عدنان الصباح - كاتب ومفكر يساري فلسطيني - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإستغوال أبشع مراحل الامبريالية.


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 5819 - 2018 / 3 / 18 - 22:38
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -220- سيكون مع الأستاذ عدنان الصباح - كاتب ومفكر يساري فلسطيني - حول: الإستغوال أبشع مراحل الامبريالية.


مقدمة
الفكر الحي هو فعل مدرك


من اقتصاد السلعة إلى اقتصاد المعرفة ومن معرفة السلعة إلى سلعة المعرفة تنامى العالم متغيرا ومتطورا بما لا يقاس, وبين الفترة التي قال بها ماركس بقيمة العمل وأطلق شرارة الثورة الطبقية المدركة لذاتها إلى الفترة التي قام بها لينين بنقل القول إلى الفعل وإحداث تغيير جذري في العالم على يد عمال روسيا ومن حولها مستلهما كل التاريخ الثوري للطبقات المقهورة والفقيرة, وبين لينين في مطلع القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين مائة عام من التغير والتطور والتلون التي جعلت من الضرورة إعادة النبش بين الأفعال والمتغيرات على الأرض والخروج من اصفرار الكتب التي كانت حمراء إلى احمرار الدم الذي كان ازرقا في عروق العمال والجنود الفقراء على الأرض دفاعا عن مكتسبات الأغنياء وسعيا لتكديس أكثر للثروة في أيدي حفنة من المجانين بشهوة المال.
يقول ماركس " كل ما فعله الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة - لكن المهم هو تغييره " ولا يمكن للتغيير بان يتم بإعادة تفسير المفسر بل بالذهاب به إلى الأمام, فما كان ليس هو ما أصبح أو ما سيصبح, والحاجة لحذلقة الفلسفة عبر التفلسف لا تجدي نفعا ولو أن لينين اكتفى بالصراخ بالحبر وأعاد تكرار ما قاله ماركس وسواه من الفلاسفة, ولم يستفيد من مراكمة التجارب العملية للانتفاضات والثورات عبر التاريخ لما استطاع الانتقال قيد أنملة, وبعكسه فعل من جاءوا بعده ليستظلوا بظل سوره مكتفيين بترداد الأقوال والنشيد لما مضى متناسين عن عمد أو غير عمد أن حركة التاريخ لا تتوقف وان كل جديد على الأرض بحاجة لجديد في الوعي لمعاودة صياغة الواقع بشكل أفضل وهكذا.

عبر قرون التاريخ ومنذ عرفت الملكية الخاصة ظل المالكون قادرين الى جانب امتلاكهم للثروة على امتلاكهم للفعل وأدواته بما فيها قراءته الفكرية ولذا ظلوا قادرين على تغيير جلدهم وأدواتهم ومسمياتهم دون ادنى تغيير في جوهر الهدف والوصول اليه وهو امتلاك الثرة بكل الادوات الممكنة ومن الادوات البدائية الى الثورة الرقمية واقتصاد المعرفة لم يتوانى محتكري ثروة الارض عن التطور والتغير وامتلاك ادوات جديدة وحتى خطاب جديد يلائم كل مرحلة من المراحل وهم في سبيل ذلك ظلوا قادرين على اختراع الحلوى المكممة لأفواه الفقراء وظلت لديهم القدرة الابداعية على تغيير طعم ولون وشكل هذه الحلوى دون ان يتملكهم الخوف او الرهبة بأنهم يدنسون نصا او فعلا مقدسا والسبب ببساطة ان المقدس الحقيقي بعرفهم هو قدرتهم على الاحتفاظ باحتكارهم المطلق للثروة بهذا الشكل او ذاك وفي سبيل ذلك لا قيم مطلقة ولا ثوابت مطلقة ولا نصوص مقدسة لديهم والإله الواحد الذي يعترفون بمطلقه هو الثروة والمال وفيما عدا ذلك فكل شيء مباح وحلال بالمطلق.
تلك الصورة معاكسة تماما للصورة المقابلة لدى الطبقات الخاضعة والصانعة والمنتجة للثروة وهم عادة ما كانوا يلوذون بقيم تبرر خنوعهم او تمنحهم الرضا عن الذات وتعطيهم الشعور الكاذب بأنهم افضل من ناهبي جهدهم وقوتهم وقد كان لدى محتكري الثروة القدرة دوما على ان يقدموا للمنهوبين مخدرا مناسبا يقيهم شر ثورة الجوعى والمظلومين وفي كل مرحلة تغير بها الاسياد جاءوا بالعبيد ثوارا لهم بمبادئ وكل نهاية ثورة يذهب الاسياد الى مخازن المال وينزوي الفقراء سعداء بنصوصهم المقدسة قابلين بدورهم المقدس ابطالا او شهداء او محرومين طيبين قانعين بما قسم الاله.
