سعيد لحدو
الحوار المتمدن-العدد: 1946 - 2007 / 6 / 14 - 08:21
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
كوننا شعوباً لم تتعود بعد كيف تتعايش مع الاختلاف والتباين,رغم أن التراث والواقع غني بهما, يقودنا هذا السلوك المتنافي مع الطبيعة والحياة في دوامات من التنازع والصراعات التي نحن بغنى عنها لو أحسنا التعامل مع بديهيات الواقع. وابتعدنا عن أن نكون تلاميداً فاشلين في المدرسة الستالينية التي تجاوزها الزمن ودفنتها الأيام بتجارب الواقع الحية.
لا يختلف الأمر, وغالباً حتى بالتفاصيل, بين مجموعة قومية وأخرى في النظرة إلى الآخر المخالف بالرأي أو بالنهج السياسي وإن كان الهدف واحد, على الأقل في منطقتنا. وبالنظر لانتمائي للحركة السريانية الآشورية, ولقربي من الحركة الكردية ولعدد من قادتها السياسيين ومثقفيها, أستطيع أن أؤكد مدى تشابه واقع الحال لدى هاتين المجموعتين القوميتين, وللآراء المتصارعة داخل تياراتها السياسية.
لا شك أن طبيعة الحياة تفرض علينا ألا نكون نسخة طبق الأصل عن بعضنا بعضاً. فالإختلاف سمة أساسية من سمات الحياة البشرية وعلى كل المستويات. وكما هو الحال في كل مكان, لابد من وجود أفكار وآراء معتدلة وأخرى متطرفة سواء لجهة اليمين أو اليسار. وتلك ليست مشكلة بحد ذاتها. ولكن على المتطرف في رأي أو موقف أن لا يشتط بتطرفه إلى الحد الذي يجعله طوباوياً حالماً لا يهمه من أمر الواقع شيئاً بقدر ما تهمه سمة التطرف لذاتها. وأن يظل المخالف برأيه أو سياسته مستنداً بقدميه على أرض الواقع وإلا فإن ذلك يقودنا لتأكيد المقولة القديمة أن أقصى اليمين يلتقي مع أقصى اليسار من حيث النتائج النهائية للمواقف في دائرة أزلية لا بداية لها ولا نهاية. وفي هذه الحال يتحول التنوع والتعددية إلى مشكلة عميقة. وتتحول الآراء من مسار التباين في المواقف إلى العداء السافر. وفي ظل نظم قمعية مخابراتية تتعمق المشكلة أكثر ويزداد العداء حدة, وبخاصة حين يدس النظام عملاءه في مختلف التيارات بلا استثناء ليوقدوا نار العداوة ويزيدونها سعيراً. وهنا أريد أن أؤكد بأنني لست من هواة توزيع اتهامات الخيانة كيفما اتفق ولكل مخالف لي, وإلا وقعتُ أنا نفسي في خانة من أحذر منهم ممن ينتهجون هذا النهج كسياسة ثابتة. وإنما أصور واقعاً يعرفه ويعاني منه كل من تعامل مع هذا الواقع. من جهة أخرى لا أريد أن أحمل مسؤولية هذا التردي للجهات الأمنية التي شـُكلت بالآساس لتدافع عن النظام وتحافظ عليه بمختلف الوسائل والسبل الأخلاقية وغير الأخلاقية, وأبرئ المعنيين بالأمر من السياسيين والمثقفين من أبناء هذه القوميات. بل بالعكس, فإنني أود التنبيه إلى خطورة هذه المواقف الاتهامية على مجمل القضية التي يدعي أولئك الدفاع عنها. وهذه المواقف الاتهامية يمكن تلخيصها في ظاهرتين بارزتين:
1- ظاهرة التخوين: حيث يحاول كل طرف الاحتفاظ بالشرعية لنفسه منتزعاً إياها من الآخر من خلال اتهامة بخيانة القضية وإبرازه على أنه إما مسير مباشرة من أجهزة السلطة أو ينتهج سياسة تصب في النهاية في مصلحة السلطة. وبالطبع لا بد للطرف الآخر أن يسلك المسلك نفسه للدفاع عن نفسه, وتأكيد شرعيته. وهنا تطغى على الخطاب السياسي بالتبادل مفردات الخيانة والعمالة والاتهامات الأخرى المشابهة. ويصبح مجرد اللقاء والحوار ناهيك عن العمل المشترك, أحد أبرز المستحيلات, وخاصة بين التيارات السياسية المنشقة عن بعضها بعضاً سواء كانت مجموعات أو أفراد. وتصبح القضية المحورية في هذه الحال هي التفتيش عن العيوب والسلبيات لدى الآخر وإظهارها بقوة ملفتة, وتأكيد الوجود التنظيمي على حساب القضية الأساسية التي لا بد لها إزاء هذا الواقع أن تتراجع وتختفي في غبار المعركة المفتعلة. وأن تنتظر طويلاً لحين انجلاء الموقف وانتصار طرف على آخر. ذلك الانتصار الذي لن يأتي في المستقبل المنظور, كما يأمل المتصارعون.
2- ظاهرة الشخصانية: لعل أحد أبرز عيوب الحركات السياسية الناشطة للدفاع عن حقوق الأقليات القومية هو الخلط بين الموقف السياسي الذي يتخذه شخص معين لدوافع وأسباب أملتها ظروف واعتبارات تعود لتقديره الشخصي وتياره السياسي, وبين شخصية ذلك السياسي نفسه. هذا الخلط المرفوص أساساً يجعل هؤلاء جميعاً يقعون في مطب الخصام والعداء الشخصي, الذي يقود بالضرورة إلى التدمير للشخص وللفكر معاً. وذلك عوضاً عن التصارع الفكري المفترض, والذي لا بد أن تكون له نتائج محمودة على صعيد العمل السياسي من خلال تلاقح الأفكار والآراء المتباينة لاصطفاء الأصلح والأنفع للمرحلة وللقضية ككل.
هذه الظاهرة الشخصانية في النضال القومي للأقليات المضطهدة مدمرة لأي نضال بعد أن تفرغه من مضمونه الحيوي والمتفاعل وتحرفه عن اتجاهه الصحيح. وهي اليوم للأسف الشديد حقيقة واقعة وحاضرة بقوة على مسرح العمل السياسي لدى الأقليات القومية التي هي أحوج ما تكون اليوم إلى التكاتف والتضامن ليس بين قواها الذاتية وتياراتها السياسية المختلفة وحسب, وإنما بينها وبين المجموعات والقوميات الأخرى التي تتشابه في الواقع والهموم والمنطلقات من حيث التسلط عليها واضطهادها, والتنكر لحقوقها من قبل المجموعات أو القوميات الأكبر المهيمنة, أياً كانت صفتها أو تسميتها. والأمثلة هنا كثيرة ومتوفرة حول كلتا الظاهرتين, لكل راغب في فهم الواقع, سواء في المجتمع السرياني الآشوري أو في المجتمع الكردي. وما يكتب وينشر في مختلف المواقع على شبكة الإنترنت أو في النشرات الخاصة والبيانات السياسية لهذا الحزب أو ذاك وحتى للأشخاص الذين يصفون أنفسهم بالمستقلين أحياناً, كل هذا يقدم صورة واضحة ودقيقة عن واقع الحال المأساوي.
تبقى مسألة تفصيلية في هذا الشأن, وهي رغم ثانويتها الجزئية, فإنها تعبر خير تعبير عن هذه الظواهر السلبية, ةهي مسألة التطاول في النقد (رغم مشروعيته وضرورته كنقد موضوعي بناء) إلى حد التجريح الشخصي لقادة تاريخيين في هذه الحركة أو تلك. أفنوا أجمل وأغلى سنوات عمرهم في النضال من أجل شعبهم. وكابدوا الكثير وعانوا المرارة خلال مسيرتهم النضالية. وبخاصة إذا تحلى أولئك القادة بميزة الاعتدال والواقعية ونهجوا سياسة تشجب التطرف والعنجهية. فلا عجب في هذه الحال أن يتلقى أولئك القادة التاريخيون الاتهامات والتشكيكات إياها من المتطرفين من كلا المعسكرين, اليمين واليسار. ولا عجب والحال هذه أن تتركز حملات الاتهام والتشكيك على شخصية الفرد وليس على سياسته أو مواقفه. في الوقت الذي يفترض أن تحظى شخصية هكذا قائد تاريخي كل الاحترام والتقدير الذي يستحقه بحكم نضاله وتضحياته السابقة بمعزل عن سياسته أو مواقفه التي قد يتفق أو لا يتفق المرء معه بها, وبالطبع لن تكون هذه السياسة أو المواقف خارج إطار التحليل والنقد للتصويب والبحث عما هو أكثر فائدة للقضية الأساسية.
هذه الحملات الشخصية التي, إن لم نقل أنها مغرضة, فلا يجوز تصويبها بأي حال, وهي تعيدنا إلى ظاهرة الشخصانية في السياسة دون أن نتغافل عن دور الأجهزة الأمنية للسلطة التي حتى وإن لم يكن لها دور في خلقها, فإنها بدون أدنى شك تسعى إلى تشجيع هذه النزعة وتوسيعها بمختلف الأساليب المباشرة وغير المباشرة. ولكن هذا لا يعفينا كسياسيين ومثقفين من الجزء الأكبر من المسؤولية التي هي في النهاية مسؤولية كل ناشط وغيور. ويجب ألا يتغافل أحد عن الثغرات التي يمكن أن تدس الأجهزة الأمنية أنفها من خلالها. وما هاتان الظاهرتان التخوين والشخصانية إلا الجسر الذي تعبر من خلاله رياح السموم التي إن أتيح لها أن تمر فلن تبقي في بيادر النضال القومي لهذه الشعوب المضطهدة إلا الحصى والرمال.
#سعيد_لحدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