سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 1946 - 2007 / 6 / 14 - 06:07
المحور:
المجتمع المدني
تعد المصلحة الذاتية واحدة من أهم دوافع السلوك البشري، ولا شك أن الناس الاعتياديين يبحثون، في الغالب، عن مصالحهم ويسعون إلى تحقيقها بوسائل شتى، مشروعة وغير مشروعة. وتفكير الإنسان بمصلحته ليس عيباً بحد ذاته، فنتيجة لسعي هذا الإنسان إلى البقاء والرفاه والسعادة والحرية استطاع أن يبتكر ويخترع ويبدع ويبني ويعمّر. لكن هناك خيطاً رفيعاً يبقى، بمعايير الأخلاق، فاصلاً بين العمل الفردي من أجل المصلحة وتصادم هذه المصلحة مع مصالح الآخرين، ويقيناً أن من أعظم ما يفعله الإنسان هو أن يجعل مصلحته متوافقاً مع مصالح مجتمعه والمجتمع الإنساني برمته.. ولا بد أن نفرّق بين من يبدع أو يكتشف أو يخترع أو ينتج أو يخدم، وهو بصدد مصلحة ذاتية، أدباً أو فناً أو مادة علمية أو منتجاً زراعياً أو صناعياً أو يقدم خدمة، يمتّع ويفيد الإنسانية، وبين من يدمّر عبر تحقيقه لآماله وطموحاته الأنانية آمال وطموحات وحتى حياة أقرانه من بني البشر.
وأعتقد أن معرفة الإنسان لمصلحته هي فن قبل كل شيء، فليس الناس جميعهم لهم القدرة على تحديد مصالحهم والعمل على وفقها، فهذه المعرفة بحاجة إلى الحدس والفطنة والذكاء وحس التمييز والاختيار. وأن تجربتنا الحياتية تعلمنا أن ثمة من خرّب السبل المتاحة له وأطاح بفرصه وهو يعتقد أنه يعمل الصواب. وتكون النتيجة أدهى وأمر إذا كان مثل هذا الشخص يدير شأناً عاماً أو مؤسسة سياسية أو اقتصادية، أو يتحكم بمقدرات بلد وأمة.
وكما أشرنا، يصح هذا الأمر في نطاق الحياة الفردية مثلما يصح في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولو دققنا النظر، بحسب هذا المنظور، في ما نعاني منه من مشكلات ومعضلات وحتى مآسي ونكبات يمكننا إرجاع سبب كثر منها إلى حقيقة أن منّا من لا يعرف مكمن مصلحته ومصلحة جماعته، ولا يستطيع تقدير طبيعة هذه المصلحة وأبعادها، والكيفية التي بها تتحقق. ليدرك متأخراً، أو لا يدرك أبداً، أنه إنما كان يبدد زمنه وفرصه وخياراته وآماله في الوقت الذي كان يتوهم فيه أنه يسلك الطريق الصحيح.
نعيب على الغرب براغماتيته، أي تأكيده على مبدأ المصلحة وعدّه نجاح أي خطوة مقياساً لصوابها بغض النظر عن خسارات أخرى جانبية، أو حتى مع الإضرار بمصالح الآخرين. وقد تمخضت هذه الحالة عن تقدم الغرب في الحقول المختلفة في مقابل أننا هنا في الشرق دفعنا الثمن بهذا القدر أو ذاك. وأعتقد أنهم حققوا جزءاً مما حققوه على حسابنا لأننا لم نعمل على وفق مصالحنا. وقد آن الأوان أن نتجاوز أخطاءنا السابقة أفراداً وجماعات ومؤسسات، وبعبارة أخرى ( مجتمعاً ودولة ) ونفكر بمصلحتنا كي نحجز لنا موقعاً راقياً في عالم الغد، وطبعاً من غير التفريط بالاعتبارات القيمية والأخلاقية المتفق عليها والتي هي أيضاً، لو فهنا جيداً، دعامة لمصالح البشر.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