أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد حسن يوسف - حكايات جنة عدن















المزيد.....

حكايات جنة عدن


خالد حسن يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 20:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جنة عدن التي يتحدث عنها القرآن الكريم لا تكمن في بلدة عدن اليمنية، بل هي جنة مجازية موعودة لعالم أخر، ويؤكد القرآن أنها في الجنة، وأنها لم تقم على الأرض وبتالي فإنها لا تمت بصلة إلى مدينة عدن، كما أنها لغويا تكتب بصورة مختلفة عن مسمى المدينة المذكورة، حيث يرافق التنوين بالكسر إسم عدن.

ويعتقد الكثير من الناس أنها ستتحقق في عدن اليمنية، إلا أن الأخيرة كانت دوما قاحلة وبركانية، وهي ساحلية وتاريخيا ظلت مساحتها صغيرة للغاية، حيث كانت محصورة بمنطقة عدن المقابلة لساحل صيرة في حي كريتر البركاني.
والذي كانت مبانيه لا تتجاوز مساكن شعبية مصنوعة من الأخشاب وبعض البيوت الطينية، ومن ثم تمددت عدن(حي كريتر)، مع إرساء الإدارة والمصالح البريطانية وقدوم الهجرة الخارجية والنزوح من الجهويات اليمنية.

وعندما احتلت بريطانيا عدن في عام ١٨٣٩ بدأت تنشئ فيها معسكراتها ومستودعاتها ومباني إدارية، وتشير الأدبيات اليمنية أن السكان الذين واجهوا الاحتلال البريطاني عند اقتحامه لعدن، كانوا في حدود ٦٠٠ نسمة، ورغم تفاوت الفارق في ميزان القوى ما بينهم والاحتلال إلا أن الأخير قد واجه مقاومة شديدة من قبل الاهالي.

وخلال الفترة ١٨٣٩١٩٤٠ طغت على سياسة بريطانيا تجاه جعلها قاعدة عسكرية، الا أن ذلك لم يحول دون تنميتها تجاريا، وبذلك أصبحت مركز تجاري للجزيرة العربية وشرق أفريقيا، وحينها بدأت أحيائها السكانية في النمو والإعمار، وشهدت المدينة خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين حركة هجرة ونزوح إليها من أرياف الجنوب،تعز واب،الصومال وعفر إريتريا، ناهيك عن أن بريطانيا جلبت الآلاف من الهنود المسلمين والهندوس والذين أصبحوا فيما بعد جالية كبيرة ومواطنين.

ومع ظهور النفط في الخليج العربي من عقد الأربعينات، بدأت في بناء مدينة عدن ومينائها واحيائها المختلفة، وحينها تشكلت مدينة عدن الحالية، فالطفرة النفطية الكبيرة في إمارات الخليج والسعودية ساهمت بشكل كبير في الإستثمار بمدينة عدن، وانعكست بدرجة أولى على حالة العمران والبناء التي تأسست تدريجيا.

وأدت إلى إهتمام كبير في الحركة التجارية للمدينة سواء أكانت القادمة من الخارج أو إعادة تصدير البضائع الخارجية مجددا، وهو ما أدى إلى توسيع ميناء عدن، والذي أصبح يستقبل كم كبير من السفن العالمية، وقد شجع النشاط التجاري الذي كان قائما العديد من أبرز البنوك العالمية للمساهمة في الحياة الاقتصادية.

كما أن انتهاء حالة النزاع الذي كان قائما ما بين المملكة المتوكلية اليمنية وبريطانيا في عقد الثلاثينات، وتكلل بسيطرة الإمام يحي حميد الدين على محافظة البيضاء الجنوبية في عام ١٩٣٥، كان له دور في ترتيب بريطانيا أوراقها في الجنوب اليمني، وتجسيد حالة استقرار أكبر في مستعمرتها عدن.

