|
رحلة البحث عن الرجل الحديدى.. الحلقة الثانية
صلاح الأنصارى
الحوار المتمدن-العدد: 1951 - 2007 / 6 / 19 - 11:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقاء في القطار مع حسن البنا غادر الضابط باب العمارة مهزوما.
خطته فشلت.
كان يريد ان يصبح من سكان هذه العمارة المحترمة في وسط البلد.
المالك من عائلة بركات المشهورة بين اغنياء منتصف الخمسينيات ومثل اغلب اصحاب الاملاك في قلب القاهرة كان سكانهم المفضلون: الاجانب واليهود.
لماذا..؟!
لم يكن احد يدري.. ربما وقوع في هوي المزاج الاوروبي.
او عقدة " الخواجة " التي تري ان التعامل معهم اسهل من اولاد البلد..الذين لم يتدربوا بعد علي الحياة في المدن علي الطريقة الأوروبية.
المهم كان اليهود (حتي لو مصريين) اقرب الي هذا المزاج.
هذه ميزة استفاد منها يوسف درويش.
كان يبحث عن شقة بعد ان ضاقت شقة 20 شارع شامبليون التي تحولت الي بيت ومكتب.
ومع اتساع اعمال المكتب..لم تعد مساحة البيت كافية لعائلة من 4 افراد (يوسف واقبال ونولة ومجاهد).
اقبال زوجته اختارت من عمارة بركات شقة بحري 3 غرف وصالة.
هذه الشقة تحولت الي هدف ضابط البوليس الذي جرب مع يوسف درويش خطة التخويف.
كنا في 1956..لحظات انفلات غير معلنة (في مانشيتات الصحف) كل شيء ينقلب رأسا علي عقب.ثورة الضباط الاحرار.. تغير الخرائط الاجتماعية وتعيد ترتيب شرائح المجتمع في مواقع جديدة.
والقناصون والشطار من مطاريد الطبقات.. يبحثون عن طريق للصعود الي اعلي.
الضباط والموظفون الكبار نسبيا استغلوا حالة العداء المتضخمة ضد الاجانب واليهود علي وجه خاص بعد مشاركة اسرائيل في العدوان الثلاثي مع انجلترا وفرنسا.
شهوات فردية اقتنصت المزاج العام.. وبدأت حملة تهديد وضغط لكي يترك اليهود شقق وسط البلد والاماكن الراقية.
"..واليهود بطبيعتهم خوافين.."
قال يوسف درويش وهو يحكي عن 4 او5 جيران له يهود تركوا الشقق لضباط ومسئولين لمجرد تهديد خفيف.. وحكي عن الضابط الذي جرب معه هو الآخر باعتبار ان اصله اليهودي سيجعله هو الاخر يترك البيت طلبا للسلامة او الامان.." لكنني انفجرت في وجهه..حتي خاف مني وخرج مثل الكلب يجرجر خيبته.."
ضحك مستعيدا لحظة انتصاره.." اؤمن بانه اذا لم تتصد من البداية فانك ستضرب اكثر.."
وعلت الضحكة..وهو يقول:"..لم يكن يعرفني جيدا".
لا يتذكر يوسف درويش اخر مرة مارس فيها الطقوس اليهودية.
وتعجبت عندما قال لي: كنت اذهب الي الكنيسة يوم السبت مع والدي احيانا.
سألته: كنيسة..؟!
رد بسرعة شديدة: نعم.
اكملت السؤال: ألا يسمي في اليهودية كنيس ؟!
"نعم.. لكنني اقولها علي طريقة المسيحيين ".
لم افهم المقصود من اجابته: هل يريد ان يقول لي ان كل الاديان بالنسبة له سواء.. هو متمرد كبير من ايام المراهقة.. حكي لي عن مجلات جريئة كانت تصل اليه عبر البريد ايام شبابه.. بينها مجلة اسمها " القسيس الذي لا يفرق بين الالف والياء ".."ماذا تريد بعد ذلك " ختم الحكاية بهذه الجملة التي تشير الي ان قراءاته جاوزت كل الخطوط الحمراء وكسرت التابوهات الدينية ؟!
