بيان صحفي
باريس , في 13 أيلول / سبتمبر 2003
وجهت المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير , اليوم 13 أيلول / سبتمبر2003 , مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان اعترضت فيها بشدة على ترشيح مواطن الجمهورية العربية السورية الدكتور جورج جبّور لمنصب المفوض العام لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلفا للسيد سيرجيو دي ميلو الذي استشهد في التاسع من الشهر الماضي إثر الاعتداء الإرهابي الآثم على مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد, واعتبرت أن هذا الترشيح " سواء جاء من قبل السيد جبور شخصيا أو من قبل حكومة بلاده أم منظمة المؤتمر الإسلامي , فإنه يشكل إهانة للأمم ومواثيقها " .وعللت المنظمة موقفها هذا بأن السيد جبور " كان على مدى السنوات التي شغل فيها منصب المستشار السياسي للرئيس الراحل حافظ الأسد أو لحكومته ممالئا لسياسات القمع وانتهاك حقوق الإنسان التي انتهجها هذا النظام, وامتداده الحالي, ومدافعا متطرفا عنها" . وأكدت المنظمة أنها ستدعم ترشيحه فيما لو قدم نقدا ذاتيا علنيا لسجله الشخصي في هذا المجال, وأعلن انحيازه للتغيير الديمقراطي وندد بالممارسات القمعية السابقة والحالية .
مرفق النص الكامل للمذكرة بالعربية والفرنسية والإنكليزية .
باريس ، دبي ـ 13 أيلول / سبتمبر 2003
إلى : صاحب السعادة السيد كوفي أنان/ الأمين العام للأمم المتحدة
الأمم المتحدة
نيويورك
من : انتصار(القصار) العزيزي
المديرة التنفيذية للمنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
صاحب السعادة ,
أكتب لك باسمي وباسم المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير , التي تأسست في الثالث من أيار/ مايو 2002 تحت رعاية برنامج حرية التعبير والديمقراطية والسلام في اليونسكو ,والجمعية العالمية للصحف.
علمت منظمتنا أن مواطن الجمهورية العربية السورية الدكتور جورج جبور ( مواليد بلدة صافيتا, سورية , 1938) قد رشح نفسه رسميا لمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة , خلفا للسيد سيرجيو دي ميلو الذي استشهد إثر الاعتداء الإرهابي الآثم الذي استهدف مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد الشهر الماضي . وثمة معلومات تفيد بأن السيد جبور سيكون أيضا مرشح حكومة الجمهورية العربية السورية والبلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي .
إن المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير , وباعتبارها إحدى المنظمات الأهلية الإقليمية المستقلة التي تناضل من أجل احترام مواثيق الأمم المتحدة لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومادته التاسعة عشرة , فإنها تعلن شجبها لهذا الترشيح واعتراضها عليه كونه يشكل إهانة لهذه المنظمة وتلك المواثيق وذلك الإعلان. وذلك للأسباب الوجيهة التالية :
أولا ـ لقد عمل السيد جورج جبّور لسنوات طويلة مستشارا للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للشؤون السياسية , ثم مستشارا للحكومة السورية . ومن المعلوم لديكم أن نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد وحكومته قد انتهكا حقوق الإنسان والحريات الأساسية على نطاق واسع . وتحفل تقارير ووثائق المنظمات الرئيسية لحقوق الإنسان في العالم ( َAmnesty International , Human Rights Watch , International Federetion of Human Rights Leagues ) , وبشكل خاص وثائق المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة UN High Commission For Human Rights , بصفحات سوداء عن ممارسات هذا النظام وتنكيله بمواطنيه واعتقالهم لسنوات طويلة دون محاكمة , أو محاكمتهم أمام محاكم ميدانية عسكرية سرية ومحاكم استثنائية لا تتوفر فيها ولو الحدود الدنيا من المعايير المتعارف عليها دوليا بشأن القضاء العادل والمستقل . هذا فضلا عن ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي بشكل منهجي ضد المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير , وحتى ضد سجناء الحق العام ( السجناء الجنائيين). وتشير تقارير معظم هذه المنظمات, وبما لا يدع مجالا للبس , إلى أن نظام الرئيس الأسد قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في السجون والمعتقلات السورية ( مذبحة سجن تدمر الصحراوي بتاريخ 27 / 6 / 1980 على سبيل المثال), وفي العديد من المدن السورية ( حماة , حلب , إدلب , جسر الشغور ..