أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - العرب في اسرائيل، بين محنة حاضرة ونعمة مشتهاة















المزيد.....

العرب في اسرائيل، بين محنة حاضرة ونعمة مشتهاة


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 7931 - 2024 / 3 / 29 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سأبدأ مقالتي بقصة كان قد رواها لي المهندس الزراعي الراحل عبد الرحمن النجاب ابن قرية جيبيا من قضاء رام الله قبيل رحيله عام 2018 . كان عبد الرحمن النجاب من اوائل خريجي مدرسة "خضوري" الزراعية وأحد أبرز الطلائعيين التقدميين في تطوير علم الزراعة في فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى وفاته عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عامًا. والقصة تتحدث عن ضابط بريطاني كان مسؤولا في مدرسة "خضوري" زمن الانتداب البريطاني على فلسطين؛ كان يعمل لديه في القسم طبْاخ مصري. بلغ الضابط بان هذا الطباخ كان نمامًا وثرثارًا ويكثر من انتقاد الانكليز وممارساتهم ضد العرب. استدعى الضابط طباخه وبدل ان يعاقبه قرر نقله الى سلك الشرطة وراح يعجل في ترقياته الى ان بلغ رتبة شاويش وعندها قرر طرده من العمل. تساءل الناس وتعجبوا من موقف الضابط، فاجابهم : لو طردته وهو يعمل طباخًا لوجد بسهولة الفرصة ليعود الى مهنته كطباخ، اما اليوم فلن يجد من يشغله شاويشًا، وفي نفس الوقت لن يرضى بالعودة للعمل طباخًا، فنفسه، بعد ان ذاقت نعمة ان تكون شاويشا، ستأبى ان يعود الى المطابخ. انه خبث المستعمرين منذ مئات السنين وعلاقتهم برعاياهم وابقاؤها متوترة بين محنة حاضرة دومًا، ونعمة موهومة ومتأرجحة. فهل تغيرت احوالنا نحن اهل فلسطين عبر السنين؟ ربما !
نشر قبل يومين نبأ افاد بان الجامعة العبرية تراجعت عن قرارها بتعليق عمل بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان, وموافقتها على عودتها لمزاولة كافة مهامها في الجامعة على الفور. وجاء القرار في اعقاب جلسة عقدت يوم الاربعاء الفائت بمشاركتها ومحاميها مع ادارة الجامعة العبرية ممثلة بعميدها بروفيسور "تمير شيفير".
لم ينل هذا الخبر في الاعلام العربي الاهتمام الجدير به؛ فاعلانه تم على موجة خافتة وخجولة وعلى طريقة البيانات الثورية المقتضية، علمًا بأن قضية البرفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان تحولت في الشهر الماضي الى قضية رأي عام ليس داخل اسرائيل وحسب، بل في محافل دولية عديدة .
قد يكون السر وراء هذا التباين بين الضجة الكبيرة والمباركة التي واكبت عملية فضح موقف الجامعة العبرية في البداية، وبين الكشف، في النهاية، عن هذا الانتصار بوشوشة وادعة، قابعا في التنافر والتوتر الدائمين بين شعورين/ حالتين ما زال المواطن العربي في اسرائيل يعيش تحت وطأتهما وهما : الشعور بالمحنة والرغبة بالنعمة ؛ فمعظم المواطنين لا الاكاديميون وحسب يقضون لياليهم وهم يتأرجحون بين تينك المنزلتين، ويتخذون قراراتهم في النهاية، على الاغلب، وفقا لمصالحهم الشخصية.
لقد بررت ادارة الجامعة، حينها، قرارها المذكور بحجة ادلاء المحاضرة نادرة شلهوب بتصريحات تحريضية ضد اسرائيل التي ترتكب الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في غزة، وبأنها شككت بالادعاءات الاسرائيلية حول قتل الاطفال واغتصاب النساء خلال الهجمة التي نفذتها عناصر حركة حماس في السابع من اكتوبر المنصرم. حاولت ادارة الجامعة الدفاع عن قرارها وتمسكت به مؤكدة ان ما دفعها لاتخاذه ليست تصريحات ورأي نادرة شلهوب حيال الجرائم ضد الانسانية التي تنسبها لاسرائيل في غزة، ولا رأيها في قضية الابادة الجماعية، بل انكارها العلني لقضيتي قتل الاطفال واغتصاب النساء في السابع من اكتوبر وعدم وقوفها مع الضحايا.
موقع "كان "بالعبري تطرق لقرار اعادة نادره شلهوب بخبر نشر مساء الاربعاء الفائت واكد فيه على ان ادارة الجامعة اتخذت هذا القرار بعد "أن اوضحت البروفيسور انها كباحثة نسوية نقدية تصدق اقوال جميع الضحايا ولا تشكك باقوالهن ، واوضحت كذلك انها لم تنكر حقيقة تنفيذ افعال الاغتصاب كجزء من هجمة حماس", وعلى ضوء هذا التوضيح فقد تمت اعادتها الى صفوف الجامعة. بينما نشرت جريدة هآرتس في نفس اليوم خبرا مفاده "ان بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان ستعود للتعليم بعد ان اوضحت انها لا تشكك بحقيقة وقوع اعتداءات جنسية في هجمة السابع من اكتوبر" .