ما كان بوذا الها لكن المنتفعين من تأليهه جعلوه كذلك وحنطوا الفقراء اتباعا لإله من صنعهم ليجعلوا من انفسهم احبارا وأسيادا واستعبدوا باسمه من شاءوا وما شاءوا وكذا فعل غيرهم وعبر قرون ظل مشعوذي الديانات قادرين على اختراع اقوال وآيات منسوبة لأنبيائهم او الهتهم دون ان يجرؤ احد على كشف خداعهم خشية غضب الرب الذي جعلوا من انفسهم قسرا ناطقين باسمه وسولوا لأنفسهم حجب عقول وعيون الفقراء عما تفعله الأيدي على الارض معتبرين ان النص اصدق من الفعل.
القبول الغبي بالنص المفسر حسب رغبة اسياده الاغنياء ومستخدميهم من الاحبار والرهبان والشيوخ وفر الارضية المناسبة لفصل الفكر عن الفعل تمهيدا لإلغاء الفكر كقارئ واعي للفعل لصالح القبول بالنص كمكرس غبي لواقع الهيمنة من قبل الاغنياء والرضوخ من قبل الفقراء والمستضعفين.
لا يمكن ادراك الملموس دون فعل اللمس كما لا يمكن اعادة صياغة الملموس بشكل افضل ان لم يكن فعل اللمس متفاعلا مع الملموس أصلا, وان لم تكن العلاقة بين الملموس واللامس علاقة تفاعلية قائمة على احداث الفعل نحو القادم لا قبول المدرك كما هو والقبول بقراءته واستحسان حالته القائمة وشكل القراءة المنجز الى درجة تحويل القراءة ذاتها الى فعل لا يشق له غبار, وبمعنى ادق فان حكاية من اين يأتي الوعي وما هي مكانته في صياغة الوجود البشري حقائق على الارض وهل هو الفاعل اصلا لوجود الفعل حيا ملموسا ام ان الفعل الحي الملموس هو القادر على صياغة الوعي فكرا تفاعليا قادرا على معاودة الفعل بشكل افضل.
تاريخيا ومنذ ان انتقل الفكر الواعي لماركس وزملائه ممن تمكنوا من تصوير الواقع وقراءة آفاق تغييره وقرعوا الجرس ايذانا بذلك والى ان تمكن لينين وزملاؤه من انجاز استعادة مكانة الفعل الارقى عبر استخدام الفكر الاشجع لقراءة واقع مرير لصالح انجاز واقع أفضل, منذ ذاك أي منذ اانتصار العمال الروس على مستعبديهم وظهور الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية والثورات العظيمة في الصين وفيتنام وكوبا وغيرها الكثير استكان القراء البلداء امام النصوص واستعانوا بالانجازات العظيمة لصناع الثورة ليجعلوا منها غطاء من تعاويذ الثورة لهم واستسهلوا قراءة النصوص وتقديسها وكاد الامر يصل بهم حد استحداث المعابد وإيجاد طبقة لرجال الدين الشيوعي ولذا تجمد الحال عند لينين وانجازاته وكل ما جاء من بعد لم يتمكن من الانتقال بفلسفة ماركس قيد انملة ولا بكفاح العمال خطوة الى الامام وهو ما جعل التجربة تهتز مترنحة في حين ظل اليساريون محنطون داخل صندوق الجمود القائم على ان الوعي الناجم عن المادة هو وعي جامد يشبه المنتج نفسه وهو المادة الجامدة دون ان يحاولوا الانتقال الى ادراك ان الوعي في الاساس حركة ولا يمكن للحركة ان تنتج عن جامد وبالتالي كان لا بد لنا من ادراك الخلية المنتجة للوعي ومن اين اتت وهو ما قد يعطي وضوحا اكثر ملائمة للتعارض القائم بين المثاليين ودعاة التأسيس على الوعي من جهة وبين الماديين الواقعيين دعاة التأسيس على المادة من جهة اخرى.
