|
صاروخ العابد ..... والطماطة
علاء كنه
(ِAlaa Kana)
الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 06:23
المحور:
كتابات ساخرة
اليوم سأقُص عليكم حكاية من حكايات هدام والتي تجاوزت حكاياته حكايات الف ليلة وليلة بمرات وإن لم يكن بمئات المرات..... في البداية أود أن أوضح معنى كلمة الطماطة والتي هي كلمة باللهجة العراقية لمادة (الطماطم) أو مايطلق عليها في بعض البلدان العربية بـ(البندورة). ...إنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والآوان الرئيس شهريار هدام رئيس العراق صاحب جند وأعوان وخدم وحشم وله ولدان ليثان (عدي وقصي) وحكم بالسيف والحديد بين العباد... وبغضه أهل بلاده ... شخصياً لم أرى أو أسمع في حياتي رئيس دولة ينزل الى مستوى أن يتدخل في أبسط مستلزمات المعيشة كتدخله في مادة الطماطة...اليوم سأذكّر العراقيين بما حدث لهم في منتصف التسعينات وبعد خروج العراق منهكاً من الحروب بدءاً بالحرب العراقية - الإيرانية وحرب الكويت وحروب الخليج الأولى الثانية والتاسعة! لاأعلم أي منها بالضبط؟ وبالتحديد عندما برزت مشكلة (الطماطة ) على وجه الشاشة وأصبحت حَسرة على العراقيين...نعم (الطماطة) والتي أضحت في وقتها حديث الساعة، تصوروا بلداً يصنع صاروخ العابد وطائرة الأواكس لاتوجد به طماطة...وبالطبع الكثير من العراقيين قد نسي هذا الموضوع، بإعتباره لاشيء يذكر قياساً بالمصائب التي حدثت لهم وحلت عليهم في وقتها، وكيف كانت حكومة القائد المنصور وأزلامهِ يتلاعبون بقوت الشعب، وكَيف كانوا يفرضون حصاراً عليهم أمر وأقسى من حصار وعقوبات الأمم المتحدة في حينها... الكل يعلم أن هذه المادة وأقصد هنا (الطماطة) هي من المواد الرئيسية والمهمة خاصة لربة البيت العراقي بإعتبارها عنصراً أساسياً في إعداد الكثير من الأطباق العراقية اليومية. وفي أحد الأيام الخوالي وبقدرة قادر بدأ سعر الكيلوغرام الواحد من مادة الطماطة بالإرتفاع التدريجي!! وكانها دخلت (بورصة وول ستريت)! وإستمر بالإرتفاع والإرتفاع الى أن وصل سعر الكيلو غرام الواحد منها الى 3000 دينار عراقي وهو ما كان يعادل راتب الموظف لشهر كامل في حينه... ومن ثم إختفائها المفاجيء من الأسواق ومحلات البقالة لفترة ليست بالقصيرة، لا بل شَملت هذه المشكلة حتى قطاع الفنادق والمطاعم وبضمنها فنادق الدرجة الأولى في بغداد وأرجاء العراق، وأستمر الحال على هذا المنوال لفترة أكثر من شهرين، فبدأت بَلبَلة في الشارع العراقي وبدأ حديث الناس يكثر وبشكل علني بسبب تذمرهم من هذا الوضع. حتى بدأ يفكر البعض من ربات البيوت بإيجاد وسائل بديلة لهذه المادة العزيزة الغالية، وكأنها مادة تدخل في إنتاج السيارات وكيفية تحويرها... وبدأ بالفعل البعض منهم بإستعمال كجب الطماطة أو الصاص كبديل لها عند إعداد وجبات الطعام. وفجأة وعلى شاشة قناة التلفزيون الرسمية وبالتحديد في أخبار الساعة الثامنة من مساء أحد الأيام وإذا بزيارة مفاجئة للرئيس القائد بطل الطماطة عفواً (بطل التحرير القومي) الى أحدى علوات الخضار في بغداد العاصمة للتمحص حول سبب وسر إختفاء هذه المادة من الأسواق، وإذا بالقائد المنصور يطل: - بطلعته البهية - وببدلته الزيتوني المكوية - وبرتبته العسكرية - وبنظاراته الشمسية وكالعادة يتجمهر المئات من الفلاحين حول القائد ويتدافعون مع أفراد الحماية... يَرقصون ويَهتفون (بالروح بالدم ... نَفديك ياطماطة...