لكنه ربما في نفس الوقت يتصور ان المصريين الآن لا يعرفون كثيرا عن مفردات الديانة اليهودية.. فقرر ان يتعامل بشكل لطيف مع جهلي.. (خاصة انني لاحظت في كلامه نبرة مستوحاة من ثقافة اولاد البلد.. تفلت كلمة من مصطلحاتهم فجأة.. فيقول عن المسيحيين نصاري.. مثلا)؟!
المهم عبرت هذه النقطة سريعا.
لانها كانت في منتصف حكايته المثيرة مع اليهودية.
" أنا من اليهود القرائين.."
لم اسمع الوصف من قبل.
لكن يوسف درويش قالها بشكل عادي وهو يشرح: " تعرف ان اليهود ينقسمون الي قرائين وربانيين.. والفرق بينهما هو الايمان بالتلمود.. القراءون يؤمنون بالتوراة فقط.. وهم متاثرون الي حد ما بالافكار الاسلامية.. حتي اننا عندما نصلي مثلا نخلع الاحذية مثل المسلمين وهذه عادة ليست موجودة عند اليهود الربانيين."
عرفت بعد ذلك.. وخاصة من بحث للدكتور عبد الوهاب المسيري اننا حينما نتحدث عن اليهودية فاننا في معظم الاحيان نتحدث عن يهودية الربانيين (تسمي ايضا اليهودية الحاخامية او الارثوذكسية لانها اعرق انواع اليهودية).
تذهب هذه اليهودية (حسب بحث الدكتور المسيري) الي انه عندما ذهب موسي الي جبل سيناء لتلقي الوحي لم يعطه الاله توراة او شريعة واحدة وانما توراتين اوشريعتين:احداهما مكتوبة وهي التوراة والاخري شفوية.
هذه التعاليم الشفوية تلقاها موسي وورثها عنه الانبياء ثم الحاخامات وتم جمعها في التلمود واصبحت " ملزمة لليهود باعتبار انها الكلمات الازلية إلاله.. وتدريجيا اصبحت الشريعة الشفوية اي التلمود.. اكثر اهمية من الشريعة المكتوبة.. اي التوراة"
هذا قبل ثورة عنان بن داود في القرن الثامن الميلادي.
عنان هو مؤسس يهودية القرائين التي تمردت علي سلطة الحاخامات والمفهوم الذي يري ان الحاخام هو وكيل الله علي الارض.. اعطاه الاسرار والتعاليم.. انتهت هذه السلطة مع دعوة القرائين الي " العودة الي النص المقدس المكتوب..اي العهد القديم.." وكان مفتاح الفكر الديني عند عنان بن داود هو عبارته:"..فلتبحث بعناية فائقة في النص ولا تعتمد علي رأيي".. (وليس غريبا هنا ان يكون مؤسس القرائين.. متشددا في طقوس الزواج وشعائر السبت.. فهو اصولي..يعود الي النص فقط).
هكذا يري عبد الوهاب المسيري ان القرائين تأثروا بعلم الكلام عند المسلمين وبالعقلانية الاسلامية بشكل عام.. واصول الفقه عند ابي حنيفة وبفكر المعتزلة.." ويتضح تأثير الاسلام ككل في واقع ان القرائين قد جعلوا النص المقدس المكتوب -اي العهد القديم- المرجع الاول والاخير في الامور الدينية كافة والمنبع لكل عقيدة او قانون.. وقد هاجم القراءون التلمود وهدموه وفندوا تراثه الحاخامي باعتباره تفسيرا من وضع البشر (اي انهم وضعوا التوراة التي يقال لها " المقرا ".. ومن هنا تسمية القرائين.. مقابل " المشناه" التي تعني في العبرية التكرار الشفوي)....".
