أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر رمزي - جنادب وفَراش














المزيد.....

جنادب وفَراش


عامر رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 3017 - 2010 / 5 / 28 - 08:45
المحور: الادب والفن
    


زهرتان كانتا ستلتقيان، إحداهما نامت منتظرة على عتبة قلقها ثم انتفضت جزعة لصوت طلق ناري، وأخرى ذات عبير ليلكي سقطت من يده على الرصيف المتآكل.
ولأن ليس بالمدن وحدها تزدهر الإنسانية، وما بالبارود فقط تتفجر المدن، كانت العاصمة قد ارتجت لمقاله الذي دفع به للنشر منذ أسبوع مضى، مثيرا من خلال نوافذه النارية احتدام النقاش والجدل.
كانت تؤرقه إيحاءات خياله وهي تصوره كناقة هزيلة تحمل هودج الأسياد، ولم يعد يحتمل الأساطير المبتدعة لذلك الوزير المتلوّن، وما تحدثه من ارتجاجات لروحه، وأدرك في الوقت المناسب أن المبررات الملائمة للتحفظ على جرائمه صارت تذوي بسرعة.
كان يشفق على ذاته لشعوره بالوضاعة كلما تذكر أنه أحد العاملين تحت إمرته ، خصوصا وهو مازال يواظب في إطلاق وعوده، ولا يتوانى عن قذف فقاعات الصابون في عيون متعبة تتسوّل الأمل، متوسدا على سحر سلطته ووجاهته، جاعلا من حديثه المُجتر طعاما للجياع.
تأكد من اختلاف وجوه الساسة، ولاحظ أنها تتشابه بأفواهها البوقيّة، وتيقن أن هناك من يعدّونها خصيصا للنفخ على ريش النعام في مقابر الصدى. شاهد بعينيه كيف يُرَتقون في الصباح ثوب الوطن بعد ان تهرّأ بين أيديهم وهم يمزقونه ليلا، هؤلاء من يـُفرطون في إعداد أتباع تتشـّكل أرقاما وحسب، منتزعين ما تبقى من آدميتهم، مكرّرين عليهم الخدعة التقليدية القائلة بانتمائهم لقبيلة ملائكة انحدرت من أفضل السلالات، هذه الأرقام ، وبعد حسابات بسيطة، ما أن تجمع مع بعضها تصبح فورا شيئا أشبه بالأرض البور.
لطالما مقت الجنادب النطاطة لأنه يعلم إنها لن تطرح يوما الفراشات الملونة، وهي تتمادى في صفيرها طامعة في إنجاب المزيد من سلالات الصراصير الدابة على هامش الحياة.
ثارت حمم الحقائق المدفونة في سراديب الوزير، وتجرأ بتسليحها بالأدلة القاطعة الجسورة، وما أن تقدمت ثورة القلم، تحتل الورق سطرا بعد آخر، حتى تلت بيان الثورة الأول، فكانت أسرار جميع المرائين بمتناول الفضيحة العلنية.
ضاق رئيس التحرير ذرعا فيما هو يصد حصاره، لكنه من جهة أخرى شعر بالأصالة، وابتهج بعودة إحساسه بها مجددا، بعد أن وجد من يطمئن ضميره، فدفع مقال صاحبه للنشر، رغم يقينه الحتمي بخسارة الصحيفة لإعاناتها الرسمية بعد ذلك. قال له: "أنها حماقة ستزعزع حياتك، أو في أفضل الأحوال ستهوي بمستقبلك إلى الجحيم!".
أجاب : "حياتي؟ اعتدت تكريسها خدمة للجسد، وما فتئنا كبشر نسخـّر العمر لتجميل مظهره الدنيوي، أما لو حشروا جسدي في الجحيم عقابا لحرية الحقيقة، فلابد لفكري أن ينطلق في غفلة منهم نحو الخلود".
رئيس التحرير: "حتى الفكر لن يسلم من تزوير أشرار الأجيال القادمة، سيبطلون خلوده".
أجابه:" هذا لا يمنع أن نحتفظ بآدميتنا، ألا تنبئنا الكتب السماوية أن ابن آدم أكثر قدسيّة من الملائكة؟ إذا كي يبقى الإنسان مقدّسا عليه أن يحتفظ بآدميته.
رئيس التحرير: " هو في الحقيقة يعجز عن اقتفاء اثر الملائكة وسلوكها، فكيف ستسجد له الملائكة؟!.
وافقه الرأي بإيماءة من رأسه، ثم قال له قبل أن يغادر مبنى الصحيفة:
مازلنا نرتكز على الانتظار، وهو أحط ما نملك لخداع أنفسنا، كم تلوى أملنا في تجلي ذكريات أزمنة الجمال مجددا؟ لذلك فمن المخزي الاستسلام لعادة الخذلان. تأكد يا صديقي لن يشاهد الإنسان الحرية من خلف الجبال إن لم يضع قممها تحت قدميه أولا.
البرقية المتغطرسة وصلته بعد أيام، رفض قبلها استلام برقيات شهيّة سخّرت على مائدتها أطباق المجد، وعجز الثراء أن يُهدهد خياله، رغم انه سحر كل من حوله.
لكن البرقية البربرية الأخيرة باغتت فيها لغة البارود لغة الورود، تأرجح واصطكت ركبتاه ، فهوى على وجهه.
في لحظة صمت مطبق، وبينما جسده المرتعش يتكوّر كالجنين، رفع رأسه عن مستنقع دمه، نظرة أتاحت له رؤية نظـّارته والزهرة والقلم ، ولفافة التبغ التي ما زالت تطلق أنفاسها، أصغى لأنينهم يؤبنون صبر سنوات حياته المبددة، أعواما من الكفاح لخصها في تلك الممتلكات.
أحس بلمسة الموت تمر على جسده، وشاهد بعين خياله اللفافة تنتحب: استنفذ كل هوائي وهو يُقـّبلني منذ دقائق، إنه يُفضّل أنفاسي على الهواء الفاسد الذي يملأ الأجواء.
وخيّل له أن قلمه يتحدث كمن يشعر بالذنب: جرت عادته على أن يُلهب سخونة جسدي حتى أحوّل كلماته إلى جذوات مُجمّرة، يطوّعني كرفش حبري، طامرا على الورق كل نتانة تصادفه. لأنه حر، كان قادرا على تحريك العالم فوق السطور، محولا إياها إلى خرائط معتمدة.
قالت الزهرة: لم يعد لي مكان إلا في أكاليل الموتى، إنهم يضعون الإنسانية تذكارا مع معروضات المتاحف، كنت رمزا للحب، ثم أوشكت على الكساد وسط كل هذا الترهل الفكري.
قالت النظـّارة: أرى بريق يقين في عينيه - وقد دارتا في محجريها في هذه الأثناء- كان لا يبعدني عن حدقتيه إلا حين يلامس الخيال. لم يحترف استخدام ورقة التحفظ الآمنة أمام ما يكرهه، هي سقطته الدفاعية الدائمة، ورغم اكتشافه المبكر لهذا الخرق التكتيكي، لكنه لم يسع للاندماج مع جحافل المتلونين.
رن هاتفه النقال، منحته موسيقى نشيد(موطني)جرعة من الأمل وسط لهاثه الكبير في الشارع المقفر.
استعان بما تبقى من قواه، وفي تيقظ شديد، دس يده في جيبه، انتزع الهاتف بصعوبة بالغة
سمع صوت رئيس التحرير يهتف فرحا:
- أين أنت؟! مقالك اسقط الوزير.......
رفع بصره نحو السماء وجدها صافية الأديم، وفي تلك اللحظة تهاوى نجم واضمحل بسرعة، شعر بالامتنان للقلم، وابتسم ابتسامة فوز حانية قبل أن يغشي الظلام عينيه.

===============================================================================================



#عامر_رمزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة اقتراع أم رصاصة؟
- غاندي العراق
- هذه وصيتي
- أكيتو الغريب
- قصيدة جان دارك
- فناء الزاجل وقصص قصيرة جداً
- عرّافة في عيد الحب الماضي
- لحظات في قصص قصيرة جداً
- قتيل نسيَتهُ الملائكة..قصة قصيرة
- قصص مجنونة قصيرة جداً
- وفاء القلوب في قصص قصيرة جداً
- قصورُ بلا روح
- منك وإليك ثلاث قصص قصيرة جداً
- (قرد وطين)
- قصيدة (رسالة الى مفقود)
- قصة قصيرة(أنا وحماتي)
- لست أعلم غايتي
- حب وأستقالة
- (مجنونه لكني احبها)
- أصابع خفيّه


المزيد.....




- وزير الإعلام العماني: الفيلم الوثائقي -الخنجر- ثري ومبهر بصر ...
- إيران: إطلاق سراح مغني الراب توماج صالحي بعد إلغاء حكم بإعدا ...
- لوكاشينكو يدعو وزير الثقافة الجديد لترتيب الأوضاع أو الموت
- 12 دولة تشارك في مهرجان -تشيخوف- المسرحي الدولي عام 2025
- مسقط: RT كما -الخنجر- العماني ينبغي الحفاظ عليها كشكل من أش ...
- إطلاق سراح مغني الراب الايراني توماس صالحي بعد إلغاء حكم ساب ...
- سلطنة عُمان تشهد العرض الأول لفيلم RT العربية -الخنجر-
- الكويت.. اكتشاف تمثال نادر يظهر تأثيرات ثقافة العبيد في دول ...
- اختتام ملتقى الشارقة للخط فعاليات دورته الحادية عشرة -تراقيم ...
- احتفالاً بعيد الاتحاد نبذة من ديوان الشيخ زايد بن سلطان آل ن ...


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر رمزي - جنادب وفَراش