاده لعمر طويل عندما يقاتل كجندي مؤمن بقادسية صدام في قصته المعنونة " سمين الضواحي " وكان الحرب مجرد نزهة لا يوجد فيها الم وارهاق وقتال .. الخ ، وما تصوير عبد الستار ناصر للحرب بهذا الشكل الا تصويرا زائفا يدعم ارادة الاستبداد التي تشتري الروائي بثمن بخس .
ولا يختلف معه الروائي عبد الخالق الركابي في " حائط البنادق " التي صدرت عام 1982 وفي اوج الحرب العراقية الايرانية ، تبدأ وتنتهي بوصية اب لابنه تتضمن صندوقا مليئا بأنواع من الاسلحة ، حيث يتفنن الركابي في تعدد اسمائها ، فضلا عن وصف عشق ابيه بكل ما يرتبط بالسلاح والعسكرية ومثل هذه القصة تكتب بشكل متعمد لأنها مواكبة لظروف الحرب التي تمر بها البلاد وبالتالي تكون لها الاولوية في النشر ، لأنها باختصار تدعم سلطة العنف ورائدها الدكتاتور صدام
وهكذا تتجاوز الرواية ذلك الفن الانساني النبيل من كونها وثيقة ادبية لمجتمع وسياسة واقتصاد وتكوينات سيكلوجية ، تحاول من خلالها معالجة الواقع فضلا عن حضور الفن الجمالي ، الى صيرورتها وثيقة زائفة مهادنة للسلطة وادواتها القمعية المادية والمعنوية، والذي يعيش ضمن مجتمع شمولي اما ان ينخرط ضمن خطاب السلطة او يتخذ طريق الموت الادبي عبر الصمت او الكتابة خارج حدود تأثيرات القمع السلطوي ذاك ضمن روايات وصفت الواقع كما هو ، واقع الحرب والطغيان ، وهنا تشكل رواية " الحرب في حي الطرب " للروائي نجم والي نموذجا على تلك الكتابة .
ولا تتوقف الثقافة في جانبها الادبي الشعري والروائي في دعم واسناد ثقافة الاستبداد فحسب بل هنالك ايضا الثقافة في شكلها الفني الغنائي والموسيقي والتشكيلي وفن صناعة التماثيل او النحت كلها قد رسخت وادامت ثقافة الاستبداد والنماذج العربية كثيرة في العراق وسوريا وليبيا وغيرها ، وموضوعة التقارب الفني السياسي ليست وليدة الازمنة الحديثة حيث تمتد جذورها الى اقدم الحضارات ، فالفن السومري يتغنى بأناشيد الالهة والابطال والملوك ، حيث لكل ملك – اله اغنية خاصة فهذه " انانا " تتقرب لها الجماهير لأنها ملكة رازقة معطية لهم الحياة وواهبين لها بدورهم كل سمات الولاء وتقليد اغنيتها المقدسة " ( 37)
كذلك الحال مع الموسيقى حيث يتركز الدعم لها من قبل القصور الملكية والمعابد التي ترتبط موسيقاها بشكل مباشر بتقديس الملك – الاله ، فضلا عن تمثلها الرمزي بشكل يتداخل معه الديني والدنيوي ، اذ تتصدر القيثارة ورأس الثور هذه المركزية ، ويبقى النحت السومري مرتبطا بشكل نسبي بالضخامة وابراز قوة الشخصية المحصورة ضمن تصورها فقط للملوك سواء كان بشكل مباشر عبر النحت المجسم لأجسام الملوك او النحت البارز على الجدران ضمن منحوتات او مسلات جلها تظهر او تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي السومري بالإضافة الى الافكار والقوانين والشرائع التي يسنها الملوك ، وهكذا يعبر الفن السومري عن تقديس الملوك والالهة باعتبارهم واهبين للحياة وسالبيها في الوقت نفسه ، كل ذلك شكل مع مرور الزمن طبقات ارضية راسخة في الذهنية العربية الاسلامية التي لا تستطيع مغادرة عناصر التقديس للحكام والملوك والالهة وذلك لانهم يملكون ومن يملك يعز ويذل ويتحكم بمصائر الناس ، ولا تختلف الازمنة الحديثة التي بقيت مجتمعاتها تتغنى بالملك او الرئيس وتقدمه على البشر رغم كل موبقاته وجرائمه واخطائه ، والزمن العراقي الحديث يشي بهذا التقديس للسلطة السياسة وقيادتها المستبدة ، ونحن هنا نتحدث عن مجتمع من الفنانين الذين سعوا لشهرتهم من خلال ربطها بتقديس الحاكم ومدحه ، فالغناء العراقي مع مجيء البعث الدموي ، الصدامي اصبح مكرسا بشكل رئيسي لإبراز صورة القائد الضرورة ، بحيث تطوع لأجل ذلك الهم فنانين وملحنين وشعراء ساهموا في تزييف الواقع وتأبيده بشكل عنفي واستبدادي ، ضمن اغنيات واعمال لا تشتغل الا على تمجيد السلطة المطلقة بكل موبقاتها وجرائمها ، وبالتالي تحول الفن الى تابع اكثر مما هو منفصل وله نشاطات تتعلق بالجمال وحب الحياة والارض والناس ، كل ذلك افرغ من محتواه واصبح الاخير معني بعسكرة المجال الاجتماعي والتربوي والحياتي بشكل عام ، وهذه العسكرة عملت على تجميد وتعطيل العقول وافراغ الناس من الاختلاف والتنوع ليكون البديل ما هو سائد متمثل بالقوالب الجاهزة التي تفرضها السلطة ، المتغلغل فيها بشكل مشوه الحداثة والتقليد ، المدينة والقرية حيث الربط بين العقائد السياسية والتوجه الفلسفي السلطوي الذي يتضمن في داخله الكثير من التحريف والتزييف للواقع ، فضلا عن اغراق المجتمع نفسه بالشعارات ، وهذه الاخيرة تعد امرا مصنوعا ومفروضا ضمن سلطة مركزية لا تنفك من التعبئة المركزية ايضا ، من خلال الفن الغنائي والموسيقي والشعري الذي يهتم بتجميد الواقع لا تغييره ، وبالتالي ابقاء الاوضاع الاجتماعية في حالها لا تتغير الا من خلال ارادة السلطة السياسة الفوقية المطلقة وليس من خلال تنوع واختلاف ارادات الناس انفسهم .

