|
حوار مع كميل داغر من ثلاثة أجزاء (3 من 3): حاوره في لبنان كارم يحيى
كارم يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 8100 - 2024 / 9 / 14 - 09:48
المحور:
مقابلات و حوارات
حوار مع "كميل داغر" شاعراً ومترجماً ومفكراً (3 من 3):
مفاجآت كبرى في طريقها للمنطقة والعالم ـ المرحلة الحالية انتقالية ولن تدوم طويلا ـ الثورات ستعود وتتكرر، انطلاقاً من الوطني مع الاقتصادي الاجتماعي ـ "حماس" حركة تحرر وطني، وإسرائيل أضعف مما كانت قبل 7 أكتوبر ـ المجتمع في لبنان يرفض واقعه، لكنه عاجز عن تغييره ـ كثيرون ادعوا الاشتراكية وأساؤوا إليها ـ الحركة الناقدة للستالينية لم تكن قليلة التأثير
حاوره في لبنان: كارم يحيى في الجزء الثالث والأخير من الحوار مع المفكر والمترجم اللبناني "كميل داغر"، يستكمل الإجابة عن أسئلة واقع الثقافة والسياسة في بلده، فيتحدث عن تجليات التغيير خلال ممارسات انتفاضة 17 تشرين أول/ أكتوبر19 20، وما انتهت إليه من إخفاق، وعن أسبابه. ويطرح تصوراته وأفكاره بشأن الحرب الجارية الصهيونية الأمريكية على غزة، وتأثيراتها المحتملة على المنطقة والعالم. كما يجيب عن الانتقادات الموجهة لتنظيمات "الأممية الرابعة" في المنطقة العربية. ثورة بنفس يساري بدون تنظيمات
• هل ترى أن التقسيم إلى يمين ويسار مازال ينطبق على الثقافة اللبنانية الآن؟ ـ يوجد يمين ويسار، بلا أدنى شك، في الثقافة بلبنان، إلى الآن. وكانت ثورة 17 تشرين الأول ( أكتوبر) 2019 تميل بشدة إلى اليسار، على الرغم من أن قوى يمينية عديدة حاولت ركوبها، والتشويش على نضالاتها وأهدافها. وحتى الناس الذين لم يطَّلعوا على فكر اليسار، كان عندهم موقف يمكن اعتباره يسارياً، وطالبوا بالعلمنة ورفض المجتمع الطائفي، وبالفصل الصريح بين الدين والدولة. وكان هذا واضحاً، بقوة، في المرحلة الأولى من هذه الثورة. وفي أول أيار ( مايو) 2020، برز تجمع للمتظاهرين بساحتي "الشهداء" و"رياض الصلح"، بوسط مدينة بيروت، ربما كان هو الأكبر في لبنان. وقاد هذه المظاهرة صحفيون وفنانون ومفكرون ينتمون إلى اليسار، بما هو سعي لتغيير الواقع، ومن أجل بناء عالم يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة والحريات. وهذه كانت أجمل مظاهرة، خلال ما اصطُلِح على تسميته بالثورة اللبنانية. • هل يقرأ اللبنانيون اليوم؟، وماذا تراهم يقرأون؟، وهل ترى الأمر مختلفاً عما كان في عقدي الستينيات والسبعينيات، وحتى التسعينيات؟ ـ لا أستطيع الإجابة بدقة، لأنني غير مطلع عن كثب على الأمر. وهذا خطأ من جانبي، لأنني لم اهتم بمتابعة هذه الظاهرة. لكن يمكنني القول بأن منطقة "ساحة الشهداء" خلال الثورة اللبنانية، في خريف 2019 تحولت إلى ساحة الحرية آنذاك، وشهدت تنظيم ندوات فكرية وسياسية في الخيام المنصوبة فيها. وهذه الخيام كانت بمثابة مدارس تكوين فكري وسياسي يومي. وهذا ما أرعب قوى الأمر الواقع التي أرسلت أنصارها على دراجات نارية ليستخدموا العنف ضد من كانوا بالخيام. بل لجأوا إلى العنف لمنع ندوات بعينها، وضد متحدثين تقدميين بعينهم. وفي هذا رد على من يقولون بأن البلد ليس به يمين ويسار. فما حدث في 2019 هو ثورة ذات نفس يساري. هذا مع أن التنظيمات اليسارية لم تلعب دوراً أساسياً في قيادتها. أين ذهب الثوار؟
