|
الكويت تولد من جديد للمرة الرابعة
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1202 - 2005 / 5 / 19 - 10:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
-1-
دخلت الكويت أمس عصر الحداثة السياسية من أوسع أبوابها، عندما صوّت مجلس الأمة الكويتي بعد ست سنوات من المرسوم الأميري لصالح قانون انتخاب وترشيح المرأة الكويتية في المجالس البلدية والمجالس التشريعية، لكي يُفتح الباب أمام المرأة الكويتية لولوج الحداثة السياسية من أوسع ابوابها وارتقاء مناصب الوزارة والسفارة والقضاء.. الخ.
-2-
لقد كان أمراً مستغرباً طيلة السنوات الماضية كيف أن المرأة الكويتية لم تنل حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة رغم رغبة الدولة والحكومة منذ سنوات طويلة، وخاصة بعد تحرير الكويت عام 1991، بأن تنال المرأة الكويتية هذه الحقوق، فيما لو علمنا أن المجتمع الكويتي أكثر المجتمعات الخليجية انفتاحاً واعطاء المرأة الفرص الكاملة في العمل والعلم.
-3-
فالمرأة الكويتية كانت من أولى نساء الخليج التي خرجت لتلقى العلم خارج الكويت. وكانت الطالبة الكويتية في معاهد العلم الأجنبية في العالم العربي كالجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة من الطالبات المتميزات في شدة اقبالهن على العلم والتفوق. كما شكلت الطالبة الكويتية أكبر نسبة من طالبات الخليج اللائي درسن في جامعات الغرب، وحصلن على أعلى الشهادات.
والمرأة الكويتية هي المرأة الخليجية الوحيدة التي كانت تذهب إلى جامعة حكومية مختلطة (جامعة الكويت) إلى أن تم منع الاختلاط بعد 1992 ، وبفضل التيار الديني (الذي اعتبر أن من أسباب الغزو هذا الخروج للمرأة!) ، والذي لا يريد للمرأة إلا أن تلزم بيتها (مكانك تُحمدي) و (البحصة في مكانها قنطار) وتكرّس حياتها للعلَف والخلَف!
والمرأة الكويتية هي المرأة الخليجية الأولى التي مارست التدريس في الجامعات، ومارست المحاماة، ومارست السياسة، وكانت ناشطة في لجان حقوق الانسان.
والمرأة الكويتية هي أول من قال الشعر ، وكتبت القصة، وكتبت الرواية في الخليج العربي، ومارست الصحافة والنشر.
وهي المرأة الخليجية الأولى التي وقفت على خشية المسرح الكويتي، وظهرت على شاشة التلفزيون ممثلةً، ومذيعةً، ومغنيّة.
والمرأة الكويتية هي المرأة الخليجية الأولى التي كافحت طوال 35 سنة من أجل أن تصل إلى ما وصلت اليه اليوم، من نيل حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة، رغم شراسة التيار الديني. فما نالته المرأة الكويتية ليس منَّة ولا صدقة ولا عطيّة ولا هدية، وانما هو حق شعرَ بشريعته حكام الكويت، وسعوا طيلة أكثر من ست سنوات لاقناع أعضاء مجلس الأمة للتصويت عليه.
-4-
إن أهم ما في قانون ترشيح وانتخاب المرأة الكويتية الذي سيكون حافزاً لبقية نساء الخليج، الطريق الديمقراطي التي تمَّ اقرار القانون من خلالها.
فقد كان بمقدور الدولة الكويتية بعد ست سنوات من العمل والجهد والجدل والصبر ، أن تقوم بفرض هذا القانون فرضاً في غياب مجلس الأمة، سيما وأن قطاعاً كبيراً من الشارع الكويتي بما فيه 50 بالمائة من مجموع عدد السكان (النساء) إلى جانب هذا القرار. ولكن الدولة رأت أن تتمهل، ولا تفرض هذا القانون فرضاً وبمرسوم أميري مطلق، كما هو الحال في الدول العربية الديكتاتورية، لأسباب كثيرة منها:
1- أن الديمقراطية في الكويت "ديمقراطية صلاحيات" وليست "ديمقراطية اجراءات". و"ديمقراطية الصلاحيات" هي التي تتيح لمجلس الأمة أن يقول لا ، ويعترض على أي قانون يُفرض عليه من أي جهة. في حين أن "ديمقراطية الاجراءات" هي الديمقراطية المزوّرة التي بموجبها يتخذ الحاكم قراراً قطعياً نافذاً ، وما على ممثلي الأمة – إن وجدوا - إلا أن يبصموا عليه.