المصادر : -
1- الجوهري ، اسماعيل بن حماد / كتاب الصحاح / دار الحديث / القاهرة ص 148
2- - ابن منظور / لسان العرب/ الجزء التاسع / ص 20
3- - جبور ، عبد النور / ادريس ، سهيل / قاموس المنهل / فرنسي عربي / بيروت ، دار الاداب والعلم للملايين / الطبعة السابعة 1983، ص 376 .
4- - المسعودي ، وليد / المدنية السومرية .. نظرة تاريخية في الاصالة والابداع / موقع الحوار المتمدن / العدد 9192/ 5/4/2019 .
5- العلوي ، هادي / ابو العلاء المعري ، المنتخب من اللزوميات ، نقد الدولة والدين والناس /مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي / دمشق ، الطبعة الاولى 1990 / ص 37 .
6- - يتغنى شاعر سومري بها اذ يصفها " يا صاحبة النواميس العظيمة ، يا ملكة الملكات العظيمة ، يا خليقة الرحم المقدس ، يا سيدة جميع الارضيين ها انا انشد اغنيتك المقدسة "
والاغنية تبدو شبيهة بالتراتيل الدينية التي ترددها العامة للتغني ولتقديس الاله الأمر الذي يؤكد ان الغناء قد ظهر عند الناس وسرعان ما تمثلته المعابد عبر تراتيلها وادعيتها . يراجع هنا ، حبي ، يوسف / الانسان في ادب وادي الرافدين / الموسوعة الصغيرة / بغداد ، 1980 / ص 113 .



#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة ونقد في ( عن الحرية) لجون ستيوارت ميل
- نقد الدولة - دولة النقد (البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء ا ...
- نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء ...
- مختارات من نصوص الهايكو
- نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء ...
- نقد الدولة- دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الفصل ا ...
- نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الفصل ...
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة) الفصل ا ...
- حتى يكتمل الموت جيدا
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٧)
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£ ...
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£ ...
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (1_6)
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£ ...
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٥)
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£ ...
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٤)
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٣)
- نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (£ ...
- مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٢)


المزيد.....




- -آمل أن أعيش لأكثر من 130 عامًا-.. احتفالات بعيد ميلاد الدال ...
- مصر.. أحمد الرافعي يثير قلق زوجته وأشرف زكي يوضح ملابسات -اخ ...
- وفدان مصري وإسرائيلي يتوجهان إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن ...
- شاهد.. خندق إسرائيلي يقطع شريان حياة قرية فلسطينية بالخليل
- دكتور سترينجلوف وتخفي الجنون في ثوب -الإستراتيجية-
- بالصور.. حرائق وفيضانات في العالم تخلف عشرات القتلى
- تخيفها الألعاب النارية.. شاهد ما يفعله خبراء مع الحيوانات لت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن والحوثيون ...
- -ثأر الله من بني أمية-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بتدوينة في ...
- منصة رقمية لدعم المصممين في تحقيق الاستدامة


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد المسعودي - اسس القيادة في المجتمع العربي الاسلامي ( الثقافة وقيادة الاستبداد )