• لو تفسر أكثر لنا ماذا جرى في ثورة 2019 من وجهة نظرك؟، وأين ذهب الثوار سياسياً، وخصوصاً من الشباب ؟، ولماذا؟. ـ سوف اكتفي بسرد بعضٍ من المواقف التي اتخذها المتظاهرون، في مواجهة رموز النظام القائم، ومؤسساته المختلفة. وهي تعكس الفرز الطبقي العميق داخل المجتمع. فكثيراً ما جرت مهاجمة المصارف والبيوتات المالية وغرفة الصناعة والتجارة، وغيرها من المؤسسات المرتبطة بالرأسمالية المحلية. كما أن المتظاهرين طردوا النواب والوزراء، وغيرهم من ممثلي النظام القائم من المقاهي والمطاعم، ومنعوا أعضاء المجلس النيابي من الوصول إلى البرلمان لحضور اجتماعات مجلسهم، ولا سيما حين كان مطلوباً منهم التصويت على قوانين وقرارات مناهضة للمصالح الشعبية. والأمر ذاته بخصوص الوزراء. وكثيراً ما وصل الأمر بشرطة المجلس النيابي إلى إطلاق العيارات المطاطية على عيون المتظاهرين أمامه. وحتى العيارات النارية في بعض الاحيان. وحين امتنع الجيش عن المشاركة في قمع المسيرات الشعبية، حلت محل جنوده وضباطه الميليشيات الطائفية، وفي مقدمتها أعضاء "حركة أمل" الطائفية الشيعية، وحتى مقاتلو "حزب الله"! * "حزب الله" المقاوم، وعدو الثورات في لبنان وسوريا، في الوقت ذاته؟، كيف تفسر هذا التناقض، وتتعاطى مع ذلك؟ ـ هذا ما حصل بالفعل، فكثيراً ما تولى مقاتلوه مهمة تفريق المتظاهرين، من على متون الدراجات النارية، وباستخدام شتى وسائل العنف. مرحلة رفض الواقع والعجز عن تغييره
• كيف ترى مستقبل الثقافة، وأيضاً الثقافة السياسية، في لبنان؟، وكيف ترى تفاعلها مع محيطها العربي؟. ـ نحن هنا في مرحلة انتقالية، ولايمكننا عزل مستقبل الثقافة عن وضع المجتمع الراهن، الذي يعيش هذه الحالة. والواضح أن المجتمع يرفض واقعه، لكنه عاجز عن تغييره، ولا سيما خلال المناسبات الانتخابية ، حين يعيد المتأذون من هيمنة أجهزة وزعامات طائفية، في منتهى الفساد والسطو على المال العام، انتخاب هؤلاء بالذات الذين يعرفونهم على حقيقتهم . كل الناس هنا تحكي ضد الحكومات الفاسدة التي تسيطر على المجتمع. وهذا ينطبق على لبنان وغيره من مجتمعات المنطقة العربية. وربما الجواب الأصح هو أن مستقبل الثقافة مرتبط بكيف سنخرج من هذه المرحلة الانتقالية، التي تتسم برفض المجتمع القائم والعجز عن انتاج مجتمع جديد. وهذا يرتبط بالسيرورة الثورية العربية، التي ظهرت في العديد من بلداننا، وتمت هزيمتها أو سحقها، على الاقل مؤقتاً. علماً بأن لدي اعتقاداً، بل أنا شبه واثق، بأن هذه الثوارت ستعود وتتكرر. ولكن ليس فقط انطلاقاً من القضايا الاقتصادية الاجتماعية. بل وأيضاً من القضية الوطنية، وحيث نشهد اليوم مجازر مروعة في غزة. هذه المجازر نجد صدى لها في كل أنحاء