وقد تشكلت فئة استفادت من حالة الخدمات التي كانت تؤديها للإدارة البريطانية ومصالحها، وانتقلت فيما بعد إلى القطاع التجاري والاستثماري، وساهم هؤلاء من يمنيين،هنود وصومال في اعمار المدينة والحركة وتطوير الحركة التجارية في المدينة، بالإضافة إلى بعض الأجانب الأوروبيين.

وبدورها ساهمت سلطنات العبدلي،الفضلي ودثينة في لحج وأبين، والقعيطي والكثيري في حضرموت في واقع إعمار عدن وتطويرها، وتشكلت بيوت تجارية منحدرة من شمال اليمن، ممن لعبوا دور في الحركة التجارية وربطوا عدن بالمملكة المتوكلية اليمنية، وبذلك أصبح ميناء عدن برافد اقتصادي لحياة الكثير من اليمنيين.

ومن جانبها أسست الشركة البريطانية للبترول أكبر مصفاة نفطية على مستوى الجزيرة العربية في حي البريقة(عدن الصغرى)، وبحيث تم استيعاب تكرير النفط القادم من الخليج العربي وإيران وإعادةتصديره، وأصبحت عدن حينها كواحدة من أهم المحطات العالمية لتزويد السفن بالوقود والمياه والمؤن الغذائية.

وشكل الصومال كمخزن غذائي لعدن والقاعدة العسكرية البريطانية في المستعمرة، إذ كان يتم جلب اللحوم بهيئة مواشي من السواحل الصومالية وابرزها مدينة بربرة، ومصدر للجلود،المر،اللبان والبخور، وتصدير الكثير من صادرات عدن التجارية إلى هذا البلد.

وهكذا تأسست أحياء المعلا والتواهي اللذان ضما واحد من أهم موانئ المدينة، وازدهار المعلا بعد أن كانت مجرد أرض خلاء خالية من العمران ومحصورة في المساحة ما بين الساحل وجبل شمسان، وتم بناء أبرز شوارعه الرئيسية في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، والأمر ذاته بالنسبة لحي التواهي الذي تم تعمير سواحله وجباله التي شهدت حركة بناء كبيرة، وإنشاء المباني الحكومية لسكن الموظفين والعمال.

بينما عمرت البرجوازية اليمنية والهندية ويهود اليمن ومعهم الطبقة الوسطى حي عدن(كريتر)، والذي أصبح أبرز حي تجاري والأكبر مساحتا حينها على مستوى عدن المدينة. وتم الاستعاظة عن تلك البيوت الصغيرة ذات الغرفة الواحدة، ببنيات ومنازل أكبر حجما، الا أن أصبح الحي بأكبر أحياء المستعمرة، وهو أقدمها.

ناهيك عن كم كبير من المناطق السكنية التي انشاتها بريطانيا لخدمة جنودها في المطار الحربي ومعسكراتها في حي خورمكسر، وبناء حي البريقة لخدمة شركة النفط البريطانية، بينما شيدت السيولة المالية التي تحصلت عليها البرجوازية اليمنية والهندية حي كريتر.

في حين عمر جنود الجيش الليوي وقوات محميات الجنوب العربي الخاضعين لبريطانيا أحياء الشيخ عثمان والمنصورة، اللذان استقبلا غالبية اليمنيين القادمين من أرياف محميات الجنوب وسلطنات القعيطي والكثيري وتعز، إلا أن بريطانيا لم تستثمر في هؤلاء، مع أن حي الشيخ عثمان كان يمثل منتج بحكم تمتعه بصناعة الملح والتي كانت تدر عائد مادي كبير، وتعاملت معهم بعنصرية وتمييز مناطقي، رغم كونهم أصحاب البلد، حتى لا تتحمل أعبائهم المادية، وفيما بعد أصبحت نخبة الجيش الليوي وقياداتهم السياسية، ورثة بريطانيا والجمهورية.

