|
هوامش على لحظات حرجة ومنعطفات حادة
ارا خاجادور
الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 11:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المحنة الرئيسية
في الحقيقة، ان الأحداث في بلدنا المبتلى لا تأتي تباعاً، بل تتدفق كتلاً كتلاً، وعلى مختلف الأصعدة، وبكل الاتجاهات، الى درجة يصعب التناول المنفرد أو المستقل لكل واحد منها على حده.
كما ان التغاضي عن تلك الأحداث أو تجاهلها، أو تجاهل بعضها، قد يدخل في أبواب ومسارب أخرى، خاصة اذا ما توفر القصد المعوج، أو مدفوع الثمن، أو الذي ينتج من مستنقع الموروثات السلبية والمريضة.
وأحياناً قد تصدر بعض الأفعال عن قصد، ولكنه قصد يتوخى أهداف واطئة السقف والغاية، أو عن مجرد سماجة في الطبع، أو هشاشة في التكوين الثقافي والشخصي، ولا أقول التكوين النضالي، حيث لا نضال لمن خدم ويخدم الاحتلال.
نرى أن هناك مسألة رئيسية، لا نرى أيّ حق في تجاهلها، أو وضعها حتي على الرقم (2)، ولا نقول في المرتبة الثانية، وهي مقاومة الاحتلال والثقة بدحره، والتي لا ينبغي بصددها، حتى الانشغال بالإجابة على سؤال مهم مثل: هل الأمر (أي النصر) سوف يتحقق عاجلاً أم آجلاً؟.
والنقطة الثانية، هي الدعوة الى التبصر المسؤول في حال الشعب وما يلحق بهذا الشعب من تعد وهتك، وكيفية التخفيف من معاناته، في ظل حالة النضال غير المتكافيء بين الشعب وأعدائه، خاصة في مجال القوة، طبعاً في الحساب التقليدي للقوة تحديداً.
وبعد تأدية الواجب المفترض في المسألتين السالفتين، ومن كل حسب قدرته، واذا أمكن فوقها بكثير أو قليل، يصبح بعد ذلك من المناسب في هذا المقام أو غيره، التوقف عند القضايا الرئيسية الأخرى، ونعود الى تناول ما نراه أقل أهمية، أو يدخل في باب التفاصل، والتي نوسمها هنا بالهامش على الأحداث الخطيرة والأساسية.
وفي حالة الاقرار بأهمية تناول ما نراه يدخل في باب التاريخ أو الاختصاص الضيق، ينبغي ألا نحيد عن حقيقة، أن وجود الاحتلال الكريه فوق أرضنا ينبغي أن يظل هو الإنشغال الأول لكل المناضلين بحق، فهذا الاحتلال هو الذي أهان شعبنا، وشرد الملايين منه، وقتل مئات الألاف من مواطنينّا، ويكفي أن نذكر بأن بغداد وحدها تحتضن اليوم900 ألف يتيم في ظل الديمقراطية الامريكية الجديدة وحقوق الانسان.
بعد ما تقدم أرى بعض الامكانية لخط بعض الهوامش حول هوامش محنتنا الكبرى.
المبتدأ والخبر: الشعب يتخذ القرارات الحاسمة
حتى قبل أن يبدأ العدوان المسلح الجائرعلى وطننا في 20 آذار 2003 قلنا عشية الاعداد له، سوف تبدأ مقاومة شرسة وجبارة، تهشم رأس الغباء والغطرسة الأمريكيين خاصة، والأمبرياليين عامة، وهنا لم نكن نعتمد على منطق الأشياء، أو على خبرة حركتنا الثورية التاريخية فقط، بل على معلومات مباشرة، وصلت لنا ولكل من يريد أن يسمع ويدرك الحقائق، هكذا أكدوا في "بهرز" و"أم قصر" و"الخمسة ميل" و"الزوية" و"الدولاب" و"هناره" و"كاني ماسي" وغيرها.
وقد تعمدنا عن قصد عدم الاشارة الى المدن الكبرى، وعلى رأسها جوهرة العراق بغداد العظيمة، إشارة الى عمق رد الفعل الشعبي ضد الاحتلال وخدمه، وتفيد تلك المعلومات الى أن فصائل تشكلت لمقاومة العدوان الأمريكي، وهذا حصل بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت، وبعد تقدم القوات الأمريكية صوب الناصرية.