المعمورة، ويمكن أن تشكل منطلقاً للتغيير على صعيد العالم بأسره، وليس في لبنان أو المنطقة العربية فقط. "حماس" وتغيرات كبرى انطلاقاً من حرب غزة • وهذا على الرغم من أن المتصدر لمشهد المقاومة الفلسطينية فصيل له طابع ديني إسلامي (حماس)؟. ـ على الرغم من موقفي السلبي من الرئيس التركي الحالي "أردوغان"، وهو ليس مرجعاً صالحاً لتقييم الحركات الاجتماعية، لكنني أعتبر بدوري، وفي الوقت نفسه، أنها حركة تحرر وطني، بحسب التعبير الذي جرى على لسانه، في معرض تقييمه لها، لا مجرد منظمة رجعية تسترشد بالفكر الديني وأوهامه، كما يعتقد كثيرون. • إلى أين ينتهي ما يحدث في غزة؟، وكيف ترى تأثيراته المحتملة على المنطقة؟ ـ أعتقد أن مفاجآت كبرى في طريقها للمنطقة، وستحدث خلال المرحلة المقبلة. وكذا في العالم بأسره. فلننظر إلى المظاهرات الشعبية الكبرى التي تجتاح العالم. ومعناها الأساسي أن القضية الفلسطينية الآن سوف يكون لها تأثير أكبر من حرب فيتنام، وما شهدته من التضامن العالمي مع الفيتناميين في سبعينيات القرن الماضي. ولاسيما أن كل شيء أصبح مكشوفاً، ويجري بثه مباشرة على الهواء، صورة وصوتاً، وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة. وهذا يساعد على تعبئة كبرى، وبخاصة في أوساط الشباب، وعلى صعيد عالمي. بالمقابل، لا نشهد لهذه الحالة مثيلاً في المنطقة العربية، بسبب طبيعة الأنظمة القمعية المسيطرة حتى الآن، وإن كان هذا الواقع مرشحاً للتبدل، لاحقاً. • وكيف يستفيد اليسار من الصعود الاجتماعي والطلابي بأوروبا وأمريكا المتفاعل مع القضية الفلسطينية والحرب على غزة ؟. ـ سيتمكن من ذلك، لأن موازين القوى تتغير هكذا بعمق، لغير صالح الهيمنة الامبريالية الغربية، ودعم هذه الاخيرة غير المحدود لدولة العدوان. ولأن هذه المتغيرات في الموقف العالمي ستساهم في مساعدة الجماهير الكادحة العربية والمغاربية على إطاحة أنظمة الخيانة والاستبداد القائمة، وتقريب أجل نهاية دولة "الأبارتايد"، بما هي دولة عنصرية مفرطة في الإجرام وتقاليد الإبادة للجنس البشري. إسرائيل أضعف مما كانت قبل 7 أكتوبر
• هل هناك أمل؟ - نعم.. أرى أن هناك أملاً. "يتهمني" الكثير ممن يعرفونني بأنني دائم التفاؤل. وهناك من يرى أن ما يجري حالياً في فلسطين يدعو لليأس. وثمة إحباط عميق، ولاسيما بسبب فشل الثورات التي حدثت في العقد الثاني من هذا القرن، بمنطقتنا. لكنني لست محبطاً، وأنظر للتاريخ على أنه يمتد على أمد طويل، لا مجرد يوم أو يومين. وما يظهر الآن يدل على إمكانات كبيرة لتغيير الواقع القائم. وفي تقديري أن إسرائيل، على الرغم مما يتوافر لها من إمكانات، هي أضعف بما لا يقاس مما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. فهناك تغير هائل في الرأي العام العالمي، وهذا من شأنه أن يأتي بمفاجآت ليست في مصلحة إسرائيل. وسيكون هناك عالم جديد لن يتأخر مولده كثيراً، ولن يكون في مصلحة العدو الصهيوني، ولا الولايات المتحدة، بنزعتها الاستعمارية العدوانية