والمحصلة أن الاستعمار البريطاني صنع جنة عدن من غلة نفط الخليج العربي، لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية، ومع رحيله في عام ١٩٦٧ ترك الخزينة فارغة واخذ معه بنوكه، مما دفع القوميين الماركسيين الذين سيطروا على الدولة، بأن يفرضوا حالة التقشف وتخفيض الرواتب، وإعلان تأميم الملكية الخاصة في ٣٠ يونيو ١٩٦٩، وغادرت البرجوازية الوطنية إلى اليمن الشمالي،الخليج العربي والسعودية، وبذلك تبخرت جنة عدن التي صنعتها بريطانيا لخدمة مصالحها.

وأعلنت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل نحو التوجه الماركسي، وذلك بعد سنوات من تصفية حساباتها مع جبهة تحرير الجنوب العربي، مما دفع بعدد بإعداد كبيرة من أهالي عدن إلى النزوح نحو اليمن الشمالي ودول الخليج العربي وجيبوتي، في حين غادرت اعداد كبيرة من الصوماليين عدن بفعل تراجع الوضع الاقتصادي للمدينة، وعلى خلفية حصول الصومال على الاستقلال عام ١٩٦٠، بينما أتخذ من تبقى من الهنود وتحديدا المسلمين منهم وضعية المواطنين واخذوا الجنسية اليمنية.

واستفاد قطاع كبير من كادحي عدن واليمن الجنوبي من سياسات النظام السياسي الإجتماعية، فعند حصول التأميم نال هؤلاء ملكيات البرجوازية الوطنية،تعليم ورعاية صحية مجانية، وحالة رخص للأوضاع المعيشية والتموينية استطاع معها كل مواطن الحصول على سقف حياة مناسب يحقق الأساسيات.

وفي حين كان ذلك المستوى الحياتي كافي لحاجات التيار العام من المواطنين، إلا أن ذلك كان يعد حالة تراجع بالنسبة لطبقة الوسطى، والتي تضررت من إجراءات النهج الماركسي الذي إتخذته الدولة بعد الاستقلال، وهو ما أدى إلى أن رحل جزء كبير منها، بينما اضطر قسم أخر للبقاء بدلا من الهجرة أو النزوح إلى الشطر الشمالي من اليمن.

كان الاحتلال الأجنبي مهتما ببناء عدن المستعمرة والتي حققت مصالحه، وفي المقابل أهمل تنمية المحميات رغم كونها كانت جهويات مرتبطة به انطلاقا من إتفاقيات لتعاون، ولم يستثمر أو يعمر تلك المناطق الريفية، حتى لم يسعفها بشبكة طرق لربطها ببعض أو مع مستعمرته.

أما دولة الماركسسين فقد قطعت شوط كبير في تنمية أهالي الريف اليمني الجنوبي، ابتداء من تعليمهم،رعاية صحية وبناء بنية تحتية، بينما تم تأميم الأراضي الزراعية المملوكة لسلاطين وشيوخ القبائل، وتوزيعها على الفلاحين، واحتفاط الدولة ببعضها بحيث أصبحت مزارع لدولة انتقلت عمالة مزارعيها من العمل للاقطاع إلى صالح الدولة، وتم توطين البدو الرحل وتنميتهم، وعلى صعيد الخدمات تم بناء شبكات كهرباء وحفر آبار المياه.

واقتصاديا تم تطوير قطاع الصيد البحري، والذي حقق عائد مادي كبير للدولة ووفر مادة غذائية رئيسية لسكان، واستخرجت الثروة النفطية، إلا أنها لم تحقق قفزة نوعية في اقتصاد البلاد نظرا لقلة حجم استخراجها.عدن كانت جنة الإدارة البريطانية، بينما أقامت دولة الماركسيين جنتها في المحميات السابقة والتي كانت لا زالت تعيش حياة القرون الوسطى.