اليسار المحنط داخل فكر جامد كمنتجه اي المادة الجامدة ظل يراوح مكانه منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم في حين تمكنت الرأسمالية ووليدتها الامبريالية والأبشع منها الامبريالية المستغولة صانعة اقتصاد الوهم والموت أو ما سمي زورا باقتصاد المعرفة من تجديد ثيابها مرات ومرات حتى تمكنت من دفع اليسار المحنط داخل النص الى ان يبقي على فمه مفتوحا من شدة الدهشة وبدل ان يدركوا حجم التغير وما الذي آلت اليه اوضاع الطبقات العاملة في البلدان الاستعمارية ظلوا يتشدقون عن دورهم في نقابات صفراء واشتراكية هشة مخبأة بعباءة ديمقراطية الرأسمال لا اكثر.
لقد غاب كليا عمال المناجم والمصانع الذي يرزحون تحت نير الاستغلال بالآلاف او بالمئات وحل محلهم عمال الياقات البيضاء وغاب ثوار الجوع والقهر في اتون النار في جبهات الثورة ضد الاستغلال وحل محلهم نقابيون بيض يشبهون الجيش الابيض الذي انتصر عليه عمال وجنود روسيا قبل مائة عام وهؤلاء لم يعودوا يقرؤون ولا يحسون ما كتبه لينين عن العمال والجنود والفلاحين الفقراء ولم يعودوا مدركين للقيمة التي يضمنونها للسلعة بعد ان كادت السلعة نفسها غير ملموسة بعد ظهور ما يسمى باقتصاد المعرفة وبعد ان اصبح تجار الثورة الرقمية هم اصحاب المليارات لا اصحاب المزارع والمصانع والمناجم.
اليوم لم يعد العمال الرأسماليين هم المعرضون للموت يوميا في لهيب مصانع السلع بل حل محلهم ملايين الجنود وصغار الضباط الذين يموتون في لهيب المعارك دفاعا عن اسواق اقتصاد الحرب الذي تلون ليسمى زورا اقتصاد المعرفة.
الطرفان اي دعاة التأسيس على الوعي ارادوا لرأيهم ان يسود حتى يؤسسوا لديمومة هذا الرأي وثباته قاصدين بذلك الوقوف عند ما ابدعوه من وعي باعتبار انه اي وعيهم من يصوغ غد الآخرين الذين عليهم ان يقبلوا بهذا المنتج المسبق والمقدم لهم كحقيقة من النوع المطلق, وكذا بالتأكيد هدف الرأسماليين أو المالكين المباشرين للثروة ان يبقوا على تغييب المادة عن الفعل وتثبيت الفصل بينهما بهدف تغييب الثروة عن ذلك وحتى يعطوا الجماهير قدرة على الاقتناع بأنهم بوعيهم وحده قادرين على احداث الفرق على ارض الواقع وان الثروة المكتسبة صناعة وعيهم وقدراتهم وفي احسن الاحوال حظهم ومن لا يجد مبررا مقبولا يهرب مسرعا الى المبرر الديني اي ان ارادة الله هي من منحته هذه الثروة وبالتالي فان ابسط قواعد الايمان انه لا يجوز الاعتراض على ارادة الله.
التعارض التاريخي بين ادراك الفعل من خلال الحاجة عبر الوعي بالحاجة ذاتها وتحديد الوعي كمنتج ثانوي للمادة الجامدة على قاعدة ان كلاهما اي الوعي والمادة مكونان لموضوع الحياة ولو كان الامر كذلك لظل الوعي متوقفا عند من انجبه او مكررا لشكل وأداء الاب المنتج للوعي وهي المادة بجمادها وفي احسن احوالها المتحركة بلا نتائج ملموسة عبر ما فسره العلم كحركة داخلية للمادة الجامدة منحصرة في التفاعلات الصامتة بين مكوناتها وتاركة امر التغير لتلك التفاعلات المحايدة والمعزولة عن تدخل الطرف الثالث وهو هنا الوعي المدرك للحركة في وضعها القادم.