وطقوس القرائين المتشابهة مع المسلمين ليست فقط في خلع الحذاء عند الصلاة كما حكي لي يوسف درويش لكنهم ايضا يضعون شالاً (او طرحة) اثناء الصلاة ويصومون سبعين يوماً علي طريقة المسلمين.. بل و"يحرم بعضهم استخدام الادوية حيث لا شافي الا الله".
ربما حدث هذا التأثير لان اصول القرائين من يهود الجزيرة العربية الذين سكنوا البصرة ايام خلافة عمر بن الخطاب وانتقلوا منها الي مناطق كثيرة وعلي وجه الاخص شرق اوروبا.
وربما ايضا لان عقيدة القرائين كانت نوعا من الحفاظ علي اصل نقي لليهودية.. وكانوا لذلك لا يختلطون باليهود الربانيين (الذين اعتبروهم من الاغيار).. ولم يهتموا غالبا سوي بالاندماج في المجتمعات التي عاشوا فيها.. اندماج الاقلية الذي يسمح لهم بالعمل والحياة... وهذا سر نجاتهم من محرقة هتلر.. لانه اعتبرهم "يتمتعون بسيكولوجية غير يهودية.." كما انهم في البداية وقفوا ضد الصهيونية وقيام اسرائيل.. لكن وكما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري: ".. وبسبب الدعاية السياسية التي انتهجتها بعض الحكومات العربية والمبنية علي عدم ادراك الخلافات بين الربانيين (الحاخاميين) والقرائين.. جعلت معظمهم يهاجر من البلاد العربية الي اسرائيل.. ويبلغ عدد القرائين الان في اسرائيل نحو20 الفاً.. معظمهم من اصل مصري (هاجروا سنة 1950).."
ليس بينهم واحد.. من عائلة يوسف درويش الكبيرة.
حياة يوسف درويش كانت عكس اتجاه حركة " القرائين" في مصر.
فهم يحبون العمل في مهنة واحدة يتوارثونها: غالبا صناعة المجوهرات.
وهو اختار مهنة مختلفة: المحاماة.
ويبتعدون تماما عن السياسة.
وهو غرق حتي اذنيه في السياسة ومتاعبها.
لكنه -وهذا مدهش- لم يخرج عن عادة وحيدة: الزواج من نفس الطائفة (في المرتين كانت الزوجة.. يهودية قرائية..).
يوسف هو الابن الثاني لزواج بين عائلتين تختلفان في المستوي الاجتماعي.
الاب لم يتعلم في المدارس. عمل اولا في ورشة تصليح مصوغات. ثم اصبح " مندوب مبيعات للمصوغات.. وله زبائن مهمة في بورسعيد والاسماعيلية وبورسعيد.. كان يذهب لهم مرة او مرتين في الاسبوع "
قلت له: "..ابونيه" بلغة اهل الصاغة.
ابتسم.. واكمل "..بعد ذلك امتلك محلا للمجوهرات.."
تم الزواج اثناء عملية الصعود علي سلم الترقي الاجتماعي.. وهو ما أتاح لرجل يبني نفسه بنفسه مثل موسي درويش ان يتزوج من فتاة متعلمة.. واشقاؤها الذكور محامون.
كانت عائلة الام اقرب الي البرجوازية الصغيرة (او الطبقة الوسطي).. قلت ليوسف درويش الذي علق: "..طبعا كانت برجوازية اكثر من عائلة والدي.."