الخ). أما على صعيد حرية الصحافة والتعبير, الميدان الأساسي لعمل منظمتنا, فإن وثائق المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن هذا الجانب من الحريات الأساسية , لا سيما منظمة اليونسكو والمفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ,تؤكد على أن اعتقال الصحفيين والكتاب والمبدعين لم يتوقف في أي مرحلة من مراحل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد . وهناك العشرات من الحالات التي ذكرتها هذه المنظمات لكتاب وصحفيين وشعراء اعتقلوا في سورية لسنوات طويلة تجاوزت في بعض الأحيان الأربعة عشر عاما( مثل الشاعر والصحفي البارز فرج بيرقدار ) وبعض هؤلاء حاز على جوائز عالمية بارزة , من بينها جائزة اليونسكو. كما أن بعض هؤلاء قتل تحت التعذيب ( مثل الصحفي والشاعر منير محمد الأحمد نجل الشاعر العربي الشهير بدوي الجبل) أو كان التعذيب وشروط الاعتقال التعسفي سببا مباشرا لموته لاحقا , مثل الصحفي رضا حداد. ولا يزال حتى هذه اللحظة الصحفي والكاتب السياسي البارز الدكتور عبد العزيز الخير رهن الاعتقال منذ العام 1992, بعد أن حكمت عليه محكمة أمن الدولة , شبه العسكرية التي لا تخضع أحكامها للنقض والتمييز, بالاعتقال لمدة 22 عاما تنتهي في العام 2014. وذلك بسبب كتاباته وآرائه المطالبة بالديمقراطية والتعددية الحزبية , لا سيما البيان الذي أصدره تحت عنوان" عرس الديكتاتورية " أواخر العام1991 !!
نحن لا نعرف ما إذا كانت شروط الترشيح لمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة تنص على أن يكون المرشح ذا سجل ذاتي CV نظيف في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير, ونود أن يكون هناك مثل هذا الشرط . والواقع إذا ما نظرنا إلى السجل الذاتي للسيد جورج جبور في هذا المجال , سوف نجد أنه لعب دور " شاهد الزور " Straw man طيلة حياته المهنية . فعلى مدى هذه السنوات الطويلة من انتهاك حقوق الإنسان في سورية , والتي كان خلالها السيد جورج جبور مستشارا للرئيس حافظ الأسد أو للحكومة , لم نسمع منه كلمة احتجاج واحدة على تدمير الأحياء السكنية فوق رؤوس ساكنيها في المدن المذكورة؛ ولا حرفا واحدا يدين عمليات التعذيب والقتل داخل السجون , أو المحاكمات الميدانية العسكرية السرية التي حكمت بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو بالسجن لسنوات طويلة على الآلاف من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي السوريين ؛ ولم تصدر عنه أي إشارة تفيد بأنه من دعاة التحول الديمقراطي في سورية ؛ ولم يوقع على أي بيان يتضامن مع الصحفيين والكتاب المعتقلين ويطالب بإطلاق سراحهم ؛ ولم يستنكر ـ مثلا ـ حتى قتل الصحفي والشاعر منير الأحمد بشكل وحشي على أيدي المخابرات العسكرية في مطلع شباط / فبراير1992 , أو اعتقال زملائه الأساتذة في الجامعات السورية ! بل على النقيض من ذلك تماما ؛ فحيثما كانت الفرصة متاحة له , كان المعبّر الأمين والمدافع المتطرف عن سياسات النظام في القمع وكم الأفواه ! وبإمكاننا , وإمكان أي مواطن سوري , وضع اليد على العشرات من مقابلاته الإذاعية والتلفزيونية والصحفية التي تؤكد أنه كان ولم يزل أحد أبرز " شهود الزور " لصالح السياسات القمعية التي لم يكف النظام السوري عن انتهاجها ولو للحظة واحدة . لقد أفنى السيد جورج جبور سنوات من عمره لإثبات أن " حلف الفضول" ، وهو معاهدة عربية بين القبائل لنصرة المظلومين يعود إلى تاريخها إلى ما قبل الإسلام ، أقدم عهد وميثاق لحقوق الإنسان في العالم ، ولكنه لم ينفق دقيقة واحدة من وقته لإنشاء " حلف فضول " معاصر لنصرة زميله الأستاذ الجامعي البروفسور عارف دليلة ، المحكوم لمدة عشر سنوات من قبل محكم استثنائية بسبب محاضرة دعا فيها إلى الشفافية في إدارة الدولة ومكافحة الفساد والنظام الديمقراطي !
