أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - في إخفاق المشروع الفرعوني في مصر














المزيد.....

في إخفاق المشروع الفرعوني في مصر


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7677 - 2023 / 7 / 19 - 11:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



أسوأ عقد في تاريخ مصر الحديث، سواء أكان الحكم عليه من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية أم السياسية، إنما هو العقد المنصرم بلا منازع. فإن ما بدأ بتأييد شعبي واسع نجم عن رداءة ما قام به الإخوان خلال سنة واحدة من حكمهم، كما عن الأوهام حول دور العسكر التي ساهم في بثّها معظم أطراف المعارضة المصرية الليبرالية والتقدّمية، تحوّل إلى دكتاتورية لا تحظى سوى برضى أقلية ضئيلة من المنتفعين منها، بينما تردع الآخرين عن التعبير عن سخطهم بواسطة الإرهاب البوليسي. أما عظمة عهد عبد الفتّاح السيسي الوحيدة، فهي في سوء الإدارة الاقتصادية التي هي حقاً أعظم ما شهدته البلاد منذ زمن الفراعنة.
ذلك أن مشروع السيسي في المجال الاقتصادي مستوحىً من الفراعنة، إنما في زمن لم يعد فيه مجالٌ لتقليد الفراعنة في تسخير العمالة لتشييد الأهرامات، وهو زمنٌ تحكمه ضرورات اقتصادية أكثر تعقيداً بكثير مما كان عليه الأمر قبل آلاف السنين. فقد ظنّ السيسي أنه سيصنع العجائب بإطلاق جملة من المشاريع الفرعونية يُشرف عليها العسكر ويموّلها الخليجيون، لكنّ النتيجة التي وصل إليها بعد تسع سنوات من تولّيه الرئاسة تتلخصّ بورشات غير منتهية وحكمٍ على حفة الإفلاس، يضطرّ إلى بيع المزيد من أراضي مصر وأثاث دارها للخليجيين (بعد جزيرتي تيران وصنافير) وذلك بلا أن يكون أكيداً حتى من أنهم سوف يشترون ما يُعرض عليهم وبالتالي بلا ما يضمن أن تنجو مصر من الانهيار المحدق باقتصادها.
لو كانت كافة مشاريع السيسي الفرعونية من النوع الذي يُسهم في رفع طاقة مصر الإنتاجية، على غرار السدّ العالي الذي شبّهتها به أبواق دعاية الحكم الجديد عندما كانت تحاول انتحال الإرث الناصري تدعيماً لشعبية رئيسها، لصفّقنا لها. أما الحقيقة فهي أن مشروع تطوير محور قناة السويس ذاته، وهو المشروع الأول الذي جرى تنفيذه تحت رئاسة السيسي والذي كان الأكثر قُرباً من العقلانية الاقتصادية، إنما لا زال الجدل دائراً حول ما إذا استحق الأولوية التي منحه إياها السيسي، لاسيما أن توقعات ازدياد الملاحة عبر القناة لم تكن متلائمة مع كلفة المشروع. وإذا صح أن عائدات القناة ارتفعت بصورة ملحوظة خلال السنة المالية المنصرمة، فإن مردّ ذلك هو انتعاش التجارة الدولية تعويضاً لانتكاسها الطويل بسب جائحة الكوفيد، وليس ميلا طويل الأمد. بل تلوح في الأفق اتجاهات عكسية ناجمة عن التغيّر المناخي والأزمة الاقتصادية العالمية المتجددة، فضلاً عن قيام روسيا وإيران بالتعاون مع الهند ببناء محور نقل تجاري منافس للقناة (لمزيد من الشرح: «روسيا وإيران تسرّعان مشروعهما المنافس لقناة السويس» 21/06/2022).

مشروع السيسي في المجال الاقتصادي مستوحىً من الفراعنة، إنما في زمن لم يعد فيه مجالٌ لتقليد الفراعنة في تسخير العمالة لتشييد الأهرامات، وهو زمنٌ تحكمه ضرورات اقتصادية أكثر تعقيداً بكثير مما كان عليه الأمر قبل آلاف السنين