ولم يكن غريبا ان ولادة يوسف درويش لم تكن في حارة اليهود (في السكاكيني) او في الخرنفش (الملاعب التقليدية لاغلب اليهود المصريين) بل في العباسية... الصحراء التي احبها الخديو عباس حلمي الاول لان جوها جاف.. (قضي فيها وقتا بغرض الاستشفاء).. فاقام فيها قصرا ليكون حجر اساس الحي الجديد.. بعدها منح امراء العائلة المالكة قطع ارض ليبنوا عليها قصورا.. وحين تكاسل بعضهم اصدر فرمانا يهددهم باسترداد الارض اذا لم يتم البناء عليها في فترة محددة.. وهذا ماجعل الصحراء تتحول الي ضاحية جاذبة لطبقات جديدة تريد الانتقال من اماكنها القديمة الي اماكن جديدة.. في مراحل صعودها علي سلم الطبقات.. (هذا تقريبا حدث في عائلة الاديب الشهير نجيب محفوظ.. حيث انتقلت من الجمالية.. الي العباسية.. تقريبا في نفس توقيت استقرار يوسف درويش وعائلته هناك..الانتقال كان استجابة الي تغير في موقع الاب علي خريطة الطبقات..).. العباسية ايضا كانت مقر الجيش المصري.. وبعد الاحتلال كانت مستعمرة بريطانية كاملة بثكنات جنود الاحتلال.. وشوارع اسمها انجليزي (كلها كانت في المنطقة التي اصبحت الان ارض المعارض)
" العباسية وقتها كانت عاملة زي جاردن سيتي.."
قال يوسف درويش وهو يحكي: "..نجيب محفوظ حكي عن العباسية.. بتفاصيل انا اعرفها جيدا.. اعرف ايضا تفاصيل تكلم عنها في النحاسين والصاغة تنقلنا في اربعة بيوت.. البيت الثاني كان في عمارة الجمال.. في شارع سعيد بعد المدرسة الايطالية.. من هناك رأيت وعمري 9 سنوات مشهدا لم انسه ابدا.. كنت اقف في النافذة ولاحظت ان اثنين من الجيران شباب لابسين جلاليب.. وواقفين وايديهم ورا ضهرهم.. وفجأة عندما ظهر 2 عساكر انجليز.. دبحوهم بالسكاكين اللي كانت ورا ضهرهم.. ورموهم في الساقية اللي كانت وسط الحقول الممتدة امام بيتنا..."
العباسية كانت ساحة مواجهة بين الفدائيين والانجليز (وهوما ظهر تأثيره علي اديب اخر من سكان العباسية هو احسان عبدالقدوس.. في رواية اصبحت كلاسيكية هي: "في بيتنا رجل")... وامتدت المواجهة الي المناطق المحيطة. .فكان اضراب عمال الترام.. وتعطيل المواصلات من اجل رجال الثورة (ثورة 1919 طبعا) .. ومشهد العسكري الانجليزي الذي يقف في اول الخط وزميله في اخر الخط.. مشهد يومي ليوسف درويش في مشوار المدرسة الذي يمر بالحسينية. لكن في إحدي المرات تقدم رجل بخطوات متوترة واخرج من تحت الجلابية ساطوراً وقطع يد العسكري الانجليزي.
قلت له: رغم انك عرفت السياسة والوطنية عبر مشاهد عنف.. إلا انك كنت ضد العنف ؟!
قال: "انا طبعا ضد العنف..لكن ماحدث وقتها ضد الانجليز كان دفاعا عن النفس.. ومؤخرا سألوني عن رأيي في مسالة اسرائيل وكان موقفي واضحا انا ضد قيام دولة اسرائيل لانه عندما يأتي شخص ويحتل بيتي.. ساضربه بالنار فورا.. وهذا سيكون دفاعا عن حق.. دفاع مشروع دوليا.. وهذا غير الارهاب والعنف.. قلت لك من قبل انا ضد الدولة الصهيونية.."
سألته: هل شعرت في ايام الطفولة او المراهقة بفكرة الجيتو(الجماعة المعزولة).. المشهورة عن اليهود..؟!
