|
رسالة لملك البحرين
عباس المرشد
الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
بعثت هذه الرسالة إلى ديوان ملك البحرين بتاريخ 15/10/2005
الديمقراطية المؤجلة وخيار المواطنة
إلى حضرة ملك البحرين/
الشيخ حمد بن عيسى ....
بعد التحية والسلام .
لقد قرأت وبإمعان خطابكم السامي، في افتتاح دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، وكنت أتوقع ( أتمنى ) كغيري من مواطني هذا البلد الكريم، أن نسمع ما هو جدير بإنهاء أو تخفيف حالة الاحتقان السياسي الذي يعم الأجواء، كنا نترقب من حضرتكم مبادرة تأخذ على عاتقها التبشير بحل الأزمة الدستورية العالقة منذ 14 فبراير 2002 ، والإعلان عن سياسات جديدة تلغي السياسات القائمة حالياً، كنا نتوقع منك يا حضرة الملك أن تدعو إلى حوار وطني جاد وحقيقي مع القوى السياسية الفاعلة والمخلصة. كم كانت كثيرة هي الأمال التي علقت على خطابكم الذي جاء عادياً ومكرراً ، وبتُ أخشى أن تكون هذه المناسبات فرصة لإستعراض البلاغة والحماسة السياسية، ولكن من دون أي أثر فعلي أو تقدم ملموس لحل قضايا المواطنين. وبعيدا عن الكلام، الذي قد تكون سمعته من لدن أقطاب العمل السياسي في هذا البلد الكريم ، دعني أنقل إليك بعضاً من وجهات نظري، وهي وجهات نظر مثقف، يختلف عن المثقفين الملتفين حولك، الذين هم رهن إشارتك، قد ترك جلل السياسية وصخبها لأهلها .
حضرة الملك
طوال السنوات التي اعتليت فيها الحكم، كنت ترفع شعارات جملية جدا، تلهج بالديمقراطية والأيام الجملية التي لم نعشها بعد . كانت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تصفق لأي خطاب يصدر من لدنكم، ولأي كلمة تنطقونها، كنت بمثابة البطل، والرجل الشجاع، والمحب لأبناء شعبة ووطنه، وفي الواقع كنت تلعب معهم لعبة عادية جداً، لا براعة فيها، ودخلت في تمثيل دور مسرحي، لم يكتبه شكسبير، أو توفيق الحكيم . من جهتهم كان المراقبون ( وأنا واحد منهم) يمعنون في تدقيق الرؤية وتحليل الحدث، فصاحب السلطة لا يتنازل عن سلطته، قد يحولها إلي نوع آخر، لذلك فإن رسائل الديمقراطية التي كنت ترسلها، كانت تخفي من ورائها خطاباً آخر، هو الرهان على فشل الديمقراطية، وعدم قدرتها على تحقيق المطالب وتطلعات الشعب، أي أن الرجال الذين يحملون الديمقراطية كصليب المسيح، غير جديرين بتحمل نتائج الديمقراطية، وأن الديمقراطية لا تنتج سوى الدمار. هكذا وُجد خطاب الديمقراطية عندكم، خطاب يتحدى الديمقراطية بأسم الديمقراطية. وغاب عنكم، وعن الفئة المحيطة بكم، أنه لا يمكن تحدي الديمقراطية بالديمقراطية، إلا عبر تشويهها، والعبث بها . وهنا تصبح الديمقراطية لعبة قذرة ومفضوحة لا خير يرتجى منها.
حضرة الملك
لقد برهنت الأحداث المتتالية لإصراركم، على إمضاء دستور 2002 ، الخطأ الفادح والنتائج الوخيمة، لهذا الإصرار، على أكثر من صعيد. فعلى الصعيد السياسي غابت الشرعية السياسية التي كنت تنشدها، وتفاقمت الانقسامات السياسية، بما أدى إلى نزع الاستقرار السياسي عن البلاد، الذي هو شرط أساسي لبناء الدولة الحديثة . وعلى الصعيد الاجتماعي، ليس خافيا أن بقاء الملفات الساخنة كما يُطلق عليها ( التجنيس ، البطالة، الفقر، التميز الطائفي...) متوترة وعصية على الحل، ولديها القدرة على قلب الأمور، وأن تصل بنتائجها إلى مقر إقامتكم ، كل ذلك بفعل قصور و تخلف دستور 2002 عن تقديم حلول حقيقية و موضوعية لها. إن ذلك الإصرار على دستور 2002 هو بداية الاستبداد المفضي لبناء نزعة شمولية، كما يعكس الرغبة في الالتفاف على الديمقراطية، المرفوعة كشعار لنظام الحكم. و إذا كان فهمكم للديمقراطية أنها تتحقق بجمع الأصوات وضمان الأغلبية بزائد واحد، فهو فهم ساذج، وتعداه الزمن، وإذا بُنيت الديمقراطية على مؤسسات سياسية شكلية فذلك نحر وذبح للديمقراطية . إن محاولتكم الذكية للجمع بين الاستبداد والديمقراطية موصومة بالفشل والخسران، كما كان شأن الجمع بين القبيلة والدولة، الذي ما زلنا نتكوي بناره الحارقة. ربما كانت لحظة الانتشاء باجواء ميثاق العمل الوطني التي لم تبارح أروقة قصركم العامر، من وراء ذلك، لكن دعني أوكد لك، أن التاريخ وذاكرة الشعب، لن يرحما مرتكب الخطيئة الكبرى، أوجريمة قتل الديمقراطية . وللتاريخ أقول وكلي وجع، أن استمرار العمل والمضي بإصرار على دستور 2002 جريمة لن يتحمل أحد غيركم وزرها، و وزر قتل الديمقراطية معها، في بلدي وبلد أجدادي البحرين .