المعادية للشعوب. في عهد "لينين"، وعندما حكى في كتاب "ما العمل؟" عن أهمية الوعي ونقله، لم تكن هناك وسائل اتصال كما هي عليه الحال الآن. فاليوم يمكن للوعي أن يتشكل بدون مساعدة مباشرة من فريق من الناس. لكن هذا لا يلغي الأهمية القصوى للتنظيم. الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين فشلت بسبب غياب التنظيم. وإذا أصبحنا نرى اليوم قدرة لدى الناس على الوصول إلى المعرفة، على نحو غير مسبوق، فإن هذا سيساعد على أن يعثروا على أشكال التنظيم المناسبة. أعتقد أن هناك أشياء كثيرة بسبيلها إلى أن تتغير، إن لم يكن في الشهور القادمة، ففي السنوات القريبة. ولن تتوقف السيرورة الثورية، إذ لن تحل الرأسمالية شيئاً من أزمات الدول والجماعات البشرية. وانطلاقاً من هذا، ينهي "جلبير الأشقر" كتابه "الشعب يريد"، بالرهان على المستقبل، مستشهداً بقول الجنرال "ديجول"، في خاتمة مذكراته: "المستقبل يدوم طويلا". وأنا أميل للاعتقاد بأن هذه الفترة الزمنية الحالية لن تكون طويلة، وسيصبح هناك واقع آخر غير الذي نعيشه. ولن يحدث هذا بمجرد الأمل، ليس إلا. فالأمل يحتاج إلى عمل، وأن يسخر الناس كل جهودهم لكيلا يضيع سدى. وعموماً، أعتقد أن الناس ستدافع عن نفسها. في 1948، هرب الفلسطينيون من فلسطين، "طلعوا وما رجعوا". والآن يحدث ما يحدث في غزة من فظائع، ومع ذلك، لم يخرج الناس الى المنافي. وهذا أمر له معنى. فالناس تستفيد من دروس تجربتها، ولن تقبل باستمرار سحقها. وآمل أن تدافع البشرية عن نفسها في كامل المنطقة العربية، كما في غيرها من أنحاء العالم. عن المثقف العضوي، والمثقف المبدع، ومسألة الوعي، على الطريق الى التغيير
• كيف تلخص من واقع خبرتك الثقافية، على مدى نحو نصف قرن ومن بيروت، علاقة الثقافة والإبداع بالسياسة، في سياق اللحظة الراهنة؟ ـ لا شك أنك سمعت بمقولة "المثقف العضوي" لـ "جرامشي"، وما له من دور أساسي في تغيير السياسة القائمة وفي الواقع القائم على الظلم الاجتماعي والاضطهاد والقمع. وأنا موافق على مقولة "جرامشي" من دون أدنى شك، وعلى رؤيته لعملية التغيير. لكن في نفس الوقت، أظن أن المثقف الحقيقي، وليس المتعلم وحسب، يلعب دوراً مهماً على المستوى السياسي بشكل غير مباشر، ولاسيما المثقف المبدع. وليس بالضرورة أن يختص بهذا الدور "المثقف العضوي"، الذي يؤثر بشكل مباشر. ولنأخذ "جبران" مثلا. هو لم يكن "مثقفاً عضوياً". وكذلك "فكتور هوجو"، عندما كتب رواية "البؤساء". لكن كان لكتاباتهما تأثيرٌ عميق في الناس. وهذا بسعيهما للخروج من حالة العبودية، في ظل السيطرة الطبقية، إلى عالم من الحرية والعدالة والفرح الذي يتوق إليه الناس. وفي ظل الواقع الراهن وانتشار وسائل التواصل الجماهيري، ووصول الناس السهل والمتسارع إلى هذه الوسائل، لم يعد الناس بحاجة لانتظار معرفة ما يجري من جرائد الطبقة المسيطرة، التي تعتم على أعمال هذه الطبقة. وانطلاقاً من ذلك، أصبح هناك إمكانية للتوصل إلى الوعي أفضل بكثير مما في عصور