الاجابة كانت فورية: "لا..لم اشعر بهذا ولا احد من اخوتي.. كان في وقت من الاوقات هناك 70 الف يهودي من الربانيين و7 الاف من القرائين.. وكانت العلاقة عادية بين الملل الثلاث.. اليهود والنصاري والمسلمين.. كانوا يحضرون افراح بعضهم.. ويتزاورون.. بل ويتاجرون معا.."
- متي شعرت انك يهودي؟!
"انا عمري ما حسيت اني يهودي"
- حتي وانت صغير..؟!
".. آه .. ذهبت مرة او مرتين الي كنيس كان موجوداً في حارة اليهود.. بعدها كنت اذهب احيانا في الاعياد لم تكن هناك تربية يهودية خاصة في بيتنا "
كان بيتا عاديا من بيوت المصريين وقتها.. الاب مشغول في تجارته. والام شخصيتها قوية.. سيدة البيت والمسئولة عن التربية.. الفارق ان الام تقرأ وتكتب وتعرف القليل من اللغة الفرنسية.
يوسف واخوته كلهم تعلموا.. الاولاد في مدارس اميري (لغة عربية)..والبنات في مدارس افرنجي.. يوسف وحده اختلف.. البداية كانت في مدرسة ابتدائية اميرية في السكاكيني..لكنه انتقل الي مدرسة الفرير في الضاهر.. ومنها الي مدرسة الفرير بالخرنفش في المرحلة الثانوية.. (هناك.. من نافذة الفصل رأي محمد عبد الوهاب.. يقف طويلا في نافذة بيته.. كان نجماً في اول لمعانه علي شاشة السينما.. ومع المراقبة اكتشف يوسف انه يغازل بنات المدارس.. وبصراحة " اعجبني المشهد.. وتابعت عبد الوهاب باهتمام اكبر "..)
يوسف ايضا كان الوحيد الذي عبر مراحل التعليم العادية. كان التعليم يفتح امامه طريقاً غير الطريق المرسوم للابن الاول "زكي".. الذي خرج من المدرسة ليساعد الاب في ادارة التجارة العائلية.
ومن التعليم والثقافة الشخصية.. امسك يوسف درويش تدريجيا باول خيوط التمرد.. الهاديء.
يحكي: " ابي كان يمنحني فلوساً كثيرة لاشتري جرائد وكتباً... تابعت البلاغ والكشكول.. ومجلات تصدر بالفرنسية منها مجلة كان يرأس تحريرها علي رشيد واتذكر افتتاحية له لا انساها.. بعنوان " دفاعا عن الاتحاد السوفيتي "..في نفس الوقت كنت شغوفا بقراءة الكلاسيكيات الفرنسية.. ديدرو وفولتير وفيكتور هوجو.. والحقيقة ان ابي لم يبخل علي باي موارد مالية وساعدني مساعدة جبارة لكي اكمل تعليمي واثقف نفسي.. تعلمت منه اشياء كثيرة.. امي كانت ترسلني معه الي المحل لتتخلص مني.. كنت اذهب معه الي الصاغة.. ولم اكن اعرف وقتها ماذا تعني الشيوعية.. حتي سمعته يقول عن الشيوعيين: "دول جماعة حاطين سكينة في بقهم... " ظلت هذه الصورة ملتصقة بذهني فترة طويلة.. طويلة جدا.."
الصورة مدهشة تعبر عن خيال خاص للاب الذي لم يكن يحب السياسة علي الاطلاق. لكنه رأي في الشيوعيين نوعا خاصا من مغامرين يسيرون علي حافة الخطر.
وفي رحلة من رحلات "الابونيه" الاسبوعية.. كان يوسف مع ابيه في الطريق الي بورسعيد.. وتوقف القطار في الاسماعيلية وصعد رجل له هيبة كبيرة جدا.. " اكتشفت انه كان حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين... ابي كان يعرفه..وتحدثوا فترة طويلة..وعندما عرفني به.. قال لي: ..اه انت تدرس في فرنسا بلد الملحدين.."
