أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - منير زيدان: الطبيب الذي جعل الإنسانية مهنته الأولى














المزيد.....

منير زيدان: الطبيب الذي جعل الإنسانية مهنته الأولى


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 00:18
المحور: الادب والفن
    


في مدينة صور العريقة، وفي حي الحسينية المتواضع، ولد الدكتور منير إبراهيم زيدان في 5 ديسمبر 1943، ليكون منارة إنسانية وطبية في زمنٍ عصفت به الحروب وأثقلت كاهل الفقراء والمحتاجين. نشأ في كنف عائلة كادحة متواضعة، مستلهماً منها قيم الشرف، والكرامة، والتواضع، التي شكلت جوهر شخصيته الإنسانية. لم تكن صور وحدها من عرفت طبيبها، بل كل الجنوب اللبناني وكل من قصد عيادته المتواضعة في الحارات القديمة، التي أضحت ملاذاً للمستضعفين.

انطلق منير زيدان من صور إلى جامعات الاتحاد السوفيتي ليحقق حلمه في دراسة الطب، وتخصص في أمراض القلب والشرايين. عاد إلى وطنه في أوج الحرب الأهلية اللبنانية، حيث التقت مهنته بشغفه الإنساني. كان طبيباً ماهراً واسع الاطلاع، لكن مهارته الطبية لم تكن الشيء الوحيد الذي جعل اسمه يتردد في أروقة الأحياء والمخيمات. فقد اقترن اسمه بلقب "طبيب الفقراء"، لأنه لم يكتفِ بعلاج المرضى، بل كان يعالج جروح الإنسانية التي خلفتها الحرب والحرمان.

لم يبحث عن شهرة أو ثراء، بل عن قلوبٍ تطمئن ووجوهٍ تتخفف من الألم. كان يرى في المرضى أهله، وفي معاناتهم وجعاً شخصياً. لم يميّز يوماً بين مريض وآخر، فعيادته كانت مفتوحة أمام الجميع، بغض النظر عن الطائفة أو الانتماء. كان يعالج المحتاجين دون مقابل، وكأنما يرى في كل مريض فرصةً لتجسيد رسالته الإنسانية.

كان له علاقة خاصة مع سكان المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، حيث وجدوا فيه صديقاً وطبيباً وأخاً. تميزت صداقته بالشهيد الفلسطيني ديب الجسيم، ابن عشيرة عرب السّمنيّة، بأنها شهادة على التزامه بقضايا الأمة العربية وقيم العدالة. كان شاطئ صور يعانق شاطئ عكا في ذاكرته، وحلمه بزيارة فلسطين بقي يراوده حتى أنفاسه الأخيرة. رحل وهو يستنشق نسيم الجليل، يحمل أملاً لم يتحقق، لكنه ترك إرثاً يعبر عن هذا الحلم في محبته للفقراء وتضحياته من أجلهم.

لم يكن مجرد طبيب يعالج الأمراض؛ كان طبيباً يعالج الأرواح. لقد كان مفعماً بالحيوية والنشاط، صاحب أخلاق رفيعة ومروءة قلّ نظيرها. وفي زمن الحرب، حيث كان كثيرون يبحثون عن مصالحهم الشخصية، كان هو يبحث عن طرقٍ لإعانة المرضى الذين أغلقت في وجوههم الأبواب.

لقد أحبه الجميع؛ المرضى الذين وثقوا في علمه وطيبته، والأصدقاء الذين وجدوا فيه صديقاً نبيلاً، وحتى أولئك الذين لم يعرفوه شخصياً، لكنهم سمعوا عن قصص إنسانيته وشهامته. كان يعامل الجميع بمساواة، ويضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار، رافعاً شعلة الإنسانية في زمنٍ غابت فيه عن كثيرين.
قصصه مع الناس لا تزال تُروى حتى اليوم. تلك المرأة التي لم تكن تملك ثمن الدواء، فأعطاها العلاج مجاناً ورافقها حتى استعادت عافيتها. أو ذلك الطفل الذي بكى من الألم، فوجد في لمسة الدكتور زيدان دفئاً أبوياً جعله ينسى وجعه.

في 6 تموز 2009، ودّعت مدينة صور طبيبها وأيقونتها الإنسانية. مشى خلفه الأحبة الذين عرفوا قيمته، والذين فقدوا معه عوناً وسنداً. دُفن في مدينته صور، المدينة التي أحب ووهب حياته لخدمتها وخدمة أهلها. بقي الحلم الذي لم يتحقق – زيارة أرض فلسطين – شاهداً على ارتباطه العميق بقضية شعبها، وبأمل التحرر الذي كان يؤمن به.
واليوم، في ظل العدوان والظروف القاسية التي تعيشها صور، يفتقد الناس أمثال الدكتور منير زيدان، الذين يحملون همّ الآخرين دون انتظار المقابل. صور، التي تتنفس صموداً وشموخاً، لا تزال تتذكر طبيب الفقراء الذي حمل ألمها على عاتقه، وجعل من إنسانيته جسراً يعبر عليه المحتاجون نحو حياة أكثر كرامة.

إنّ الدكتور منير زيدان ليس مجرد ذكرى في ذاكرة مدينة صور، بل هو درس خالد في العطاء والمروءة والشجاعة الإنسانية. لقد عاش حياة ملأى بالمعاني، ورحل تاركاً وراءه إرثاً من الحب والإلهام.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خضر محمد الأحول: وحلم العودة الذي لم يتحقق!
- أوراقٌ ضائعةٌ في صمت الذاكرة !
- طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!
- رسائل الحنين إلى طائر الغياب!
- الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي: سلاح خفي في عالم ال ...
- محمد نايف المحمود (أبو عماد): أيقونة الوفاء والانتماء في تار ...
- الرياضيات في التشفير والاتصالات: درع الأمان للمقاومة الفلسطي ...
- الرياضيات في مواجهة الإعلام المضاد: استراتيجيات فعّالة لمكاف ...
- أهمية تعلم الرياضيات: بناء العقل وتعزيز المهارات الحياتية
- الرياضيات في تصنيع الأسلحة والمعدات: قوة الابتكار لدى المقاو ...
- الذكاء الاصطناعي: ثورة التكنولوجيا وتغيير مستقبل الإنسان
- الذكاء الاصطناعي في خدمة الاغتيالات: استهداف المقاومين في فل ...
- نور الأمل
- مرارة الخيبة والأمل المستحيل !
- مرارة الخيبة وألم الخذلان !
- مرارة الخيبة وطعم الخذلان !
- علي كلّم (أبو لافي)-2/2: مرارة الخيبة وطعم الخذلان!
- علي كلّم (أبو لافي) : مرارة الخيبة وطعم الخذلان !
- علي كلّم( أبو لافي): رمز الصمود الفلسطيني وحكاية نضال لا تنت ...
- الطب الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - منير زيدان: الطبيب الذي جعل الإنسانية مهنته الأولى