نحن نعرف مدى مصداقية الاخبار التي تنقلها وسائل الاعلام العبرية بشكل عام، لا سيما في هذه الايام، حيث نرى كيف تجندت معظم تلك الوسائل والمنصات الاخبارية كابواق دعائية رخيصة وخطيرة لنشر الاكاذيب وللتلفيق وللتغطية على الجرائم التي ترتكب في غزة وللتحريض على كل من يقف ضد الحرب ويطالب بايقافها الفوري. ولاننا نعرف هذه الحقيقة، ولاننا بصدد قضية ذات أبعاد واسقاطات عامة وهامة كانت استحوذت على اهتمام الرأي العام، كان من الضروري ان نسمع من بروفيسور نادرة شلهوب تفاصيل لقائها مع عميد الجامعة، فما نشر حوله كان تلغرافيا وترك مساحات للتأويل وللغصة .
لقد سمعت في البداية خبر اعادة البروفيسور نائلة شلهوب لعملها من صديق قابلته مساء الاربعاء الفائت. لاحظت انه كان غاضبًا لحظة وصوله الى لقائنا في احد مقاهي الناصرة؛ وعندما استفسرت منه عن سبب غضبه افادني بان مذيعا في احدى محطات الراديو العبرية كان يعلن نبأ اعادة المحاضرة العربية الى عملها في الجامعة العبرية متبجحًا انها اعتذرت عن اقوالها السابقة وتراجعت عنها امام عميد الجامعة. واضاف صديقي: اذا كان هذا الخبر صحيحًا فما قامت به يعتبر تراجعًا عن موقفها المبدئي المحق، وصفعة في وجوه حملات التضامن والمتضامين، فالقضية وان كانت في البداية شخصية تبقى في النهاية قضية عامة.
لم نعرف تفاصيل ما حدث في تلك الجلسة، لكننا لاحظنا بأن ما نقله موقع " كان" كان شبيها لما نقله بيان صدر باسم البروفيسور من جهة محاميها، مع وجود بعض الفوارق والنواقص في المعلومات التي أدت الى نشر روايتين مختلفتين ومتناقضتين . فوفقا للرواية التي نقلتها المواقع العبرية فهمنا بان البروفيسور تراجعت عن انكارها لعمليات اغتصاب النساء في السابع من اكتوبر بطريقة رضيت بها ادارة الجامعة، بينما فهمنا من الرواية الثانية بان ذراع الجامعة قد لوي وانه تم الانتصار على قرارها الفاشي وذلك لان البروفيسور نادره شلهوب اكدت على مواقفها ازاء ما تقترفه إسرائيل في غزة وطالبت بعدم معاقبة الطلاب الذين آزروها واكدت كذلك على انها "كباحثة نسوية نقدية، على موقفها الاخلاقي والاكاديمي الذي يحرص على قبول روايات النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية بغض النظر عن قومية النساء وجنسياته". وهو نص مشابه لما جاء في خبر موقع "كان" لكن سياقه في وقائع الجلسة بقي غير مؤكد فبقيت الحقيقة اسيرة عند من حضر وشهد الجلسة ورهينة عند من يجيد التأويل ومن يُعمل خياله. فهكذا نحن يا دنيا، نحيا، كعرب في الداخل، بين كر وفر ونمضي نحو غدنا المجهول.
طال النقاش بيننا فعرجنا خلاله على اوضاع الاكاديميين العرب في الدول العربية وعلى هوامشهم في التعبير عن ارائهم ومعارضة حكامهم المستبدين، وحاولنا ان نضع حدود معادلة حرية المواطن العربي في ابداء رأيه المعارض لسياسات الحكومة وممارساتها في السياق الاسرائيلي الراهن، والعلاقة بين ضرورة تمسك الفرد بموقفه المبدئي باسم الدفاع عن الرأي وعن حقوق مجتمعه، وبين اختياره للنجاة الشخصية واعتبارها انجازا ونصرا. ثم عدنا الى مواجع واقعنا ويقيننا بان هذه الحادثة سوف تنسى سريعا كما نسيت معظم قضايا الضحايا العرب الذين لم ينجحوا في اقناع مؤسساتهم باعادتهم للعمل بعد ان طردوا أو لم يرغبوا في السعي وراء ايجاد مخرج توافقي يتيح عودتهم الى امكنة عملهم. وضحكنا بوجع على قصة الطباخ المصري وخبث المستعمرين، وقلنا: هكذا نحن يا دنيا، عرب مثل باقي العرب، نعيش بين هاويتين : محنة حاضرة ونعمة مشتهاة ومتأرجحة، فلا يلومن احد ضحية تفتش عن نجاتها.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنازة للعدل في حيفا
- لو أردنا وعملنا لنجونا
- من تراتيل اذار ، نار الحرية خالدة
- انتخابات المجالس المحلية في اسرائيل بين حربين: غزة وصناديق ا ...
- عندما خسرت القدس -شرقها-
- أفراح فلسطينية ملفعة بأكفان
- قدر بين صمتين: صمت الحكمة والحالمين وصمت العاجزين والغافلين
- هل سيبقى الخوف سيدا في أماكننا
- هل يُشرق العدل في هاغ أم يَشرق؟
- حجة المعقولية، حد فاصل بين اسرائيليتين
- ميلاد تحت الركام، ليس بالدين وحده يحيا البشر
- هل واجهت اسرائيل في اليابع من أكتوبر خطرا وجوديا ؟
- من يشفينا من هذا الشلل؟
- صفقة برسم الجغرافيا ، الفلسطينية حينًا والاسلامية حينًًا
- من لا زيتون له فلا قبر له ولا وطن
- كنت أريد أن أبكي ليراني يقول ابن الضحية.. كنت أريد أن أعيش ل ...
- ماذا بعد أن تنتهي الحرب على غزة؟
- ليل غزة نار ودموع وليل الفلسطينيين طويل
- الفلسطينيون في اسرائيل، بين صمت-مثالي- وخوف عاقل
- بين طوفانين، البحر أمامنا وخيال نكبة وراءنا


المزيد.....




- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - العرب في اسرائيل، بين محنة حاضرة ونعمة مشتهاة