حضرة الملك
ربما كان الوقت الحالي هو الفرصة الأخيرة لإعادة النظر في سياسات الحكم، وإدارة أمور الدولة . فالفترة القادمة لن تكون للديمقراطية، إذ بدأت بوادر إنتهائها، مع انتصاراتها المذهلة في أوكرنيا وجورجيا ولبنان، وبات من المؤكد أن الأنظمة، التي لن تلتحق بركب الديمقراطية، فمصيرها الزوال أو البقاء في الشتات والضياع . إن ما يجعل الديمقراطية مطلبا ملحا هو الصورة غير الواضحة لحد الآن لمرحلة ما بعد الديمقراطية، فلربما تقود أوضاع التخلف إلى بعث حركات التحرر من جديد، ليس على طريقة الورود والمخامل، كما يحدث اليوم، بل على طريقة العنف والدم وحمل البنادق، وهذا ما لا يقوى قصر الصافرية على مواجهته أبداً. إن ما يخرج البلاد من مثل هذه الأزمة المرتقبة، هو مراجعة سياسات الحكم التي اتبعت. فعلى طوال المئة السنة الماضية، ترسخ بقاء الحكم، عن طريق إتباع الحكام سياسات مخيفة، ومع الأسف أنها ما زالت مستمرة، و تعمل بكثافة. وهنا سأركز على المهم والخطير منها.
أولا : سياسية الجمع بين القبيلة والدولة . إن الدولة كحدث معاصر، لا يمكنها أن تلتقي مع القبيلة كبنية سياسية ، وإن محاولة إخضاع عناصر الدولة ومكوناتها للقبيلة، لا يؤدي إلا إلى الإنفصام، والإزدواجية في التعامل . هذا ما أكدته الأحداث والمواقف السياسية، والاجتماعية، و في الوقت نفسه، سمحت هذه السياسة للنظام الحاكم، أن يرواغ و يتجاهل مطالب الشعب والقوى السياسية المعارضة، عبر اللعب المتقن بهذا الجمع المؤدي إلى الخراب. ليس غريبا، يا حضرة الملك، أن إتباع هذه السياسية، أثمر من ضمن ما أثمر، وأد الديمقراطية في العام 1975 وغيرها من الأحداث التالية . وإذا كانت تلك السياسية أدت إلى نتائج إيجابية للعائلة الحاكمة، ومن ضمنها وصولكم إلى سدة الحكم، فإن المعطيات المستجدة، لن تسمح بإتمام هذا الجمع، والإستفادة منه كما كان سابقا . ولكم يا حضرة الملك، أن تأخذوا عِبر تجارب القرن التاسع عشر وكيف تم سحق القبيلة والعائلة لصالح الدولة، عندما سعت تلك العوائل المالكة إلى إخضاع الدولة لقوة العوائل المالكة، وتثبيت مركزيتها في إدارة السياسة والمجتمع.
ثاينا: الاستقواء بالدولة ضد المجتمع . أعتقد أنك توافقني الرأي، يا حضرة الملك، على أننا نمر في مرحلة جديدة، لا تسمح بالتعاطي بأساليب المناورات القديمة، حتى لا ندفع جمعياً الأثمان الباهظة، جراء نزعات وشهوات شخصية، يحركها النزوع نحو الاستقواء والاستفراد. هذا النوع من الوقاحة السياسية، كان سائداً، وما زال، فدائما ما كان يتم تمرير أفكار الدولة بوسائل العنف والإكراه، على حساب أولوية المجتمع وتطلعاته . لست معنيا هنا بالتنظير لقوة الدولة، وعوامل تحريك النقاش حولها، ما أسعى إليه هو إبطال الفهم المغالط الذي تقوم عليه فلسفة الحكم في البلاد، وهو فهم يسمح لأجهزة الدولة، أن تلغي إرادة المواطنين، وتعاملهم كرعايا لا أكثر. في حالات عديدة أوضحت سياسة الحكم، أنكم تسعون إلى تثبيت هذا الفهم، عبرالإستعانة بعبارات مرواغة، ولغة كسولة، كعبارة دولة القانون، وأن القانون فوق الجميع، والجميع يعرف أن تلك الترسانة من القوانين، هي رؤى شخصية وضعت تحت سلطة إرهاب قانون أمن الدولة . ما أنشده هنا هو اللجوء الى جو تواصلي حول الدولة وحسم احتكارها للعنف والقسر، فالدولة، لن تخرج في نهايتها، عن كونها صيغة مجتمعية لإدارة المصالح العامة وليست خزينة شخصية أو ورث أو جبروت.