وأهمية هذه المعلومات تكمن في أنها تتحدث عن عناصر ثورية من عامة الشعب، شكلّت فصائل للمقاومة سراً، وهذا يعني أن ضمير الشعب حي وغيور على وطنه وعلى الدوام، ولن يترك مهمة الدفاع عن الوطن الى جيشنا العراقي الباسل بحق فقط، ولا أمام الحكومة، باعتبار أنهما مستهدفان مباشرة من العدوان الأمريكي، وليس أمامهما الا القتال دفاعاً عن النفس في أهون الاحتمالات.
وهذا الواقع لا يتعارض مع قولنا: بأن أسوار بغداد كان يمكن أن تكون أعلى، لو كان التعاون الوطني قائماً، ولا نقول أو ندعوا الى أقوى وأعلى درجات التعاون، ومن النوع الذي تسوده الثقة والحمية الوطنية الموشحة أيضاً بقدر مرتفع من الكرامة الشخصية.
وقع العدوان، وظهرت نتائجه الأولية فقط ، وكم كانت بشعة وغادرة، وفق كل المعايير المحترمة، والأصيلة، والانسانية، وتعرى معظم الخونة، إن لم نقل كلهم؛ أفراداً وجماعات وأحزاباً.
وفي هذه الظروف القاهرة، ثبتنا قناعتنا، دون وجل، أو تردد، أو مجاملة لأحد، وعلى رؤوس الأشهاد، وللضرورة، ولشحن ذاكرة البعض، نتوقف بأيجاز سريع جداً عند بعض ما قلناه سابقا بخطوطه العامة وهو: العمل على مقاومة المحتل وعملائه بكل الوسائل المعروفة والمعترف بها، وهذا يُُعد واجباً نضالياً وأخلاقياً مُلزمين... لا تفاوض مع المحتل الا على نقطة واحدة؛ وهي ترتيب انسحابه مندحراً... لا تفاوض مع عملاء الاحتلال، اذ لا قيمة لهم في هذه المعادلة، لأنهم مجرد مرتزقة أجراء عند الاحتلال، وهو الذي (أي الاحتلال) يوفر لهم الحماية والمال، ولا يخجلون اليوم حتى من الظهور أمام الشعب مع الناطقين العسكريين لجيش الاحتلال للتحدث عن جرائمهم المشتركة ضد أبناء الشعب، وكما ان دورهم ينحصر بتصفية المناضلين والتجسس عليهم، وشن أبشع حملات القتل ضد أبناء الشعب العراقي.
إن العدو بعد شعوره بقرب انهياره العام، بدأ الإحتكاك بالقوى الفعلية التي ساهمت في تجريعه مقدمات الهزيمة، قطرة بعد قطرة، وعاصفة بعد أخرى، وسوف يضطر الى مفاوضة القوى الحقيقية التي تحمل السلاح سراً وعلانية، وتحظى بثقة واحترام كل أحرار الشعب.
الموجات القادمة أكثر هشاشة
نعرف قبل غيرنا، ومن خلال خبرة شعبنا وخبرة الشعوب الحرة الأخرى، بأن المحتل لا يزج بكل عملائه دفعة واحدة، وانما يتبع اسلوب تدفق موجات الخونة والعملاء التاريخيين منهم والجدد، موجة بعد أخرى.
وعلى الرغم من هذا نقول بهذا الصدد، بأن باب الشعب ينبغي، بل ويجب أن يبقى مفتوحاً أمام كل من يريد العودة الى صفوفه، على أن يمارس الاعتذار العلني أمام الشعب، إلا في حالة وجود مصلحة للشعب في غير ذلك.
وان الخشية من الاندساس ينبغى الا تكون فوق الثقة بذاكرة الشعب وحصافته، ومع الأخذ بالمثل القائل:"إمشي مع الذئب ولكن ينبغي أن تكون يدك على فأسك".
كما أن الخوف من اندساس العملاء أكثر ضرراً من قطع الطريق على من صحا ضميره، ويريد العودة الى الشعب، ومن المناسب الثقة بأن للمقاومة وسائلها الخاصة في حماية نفسها.