الامر يكمن ليس في الحركة الداخلية الغير مرئية ولا في التفاعل الكيميائي للمكونات لعناصر المادة ذاتها والذي عادة ما يخلق متغيرات غير مرئية وان كانت نتائجها فاعلة ومؤثرة ليس في المكون المباشر بل للمكون المنتظر, وكلما كانت الحركة معتمدة على اشكال ومتغيرات التفاعل عبر تطور المنتجات المتغيرة فان الوعي من الضرورة له أن يصبح فكرا ليتمكن من مواكبة المتغيرات الفيزيائية للملموس وجودا, وعادة ما يكون من الضرورة ان ندرك ان المادية الثابتة والمكتفية بحركتها الداخلية هي مادية عنصرية لا تقبل ولا تحتمل العلاقة مع المكونات الاخرى للوجود المادي لما لذلك من تأثير على النتائج فقبول الرأسمالية بفكرة المتغير والمتفاعل يعني ان عليها ان تقبل بالنتيجة ان كل تفاعل جديد وحركة فعل جديدة قائمة على مكونات الفعل بكل تلاوينها ستصل بالنتيجة الى متغيرات لا بد لها ان تتطور حتى احداث الانقلاب الجذري التام نحو مكون جديد للحياة والذي يعتبر الناس المكون الاهم بين كل المكونات على الاطلاق على قاعدة ان البشرية هي مركز الكون وبدونها فلا مبرر اصلا لفحص ظاهرة المطر ولا كل الظواهر الطبيعية الاخرى ايا كانت أهميتها, فهي ان لم تشكل تأثيرا على الحركة الانسانية بمكونها الاجتماعي تظل بلا معنى ولا مبرر لوجودها, فالرضى عن الحال يشبه الرضى عن الكون وصاحب الرضى بالمطلق هو الانسان وهو دولاب الفعل في كل مكونات الكون كفعل وحركة لا كجماد وثبات.
المادة لذاتها تتصف بنمطين للتطور والتغير الاول يمكن تسميته بالحراك وهو قائم على النمط الذاتي العنصري للحركة المحدودة بحركة الذات المطلقة كرافضة لوجود الذوات الاخرى على قاعدة انها المطلق وكل حركة ينبغي لها ان تكون قائمة على اساس الانتقال بالذات نفسها كما هي لحال افضل بغض النظر عن اي حركة لذوات المكونات الاخرى والنمط الثاني هو ميكانيكية اوتوماتيكية غير واعية منفذة لقوالب جاهزة وجامدة وبالتالي فهي حركة شكل في نهاياتها حتى لو ترافقت بحركة تغير داخلي بتفاعل العناصر المكونة لذاتها بعيدا عن الذوات الاخرى وهي تشبه الحركة البيولوجية لجسم الانسان ورغم ظاهر حيويتها إلا ان جوهرها عنصري في النتيجة ويقوم على قبول الذات للذات كما ينبغي لها ان تكون او كما هي كائنة بمسارها التلقائي من بداياته الى نهاياته بالمعنى الفردي وبالتالي تسعى الدول الغنية الى حماية حركتها البيولوجية بأشكال مختلفة تقوم على رفاهية شعوبها ومن اهم اشكال هذه الرفاهية النظام الصحي ومجانية الصحة والتعليم وكذا الضمان الاجتماعي وهو قائم اصلا على مقولة الحزام الامن للذات اي ان الرأسماليين يشترون حزامهم الامن بالمعنى الوطني او القومي العنصري فشعبهم يملك اكثر رفاهية من الشعوب التي يسرقونها وهنا هم يقومون بشراء ذمم شعوبهم عبر اقناعها بأهمية ذواتها وسموها على غيرها من الذوات ولا فرق هنا اذن في عنصرية حجر الماس عن حجر التراب وبالتالي فلا خيار لنا إلا الوصول الى الحركة الاجتماعية بمفهومها الشامل اي البشر ككتلة واحدة بلا فوارق, وهي حركة تعتمد الانتقال شكلا ومضمونا ومكانا بمتغير جديد قد يكون انقلابيا في مراحل معينة او ثوريا بالمعنى الاجتماعي, وهو ما يدفعنا هنا للانتقال الى الحركة الاجتماعية بنمطيها ايضا الفيزيائي الرافض للمتغير الخارجي وهو من تمثله الطبقات الغنية التي ترفض اي تغيير يسلب منها مكانتها وبالتالي فهي تدعو الى حراك الثبات في المكان والذات اي ان الرأسماليين هم من يطوروا الواقع او ينتقلوا به كما هو جوهرا مع تغير شكلي لا يفقد المادة الجامدة مضمونها فالحجر الذي تتفاعل جزيئاته لا يفقد صفاته ولا دوره وهو قد يجد نفسه اما متحللا او فاقدا