ثالثا: التراتبية العمودية . ليس هذا الإصطلاح خاصا بي، كما إنه ليس جديداً عليكم . فقد تناوله المواطن الدكتور عبد الهادي خلف بالشرح والتفصيل في كتابه المهم بناء الدولة في البحرين. وأنا أتفق معه تماما فيما توصل إليه من نتائج، تفيد في تحليل سياسة الحكم في البحرين. وأهمها خطورة إتباع سياسة الأعيان والزبانية لتسوية الصراعات الاجتماعية، بدل المؤسسات الدستورية، والقانونية . والنتيجة الأخطر، جراء إتباع هذه السياسة، هي محاربة التوسع الأفقي للمجتمع وقواه، ومحاولة تحطيمه، و لعل الحصار الاقتصادي المفروض على قطاعات واسعة، هو مثال بارز، على خطورة إتباع هذه السياسة على بناء الدولة وسلامة المجتمع.
إن إتباع هذه السياسات، وغيرها، أنتجت استرتيجيات حصار المجمتع وآليات قمعه، أقل ما يقال عنها أنها وحشية قاتلة، كالتمييز الطائفي، وتأليه المراقبة والعقاب، وممارسة الإقصاء والإخفاء. إن النتائج الكارثية هذه لن تكون محصورة على أفراد الشعب بل على العكس من ذلك، ستنعكس ولو بعد حين، على أروقة الحكم نفسه، لذا أجدني مطالباً لحضرتكم، لنبذ هذه السياسات واستبدالها بسياسات الحكم الصالح والانطلاق نحو حوار تواصلي حقيقي.
حضرة الملك
الكلمة الأخيرة التي سأقولها هنا، أنه لن يكون بمقدوري أن أتصور أن أحمل منفاي معي، وأنا أعيش في وطني، فوطنيتي تملي عليّ أن أعيد منفاي وشتاتي ومعاناتي إلى أرضي، و أرض أجدادي ، فالأوضاع التي وصلت إليها البلاد، باتت لا تحتمل، وغير قابلة للتبرير. إنني يا حضرة الملك، لا أتمني أن يأتي اليوم الذي تجر فيها هذه البلاد، بسلاسل الحديد ناحية الديمقراطية، وإن كان ذلك خياراً مطروحاً وغير بعيد. إن الخروج من المأزق الذي تمر به الدولة، يتطلب التحلي بالشجاعة، والإعتراف بالخطأ، وتأكيد الرغبة الجادة في فصل المجال العام عن المصالح الشخصية، بما فيها مصالح العائلة الحاكمة. كما أن الخروج من حوار الصم، إلى حديث العقلاء والرجال، هو كفيل بوضع البلاد على المسار الصحيح، لبناء الدولة الحديثة، واحترام المواطن فيها، وحفظ كرامته. و قد سبق أن أكدت في رسالتي السابقة، أن رجال المعارضة ليسوا بحاجة إلى دروس علم السياسة، فقد برهنوا على جدارتهم، وإخلاصهم وحبهم الكبير لهذا الوطن، أما التعويل على خلق الصور الكارتونية لبعض الشخصيات وتقديمهم على أنهم معارضة سياسية، وأنت أدرى بهم، وبما ستؤول إليه أوضاعهم السئية. فعندم سأل الحجاج بن يوسف الثقفي سعيد بن جبير عن أي قتلة يحب أن يكون عليها ؟ أجابه بن جبير اخترت كيف تريد أن اقتص منك حفظ الله البحرين من كل سوء ومكروه، وحفظ رجالها المخلصين لها، إنه على كل شيء قدير.
المواطن عباس ميرزا أحمد ( المرشد)
#عباس_المرشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقع الكتروني يهز مؤسسة العرش الملكي في البحرين
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
-
عاجل .. صافرات الانذار تدوي في حيفا الآن وأنباء عن انفجارات
...
-
أوستن: القوات الكورية الشمالية في روسيا ستحارب -قريبا- ضد أو
...
-
ترامب يكشف أسماء جديدة رشحها لمناصب قيادية في إدارته المقبلة
...
-
البيت الأبيض يبحث مع شركات الاتصال الاختراق الصيني المشتبه ب
...
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|