عفواً نَفديك ياصدام)، والكل أستبشر خيراً بأن القائد الضرورة المغوار سيحل هذه المشكلة نهائياً وترجع الطماطة مُعززة مُكرَمة الى طاولة العراقيين بعد إفتقاد طويل لها وما سببتهُ من معاناة لهم، وكأن المسكين لم يكن يعلم بأن المحروسة شهرزاد وأقصد هنا حرم الرئيس (ساجدة)..كانت تملك وتدير بالباطن مصانع تعليب كربلاء لإنتاج معجون الطماطة بالكامل حالها حال البطل المهندس الفريق الركن الدكتور العلامة الجبار...إلخ (حسين كامل) - والذي لم يكمل الإبتدائية - عندما كان يسيطر على قطاع الطحين في العراق بأكمله.. وحاله حال أحد ( الليثين ) الأستاذ الدكتور البطل (عدي) الذي كان يسيطر على قطاع المشروبات الكحولية في العراق والبلد يزخر تحت راية الحملة الإيمانية...وغيرهم الكثيرين ممن كانوا يمسكون زمام الأمور في البلد. لقد كان كُل مَحصول الطماطة يتوجه مُباشرة الى مصانع تعليب كربلاء حصراً والعراقيين يتضورون جوعاً من فقدانهم لأبسط مستلزمات المعيشة وإرتفاع أثمان العديد منها ومن ضمنها الطماطة... وهم من دافع عنه وعن نظامه لسنوات وسنوات. المهم....وفي أثناء وجود القائد في علوة الخضار تظهر فُجأةً وبقدرة قادر مرة ثانية صناديق من مادة الطماطة... ويتم تصويرها والرئيس يلوح بيده للجماهير وكأنه قد حقق نصراً كبيراً على أعداء الأمة العربية وقد حرر القدس.... وفَرح الكثير من المواطنين البسطاء ظناً منهم أنه إستطاع بحنكته العسكرية المشهود بها، كونه خاض الكثير من الحروب وكلها كانت خاسرة، أن يحل هذه المشكلة للأبد، ولكن ماحدث كان عكس ذلك! حيث حال رحيله عن ساحة المعركة... أقصد عن علوة الخضار، وإذ بالطماطة تختفي مرة أخرى. إعزائي لا أريد أن أطيل عليكم، ولكن بهذه المناسبة أود ان أسرد واقعة حدثت متزامنة مع فقدان الطماطة، وبصفتي كنت أحد المتتبعين لهذه المشكلة العويصة التي هزت البلد! حيث في وقتها كانت كل المطاعم وفنادق الدرجة الممتازة في بغداد تقدم طبق (السَلطة) وأقصد (الزلاطة) باللهجة العراقية للزبائن والضيوف بدون طماطة (عارية)، والحمد لله لم يكن رواد (القاعدة) قد دخلوا العراق في وقتها بعد.. لأقول.. ربما هم كانوا السبب وراء إختفاء الطماطة، بصفتهم يمنعون ظهورها كونها (مؤنث)، بجانب الخيار بصفته (مذكر)، وفي خضم تلك الأحداث المُتسارعة حولَ مُستقبل الطماطة! ومن أهم نتائج الزيارة الميمونة للقائد الضرورة لعلوة الخضار، ومن نتائج إجتماعاته، تم إيجاد الحلول والبدائل لهذه المشكلة وحلها جذرياً. وتم إخطار إدارات الفنادق رسمياً بسلسلة إجراءات وتوكيل مراقبة تطبيق هذه الإجراءات المهمة الى دائرة الأمن الإقتصادي، وبالطبع هذه الدائرة غنية عن التعريف والكثير من العراقيين يعلم من هم منتسبيها وكادرها (المرعبين) الذين كان أغلبهم من المرتشين والقفاصين، وكان من أهم الإجراءات مايلي: تحديد صندوقين من الطماطة لكل فندق يومياً يَستلمهما أحد مُنتسبيه بموجب كتاب رسمي صادر من إدارة الفندق (ياسلام شوف التنظيم) على أن يكون متواجد في علوة الخضار في تمام الساعة الرابعة صباحاً لإستلام الحصة. وبالفعل في اليوم التالي أرسل كل فندق مبعوث له!...أقصد أرسل موظف له مع سيارة مشتريات (مع بنزين) وصندوقين فارغين مع كتاب رسمي صادر من الفندق لجلب الكنز!! وأقصد الطماطة.. (أرجو ملاحظة تكاليف هذه العملية الجبارة) ...