وبديهي أن هنالك فرق شاسع بين من تطوع كشرطي بسيط في جهاز الحكومة العملية، تحت وطأة الجوع والحرمان اللذين فرضا على الشعب عمدا،ً حيث محاولات إغلاق كل فرصة للعمل الشريف، وبين العملاء المتمرسين في خيانة الوطن عن قصد وعمد، سواء طمعاً بالمال، أو شهوة السلطة الذليلة، أو لدوافع مريضة أخرى، مثل الطائفية والعرقية، وحتى حب الشهرة المريض، أو لأسباب تتعلق بمحاولات حرف اتجاهات أبناء الشعب نحو اتجاهات خطيرة لصالح أهداف فاسدة ومريضة وأنانية وما الى ذلك.
بعد ما تقدم، أعتقد أنه بات الحديث ممكن عن بعض الأساسيات والفروع، سواءً كانت تتعلق بالهم الوطني، أو عن أشخاص في وطن مستباح، ولكنه ظل صابر وصامد ومقارع.
1 ) لماذا القلق وممن؟ حول ما عُرف بمذكرة الشخصيات الوطنية
تألمت ورفاق معي من وردود الأفعال، التي أعقبت صدور مذكرة أوبيان مشترك ضمّ شخصيات وطنية، وربما بينها شخصيات غير وطنية، ولكن من المفترض أن نتحاكم على القصد المعلن في المذكرة، وليس على النويا، لأن لنوايا الذئب وسائل دحرها وإيقافها عند حدها، كما نحن لسنا بـ (ليلى) عند ضرورات التعامل مع الذئب أو الذئاب.
وكذلك تألمنا لبعض الملاسنات غير النافعة، التي ظهرت هنا وهناك، نقول: لا توجد فكرة أو كلمة تعرضت لمحاولات الابادة والقتل، مثل فكرة وكلمة الوطنية العراقية، وبكل ارتباطاتها التاريخية والثقافية والقومية والانسانية، ولكنها في الوقت نفسه أظهرت قدرة عظيمة وعجيبة على التحدي، أذهلت أعداء الشعب، وفاقت تصورات حتى الوطنيين الأحرار أنفسهم.
ان الذين لا ضمير وطني عندهم، ومعهم أدوات التخريب المبرمج، الذي يفوق الوصف والتصور، ورغم كل ما يطرحه المتآمرون من خلال نفي المؤمرة، إضافة الى جهود أولئك الذين يُصاغ لهم كل شيء في مختبرات أعداء العراق؛ من الذاكرة الى الحجة والبرهان، وحتى مفردات الكلام، هم جميعاً أعجز من أن يستطيعوا هز شجرة ثابتة الجذور في أرض العراق الحقيقي، هذا بقدر تعلق الأمر بخدم الاحتلال.
لا نريد هنا أن نكثر الكلام حول المذكرة، التي أثارت الكثير من الكلام الموزون وحتى غير الموزون، ولكن ما يثير قلقنا ويهمنا بالدرجة الأولى، هو أن لا يوجد أي قدر من التناحر، وعدم التفاهم بين قوى الشعب الحية والمخلصة، ونؤكد على أنه في كل الحالات، لا أحد يريد في هذه الظروف القاهرة، أن يرى وقع كلام غير حريص يُبدد الوقت والطاقات والجهود، ويثير مشاعر الألم والحسرة في قلوب أحرار العراق، وهي قلوب صلبة في مواجهة العدو، وضعيفة في مواجهة المعارك التي في غير محلها، وغير اللازمة، وغير الضرورية.
أن جميع الذين وقعوا المذكرة، وكل شخص منهم، هو رأس المذكرة، لا يوجد فيهم محرض أول، انها كانت محاولة لتوسيع دائرة الحوار بين كل من يقاوم الاحتلال، أو حتى من يدعي ذلك.
ونقول في مجري الحوار أن المقاومة تلعب الدور القيادي من خلال وجودها وفعلها الواقعيين، وليس من خلال سندات الطاعة لولي الأمر، كما أن الشرعية الثورية لها دور حاسم في حرب التحرير، لكنها تتحول الى أداة قمع، أذا تجاوزت خيار الاحتكام الى الشعب بعد التحرير، ولنا في العراق والعالم تجارب غنية، ينبغي علينا الاستفادة منها، وخاصة من الهزائم التي لحقت بالقوى الثورية، ودفع الشعب من جرائها أثماناً باهضة للغاية.
