|
رولان بارت وإشكالية المعنى/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري
أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 11:31
المحور:
الادب والفن
رولان بارت وإشكالية المعنى: تأملات في النص والعلامة والثقافة/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري
رولان بارت (1915 – 1980)، كان الشخصية المحورية في تطوير علم العلامات والنقد الثقافي في القرن العشرين، يستكشف بشكل فريد مفهوم المعنى باعتباره جوهر الأنظمة الثقافية واللغوية. فبالنسبة لبارت، يتجاوز المعنى مجرد التواصل بين الأفكار، ليصبح مجالاً للقوى حيث تتشابك الإيديولوجية والثقافة والذاتية. وفي عمله، يتحدانا المؤلف للنظر إلى ما هو أبعد من الظاهر، وتفكيك طبقات المعنى التي تدعم الخطابات والعلامات في تعددها وتعقيدها.
- المعنى: بين البنيوية وما بعد البنيوية؛ في بداية حياته المهنية، التزم بارت بالبنيوية، وخاصة أفكار فرديناند دي سوسير، الذي يرى أن اللغة هي نظام من العلامات يتألف من المعنى (الشكل) والمعنى (المفهوم). ومع ذلك، يوسع بارت هذا المنظور من خلال النظر ليس فقط إلى اللغة، بل إلى جميع الظواهر الثقافية كأنظمة للمعنى. في كتابه "عناصر علم العلامات" (1964)، يزعم أن الملابس والطعام والصور والسلوكيات هي، مثل الكلمات، جزء من الرموز الثقافية التي تنتج المعنى.
ومع ذلك، لا يقتصر بارت على الاستقرار البنيوي. ومع تقدم عمله، يتبنى ما بعد البنيوية، معترفًا بأن العلامة ليست ثابتة، بل سائلة وقابلة للتغيير. ينعكس هذا التحول النظري في فكرته بأن المعنى هو دائمًا عملية مفتوحة، تتميز بالغموض وتعدد التفسيرات. وبالتالي ينتقل بارت من رؤية منهجية للمعنى إلى فهم ديناميكي وغير مستقر، حيث يلعب النص والقارئ أدوارًا مركزية.
- "موت المؤلف" وحرية المعنى؛ في مقالته الرائدة "موت المؤلف" (1967)، يتناول بارت بشكل مباشر مسألة المعنى من خلال اقتراح تحرير النص فيما يتعلق بالمؤلف. ويزعم أن التفسير لا ينبغي أن يقتصر على نوايا الكاتب، لأن معنى العمل لا يكمن في أصله، بل في وجهته: القارئ.
بالنسبة لبارت، المعنى هو عملية جماعية تعددية. فالنص، عندما يُقرأ، يصبح مساحة تلتقي فيها أصوات مختلفة - ثقافية وتاريخية وذاتية. ويعيد هذا التحول من التركيز على المؤلف إلى القارئ تعريف المعنى باعتباره فعلًا مفتوحًا وأدائيًا، ويقطع مع السلطة الأحادية ويسمح بمجموعة لا حصر لها من القراءات الممكنة. وبهذا المعنى، يعمل بارت على إضفاء الطابع الديمقراطي على المعنى، وفتح المجال التفسيري لوجهات نظر جديدة وتقويض التسلسلات الهرمية التقليدية.
- الأساطير وإزالة الطابع الطبيعي عن المعنى؛ في كتابه "الأساطير" (1957)، يتناول بارت كيف تعمل أنظمة المعنى على تطبيع الإيديولوجيات الثقافية، وتحويل التاريخي إلى عالمي والمدمج إلى طبيعي. من خلال تحليل الأشياء والممارسات اليومية، مثل تصميم السيارات أو مسابقات المصارعة، يكشف بارت كيف تخفي الأساطير الحديثة هياكلها الإيديولوجية تحت ستار الحياد.
يصبح المعنى هنا مجالاً للصراع الإيديولوجي. لا تتواصل العلامات فحسب، بل تحافظ أيضًا على علاقات القوة. يُظهر بارت كيف تتلاعب الثقافة الشعبية بالمعاني لإدامة القيم والمعايير السائدة، وتحويلها إلى شيء يبدو واضحًا ولا يقبل الشك. من خلال الكشف عن هذه العملية، لا يزيل الغموض عن العلامات فحسب، بل يدعو أيضًا إلى المقاومة النقدية وخلق معاني جديدة.
- الحاسة الثالثة والحاسة السحيقة: المعنى الذي يفلت؛ من أكثر جوانب عمل بارت ابتكارًا استكشافه للمعنى الذي يفلت من العقلانية التقليدية. في كتابه ("الواضح والغامض". 1982)، يقدم بارت مفهوم "الحس الثالث"، وهو بُعد من أبعاد المعنى يتجاوز الدلالي (الواضح) والإيحائي (الرمزي). هذا "الحس الثالث"، أو "الغامض"، هو شيء لا يمكن تفسيره بالكامل باللغة أو المنطق، ولكنه يتردد صداه لدى المشاهد بطريقة حسية وذاتية.
