توماس برنابا
الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 11:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سأتناول هنا بالتفصيل عقيدة أو فكرة الشفاعة في المسيحية بطوائفها المختلفة من منظور محايد!
يتفق جميع المسيحيين بجميع طوائفهم بأن المسيح يسوع ( الاله الظاهر في الجسد ) ( الاقنوم الثاني و الأبن الوحيد( هو الشفيع الوحيد لدى الاب للتشفع لصالح البشر وخاصة لمن أمن به مخلص شخصي لحياته! (يا اولادي اكتب اليكم هذا لكي لا تخطئوا و ان اخطا احد فلنا شفيع عند الاب يسوع المسيح البار (1يو 2 : 1) !فهو الذي قدم نفسه فداءاً لجميع الناس في كافة العصور! ولذلك فحينما يمثل أمام الاب فهو يمثل أمامه ومعه دمه الذي سفك لاجل كثيرين وبه يشفع للمؤمنيين به. ولذلك سميت هذه الشفاعة بالشفاعة الكفارية! ولا يشترك مع المسيح أي أحد فيها ، ملاك كان أم إنسان!
وهناك نوع أخر من الشفاعة وهو الشفاعة التوسلية حيث يتوسل البشر لاجل بعضهم البعض أمام الله فيستجيب لهم كما ذكر في هذه الايات : (و اقول لكم ايضا ان اتفق اثنان منكم على الارض في اي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل ابي الذي في السماوات (مت 18 : 19) .... أمريض احد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه و يدهنوه بزيت باسم الرب (يع 5 : 14) .... أعترفوا بعضكم لبعض بالزلات و صلوا بعضكم لاجل بعض لكي تشفوا طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها (يع 5 : 16) ) ! وينقسم المسيحيين الى فريقين بخصوص الشفاعة التوسلية: الفريق الاول التقليدي يؤمن بأن الكنيسة المنتصرة والتي تضم القديسين الاحياء منهم والاموات يمكنهم الصلاة والتشفع للأحياء! ويتضمن هذا الفريق الكنيسة الارثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع! أما الجانب البروتستانتي فيعارض هذه الفكرة بشدة مؤكداً أن الاموات من القديسين أنقطع عملهم ولا يمكنهم أبداً لا التواصل مع ولا التشفع من أجل البشر الاحياء!
ويتخذ البروتستانت هذه الاية دليلاً قاطعاً على عدم إمكانية الاموات من القديسين التشفع من اجل الاحياء : (و سمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للاموات الذين يموتون في الرب منذ الان نعم يقول الروح لكي يستريحوا من اتعابهم و اعمالهم تتبعهم (رؤ 14 : 13) وهناك أيضاً قصة الغني ولعازر وأبراهيم في انجيل لوقا لأثبات هذا الامر ( لوقا 16: 19-31)
(( كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَُرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهاً. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوباً بِالْقُرُوحِ وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ارْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذاً يَا أَبَتِ أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هَذَا. قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ. لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ: لاَ يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ. بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ.
فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ.)) ( لوقا 16: 19-31)
ومعنى هذا أن الكتاب المقدس يؤكد أن الاموات لا علاقة لهم بالاحياء الا إتخاذ حياتهم من اتعاب واعمال قدوة للأحياء من الناس. ولا يمكن إتصال الاموات ( حتى ولو كان أبونا أبراهيم نفسه) بالاحياء ! - ومن هناك أعظم من أبونا أبراهيم! وللبشر الاحياء كتب ( هما ما كتب عن طريق موسى والانبياء ) إضافة للعهد الجديد أي الكتاب المقدس فقط للإتعاظ والاقتداء بحياة القديسين وتعلم كلام الله! (قال له ابراهيم عندهم موسى و الانبياء ليسمعوا منهم (لو 16 : 29)!!