سابقة. علاقة نفعية مع الاشتركية • لماذا مع أهمية وعمق ما قدمَه الماركسيون الثوريون العرب، مع آخرين من منظري ومبدعي "الأممية الرابعة"، باللغة العربية، من نقد للستالينية، لم يسفر كل هذا عن حضور لهذه الأممية يماثل ما "للشيوعيين التقليدييين"، أكان على مستوى الجماهيرية أو على صعيد التنظيم، في منطقتنا العربية؟. بل هناك من يرى أن هذا الحضور ظل هامشياً مع استمرار أمراض الانقسامات وغياب الديمقراطية الداخلية. واسمح لي، ولو انطوى الأمر على قسوة لفظية، بالقول بأن رموز "الأممية الرابعة" عندنا، كان العديد منهم، في جوهر الممارسة، "ستالينيين"؟ ـ أظن أنك تريد الإشارة الى قلة الممارسة للديمقراطية التنظيمية، لدى بعضهم. وفقط على هذا الصعيد. علماً بأني أفضل، بالضبط، احلال كلمة "بعض" محل كلمة "العديد". ومن جهة أخرى، فعلى امتداد تاريخ الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك مرحلة انهياره، هو والمعسكر الذي تحلق حوله، كانت القدرات المادية تتوفر حصراً، وفي معظم الاحيان، عند الحركات الموالية لموسكو. هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الناس، وفي الكثير من الحالات، ينظرون إلى علاقتهم بالاشتراكية، بمنظور نفعي. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وجدنا حتى قادة في الحزب الشيوعي اللبناني يتبرأون من الماركسية، ويصفها أحدهم بال"جثة النتنة". وفي الحقيقة، فإن كثيرين ممن ادعوا تبني الاشتراكية، أساؤوا إليها أيما إساءة. ولا نستطيع القول بأن الحركة الناقدة للستالينية، وبوجه خاص، من تطلَق عليهم تسمية "التروتسكيين"، كانوا قليلي التأثير. فمعظم حركات الكفاح المسلح، في أميركا اللاتينية، التي جاءت بعد مصرع "جيفارا" ببوليفيا، كان لها موقف نقدي من الاتحاد السوفييتي، تماماً مثلما كان موقف "جيفارا". وهي أشاعت موجة هائلة من رفض الواقع القائم. ولنأخذ ثورة أيار ( مايو) 1968 في فرنسا، فنرى أن من لعب دوراً أساسياً فيها هو فكر الماركسيين الثوريين، الذين كانوا أقرب ما يكونون الى فكر تروتسكي وقادة أساسيين في الأممية الرابعة، فضلاً عن ممارستهم. وهذا على خلاف موقف الحزب الشيوعي الفرنسي. • وكيف تقيِّم تحديداً تجارب تنظيمات "الأممية الرابعة" في المنطقة العربية؟، ولماذا لم تتخط النخبوية والهامشية؟. ـ بالنسبة لتقييم هذه المنظمات، يمكن القول بأنه، في أحيان ولو قليلة، أصابت بعضها أمراض "الستالينية"، بشكل أو بآخر. وهذا كان بين أسباب الدور الهامشي لديها. كما أن إمكانات التأثير كانت بين أيدي القوى التي تحظى بدعم المركز السوفييتي، الذي كان يمتلك الإمكانات المادية الواسعة، ويغدقها على أنصاره والتابعين له، عبر العالم، بلا حساب، ومن ضمن ذلك، في المنطقة العربية. علماً بأن هذا المركز والتنظيمات المرتبطة به كانوا يتفننون، أيضاً، في نشر الإشاعات الكاذبة عن القوى المناهضة لخطه، ويحولون هكذا دون انتشار تأثيرها. ديمقراطية الطبقات الشعبية