ثانيـــاـ بعد مرور ستة أشهر على حكم الرئيس الجديد في سورية , بشار الأسد , تم إغلاق جميع المنتديات الثقافية والفكرية التي كانت قد انطلقت في نشاطاتها قبل ذلك بفترة بسيطة . وفي صيف العام 2001 بدأت حملة اعتقالات طالت العديد من كوادر هذه المنتديات وقادة حركة " المجتمع المدني " . والآن ـ في هذه اللحظة التي نكتب فيها لسعادتكم تعيش سورية على وقع جريمة مروعة ارتكبت قبل أسابيع قليلة بحق السجين الكردي خليل مصطفى الذي قلعت عينه وكسرت ساقاه وجدع أنفه تحت التعذيب في أقبية المخابرات بمدينة حلب شمالي سورية . كما أن تسعة من قادة حركة المجتمع المدني , وبشكل خاص النائبين المستقلين رياض سيف ومأمون الحمصي ، ما زالوا معتقلين بعد أن صدرت بحقهم أحكام قاسية بناء على أوامر استنسابية من مكتب الأمن القومي (القيادة السياسية العليا لأجهزة المخابرات والجيش ) .وكان " فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي " في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة , قد رأى في قرار صدر عنه عقب اعتقالهم " أن اعتقال هؤلاء هو اعتقال تعسفي " وطالب السلطات السورية بـ " إطلاق سراحهم فورا " . ومع هذا لم نسمع من السيد جورج جبور أي كلمة تندد بهذه الاعتقالات والمحاكمات التعسفية التي أجريت لهم أمام محاكم غير دستورية . بل أكثر من ذلك : لم يتبنّ السيد جورج جبور حتى هذا القرار الصادر عن لجنة محترمة في إحدى منظمات الأمم المتحدة ! ومن حقنا , وحق غيرنا, التساؤل : كيف بالإمكان أن " يصبح " شخص معاد لقرارات إحدى لجان الأمم المتحدة المتخصصة بقضايا حقوق الإنسان .. مفوضا ساميا لحقوق الإنسان فيها؟! أليست هذه بحد ذاتها فضيحة واحتقارا لهذه المنظمة ومبادئها ؟!
ثالثـــا ـ يدعي السيد جورج جبور أنه من " المهتمين بقضايا حقوق الإنسان " وأنه " عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان " . حسنا! ولكن علينا أن نعلم أن أحد المعتقلين المشار إليهم ( د. كمال اللبواني ) , الذي صدر بحقه حكم لمدة خمس سنوات من قبل محكمة أمن الدولة شبه العسكرية, هو أحد أعضاء الأمانة العامة في منظمة " لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية "التي تغض السلطات السورية النظر عن نشاطها وتمنحها شرعية غير رسمية . ومع هذا لم نسمع من السيد جورج جبور ولو كلمة واحدة يدافع من خلالها عن نشط حقوق الإنسان كمال اللبواني ! إن هذا لمن العجب العجاب ! أليس الأولى بشخص " مهتم بقضايا حقوق الإنسان والدفاع عنها " , كما يزعم , ومن أبسط واجباته أن يدافع عن زميل من زملاء " المهنة " قبل أن يقوم بأي شيء آخر؟!