كذلك فإن مشاريع زيادة قدرة مصر في مجال الطاقة الكهربائية، إذا كانت محمودة في شقّها الذي يعتمد الطاقة القابلة للتجديد، الشمسية والهوائية منها، يبقى أنها ترافقت بزيادة في توليد الطاقة بواسطة المحروقات (الغاز الطبيعي) بما يفيض عن حاجات البلاد الراهنة. فالجدل في شأن العقلانية الاقتصادية يدور بالدرجة الأولى، هنا أيضاً، حول الأولويات. أما سائر المشاريع الفرعونية، فخالية تماماً من العقلانية الاقتصادية، وعلى رأس قائمتها مشروع «العاصمة الإدارية الجديدة» الذي رأى فيه السيسي درّة عهده واثقاً من أن المستقبل سوف يطلق اسمه عليها. وقد بدأ الأمر فعلاً في العرف الشعبي، لكن من باب التهكّم وليس من باب الإجلال!
فإن تلك العاصمة الجديدة تلخّص عهد السيسي خير تلخيص بكونها استندت أولاً إلى التمويل الخليجي، ثم اعتمدت التمويل الصيني إثر انسحاب الخليجيين، وبعد أن رفض الصينيون تبنّي المشروع برمّته واكتفوا بتشييد وسطه التجاري، انتهى بها الأمر إلى أن حازت وزارة الدفاع المصرية على الحصة الأكبر في مشروعها، تتبعها وزارة الإسكان. والحال أن التمويل الأجنبي والهيمنة العسكرية هما عمودا النظام الذي أرساه السيسي، كما أن تأخر المشروع الذي يتفاقم مع مرور السنين يعكس صورة واقعية عن الهوة الكبيرة بين حساب الحقل وحساب البيدر التي تميّز عهد السيسي بوجه خاص.
فإن النتيجة التي وصل إليها الاقتصاد المصري في ظل رئاسته لكارثية حقاً، إذ بات الخليجيون يرفضون الاستمرار في تمويل الدولة المصرية بلا طائل، بينما يزداد العجز في ميزان مدفوعاتها ويتعاظم دينها الخارجي كما الداخلي منذراً بالإفلاس والانهيار الاقتصادي. وقد أخذوا يصرّون على شرطين، أولهما انصياع مصر الكامل لإملاءات صندوق النقد الدولي، لاسيما ما يتعلق منها بتحرير صرف العملة المصرية الذي سوف يؤدّي إلى مزيد من الهبوط في قدرتها الشرائية (تعدّى سعر صرفها عتبة ثلاثين جنيهاً للدولار الأمريكي الواحد) بما يفاقم تدهور شروط معيشة السواد الأعظم من شعب مصر.
أما الشرط الثاني، فهو التمويل عن طريق شراء مؤسسات القطاع العام بدل الاستمرار في إقراض الدولة، علاوة على منحها المساعدات. وقد التزم الحكم المصري ببيع أسهم في منشآت خدماتية وصناعية وسياحية تملكها الدولة، إذ يشترط المشترون ضمان الأرباح الناجمة عن امتلاك الدولة لتلك المنشآت، فيرضون بمشاركة الدولة في المنشآت الإنتاجية المربحة بحيث يستمرّ الحكم في ضمان سيطرتها على السوق، بل يتردّدون في امتلاكها الحصري خشية تحوّلها إلى الخسارة لو باتت في أيديهم بلا ضمان الدولة للسيطرة المذكورة.
هكذا ترتدّ رأسمالية الدولة الاستغلالية المصحوبة برأسمالية المحاسيب عائقاً أمام مشروع امتلاكها الأجنبي، إذ يأبى رأسمال الأجانب سوى أن يتمتّع بامتيازاتها التقليدية، بما ينسف سياسات صندوق النقد الدولي القائمة على الوهم النيوليبرالي بإمكان تحويل طبيعة اقتصاديات المنطقة العربية إلى رأسمالية حرّة نموذجية بمجرّد طرحها على المزاد العلني!



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تخشى إسرائيل انهيار «السلطة الفلسطينية»؟
- القلق الغربي من انهيار الدولة الروسية
- بطولة جنين والخيانة العربية
- ميلوني وسعيّد بعد برلسكوني والقذّافي
- في الجدل حول مبعوث الأمم المتحدة في السودان
- اردوغان بطل الذين لا بطل لهم
- السوريون في تركيا بين نارين
- فظائع السودان والدرس التاريخي
- ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
- هنيئاً لهم بتصالحهم مع بشّار الأسد!
- حلمٌ سوداني
- المغزى من اقتتال العسكر في السودان
- تخبّط قيس سعيّد الاقتصادي وتبعاته
- الثورة السودانية أمام منعطف جديد
- قوة ديمقراطيتهم وضعف ديمقراطيتنا
- أمريكا والصين: «فرِّق تَسُد» أم «وفِّق تَسُد»؟
- أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا
- من دروس المحنة التونسية
- في المقارنة بين أفعال الصهاينة وأفعال النازيين
- بين الرعونة الروسية والعجرفة الأمريكية


المزيد.....




- صراخ ومحاولات هرب.. شاهد لحظة اندلاع معركة بأسلحة نارية وسط ...
- -رؤية السعودية 2030 ليست وجهة نهائية-.. أبرز ما قاله محمد بن ...
- ساويرس يُعلق على وصف رئيس مصري راحل بـ-الساذج-: حسن النية أل ...
- هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية بعد سنوات من التعثر؟
- الحرب على غزة| وفد حماس يعود من القاهرة إلى الدوحة للتباحث ب ...
- نور وماء.. مهرجان بريكسن في منطقة جبال الألب يسلط الضوء على ...
- الحوثي يعلن استهداف سفينتين ومدمرتين أميركيتين في البحر الأح ...
- السودان: واشنطن تدعو الإمارات ودولا أخرى لوقف الدعم عن طرفي ...
- Lenovo تطلق حاسبا متطورا يعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي
- رؤية للمستقبل البعيد للأرض


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - في إخفاق المشروع الفرعوني في مصر