يتجلى هذا النهج بشكل خاص في تحليله للتصوير الفوتوغرافي. في كتابه الكاميرا الواضحة (1980)، يميز بارت بين الدراسة (الأهمية الثقافية والمتاحة) والنقطة (التفاصيل غير المتوقعة التي تثير تجربة عاطفية فريدة). هنا، لم يعد المعنى شيئًا مستقرًا أو قابلًا للتحكم، بل تجربة قطيعة وكثافة. يحول بارت المعنى إلى حدث، شيء يحدث بين العلامة والموضوع، مما يولد المتعة وعدم الراحة.
- المعنى كمقاومة وحرية؛ يفهم بارت أيضًا المعنى باعتباره مساحة للمقاومة. إذا كان من الممكن استخدام أنظمة المعنى لتطبيع الإيديولوجيات، فيمكن أيضًا تقويضها. في كتابه ("متعة النص". 1973)، يستكشف بارت دور النص كفضاء للحرية، حيث يمكن للقارئ أن يلعب بالعلامات، ويعيد تفسيرها، بل وحتى تفكيكها.
بالنسبة لبارت، تكمن متعة المعنى في انفتاحه. يُنظر إلى تثبيت معنى واحد على أنه شكل من أشكال القمع، في حين أن تعدد التفسيرات هو شكل من أشكال التحرر. هذه النظرة تجعل المعنى ليس فقط مسألة نظرية، بل أيضًا أخلاقية وسياسية، لأن السيطرة على العلامات هي في نهاية المطاف سيطرة على كيفية إدراكنا للعالم وسكناه.
- أخيرًا: بارت وأفق المعنى اللانهائي؛ يعيد عمل رولان بارت تعريف المعنى باعتباره عملية ديناميكية ومتعددة وإنسانية عميقة. بالنسبة له، المعنى ليس مجرد آلية للتواصل، بل هو مجال للإبداع والمقاومة والاكتشاف. من خلال التشكيك في الهياكل الثابتة وإزالة الطابع الطبيعي عن الأساطير الثقافية، يدعونا بارت إلى رؤية العالم كنص مفتوح، حيث لا تُعطى المعاني، بل تتشكل باستمرار. تظل وجهة نظرك حول المعنى ذات صلة في عالم مشبع بالصور والخطابات. يتحدى بارت أن نتجاوز الواضح، ونستكشف الغامض ونقدر الدور النشط للموضوع في إضفاء المعنى. في هذه البادرة، يحول علم العلامات إلى ممارسة للحرية - احتفالًا بالثراء اللانهائي للمعنى والقدرة البشرية على إعادة اختراع العالم من خلال العلامات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Copyright © akka2024 المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 11/26/24 ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءة:الاغتراب والعبث الوجودي عند كافكا
-
مختارات هاينريش فون كليست الشعرية
-
توازن الثبات والإرادة المستديرة/ شعوب الجبوري - ت: من الألما
...
-
إضاءة: العصيان الوجودي عند هيرمان ملفيل/إشبيليا الجبوري - ت:
...
-
إضاءة: -بندول فوكو- لأومبرتو إيكو/إشبيليا الجبوري - ت: من ال
...
-
التعليم والتلقين/بقلم نعوم تشومسكي -- ت. من الألمانية أكد ال
...
-
المنفى ليس حقًا ولا عقوبة/بقلم جورجيو أغامبين - ت: من الإيطا
...
-
كيف يعمل المجتمع الاستهلاكي/ بقلم زيجمونت باومان - ت: من الإ
...
-
قصة قصيرة: متسولة لوكارنو/ بقلم هاينريش فون كليست - ت: من ال
...
-
السلام الرفيع/ بقلم هاينريش فون كليست - ت: من الألمانية أكد
...
-
التعليم والتلقين/بقلم نعوم تشومسكي - ت. من الألمانية أكد الج
...
-
رواية قصيرة جدا: زلزال تشيلي/ بقلم هاينريش فون كليست - ت: من
...
-
ما التفكيكية. وفقا لجاك دريدا؟/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفر
...
-
قصة -عودة المحارب-
-
نعوم تشومسكي… كيف يتحكم الأعلام في تصورنا للعالم؟/ شعوب الجب
...
-
الفيلسوف الذي لم يؤمن بفلسفته/ شعوب الجبوري - ت: من الفرنسية
...
-
لغز الفيلسوف مجهول الهوية/ الغزالي الجبوري - ت: من الفرنسية
...
-
القيم الفريدة في الأدب الروسي/ إشبيليا الجبوري - ت: من الإنك
...
-
الاختلاف العشرون / ألفارو بومبو - ت: من الإسبانية أكد الجبور
...
-
جائزة ثربانتس لعام 2024 من نصيب ألفارو بومبو، عن -عالم لا يف
...
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|