رابعــاـ يقول السيد جورج جبور إنه " ألف العديد من الكتب والمقالات حول قضايا حقوق الإنسان " . حسنا ! نحن لا ننكر عليه هذا , ولا ننكر عليه أنه ذو خبرة وكفاءة أكاديميتين في المجال الحقوقي النظري . ولكن هل يكفي أن نكتب مقالات وكتبا ذات طابع نظري محض حول قضايا حقوق الإنسان , وأن نقول بأننا مهتمون بهذه الحقوق .. حتى نكون مدافعين حقيقيين عنها , في الوقت الذي لا يوجد في تراثنا الشخصي العملي ولو موقف واحد يبرهن على ذلك , وفي الوقت الذي نلزم فيه صمت القبور ونمارس دور " شاهد الزور " إزاء جميع انتهاكات حقوق الإنسان في البلد الذي نعيش فيه ؟! لقد قال الرئيس الراحل حافظ الأسد جملا مفعمة بالبلاغة وقوة الإنشاء حول الديمقراطية وحقوق الإنسان , يحسده عليها الكثير من الفلاسفة والكتاب والشعراء ؛ ومع هذا رحل هذا الرجل عن دنيانا مخلفا وراءه تراثا في بلاغة القمع وإنشاء الموت يحسده عليه الكثير من الجلادين الذين عرفهم التاريخ : أكثر من أربعين ألف ضحية من المواطنين السوريين ( والفلسطينيين في لبنان) الذين هدمت بيوتهم على رؤوسهم , وما ينوف على خمسة عشر ألف مفقود سوري ولبناني وفلسطيني " اختفوا" في السجون والمعتقلات السورية ولا نعرف عن مصائرهم شيئا منذ عشرين عاما وحتى الآن , وأكثر من ألف سجين سياسي ومعتقل رأي لا يزالون رهن الإعتقال , وآلاف المشوهين والمعطوبين بوسائل التعذيب المختلفة .. الديمقراطية جدا ! فيا لها من بلاغة .. وياله من إنشاء !
لهذه الأسباب تؤكد المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير على :
أولا ـ اعتراضها القوي والحازم على ترشيح السيد جورج جبور لأي منصب في الأمم المتحدة , وبشكل خاص منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان ؛ وتتعهد بإطلاق حملة احتجاج دولية ضد هذا الترشيح اعتبارا من هذه اللحظة لدرء هكذا فضيحة وللحيلولة دون إهانة الأمم المتحدة ومواثيقها وتلطيخ سمعتها وشرفها بالوحل , إذ يكفي ما لحق بها حتى الآن !
ثانيـا ـ استعدادها لدعم ترشيح السيد جورج جبور لهذا المنصب , إذا ما قدم وبشكل علني نقدا ذاتيا لتراثه الممالئ للنظام الشمولي في سورية وممارساته الشنيعة إزاء حقوق الإنسان , وإذا ما أدان بشكل واضح لا لبس فيه الاعتقالات والمحاكمات التعسفية التي جرت وتجري حتى هذه اللحظة , وإذا ما عبّر بشكل واضح ، في مؤتمر صحفي يخصصه لذلك ، عن دعمه لأي تحول ديمقراطي في سورية يقوم على أساس إلغاء تسلط حكم الحزب الواحد , و تشريع التعددية الحزبية والسياسية , وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين العرفية Martial Laws النافذة منذ أربعين عاما, واحترام حرية الصحافة والتعبير وبقية أسس النظام الديمقراطي المعروفة .
ثالثـا ـ مناشدتكم استخدام صلاحياتكم لإحباط هذا الترشيح , سواء جاء بشكل شخصي من السيد جورج جبّور أو من قبل حكومة بلاده أو من قبل مجموعة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي .
رابعـا ـ رجائها لكم توزيع هذه المذكرة على منظمات الأمم المتحدة والدول الأعضاء والمنظمات التي تتمتع بالعضوية الاستشارية.
مع خالص الاحترام والتقدير
انتصار العزيزي
المديرة التنفيذية للمنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمزيد من المعلومات يرجى الإتصال برئيسة لجنة العلاقات الخارجية والاتصالات على البريد الالكتروني : [email protected]
أو على عناوين المنظمة في باريس .