لمكانته او العكس بمعنى ان مواصلة ترميم المظهر واستعادة الدور هو ما تقوم به الطبقات الغنية ضد الطبقات الفقيرة او دعاة الثبات ضد دعاة التغير وبالتالي فان الطبقات الفقيرة هي صاحبة المصلحة في النظرية القائلة ان الحركة الاجتماعية مختلفة كليا فهي حركة بيولوجية كيميائية تفاعلية ميكانيكية في آن معا قادرة على الانتقال من مرحلة الى مرحلة ومن حال الى حال وهي بالتالي قادرة على قلب موازين الواقع بالانتقال من حالة الخنوع إلى حالة الثورة وحتى الثورة في الثورة عند الضرورة في الطريق إلى صيرورة لا تعني الجماد أبدا وهي بالتالي فعل لا بد منه لمجمل التفاعلات القائمة بين الفعل كوجه لحركة للمادة والفكر كوجه لحركة للوعي, كلاهما إذن متحرك المادة والوعي بمعنى المادة كفعل والوعي كفكر وهو ما قد يلغي الفرصة الذهبية التي انتصر بها الرأسمال بتغيير اسم الاقتصاد من اقتصاد السوق والسلع إلى اقتصاد الوهم " المعرفة " ويمكن بذلك استعادة العلاقة الثورية الفاعلة بين الفكر والفعل عبر ادراك حقيقة دورهما كوعي ومادة ايضا دون اخلال في ادراك الحرب الطبقية الضروس بين الاغنياء كلصوص والفقراء كمسروقين وعيا ومادة أو فكرا وفعل, وبدل أن يدرك صناع الفكر اهمية الفعل لملايين الجنود وينظروا اليهم كأدوات في ايدي مشغليهم عليهم ان يتذكروا ان العمال ذات يوم كانوا كذلك وان الغباء والجمود وتأليه النص دون درايته هو ما سيعيد لناهبي الثروة عصرهم الذهبي الى ان يتم التنبه الى الدور العظيم الذي يمكن ان يلعبه المستعبدون في جيوش الاستغوال الامبريالي ودون ان ندرك دورهم ومكانتهم وما يوفروه للرأسمال من قدرة على السيطرة والحكم, وان ندفعهم لإدراك ان دمهم هو المخزون الاستراتيجي المفقود لذواتهم والممنوح لمستعبديهم والى ان يكون ذلك علينا ان نتخلص من كهنة اليسار وعبدة النصوص داخل الصوامع المظلمة التي لا تعرف النور الضروري للرؤية الحقة في سبيل الفعل الحق لانجاز قراءة واعية ومدركة فاعلة في النتيجة.
هذه المقدمة الضرورية لمجموعة حلقات الاستغوال ابشع مراحل الامبريالية والتي تطرح التساؤل الضروري ماذا بعد مائة عام على انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى وهل فعلا واصلنا ما انجزه ماركس ولينين ام اننا بقينا مجرد قراء غير نجباء لتراثهم العظيم وقد نكون اشبه ما نكون بالببغاوات لا اكثر ولا أقل في حين اننا بحاجة لان ندرك ان العالم لا يحتاج مزيد من الكهنة والأحبار بل هو بحاجة الى الصناع الحقيقيين والى اصحاب الاكف الحقيقة التي يراق دمها على الارض في سبيل مصالح الاسياد فالفعل وحده القادر على صناعة الحقائق لقراءتها من جديد وإذا لم نجد تلك اليد السيدة القادرة على شل ارادة اللصوص الامبرياليين ومنعهم من مواصلة استغلالها كما فعلوا مع عمال وفقراء القرون السابقة فإنهم سيواصلون نهبهم ونواصل نحن النواح تاركين ملايين الجنود يقدمون دمهم رخيصا لصالح مواصلة النهب والاستغوال الامبريالي الاسود في كل مكان في العالم والذين لا يدركون اهمية ملايين الجنود وصغار الضباط حول العالم عليهم ان يتذكروا جيدا دورهم في ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى والعديد من التجارب العظيمة حول العالم.
ان علينا ان ندرك ان الماركسية اللينينية ليست نصوصا مقدسة بل هي ادوات تفكير ومبادئ ثورة متواصلة للتغيير عبر ادراك الضرورة وصولا للصيرورة ودون فهم الماركسية اللينينة على هذا الوجه يظل القصور قائم وقد يصل بنا الامر الى معابد للماركسية وكهنة يدرسونها في زواياهم المعتمة في حين يواصل المستغولين من لصوص الامبريالية تجديد ادواتهم وثيابهم حسب كل مرحلة بلا توقف على الاطلاق.