وبخصوص هذا الموضوع أود أن اخاطب كلا الفريقين: وأبدأ بالجانب البروتستانتي الذي يؤكد على فعالية شفاعة الاحياء للأحياء من خلال أيات مثل (و اقول لكم ايضا ان اتفق اثنان منكم على الارض في اي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل ابي الذي في السماوات (مت 18 : 19) ... والمسيحي البروتستانتي حينما يقع في ضيقة أو يعوذه أمر فأنه يبحث عن أكبر عدد ممكن من المؤمنين ليصلوا معه بخصوص هذا الامر! يطلب من كنيسته بمجملها ومن كنائس وجماعات أخرى الصلاة من أجل هذا الامر! ولكني أخاطب عقله ومنطقه الخالص من أي شوائب ؛ أليس الله إله فرد وهذا ما يؤكده المسيح في موعظته على الجبل : ( أنجيل متى 6 : 5 – 8 )
(( وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ)) ( أنجيل متى 6 : 5 – 8 )
والمسيح هنا يؤكد على أن الله يستمع لصلاة الفرد! ويستجيب سريعاً له بحسب الوعد الكتابي في سفر المزامير (و ادعني في يوم الضيق انقذك فتمجدني (مز 50 : 15)، فلماذا أرجوكم تصرون على أن الله يستجيب لصلاة الجماعة أكثر من صلاة الفرد؟! هل يمكن لوي ذراع الله لإجباره على الاستجابة بإكثار عدد المصليين والمتشفعين؟! ألا يعلم الله ما في الصدور قبل أن نسأله؟! وهو يعلم ما لخير البشر فلماذا من فضلكم ينتظر الله حتى يكثر عدد المصليين ليستجيب؟! أليس الفرد كافياً لاقناع الله أن يستجيب؟! بل ما فائدة الصلاة أساساً إن كان الله سيفعل ما هو صائب من وجهة نظره؟! ولماذا تعب الانسان أساساً في الصلاة؟!
أما الفريق التقليدي من الارثوذكس والكاثوليك ؛ فالكلام السابق موجه لهم أيضاً بالاضافة الى الرد على فكرة فعالية صلوات وشفاعة القديسين من الاموات أمام عرش الاب من أجل الاحياء الذين يستنجدون بهم! والرد سأقتبسه من ذات الكتاب المقدس ومن التفكير العقلاني السليم. كل المؤمنيين من كافة الاديان لا ينكرون حقيقة أن الله يتواجد في كل مكان في وقت واحد ودون إنقطاع ولو للحظة! ويذكر الكتاب المقدس أن (انا الرب هذا اسمي و مجدي لا اعطيه لاخر و لا تسبيحي للمنحوتات (اش 42 : 8) .... من اجل نفسي من اجل نفسي افعل لانه كيف يدنس اسمي و كرامتي لا اعطيها لاخر (اش 48 : 11) ) ... ومعنى هذا أن مجد وكرامة الله في هذين الايتين هما الصفات الالهية الذي لا يشترك فيهم مع البشر ولا الملائكة! فهل يمكن للإنسان أن يتواجد في أكثر من مكان في وقت واحد؟! بالطبع سيجيب الجميع لا! فكيف يمكن لإنسان وإنسان ميت مهما كانت درجة قداسته لدى الله أن يُمنح المقدرة على التواجد في أكثر من مكان في وقت واحد؟! فهناك من يتشفع بالقديس مارجرجس مثلاً في مصر الساعة السابعة صباحاً وفي ذات الوقت هناك أخر في أستراليا يتشفع لذات القديس وأخرين في روما ، فهل القديس مارجرجس أستمع لهم جميعاً في نفس الوقت؟! أليس (كلي السمع) صفة لله وحده دون جميع خلقه وهو أكد أن مجده لا يعطيه لأخر؟! فكيف ما زلت تؤمن بأن العذراء مريم ومارجرجس والبابا كيرلس والبابا شنوده يمكنهم سماعك أنت وغيرك في بلاد أخرى وفي ذات الوقت؟!
أنت بذلك تكون أشركت بالله دون أن تدرى! فأنت تعامل هؤلاء القديسين وكأنهم الهة أصغر تألهوا بعد مماتهم!
يا صديقي العزيز أدعوك لأن تفكر وتستخدم عقلك ، وتنتقد ما هو موروث، فربما يكون الموروث خطأ فلماذا تتبع الخطأ طوال عمرك الذي يمكن أن تقضيه سعيداً دون هذه العقائد التي تسلبك لُبك وقلبك وحريتك!!
مقالات سابقة من نفس السلسلة:
1- سلسلة في نقد العقل القبطي المسيحي – 1 – منع أبن الزوجة الثانية من الكهنوت! .... الرابط : ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=376580 )
#توماس_برنابا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