وينبغي العلم أن كل من استجلبهم المحتل ليسوا طرفاً أساسياً في المعارك الراهنة والقادمة، كما أن أي محاولة لخلق نزاع بين أطراف المقاومة لن تكون محاولة بريئة، مهما طُرحت من أسباب ومبررات.
واذا كانت نتائج الموجة الأولى لخدم الاحتلال المستجلبين معه على الشاكلة التي اختبرها الناس، فلن تكون الموجات اللاحقة أكثر خطراً، او أشد وطأة، لأن هؤلاء هم رأس الحربة، فعلام هذا التشنج، والتوتر، والزفة من دون عرس، والقلق من برامج تُطرح على الناس، وفي وضح النهار.
وفي كل الأحوال، ومادام هنالك جندي محتل واحد يدوس على أرضنا، فان أي احتكام للبندقية بين فصائل الشعب المحتل والمظلوم، وقبل أستنفاذ كل الوسائل، وخارج حدود الدفاع عن النفس، يُمثل تدمراً ليس للحياة اليومية المدمرة أصلاً، بل حتى للأمل في نفوس الناس.
وينبغي أن يعلم كل من يعتقد، أو يخشى، أو يتخوف من أن هنالك امكانية للقفز على ارادة المقاومة من خلال المذكرات أو غيرها من النشاطات، بما فيها قوة السلاح والمال والغدر، فهو واهم حتى النخاع.
ان المقاومة نبتة طبيعية على أرضها، ومدت جذورها تحت ترابها، ونثرت بذورها في كل أرض الوطن، وعلى الرغم من كل مظاهر الانقسام في صفوق الشعب، فانها ستوحد الشعب، ان عاجلاً أو آجلاً، والحياة بدأت تقدم بعض المؤشرات فيما نزعم.
أن الشعب يرسم بدمه المستقبل، ولم تعد الدنيا تسير على طريقة بيان رقم واحد؛ المعزول عن القوى الشعبية، واذا ما كُتب لانقلاب النجاح، فقد بات معلوماً أنه يمثل نصراً للجنرالات المعزولين عن الشعب، والطامحين الى السلطة الفردية، وليس الى تحقيق ارادة الشعب، أو كادحيه، ولم يعد الأمر حتى على منوال تلك المقولات الشهيرة في علم الثورة؛ بأن الأذكياء يخططون، والشجعان ينفذون، والجبناء يحكمون.
وعلى من يعتقد بأن خبث الاعلام، ومنتوجات مختبرات الاحتلال، ودهاء بعض العملاء يمكن أن يحرف، أو يخدر ارادة المقاومين، نقول له أنت واهم، وقد فات الأوان على مكر المعتدين، نسأل: متى وأين اندحر شعب حمل السلاح ضد محتلين غرباء؟.
الحرص قائم
كنّا نعلم بأن التحرك المذكور (أي المذكرة) سوف يخلق ضجة من جانب الأطراف الفاسدة المتعاونة مع الاحتلال أولاً، ومن الذين يريدون إلصاق أنفسهم عنوة بالمادة الصلبة لإرادة الشعب العراقي المقاوم كموقف انتهازي ثانياً، وإن كنّا ننظر الى هؤلاء الانتهازيين ونعتبرهم أقل ضرراً من الذين باعوا كل شيء في سوق المصالح الضيقة، خدمة للاحتلال والعدوان، ولكن في كل الأحول ما كان يهمنا هو موقف أطراف المقاومة، أو من هم على هامشها، من أي تحرك وطني نظيف الوسيلة والنية، ولقد كتبت للرفيق باقر ابراهيم بصدد المذكرة ما يعكس ذلك بالنص:
رسالة الى رفيق
" الرفيق العزيز ابا خولة تحية وتقدير لقد تاخرت عليك كثيرا حول رأيي بصدد التوقيع على هذا البيان، لقد تداولت مع بعض الرفاق بشأنه، وأقول أن اتجاهاته العامة طيبة، وعلى الرغم من اضرابي الدائم على اسلوب المذكرات والبيانات، ألا أنه يبدو ما في اليد حيلة، وعلى طريقة حشر مع الناس عيد، أقول: أيها العزيز أخولك هذه المرة بالتوقيع عني على هذا البيان، ولكن من المهم أن نقيس موقف القوى ألأخرى الأساسية منه، وخاصة ذات العلاقة بالمقاومة، وارجو ألا تُفهم هذه المبادرة من جانب بعض الأطراف، وكأنها عملية عزل لهم، وأعتقد أن طرح البيان للمناقشة العامة فيه فوائد سياسية وفكرية مهمة، على الأقل تنقل الموضوع من دواوين السياسيين الى الساحة السياسية. مع وافر تقديري. آرا. ".
