|
مرايا السجن - 1 -
ربحان رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 07:39
المحور:
سيرة ذاتية
مرايا الســـــــــــــجن (1) " غير محكوم "
لا أخفيكم يا أصدقائي بأني وفي منفاي البعيد .. المنفى الذي أرغمت عليه لا أزال ومنذ تسعة عر عاما ً أحلم أحلاما ً مفزعة ، وتنتابني في الليل كوابيس مخيفة .مرّة أرى في المنام ( لا أراكم الله هما ً ولا غما ً ولا اعتقال) المحقق الذي كان يحقق معي ، يلاحقني ومعه مجموعة كبيرة من المسلحين ، ومرة سيارة اسعاف فيها ممرضون يمتشقون أســلحة خفيفة ، يطلقون النار بين ساحات المدينة وهي تطاردني .. ومرة جرذ رمادي يقضم أصابع رجلي واحدة تلو الأخرى .. سأقص عليكم شيئا ً عن أيام الاعتقال الرهيبة التي عشتها في أحد أقبية الاعتقالات وخفت من نشرها طيلة تلك المدة لأنه وللأسف لاتزال أجهزة القمع تتحكم بقيادة البلاد..
ربحان رمضان *
" عندما تعود إلى البيت ، لاتنسى أن تلبس البيجاما تحت البنطلون"
قالها لي ناصحا السيد أبو نوزاد " ممثل حزب البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا ، " الحزب الحليف لحزبنا إثر معركة الإنتخابات البرلمانية في شباط 1986 ، التي خضناها بثقة كبيرة وتفاؤل بالنجاح ، إلا أنه وبقدرة قادر لم ينجح مرشحنا في البرلمان ، ولم تتحقق نبوئته في الإعتقال .. بعد الإنتخابات بفترة قصيرة خرجت جماهير سكان منطقة زور آفا (2) بمظاهرة سلمية تطالب بتمديد الماء والكهرباء لبيوتهم والتي كان من نتائجها جرح الطفلة " سينم " التي كسرت ذراعها جرّاء هجوم رجال الشرطة على المتظاهرين . ولم يمضي وقت طويل حتى جاءت مناسبة نوروز . العيد القومي للشعب الكردي حيث تمترست قوات المخابرات لمنع الإحتفاء بها ، مما دفع الجماهير المحتشدة في حيينا (حي الأكراد ) بدمشق إلى الإحتجاج في مظاهرة سلمية تطالب السلطات بالسماح لها الإحتفال بهذا العيد ، الرمز .
المظاهرة شارك فيها حوالي عشرة آلاف مواطن " كما قدرها البعض " ، واستمرت طيلة نهار الواحد والعشرين من آذار اليوم الذي استشهد فيه الشهيد " سليمان " من قرية جرنكة التي أستشهدت مرتين . مرة عندما إقتحمتها الكوماندوس التركية عام 1983 لتقتل ستة عشر شخصا ً أكثرهم من الأطفال ، وبينهم امرأة حامل بحجة ملاحقة الثوار الأكراد ، لكن والحقيقة تقال فإن مدير منطقة القامشلي " زعل " وعاتب الأتراك " . والمرة الثانية في استشهاد سسليمان الذي كنت من المفاوضين لإستلام جثته في أرض قريته بالشمال . بعد عودتي من القامشلي اعتقلتني إحدى فروع المحابرات في مدينة دمشق ، ودامت استضافتي في رحاب فرعهم سنتان . سألني أحد المعتقلين ممن سبقوني / لماذا ؟وما التهمة ؟ أجبت : حركة كردية . ضرب على رأسه وصرخ : تقرير .
في غرفتنا الجماعية وصل عددنا إلى 180 معتقل ً تجمعهم تهم مختلفة أطرفها حالة العم أبو سعيد زينو (65) والذي اتهم بشتم السيد رئيس الجمهورية في المملكة العربية السعودية ، وأكثرها درامية حالة العم ديبو محمد ديب عليان المولود عام 1914 (يعني أيام السفر برلك) والذي أحضروه بدلا ً عن ابنه الذي هرب منذ سنوات إلى الخارج . كان المعتقلون ينتمون ‘لى قوى وأحزاب مختلفة ، منهم الشيوعيون ، ومنهم القوميون العرب ، والفلسطينيون ، والإخوان المسلمون ، ، والبعثيون ، والتوحيد ، والتكفير والهجرة .. ومن الأكراد كنت وحدي ، كانت الإعترافات تنتزع تحت التعذيب الجسدي والنفسي ، فقد صلب السيد نادي الطراونة (أردني الجنسية) في غرفتنا لثلاثة أيام ، وقيل لي أن عماد الفلسطيني قضى تحت التعذيب ، والشيخ محمد الرفاعي " أصبح يبول على نفسه ليلاً لأنه لم يكن يستطيع الوقوف على رجليه ، ولا يستطيع الكلام . بقيت سنتين في هذه الغرفة الجماعية التي لاتدخلها الشمس ، ولا يسمح لنزلائها بالتدخين ، أو شرب الشاي ، أو القهوة ، ويمنع عنهم وجود أية صحيفة جتى ولو كانت تنطق باسم الحزب الحاكم ، بل يمنع عليهم الهمس والكلام . كان التواليت والحمام حارج الغرفة يقصلهما عن الغرفة ممر معتم ، ويتحتم على المعاقلين التبول والعودة بسرعة ، وإذا دخلنا الحمام فكل اثني في كابينة ، ولفترة لاتزيد عن ثلاثة دقائق ، مرة في الاسبوع . لم يكن أحد يعرف أين نحن ، أما الذين يطلق سراحهم يهددونهم من قبل محققيهم باستعادته ثانية إذا أخبر أية عائلة عن مكان وجود ابنها ، كما توضع عصابة ‘لة عيون المعتقل في حال القبض عليه وأثناء التحقيق معه لكي لا يعرف إلى أين يساق ، ولا يعرف من الذي يحقق معه . كما مفصولين عن العالم الخارجي ولا نسمع سوي أصوات المعتقلين الذي يستجوبون ويتعرضون للتعذيب ا في غرف التعذيب تخترق الآذان حتى الثالثة أو الرابعة صباحا ً . . . الكل يجمعهم الظلم والتعذيب ، ويفرقهم الخط السياسي .. التهمة التي وجهت إلي كانت الإنتماء إلى حزب محظور ، والتحريض على مظاهرة سلمية ، كان لي صديق فلسطيني اسمه أحمد الكردي .. تهمته : حبه لفلسطين كما أحببت أنا سوريا وكردستان .. كنا الوحيدين المتفائلين بالشمس التي ستشرق يوما ً فنغني كل صباح :
ياظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما ليس بعد الليل إلا فجر شمس يتسامى
كنت أعد الناس ، إن خرجت سأذهب إلى حمام السوق أغتسل قبل الوصول إلى البيت ، فلم يصدقني أحد . ولما أطلق سراحي (بعد الإعتذار مني طبعا ً ) ذهبت إلى البيت نظيفا ً من كل شئ لأن السجانة سرقوا مني كل ما أملك حتى البنطلون ، ولكن ولحسن الحظ كان معي شهادة من السجل العدلي تعترف بأني غير محكوم ..!!
========= * أحمد الكردي وفي نفس العام الذي كان معتقلا خلاله مات أخيه ، واعتقلت أخته ثناء بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي (توفيت بعد اطلاق سراحها بفترة) ، التقيته في آخر زيارة لي إلى دمشق ثناء مظاهرة اشتركت فيها قوى فلسطينية مختلفة استنكارا ً للهجوم الاسرائيلي على لبنان ، ودعما ً لصمود المقاومة الوطنية اللبنانية . · قال لي يومها أنه أكمل ثمان سنوات في نفس المعتقل ..
#ربحان_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خير جليس .. (كتاب) !!
-
من يوميات لاجئ سياسي أو منفي رغما ً عن أنفه
-
العمل في بطن الخزان - قصة قصيرة بمناسبة يوم العمال العالمي
-
العمل في مؤخرة المدينة
-
السابع عشر من نيسان – اليوم الوطني لسوريا
-
تعقيبا ً على محاورة الزملاء في صحيفة ولاته مه مع السيد فرهاد
...
-
سأحتفي وأنتم معي بالنوروز
-
نم قرير العين ففي بقية الرفاق أمل مهداة إلى الرفيق الشيوعي س
...
-
رئيس الجمهورية يعفو
-
!!كلام معسول ، كلام مسؤول يمكن التراجع عنه
-
اعتقادات خاطئة
-
تهانيَّ القلبية للأستاذ محمد غانم (الحر) المطلق السراح
-
الحرب غير المتوازية للكاتب السوري مازن بلال
-
اريد أن أموت في فلسطين للروائية هدى حنا
-
قراءة في كتاب الأكراد للدكتور أرشاك بولاديان
-
قراءة في كتاب - سقط سهوا ً مجموعة قصصية للروائية السورية حسي
...
-
الرأسمالية .. ذئب أغبر
-
النوروز والجلاء يومان يوم للكرد ويوم لكل السوريين
-
فلنتحرر من عقدة التبعية
-
نوروزنا الكردي
المزيد.....
-
جورجيا: فوز الحزب الحاكم الموالي لروسيا في الانتخابات التشري
...
-
مقترح مصري لوقف موقت لإطلاق النار في غزة ومفاوضات بالدوحة أم
...
-
الجيش الإسرائيلي: قواتنا استكملت عملية دهم مستشفى كمال عدوان
...
-
تتمتع الوَحدةَ الإفريقية بتاريخٍ غني، يعود إلى سنةِ ألفٍ وتس
...
-
حرب غزة: حجج إضافية ضدّ إسرائيل في محكمة العدل الدولية ودعوا
...
-
بيونغيانغ تتهم جارتها بإرسال مناشير تحريضية للمرة الثالثة خل
...
-
العراق يحتج رسميا على استخدام إسرائيل مجاله الجوي ضد إيران و
...
-
إيران تقلل من شأن الضربة الإسرائيلية وتتوعد بـ-عواقب مريرة-
...
-
مودي يهدي لوحة فنية تقليدية لبوتين
-
مسؤول إسرائيلي يعلق على العرض المصري
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|