أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - اوهام الشرق الأوسط الجديد :بين الهيمنة الصهيونية و استعصاء الواقع العربي















المزيد.....

اوهام الشرق الأوسط الجديد :بين الهيمنة الصهيونية و استعصاء الواقع العربي


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 16:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




في أعقاب حرب نيسان بين إيران وإسرائيل، وانفجار جبهة غزة من جديد، ظهرت على السطح وثيقة إسرائيلية صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والعربية على حدّ سواء. هذه الوثيقة، رغم ما تتضمنه من نبرة انتصار وتحليل استخباراتي عميق، تعكس في جوهرها قلقًا صهيونيًا مكتومًا من انزلاق المنطقة إلى ما لا يمكن التحكم به، بل وتكشف عن مشروع "شرق أوسط جديد" بنكهة أمنية إسرائيلية خالصة، لا مكان فيه للمقاومة، ولا صوت فيه لغير الصفقات. لكن ما يغيب عن هذا الطرح أن الواقع العربي، بما يحمله من تناقضات وتاريخ ومزاج شعبي متقلب، يرفض أن يكون مجرد هامش في سردية صهيونية تريد أن تعيد رسم خرائط المنطقة على مقاسها الخاص.

هندسة الهواجس: الشرق الأوسط الجديد بوصفه مشروعًا أمنيا

ترتكز الوثيقة الإسرائيلية الصادرة بعد التصعيد الإقليمي الأخير على فكرة مركزية: التحولات الاستراتيجية التي أنتجتها مواجهة إيران، والانخراط العسكري المتعدد الجبهات، شكّلت فرصة نادرة لإعادة تشكيل المنظومة الإقليمية، وإقصاء الأعداء التقليديين من معادلات التأثير. فحسب معدّي التقرير، فإن الضربات التي وجهتها إسرائيل، وردّ إيران المحدود عليها، أظهرت ميل الكفة العسكرية لصالح تل أبيب، بما يسمح بتحويل هذه الهيمنة الميدانية إلى هندسة سياسية وأمنية جديدة.
وليس من قبيل المصادفة أن يتكرر تعبير "النافذة الاستراتيجية" في نص التقرير، إذ يعتبر واضعوه أن ما جرى قد خلق نوعًا من الفراغ في التوازنات، ينبغي لإسرائيل أن تستثمره سريعًا، قبل أن تستعيد إيران زمام المبادرة أو تعود "حماس" و"حزب الله" إلى العمل في ساحات أوسع. هذه الرؤية، وإن بدت واقعية في ظاهرها، تحمل بذور وهم استراتيجي بالغ الخطورة: إذ تتجاهل أن غلبة القوة في لحظة ما، لا تعني أبدًا إخضاع إرادات شعوب، ولا إسكات التاريخ الذي يُقاوم الهزيمة من داخلها.
ضمن هذا السياق، تقترح الوثيقة بوضوح أن يتم تحويل العلاقة مع دول مثل الأردن ومصر والإمارات والسعودية إلى "منظومة أمن إقليمي" تُبنى على التعاون في مواجهة "التهديدات المشتركة"، وعلى رأسها "المقاومة المسلحة"، والإسلام السياسي، والتقارب التركي ـ الإيراني. لكنها لا تكتفي بذلك، بل تدعو إلى إعادة تعريف القضية الفلسطينية، لا بوصفها نزاعًا سياسيًا أو حقوقيًا، بل كملف أمني قابل للاحتواء المؤقت، من خلال حلول إنسانية لغزة، وتسهيلات مدروسة، مقابل تفكيك البنية التنظيمية لفصائل المقاومة.

ما بين القلق والثقة: ازدواجية الوعي الإسرائيلي

رغم نبرة الثقة الظاهرة في التقرير، إلا أن ما يتسلل بين سطوره هو نوع من القلق البنيوي العميق. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهي الأكثر دراية بتعقيدات الإقليم، تدرك أن تحالفاتها لا تقوم على تجانس استراتيجي راسخ، بل على مزيج هش من الخوف من إيران، والرهان على الدعم الأمريكي، والضغوط الاقتصادية التي تحاصر بعض الأنظمة. من هنا، فإن الوثيقة تُوصي بالتعجيل في إنجاز ما تسميه "ترسيخ الردع طويل الأمد"، وتحذّر من "الفرص التي قد تضيع"، إذا ما تراجع الزخم الدولي والإقليمي، أو تعثّرت خطوات التطبيع.
اللافت أن هذه التوصيات لا تأتي من موقع الغطرسة، بل من إدراك عميق بأن المنطقة لا تزال "غير مستقرة وجاهزة للانفجار في أي لحظة"، كما تقول إحدى فقرات التقرير. إذ تشير الدراسة إلى أن تعاطف الشارع العربي مع غزة، رغم ظروفه القاسية، لا يزال مرتفعًا، وأن أي عملية عسكرية جديدة قد تحرج الأنظمة الحليفة، وتدفعها إلى الانكفاء، أو حتى إلى إعادة تقييم علاقاتها مع تل أبيب.
وهنا تبرز ازدواجية الوعي الإسرائيلي: فمن جهة، هناك يقين بالقوة العسكرية، وبالقدرة على كسر خصومها بالقصف والخنق والتجويع، ومن جهة أخرى، هناك خوف حقيقي من تغير المزاج الشعبي العربي، ومن صعود أجيال جديدة لم تعد تخضع بسهولة للخطاب الرسمي ولا للإغراءات الاقتصادية. هذا التوتر بين الهيمنة والخشية هو ما يجعل المشروع الإسرائيلي للمنطقة قابلًا للانفجار من داخله.