2- أن الكويت دولة عشائرية لها عاداتها وتقاليدها وأعرافها التي تكوّن أساس ما يضبط الحياة. وأن الدولة تراعي هذه العادات والتقاليد والأعراف وتتجنب المساس بها، وتسلك الطريق الديمقراطي لتحسين مستوى هذه الأعراف والتقاليد والعادات.
3-أن الأحزاب السياسية الطليعية الكويتية ضعيفة ومكسورة الجناح، ولا وزن كبيراً لها في الشارع الكويتي، وأن التيار الديني في البرلمان الكويتي (الذي عارض هذا القانون ولم يصوّت لصالحه) هو القوة السياسية الكبيرة. ومن الحكمة الحوار معه واقناعه بالتي هي أحسن بالفائدة التي تعود على الوطن والمواطن من جراء اقرار هذا القانون.
4- تريد الكويت بديمقراطيتها العريقة أن تكون المثال المحتذى بين دول مجلس التعاون. وكون الكويت أصبحت هي المثال الحداثي السياسي الخليجي، فعلى خطواتها أن تكون محسوبة جيداً، داخل المجتمع الكويتي، حتى لا يقال أن الدولة تريد فرض ما لا يريده الشارع الكويتي.
-5-
إن أهم خطوة من خطوات التقدم نحو الحداثة السياسة هي مساواة الرجل بالمرأة بالحقوق والواجبات، ولقد تحققت هذه الخطوة الآن في الكويت. وهذا دليل كبير على أن المستقبل في العالم العربي للحداثة وليس للقدامة، وللتغيير وليس على خطى الماضي نسير، ولليبرالية وليس للأصولية.
وهذا دليل على أن الكويت تريد أن تأخذ مكانها الحضاري في المشهد الكوني الحديث. كما أنه دليل على أن الكويت لا تريد أن تكون رقعة ناشزة في نسيج العالم، ولكنها تريد أن تكون خيطاً منسجماً ومميزاً في هذا النسيج.
-6-
لقد ولدت الكويت لأول مرة الولادة السياسية عام 1961 ، حين نالت الاستقلال.
وولدت للمرة الثانية الولادة الديمقراطية، حين أقرت الدستور وانشاء مجلس الأمة عام 1962.
وولدت للمرة الثالثة الولادة التحريرية الكبرى، عند تحريرها من الغزو عام 1991.
وها هي تولد اليوم للمرة الرابعة الولادة الحداثية، حين أوقدت شمعة جديدة من شموع الحرية ليس في الكويت فقط، ولكن في العالم العربي كله، بمنحها المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة.
[email protected].
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لم يشربوا دم العفيف الأخضر حتى الآن؟
-
العَلمانية والديمقراطية جناحان لطائر الحرية
-
العَلمانية في العالم العربي : إلى أين؟
-
لماذا يحبُ العربُ أمريكا كلَّ هذا الحب؟!
-
أولويات العهد العراقي الجديد
-
ما أحوجنا الآن الى ثورة التغيير في الإسلام
-
فوبيا التغيير تفتك بالعالم العربي
-
أحمد البغدادي و- الميديا كارتا
-
العرب بين تحديات العصر وعوائق التغيير
-
العراق في العام الثاني بعد الميلاد
-
لماذا ننادي بثقافة التغيير؟
-
عودة الوعي السياسي الفلسطيني: -حماس- أنموذجاً
-
البغدادي وتجديد الفكر الديني
-
محنة العقل العربي: البغدادي أنموذجاً
-
الإرهاب الحلال والإرهاب الحرام!
-
هند وأحمد وبينهما لينا النابلسي - إن أردتم!
-
ماذا بعد -الاستقلال اللبناني الثاني- ؟
-
كيف يغسل الأردنيون عارهم بالعراق؟
-
عار أعراس الدم الأردنية
-
لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|