وفي أحد الفنادق وبعد إنتظار طويل وكأن الجميع في حفلة عرس بإنتظار العريس والعروسة...يحضر الموظف في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً بخفي حنين وكما يقول المثل (إيد ورا وإيد كدام)... يمعود شنو السالفة... وإذا بالموظف.. يجيب (والله ماحصلت... وموظفي الأمن الإقتصادي يريدون رشوة)،الى هنا وأترك الباقي للقارىء الكريم. تصوروا دولة بكبر العراق ورئيسها ينزل الى هذا المستوى والوضع، وينشغل الجميع بموضوع مثل موضوع الطماطة. إن الذي جعلني أتذكر وأكتب هذه المقالة وبهذه التفاصيل... هو السياسة التي كانت تتبعها حكومة الثورة وسياسة ذلك الحزب الأوحد الذي كان يذكر في كل مناسبة وثانية إن (الإنسان هو هدف الثورة وغايتها) ...تلك السياسة العمياء التي كانت عكس ذلك! والتي لم تجلب سوى العار والدمار للعراق وتلطيخ سمعة الشعب العراقي، تلك السياسة التي جعلت من الأغلبية اليوم مرتشين بسبب الحرمان الذي عانوه طيلة عقود من الزمن... تلك السياسة وتلك الثقافة الحزبية اللعينة التي كان جل همها البقاء لأطول فترة ممكنة، وإشغال المواطن البسيط بشكل يومي وبشتى الأمور وإرغامة على الذل والمهانة والجوع وجعله يركض ويلهث فقط وراء لقمة العيش له ولإطفاله، ومايحدث اليوم من تسارع للأحداث في المنطقة العربية هو نتاج واضح لتلك السياسات وأمثالها، والتي جعلت من الإنسان لاحول له ولاقوة.. فقير في بلده أو مشرد خارجه!!. بهذه المناسبة أقول لبعض هؤلاء في عراقنا الحبيب ولبعضهم الآخر الذين يتسكعون في دول الجوار والذين يحنون الى ذلك الماضي التعس ويريدون إرجاع عقارب الساعة للوراء أنهم واهمون فقد اضحت وأصبحت تلك السياسات التي كانت تعتمدها تلك الحكومة آنذاك من الخدع والأمور القديمة، والتي لم تعد تنطلي على أحد وأضحت اليوم في خانة كان زمان. كما أقول إن على حكومة العراق اليوم أن تعتمد سياسات جديدة مبنية على القدرات العراقية الشابة مع توفير كل المستلزمات الضرورية لبناء عراق جديد حُر وإضفاء الطابع المؤسسي على النظام السياسي الديمقراطي القائم على أساس العدل والإحترام، وأن تفكر جدياً في تغيير وتطوير مناهج التدريس في المدارس والجامعات لتتناسَب مع التوجه المدني المعاصر، ويجب علينا في نفس الوقت نحن العراقيين أن نفكر بالإرتباط بهوية وطنية أسمها (العراق) وليس هوية تقوم على أساس جماعة عرقية معينة. صحيح إن العراق اليوم مَريض لكنه سيشفى بأقرب فرصة ممكنة وإن كل بقايا ذلك النظام وتلك السياسة (بعض هؤلاء) هم راحلون بدون رجعة لأنهم ببساطة لايستطيعون أن يتأقلموا مع الحرية والعدل والمساواة. وأن نبدأ بكتابة التاريخ بشكله الصحيح وليس بالشكل المشوه الذي كتبه ذلك النظام من خلال ضخ أموال العراق والعراقيين. ورَجعت الطماطة مرة ثانية الى الأسواق، وفَرحت الجماهير بعودتها سالمة مكرمة بدون سوء، وإدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
#علاء_كنه (هاشتاغ)
ِAlaa_Kana#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إكرامية الزواج...... وجرحى الإنتفاضة
-
الحسناء (ساجدة) وحمايتها ....والوحش (النجيفي) وسائقه
-
حليب الكيكوز... ومنال يونس الآلوسي... والقوات الأمريكية
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|