• كيف ترى اليوم وبإيجاز مسألة الديمقراطية والقوميات، في التجارب المسماة بالاشتراكية، في منطقتنا؟. - اولاً، لا أظن أنه، باستثناء كوبا المعزولة وقليلة الإمكانات، ثمة بلدان تصف تجربتها، اليوم، بالاشتراكية. وإذا استثنينا الاتحاد السوفييتي، في الأشهر الأولى بعد انتصار ثورة اكتوبر وقبل اندلاع الحرب الأهلية وتوسعها، لم يشهد أي من البلدان التي عرفت ثورات مناهضة للرأسمالية ديمقراطية عمالية حقيقية، وحلاً سليماً لقضية القوميات. وبخصوص بلداننا العربية، حيث ليست قضية الاشتراكية مطروحة في اي منها، في أيامنا هذه، فبين المهام الاساسية المفترض أن تضطلع بها الثورات القادمة إشاعة ديمقراطية فعلية لا يمكن ان تكون إلا ديمقراطية الطبقات الشعبية، ولا سيما الديمقراطية العمالية. وفي الوقت نفسه إعطاء القوميات غير العربية حقها في تقرير مصيرها، تماماً كما فعلت الثورة البلشفية في ظل "لينين"، مع القوميات غير الروسية. تناول أكثر حذرا لاستخدام مصطلح الفاشية
• هل يمكن أن تظهر "الفاشية" في مجتمعات لم تتطور رأسمالياً؟، كما هو حالنا. ـ بشكل أساسي يجري النظر إلى "الفاشية" بوصفها أزمة عميقة في تطور الرأسمالية، مثلما جرى في ألمانيا بعد الانهيارات الكبرى، عقب الحرب العالمية الأولى. وبدون أدنى شك يجري التركيز، عند النظر إلى الفاشية،على المظاهر التي تعبر بها عن نفسها، مثل اللجوء للقمع تجاه القوى المعادية للرأسمالية، سواء كانت أحزاباً يسارية أو نقابات. وهنا تدافع الرأسمالية عن نفسها بممارسة أقصى أشكال الاضطهاد. ومن المعروف كيف تعاملت النازية مع النقابات والشيوعيين والاشتراكيين، وصولاً إلى جريمة الحرب العالمية الثانية، والأعمال العنصرية ضد اليهود وجماعات أخرى كالغجر. ولكن هذا هو المفهوم التقليدي "للفاشية". وبشكل عام، يجري الحديث عن "الفاشية"، في المجتمعات المتخلفة، في سياق الاضطهاد والقمع الديني العنصري. وأنا أميل إلى تناول علمي أكثر حذراً. ولنأخذ مثلا السلطة اللبنانية التي تعاملت مع انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 بوسائل قمعية، بما في ذلك إطلاق النار على عيون المتظاهرين، وهي بالطبع ظواهر بشعة لدفاع السلطة الرأسمالية عن نفسها ومصالحها. لكن ليس لنا أن نصف طبيعة سلطة معينة "بالفاشية " لمجرد أنها تستخدم مثل هذه الوسائل القمعية، وتمارس الاضطهاد ضد الطبقات الشعبية وحقوقها السياسية. ولست ميالاً لاعتبار هكذا سلطة قمعية سلطة "فاشية"، رغم طبيعتها القمعية. وهذا لأن "الفاشية" تظهر بوجه خاص، عند سيطرة الرأسمالية المالية، ولا سيما خلال احتدام أزماتها. تجربة من بلدته "تنورين" وتحولاتها • قبل هذا الحوار، حدثتني في غير مناسبة عن تحليلك للصراع الاجتماعي في بلدتك وموطن عائلتك "تنورين"، هل تود إلقاء القليل من الضوء هنا على استخلاصاتك من واقع معايشتك لتحولات البلدة وأهلها، كدراسة حالة أو نموذج استرشادي لما يجري في لبنان؟. ـ حدثتك عن تجربتنا كيسار، في مرحلة بعيدة من تاريخ تلك البلدة، وبالتحديد في سبعينيات القرن الماضي، وقبل