أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان














المزيد.....

4. بنية إنتاج الكراهية في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 09:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا ينبثق خطاب الكراهية في السودان من فراغ ولا من غضب شعبي عفوي، بل يُنتج داخل بنية أيديولوجية مادية تخدم مصالح محددة في لحظة الأزمة. كما أكد لويس ألتوسير، فإن الأيديولوجيا ليست مجموعة أفكار تطوف في الفراغ، بل منظومة مؤسسات وممارسات تُعيد إنتاج الخضوع الطبقي داخل المجتمع. وبهذا المعنى، فإن خطاب الكراهية هو ممارسة مادية لأجهزة الدولة الأيديولوجية والقمعية في آن، يُعاد إنتاجه وتدويره بوسائل متعددة، تبدأ من الإعلام، مرورًا بالمناهج الدراسية، وصولًا إلى المنابر الدينية ومواقع التواصل التي تُستغل كساحات افتراضية للتحريض.

في السودان، تم تفكيك البنية الطبقية القديمة ما بعد الاستعمار، لتنشأ طبقة برجوازية طفيلية مرتبطة بالمؤسسة العسكرية والإسلام السياسي ورأس المال الريعي، احتاجت هذه الطبقة إلى خلق جهاز رمزي يبرّر امتيازاتها ويحمي سلطة الدولة. فتم اللجوء إلى خطاب الكراهية كأداة لإعادة إنتاج السيطرة: عبر تصنيف الخصوم الطبقيين كعملاء، وتقسيم الجماهير إلى جهويات وأعراق، وتكفير كل محاولة لبناء وعي نقدي. كما أشار ماركس، فإن “من يملك وسائل إنتاج الفكر، يملك وسائل السيطرة على المجتمع”، وقد وُضعت هذه القاعدة موضع التنفيذ في كل لحظة تتهدد فيها الثورة أسس النظام.

تبدأ صناعة خطاب الكراهية في غرف الأخبار، وفي دوائر الإعلام الحكومي وصفحات المخابرات الإلكترونية. هناك تُصاغ الروايات، تُنتقى الصور، تُركّب العبارات التي تُحوّل الثوار إلى خونة، والمهمّشين إلى متوحشين، والنساء إلى رموز فساد أخلاقي. لكن هذه الصناعة لا تكتمل دون مؤسسات التعليم والدين، التي تُضفي الشرعية على هذه الصور عبر التكرار والوعظ والتلقين. المناهج المدرسية لا تذكر دارفور إلا كمنطقة قتال، ولا تذكر النساء إلا في سياقات العفاف والطاعة. كما تُنشر الخطب الدينية التي تصف المعارضين بأنهم “خوارج العصر”، وتحذّر من “النساء السافرات” بوصفهن فتنة تهدّد “أمن الأمة”.

أحد أخطر أدوات إنتاج الكراهية هي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُنشر آلاف المنشورات يوميًا تحرّض على فئات بعينها: غرباوي، شيوعي، قحتي، كنداكة، نوباوي، زغاوي... ليست مجرد شتائم، بل أدوات تصنيف سياسي تُستخدم لتبرير العنف، بل والإبادة أحيانًا. خلال أحداث الحرب بين الجيش والدعم السريع، تم وصف مجموعات كاملة من سكان المدن بـ"المرتزقة" و"الجرذان" و"أبناء الحرام"، وهي توصيفات تذكّرنا مباشرة بالدعاية النازية ضد اليهود، أو بدعاية إذاعة "RTLM" في رواندا التي وصفت التوتسي بـ"الصراصير" قبل مذابح إبادة جماعية.

لكن هذه البنية الخطابية المحلية لا تُفهم دون إدراك دور الإمبريالية العالمية في دعمها أو التغاضي عنها. إذ لطالما دعمت القوى الغربية نظمًا سلطوية في الجنوب العالمي طالما ضمنت استقرار الأسواق والحد من الهجرة، حتى وإن ارتكبت هذه النظم جرائم إبادة مدفوعة بخطابات كراهية. في الحالة السودانية، تم التغاضي عن خطاب التحريض ضد المدنيين طالما أن السلطة القائمة قدّمت خدمات أمنية أو اقتصادية لشركات متعددة الجنسيات. وفي بعض الحالات، مولت دولٌ إقليمية وغربية مؤسسات إعلامية تروّج لخطابات الكراهية تحت غطاء "مكافحة الإرهاب" أو "حماية الأمن القومي". وكما أشار فرانتز فانون، فإن الإمبريالية لا تحكم فقط بالبندقية، بل بالأيديولوجيا أيضًا، وتزرع في الشعوب أدوات تفككها.

إن أجهزة الدولة السودانية، كما قال غرامشي عن الدولة الحديثة، لا تحكم بالقمع وحده، بل بالهيمنة الثقافية، أي بالقبول الطوعي للجماهير بما تفرضه السلطة. وهذا القبول يُنتج عبر تكرار خطاب الكراهية حتى يصبح مألوفًا، بل ضروريًا في لاوعي الجماهير الباحثة عن تفسير سهل لأزماتها. فبدلًا من مواجهة الرأسمالية الطفيلية، يُلقى اللوم على الجهة الأخرى، القبيلة الأخرى، الجنس الآخر، الجيل الآخر. وهكذا يُعاد إنتاج الخضوع.

خطاب الكراهية إذًا ليس انفعالًا ثقافيًا عشوائيًا، بل منظومة من الإنتاج الرمزي تخدم غرضًا طبقيًا مباشرًا: الحيلولة دون تشكّل الوعي الثوري، ومنع تبلور التضامن الطبقي، وإدامة حالة الانقسام الاجتماعي. إنه الشكل الأيديولوجي الأقصى لحماية النظام عبر أدوات اللاوعي.

كما كتب تروتسكي: "لا تكفي الثورة للإطاحة بالنظام القديم، بل لا بد أن تُطيح بلغته أيضًا". ولذلك، فإن فهم بنية خطاب الكراهية هو الخطوة الأولى في معركة تفكيكه، لا كحرب أخلاقية، بل كمواجهة سياسية طبقية ذات مضمون تحرري شامل.

"الإمبريالية لا تخلق فقط الجيوش والحدود، بل تزرع الكراهية داخل صدور الشعوب لتمنعها من الاتحاد ضد المستغِل الحقيقي."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- -آمل أن أعيش لأكثر من 130 عامًا-.. احتفالات بعيد ميلاد الدال ...
- مصر.. أحمد الرافعي يثير قلق زوجته وأشرف زكي يوضح ملابسات -اخ ...
- وفدان مصري وإسرائيلي يتوجهان إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن ...
- شاهد.. خندق إسرائيلي يقطع شريان حياة قرية فلسطينية بالخليل
- دكتور سترينجلوف وتخفي الجنون في ثوب -الإستراتيجية-
- بالصور.. حرائق وفيضانات في العالم تخلف عشرات القتلى
- تخيفها الألعاب النارية.. شاهد ما يفعله خبراء مع الحيوانات لت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن والحوثيون ...
- -ثأر الله من بني أمية-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بتدوينة في ...
- منصة رقمية لدعم المصممين في تحقيق الاستدامة


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان