|
صفر الدين القبانجي وخطبته العصماء
صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 2231 - 2008 / 3 / 25 - 10:58
المحور:
كتابات ساخرة
جلس صفر الدين القبانجي (*) ولملم عباءته الزنجاري الداكن، تنعكس امامها لمعة لحيته البيضاء في تباين لوني وضوئي جميل يضيف على هيبته هيبة، ثم رفع عينيه دون استعجال وادارها حوله، فصمت المثرثرون. " الوهابيون كفرة متحجرررون...إرررهابيون"...".إنهممممم يهاجمون شعائر الحسين ويرونها بدعة، وكل بدعة ظلالة وكل ظلالة في الناررررر"...كان صفر الدين يمط نهايات الكلمات ويتبعها ببعض الصمت، مما يعطيها اثراً اضافياً لايفلت منه المستمعون، خاصة تلك الكلمات التي تنتهي بالراء، ربما لأثره الإرتجاجي...."...الشيعة خير امة اخرجت للناس"!! "عشرة ملايين عراقي شاركوا في مراسم اربعينية الامام الحسين...." نظر السيد حوله فرأى نظرات الشك في جلاسه، لكنه قرر ان الهجوم افضل دفاع فكاد يقول "بل عشرين..." لكن حسه الفطري منعه فاكتفى بتكرار ماقال بثبات الواثق من نفسه: "عشرة ملايين عراقي شاركوا في مراسم اربعينية الامام الحسين... حيث تحولوا جميعهم الى ملائكة"....انتظر قليلاً ليرى وقع كلامه على وجوه من حوله، ثم استمر: "رموا خلفهم متاع الدنيا ورغباتها وتحولوا الى متطلعين للفوز بأجر وثواب الزيارة والذي يعادل 7 حجات الى بيت الله الحرام"....وهنا لاحظ ان نظرات التردد عادت الى جلاسه فرفع صوته وصاح بتحد: "و7 عمرات ايضا!!"
انشغل البعض عن السيد بتحويل عدد زياراته الى قيمتها بالحجات والعمرات، ولعن جدول ضرب الرقم 7 اصعب الجداول ...في اثناء ذلك كان السيد مشغولاً بمقارنات معقدة ليقنع بها من كان في قلبه شك من كلامه فقال:
"إن الخدمات في الحج كلها مدفوعة الاجر من الطعام الى السكن وغسل الملابس لكنه خلال زيارة الحسين فان هذه تقدم مجانية من قبل المتطوعين الخيرين ." "وفي موسم الحج الذي يشارك فيه مليونان او 3 ملايين حاج تحدث الاف الحالات من التسمم بالطعام لكن أيا من العشرة ملايين في زيارة اربعينية الحسين لم يحدث ان تسمم شخص واحد منهم" "ان السرقات تكثر في موسم الحج وخاصة قرب الحجر الاسود لكنه في زيارة كربلاء لم تحدث سرقة واحدة واذا فقد زائر حاجة ثمينة فانه سرعان ما يجدها عند احد المؤمنين الذي يسلمها له" "وحجاج بيت الله يؤدون الفريضة مطمئنين من الاعمال الارهابية لكن زوار الحسين مستهدفين من قبل الارهابيين ورغم ذلك فإنهم لايأبهون بالمخاطر ومستعدون لتقديم مليون شهيد من اجل اداء هذه الزيارة" " و لكثرة المشاق التي يواجهها الحاج فإنه يقول انه لن يفكر بتكرار ادائه الفريضة مرة اخرى لكنه في زيارة الاربعين وما يلقاه الزائر من تسهيلات فإنه يصر على ان يصطحب افراد عائلته جميعا في زيارة العام المقبل "
وهنا دخل على السيد "مدير مكتبه" وأسر ّ بأذنه شيئاً فقام السيد يلملم عباءته، ثم انه نظر الى جلاسه فلم يدر ما يقوله لهم...فالتفت الى "مدير مكتبه" وقال له: "اكمل انت بدلاً مني" فاجابه "وماذا اقول يا سيدنا؟ انا لم احضر شيء؟" فمد السيد يده في جيوبه يبحث حتى وجد ورقة كتب بها بضعة كلمات متناثرة وقال: "هذه ملخص افكار الخطبة، كل ما عليك ان تربطها وتصنع منها خطبة "موجهة" جيدة".
بدا على المدير القلق الشديد، وهمس له: انا يا سيدنا اعرف ادبر المكتب، بس بالدين....يعني إذا سألني واحد سؤال فكيف؟ التفت السيد الى احد الجالسين في الصف الأول وقال له: "انت...تعال..اجلس هنا" واجلسه قرب المنبر عند قدمي المدير وقال للمدير:"هذا يعرف كثير...ان احترت، إسأله"، ثم غادر المكان قبل ان يفتح الرجل فمه.
نظر "مدير المكتب" الى الورقة واحتار طويلاً...ثم انتبه فجأة الى الجالسين ينتظرون منه ان يقول شيئاً فجلس بعجل وتنهنه وهو ينظر الى الورقة...فوجد "الوهابيون" "كفرة" "متحجرون"، "إرهابيون" "يهاجمون شعائر الحسين"، ثم وجد تحتها مجموعتين من الكلمات في عمودين احدهما يمثل مزايا الزيارة والثاني مزايا الحج، فتردد لحظة عما يمكن ان يكون القصد من ذلك ثم قرر ان السيد لابد انه كان ينصح المسلمين بزيارة بيت الله فيمتدح الحج ولو على حساب الزيارة، قال في نفسه: "لاشك انها جزء من المصالحة الجارية هذه الأيام" ثم قال بصوت عال:" الوهابيون كفرة متحجرون، إرهابيون! يهاجمون شعائر الحسين "! رغم ارتفاع صوته لكن مدير المكتب لم يكن له من الهيبة ما للسيد لذا تجرأ احد الجالسين وسأله : "مولاي، من الوهابيون الذين يهاجمون شعائر الحسين؟" دمدم المدير شيئاً ثم إنحنى على أذن "مستشاره" وهمس:" من الذين لم تعجبهم شعائر الحسين، قل لي بسرعة". صحا الرجل فجأة، وبدون ان يلتفت اجابه بهمس:"المرحوم السيد احمد الوائلي, وغيره كثير"، فرفع مدير المكتب رأسه وقال بصوت عال :" إنهم مقلدي سيد احمد الوائلي يارجل..." (1) بدا على السائل انه فوجئ بالجواب لكن المدير لم يمنحه الوقت ليعترض، واستمر بخطبته:
" في زيارة الحسين يقدم الطعام والسكن، وغسل الملابس مجاناً من قبل المتطوعين الطيبين، فلا يخسر الزائر شيئاً من جيبه، أما في الحج فعلى الحجاج ان يدفعوا ثمن كل هذا من جيوبهم في سبيل الله ومن يدفع في سبيل الله جزاه الله عشرة امثاله يوم القيامة!"
رأى مدير المكتب ان الجلاس يتهامسون ويتنحنحون كمن يريد ان يقول شيئاً، فتصور ان كلامه دخل قلوبهم وعقولهم فتفاعلوا معه، فشجعه هذا على المضي، فقال:
"لم يحدث ان تسمم شخص واحد لأي من العشرة ملايين في زيارة اربعينية الحسين، أما في موسم الحج فتحدث الاف الحالات من التسمم بالطعام، لكنهم لايأبهون بالمخاطر ومستعدون لتقديم مليون شهيد من اجل اداء هذه الفريضة".
"وفي زيارة كربلاء لم تحدث سرقة واحدة واذا فقد زائر حاجة ثمينة فانه سرعان ما يجدها عند احد المؤمنين الذي يسلمها له، أي ان الزائر لايفقد شيئاً في زيارته. بالمقابل ما اكثر السرقات في الحج وخاصة عند الحجر الاسود، لكن من رمى خلفه متاع الدنيا ورغباتها وتحول الى متطلع للفوز بالأجر والثواب من الله لايهمه ما يخسره، لذلك تراهم يتدافعون عمداً ليقتربوا ويتباركوا بالحجر الأسود..."
"في زيارة الاربعين يلقى الزائر ما يلقاه من تسهيلات وخدمات، أما الحاج فما اكثر المشاق التي يواجهها، وما هذا إلا دليل على ايمانهم: إنما يريد الله ان يبلوكم ايكم احسن عملاً، والمؤمنون مبتلون ولهم في الآخرة أجر عظيم."
"وأخيراً فزوار الحسين مستهدفين من قبل الارهابيين لذا فمن يسلم منهم لن يفكر بتكرار الزيارة مرة اخرى، بينما حجاج بيت الله يؤدون الفريضة مطمئنين من الاعمال الارهابية، لذا يصر كل منهم على ان يصطحب افراد عائلته جميعا في حج العام المقبل"
شعر مدير المكتب بالراحة وقد اكمل العمودين من الكلمات واعتبر ان سيده سيفرح بما فعله، لكنه انتبه الى وجود ثلاث عبارات لم يستعملها بعد، متناثره في الورقة، فقال في نفسه: لاشك انها نصيحة خير أرادها السيد للناس، فأدارها في رأسه حتى رتب منها جملة مفيدة اختتم بها خطبته:
"ان المنافقين الذين يديرون الكلمات المطاطة ومغزاها كما تشتهي مصالحهم، اؤلئك هم المخادعون الداعون الى الفتنة والتفرقة بين المسلمين، ولن تشفع لهم عند الله لا "زيارة واحدة"، ولا "سبع حجات"، ولو كان معها "سبع عمرات"، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"!
وما ان هم ليقوم حتى بادره نفس الشخص وسأل: "لكن مولانا لم تخبرنا عن مغزى خطبة اليوم، السيد كان يفعل ذلك دائماً". اصيب المدير بالحرج، وراح يبحث في الورقة لعله يجد فيها شيئاً لم يره، فلم يجد كلمات لم يستعملها سوى كلمة فوق عمود "الحج" هي " أسود" وكلمة فوق عمود "الزيارة" هي " ابيض". فكر بسرعة في حكمة او مثل يشمل هذه الكلمات، وفجأة انفرجت اساريره وصاح: " الحكمة يا اخوان من هذه الخطبة هي: تريدها اسود اسود، تريدها ابيض ابيض" , والسلام عليكم....وخرج مسرعاً قبل ان يسأله احد سؤال اخر...
http://www.iraq-ina.com/showthis.php?tnid=25344# (*)
http://www.youtube.com/watch?v=KckPNZ-kV2o فيديو للسيد احمد الوائلي: (1)
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى يعترض عادل عبد المهدي ومتى يقبل؟
-
هنري برغسون: وفاء سلطان وأمثالها مختلي الأخلاق
-
دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده
...
-
حلبجة...السادة أمنوا منازلهم جيداً
-
قضايا تختفي واعدامات بالمئات من اجل التستر؟
-
الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - (2 من 2) المطالبة بإجماع و
...
-
الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - مفاهيم مشوشة (1 من 2)
-
على الإنترنيت كتاب يكتبون بدمهم وقراء اصابهم التعب والإحباط
-
كيف يمكن لمفاوضينا صياغة معاهدة تستعيد السيادة الكاملة؟
-
الفرق بين الدفاع عن المرأة واستخدامها كهراوة لضرب الإسلام
-
جمال يساعد امه – فكرة لمناسبة عيد المرأة
-
كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟
-
فرصة الفلسطينيين للسلام الكريم تبدأ بحسم امرهم مع الفساد
-
إبداعات مسرحية للرئاسة العراقية
-
بالون ودبابيس
-
معاهدة لاتجد ما يدافع عنها سوى الكذب- تآمر لشلّ ديمقراطية ال
...
-
لست وفياً جداً لأصدقائي: قصة واقعية قصيرة
-
دعوة للصدر لتجميد آخر
-
وداعاً ايها التميمي الجميل
-
بوش والمالكي: معاهدة من وراء شعبيهما
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|