من مبدأ "الفرصة" إلى فخ الاستراتيجية

يُعيدنا التقرير إلى مفردات استخدمتها إسرائيل سابقًا، وتحديدًا بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، حيث تحدّث بعض قادتها عن "شرق أوسط ديمقراطي جديد"، قائم على تطويع الدول، وكسر شوكة المقاومة، وإنهاء القضية الفلسطينية بوصفها عبئًا تاريخيًا. اليوم، تعود هذه المصطلحات، ولكن بلغة أكثر وقاحة وأقل تزويقًا. فالمسألة لم تعد تتعلق بالسلام، أو بحلول سياسية عادلة، بل بإعادة تعريف المنطقة كلها انطلاقًا من أمن إسرائيل وامتيازاتها.
ففي موضع لافت، يقترح التقرير ما يمكن تسميته بـ"تسوية بلا قضية"، أي فصل البعد الإنساني عن السياسي، عبر تقديم مساعدات إنسانية لغزة في ظل استمرار الحصار، وربط إعادة الإعمار بمدى التزام الفصائل بـ"ضبط النفس"، أي تجريدها من سلاحها وشرعيتها النضالية. هذه الصيغة، التي تبدو "عملية" في ظاهرها، ما هي إلا وصفة لتفجير جديد، لأن اختزال المعاناة الفلسطينية في سياقات إنسانية فقط، دون معالجة الجذور التاريخية والسياسية للنكبة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التطرف والانفجار.
بالتالي، فإن "مبدأ الفرصة" الذي تتحدث عنه الوثيقة، قد يتحول سريعًا إلى "فخ استراتيجي" يجرّ إسرائيل إلى مواجهة شاملة في أكثر من ساحة، خصوصًا إذا قررت القوى المناهضة للمشروع الصهيوني أن تعيد ترتيب أوراقها، وتتجاوز أخطاء الماضي. فالتاريخ في هذه المنطقة لا يُبنى على توازنات القوة فقط، بل على الذاكرة، وعلى الخوف، وعلى مفردات تُبعث فجأة من أعماق الظلم وتتحول إلى صرخة.

إن ما تسعى إليه إسرائيل من خلال هذا النوع من الوثائق لا يخرج عن كونه محاولة لتوجيه السياسات الإقليمية والعالمية وفق رؤيتها الخاصة، مستفيدة من التفكك العربي، ومن الانكفاء الدولي عن القضايا العادلة. لكنها في المقابل، تكشف عن ارتباك داخلي، وعن فقدان القدرة على التعامل مع ظواهر غير تقليدية، كالمقاومة طويلة النفس، والوعي الشعبي العابر للحدود، والتحولات الرقمية التي باتت تنقل صوت الغضب إلى كل شاشة.
المشروع الصهيوني، في صيغته الراهنة، لا يُخطط فقط لاحتواء المقاومة، بل لإعادة تشكيل وعي المنطقة نفسها: أي وعيها بذاتها، بتاريخها، بذاكرتها، وبأعدائها. لكنه يصطدم دومًا بجدار الحقيقة: أن هذه الأرض، رغم كل التواطؤ الدولي، لم تُسلم مفاتيحها بعد، وأن الشعوب، حين تُهزم مرة، فإنها تتعلم كيف تنهض في المرة التالية، لا لتسترد حقها فقط، بل لتسترد لغتها وزمانها ومستقبلها



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناقدة اللبنانية زينب الحسيني تكتب عن قصيدتي ورقات النسيان
- اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران
- تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية
- الكيان الصهيوني الغاصب و إيران: المواجهة التى تأخرت
- نور الدين الرياحي..حين يتماهى اللون مع الذاكرة التونسية
- الكتابة و الإبداع...منعطفات و مسارات
- تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس
- المعرض الفني ابراخيليا بسيدي بوزيد..تحليق بالفنً إلى الأقا ...
- تونس الآن بين غيوم المشهد و التغيير الشامل
- الكتابة و الهذيان
- الهاربون من الإنكسار
- الفكر الإستراتيجي و معظلة غياب الإرادة!
- الشاعر السوري بديع صقور يكتب عن نصوص الشاعر التونسي البشير ع ...
- التخييل و المجاز في نصوص الشاعر التونسي البشير عبيد
- رواق الفنون ببن عروس التونسية تحتفي بالفنان التشكيلي الهادي ...
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن نصوصي الشعرية
- الناقد العراقي داود السلمان يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر
- كلية الآداب بالقيروان تحتفي بالمفكر الفلسفي د. محمد محجوب
- الرحيل المفاجىء لشاعر تونس الكبير د. محمد الغزي
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن قصيدة الرحيل إلى بهاء المكا ...


المزيد.....




- طعن وإشعال نار وصراخ أطفال.. إليكم ما حدث بجريمة مروعة ارتكب ...
- بريطانيا تعيد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد قطيعة دامت 1 ...
- بريطانيا تعيد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في أول زيارة منذ ...
- بريطانيا تعيد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والشرع يلتقي وزي ...
- 24 قتيلا وعدد من المفقودين جراء فيضانات تكساس الأميركية
- مناقشات مكثفة في إسرائيل قبل ساعات من توجّه نتنياهو إلى واشن ...
- جنوب لبنان.. قتيل وجرحى إثر قصف إسرائيلي استهدف سيارة
- بالفيديو.. استعراض مسلح وسط بيروت يثير الجدل
- ترامب وميلانيا والقاذفة السوداء.. فيديو التحية يشعل -إكس-
- حزب الله يوافق على مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - اوهام الشرق الأوسط الجديد :بين الهيمنة الصهيونية و استعصاء الواقع العربي