أما ميناء عدن والذي شكل درة سنام الاقتصاد فقد أصيب بحالة تراجع كبير في حركته، وذلك بعد توقف الحركة التجارية، وبحكم ماركسية النظام فقد أثرت ايدلوجيتها على العامل الرئيسي الذي حقق حالة الازدهار والرخاء الذي عرفته لعقود مضت، رغم أن الموقع الجغرافي والخبرات كانا كفيلان للاستثمار واستغلال تلك الإمكانيات التي كانت قائمة في عدن.

وبالنسبة للملكيات الخاصة من مصانع،مؤسسات اقتصادية ومنشاءات،النقل الجوي،البري،بنوك تجارية،قطاع الإسكان وغيره، فقد تم مصادرتها، دون أدنى تعويض من قبل الدولة للمالكين.
ومبدئيا فإن التيار العام من المواطنين وجدوا جنتهم في تلك الإجراءات، انطلاقا من الخلفية الطبقية والتي تماشت مع ايديولوجية النظام الحاكم في الفترة ١٩٦٩١٩٩٠.

ودفع الواقع الاقتصادي لدولة أحد أجنحة السلطة لتقارب السياسي مع دول الخليج العربي، لأجل تحقيق معادلة اقتصادية تحفظ استمرار الدولة، إلا أن ذلك لم يكن محل رضى جناح أخر، وعلى تلك الخلفية كان خروج الرؤساء قحطان محمد الشعبي،سالم ربيع علي،علي ناصر محمد، من السلطة، وذلك بعد استثناء عامل الصراع على السلطة أو حدوث تباين في الرؤى الايديولوجية، وفي ظل وصول الدولة إلى حالة مأزق سياسي عام، تم ابرام إتفاقية الوحدة في ٢٢ مايو ١٩٩٠، وكان ذلك إعلان لنهاية جنة الماركسيين والتي كانت على مشارف السقوط والعجز حينها.



#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعريب خصم للهوية الصومالية
- الصومال والتواجد التركي العسكري البحري
- الصومال توج إثيوبيا لزعامة أفريقيا!
- من رحلة أسياس افورقي
- انقسام السودان بين البرهان وحميدتي
- سد النهضة تاريخيا في الوعي الحبشي
- إلهام عمر ضحية الاسلاموفوبيا
- عائشة العدنية: ذاكرة المدينة
- Markale Midnimo
- جدوى المركزية والفيدرالية في الصومال
- إثيوبيا: تنازل عن إريتيريا وابتلاع الصوماليين
- خسارة الأتراك مع آخرة أردوغان!
- سفارة تركية تتربح من الهجرة
- فلنجتمع على دين المواطنة
- العلمانية تجمع ولا تفرق
- تأمين الصومال بالتعاون مع تركيا
- الصومال وجماعة المنكر وتحاشي المعروف
- الصومال أولا- Somalia First
- العلاقات الإقليمية لسلطان علي مارح
- عمان في عهد السلطان قابوس


المزيد.....




- مسؤول: أوكرانيا تشن هجمات ليلية بطائرات دون طيار على مصفاة ن ...
- -منزل المجيء الثاني للمسيح- ألوانه زاهية ومشرقة بحسب -النبي ...
- عارضة الأزياء جيزيل بوندشين تنهار بالبكاء أثناء توقيف ضابط ش ...
- بلدة يابانية تضع حاجزا أمام السياح الراغبين بالتقاط السيلفي ...
- ما هو صوت -الزنّانة- الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بال ...
- شاهد: فيديو يُظهر توجيه طائرات هجومية روسية بمساعدة مراقبين ...
- بلومبرغ: المملكة العربية السعودية تستعد لعقد اجتماع لمناقشة ...
- اللجنة الأولمبية تؤكد مشاركة رياضيين فلسطينيين في الأولمبياد ...
- إيران تنوي الإفراج عن طاقم سفينة تحتجزها مرتبطة بإسرائيل
- فك لغز -لعنة- الفرعون توت عنخ آمون


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد حسن يوسف - حكايات جنة عدن