بدء الحرب الأهلية. آنذاك، كانت لا تزال هناك علاقات شبه اقطاعية، تتلازم مع دخول الرأسمالية، ولو باشكال متواضعة. وقد قيض لنا ان نلعب دوراً، على قدر من الاهمية، في تقليص تلك الهيمنة ما قبل الرأسمالية، وتحسين شروط عمل فلاحي بلدة "وطى حوب" (وهي تابعة لبلدية تنورين، وجزء لا يتجزأ منها)، الذين كانوا يعملون شركاء في أملاك الدير، مالك الارض التي كانوا يعملون فيها. أكثر من ذلك، تمكنا من ان نفرض على الحكومات المتعاقبة تقديم خدمات اساسية، كالماء والكهرباء والاستشفاء والتعليم، سبق أن امتنع نواب المنطقة عن المطالبة بها، فضلاً عن تأجيل انخراط أهل تنورين في الحرب الاهلية الطائفية، على الاقل لمدة سنة واحدة. وفضلاً، أيضاً، عن المساهمة عن كثب في إنقاذ غابة الأرز الدهرية التي كانت بدأت تيبس بسبب آفات حشرية أصابتها بالمرض. وهي عملية تطرح نفسها من جديد، بقوة، مع الانتشار المتجدد لتلك الآفات. وربما ليس أقل أهمية أننا وظفنا وصولنا الى قيادة أكثر من جمعية ثقافية وبيئية، لنقل أفكار الصراع الطبقي والتغيير الاجتماعي وحماية البيئة، إلى بلدة تقع في أعالي جبال بلدنا، وعلى مسافة بعيدة جداً، نسبياً، من المركز، أي العاصمة، بيروت. لا بل نجحنا في إعادة وصل هذه البلدة القابعة في جرود لبنان، بالمنطقة الواسعة التي ينتمي اليها هذا البلد، أي المنطقة العربية، بعامة، ومصر بوجه خاص، عبر إعادة تسليط الضوء على رموز منها عملوا في الصحافة والفكر، والنضال القومي والسينما، "كأسعد داغر"، صاحب جريدة القاهرة(1953-1958) وأحد مؤسسي الجامعة العربية(1945)، و"آسيا داغر" و"ماري كويني"، اللتين اشتغلتا في التمثيل، والإنتاج السينمائيين.، وكان لهما دور اساسي في إطلاق الفن السابع المصري. و كان ذلك عبر تكريم هؤلاء جميعاً في مسقط رأسهم بالذات(أسعد في 28 ايلول/سبتمبر 1974، وآسيا وماري في أواخر الشهر نفسه من العام 1995)، وذلك، في حضور وطني وعربي لافتين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#كارم_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع كميل داغر من ثلاثة أجزاء ( 2 من 3): حاوره في لبنان ك
...
-
حوار مع كميل داغر من ثلاثة أجزاء: حاوره في لبنان كارم يحيى
-
تونس جديد -جمنة -...تجربة تعاضد على مفترق طرق
-
هل المجلس العسكري فوق النقد؟
المزيد.....
-
اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟
...
-
ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية
...
-
البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت
...
-
تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها
...
-
قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي
...
-
خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
-
بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر
...
-
مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال
...
-
قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|