قلت له: "..لا طبعا..العلمانية هي فصل الدولة عن سلطة رجال الدين.. وطبعا لم يرد.. سكت ".
هيبة الرجل الكبير في الاخوان لم تمنعه من تذكر حكاية لم تذكر من قبل.
سألني قبل الحكاية: "..هل تعرف السبب الكبير في قلق اليهود.. وتفكيرهم في الهجرة..؟!.."
وقبل ان اجيب قال لي: "..اعتقد ان هذا القلق بدأ بعد هجوم الاخوان المسلمين علي حارة اليهود.. حرقوا البيوت.. حرقوا الحارة كلها.."
متي حدث هذا الهجوم..؟!
1947.. وتلته تهديدات بتكسير محلات شيكوريل.."واعتقد ان هذه بداية الشعور بالخوف لدي اليهود.."
"لم اسمع عن هذا الهجوم من قبل "
قلت له.
وقال: "..اعرف..هناك حقائق كثيرة في التاريخ منسية.."
المدهش ان يوسف درويش وقع في هوي الوفد.. كان يذهب كل اسبوع الي " بيت الامة "..ولهث وسط جموع غفيرة ليحصل علي نظرة من سعد زغلول اثناء عبوره محطة السكة الحديد.. وعندما مات سعد ارتدي ملابس سوداء.. سنة كاملة..وعلق صورة زيتية كبيرة له علي الحائط.. بعده احب مكرم عبيد وحفظ خطبه كلها. وفي زيارات منتظمة الي البرلمان رأي العقاد وهو يصرخ تحت القبة الشهيرة: "..علينا اذا لزم ذلك ان نقضي علي اكبر رأس في البلد.."(وكان اكبر رأس هو الملك احمد فؤاد الاول..)
كانت العائلة تسخر منه ومن هواه الغريب عن اليهود القرائين ..فهم لا يتدخلون في السياسة. كان يهرب الي الكتب في غرفة علي السطوح.
علي نفس السطوح غنت ام كلثوم لاول مرة.
نظر إليَّ قبل ان يكمل الحكاية التي يعرف انها ستثيرني..: "..نعم ام كلثوم غنت في فرح اخي زكي.. كان لنا اقارب من بعيد يملكون محلات صاغة في شارع عبد الخالق ثروت.. هل قلت لك من قبل ان القرائين غالبا يعملون في المجوهرات..؟!"
لا..
اكمل: "..من بين هذه العائلات.. عائلة باروخ اقاربنا..الذين احضروا ام كلثوم.. ولم تكن مشهورة بعد..كنا في نهاية العشرينيات تقريبا.. وبعد سنوات عرفنا ان هذه النجمة التي لمعت.. غنت لاول مرة علي سطوح بيتنا.."
"ام كلثوم غنت بالعقال وملابس الرجال.. علي سطح بيت يهودي.."
علقت علي ضحكاته فاضاف بتحد: "..هل تعرف ايضا ان عبد الناصر اختبأ في السكاكيني.. قبل الثورة وعند من..؟! عند يهودي من القرائين..؟!"
ضحكت.
وانتظرت منه حكايات أخري
#صلاح_الأنصارى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلة البحث عن الرجل الحديدى.. الحلقة الثالثة
-
رحلة البحث عن الرجل الحديدى .. الحلقة الرابعة
-
ملحمة عمال الصلب .. أغسطس 1989
-
حقيقة الهستدروت الاسرائيلى
-
روزا و الاضرابات الجماهيرية
-
عمال الحديد والصلب ورفض زيارة نافون
-
الكلمة الفعل والعودة الى الكتابة
-
رحلة البحث عن الرجل الحديدى.. الحلقة الأولى
-
انا بحبك يا مصطفى - مصطفى عبد الغفار درة فى تاريخ الحركة الع
...
-
حلم واحد .. درب واحد
-
الحركة العمالية المصرية ..الواقع و أفاق المستقبل
-
من يحمى العمال
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|