وفي تعقيب لاحق للرفيق على الضجة التي أعقبت المذكرة خاصة في جوانب التنابز بين من هم في صف الشعب، أو هكذا يُفترض، أو يدعون، قال: " كنت أتوقع ردود فعل أكثر ضراوة...".
الجادة الواضحة
ان الخلاصة المهمة في الظرف الراهن تدعو الى تركيز الجهود على المعركة الرئيسية، وعدم تبديد طاقات المناضلين، والارتقاء بالحوار الى المستوى السياسي الأصيل والفكري البناء.
ومن مصلحة الشعب الاقرار؛ بأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وبالحوار الموضوعي ينضج الجميع، وهذا لا يشطب ضرورة التأكيد على أن ما يطلقون عليه تسمية العملية السياسية؛ عملية فاسدة أشخاصاً وجهات، ولا رجاء من إيكالهم أي اهتمام، باستثاء مكافحة مفاسدهم، ودون اغلاق الباب أمام العودة للشعب، أمام من أصابهم الوهم والعجز ولم يدركوا في البداية خطورة مشروع أعداء الشعب العراقي، أو كانوا ضحايا الخديعة الكبرى والرعناء في ذات الوقت.
ان الحذر رافعة ثورية مجربة على الدوام، وفي كل الظروف، خاصة القاهرة منها، وهذه الحقيقة تدفع الى الواجهة مشروعية تجديد الدعوة لكل المناضلين الحقيقيين الى الكف عن المهاترات فيما بينهم، والإنطلاق على جادة المناظرات الواعية، والمنفتحة على الآخر، والواثقة به.
وفي كل الأحول من الضروري، ابعاد الطابع الشخصي، قدر الامكان، حتى عند ضرورة تناول أوضاع بعض الأشخاص؛ العملاء منهم، أو الذين يمارسون دوراً تخريبياً مميزاً، أي أعني قول الحقيقة بما فيها الشخصية، ولكن شرط أن تكون صادقة، ولا يدخل فيها المزاج أو الغرض الشخصيين، وكذلك عن عمليات مراجعة الماضي، أو في التصدي لمهمات اللحظة الراهنة، واذا سعى كل منّا للبحث في تاريخ المآسي المتبادلة، فسوف يجد الكثير من كل ما يحقن القلب قيحاً ومرارة لكل الأطراف دون استثناء، ليحل الجدل البناء في المهمات الكبيرة، وفي الوقت ذاته لا أحد يأسف أو يشعر بالمرارة حين يتعلق الأمر بمن انساقوا في العملية الرعناء -عمليتهم السياسية- وبتعبير أدق خدمتهم للغزو والاحتلال والعدوان على الشعب، والفقراء منه بصفة خاصه.
من المفترض أن محنة شعبنا الراهنة لم تعد تسمع بأي تفريط للقوى مهما كان ذلك التفريط محدوداً.
2) في الحملة الشعواء حول التاريخ والأخطاء والانحرافات
في الفترة الأخيرة، سال حبر كثير في قنوات النشر عن الشيوعية في العراق، وعن الحزب الشيوعي العراقي، وفي معظم ما نُشر بدت بعض الكتابات وكأنها لا تبحث عن تقاطع أو نقطة التقاء، وأخرى ظلت في حدود التساؤل، ومنها البريء، ومنها غير البريء، وبعضها إنطلق في الظاهر من موقع واحد، ولكنها سارت في مسارب شتى، وفي البعض الآخر كانت هنالك أخطاء فادحة في مجال الأمانة وإحترام المعايير العلمية لتناول أحداث التاريخ، وعرض مباديء الآخرين، خاصة وإن هذا التاريخ غير بعيد جداً.
ولم تغيب أيضاً روح العداء المكشوف في بعض الطروحات، وكذلك في صفحات أخرى كانت حاضرة روح التزمت في الدفاع عن الشيوعية أو الوقوف ضدها، وهو دفاع ووقوف لا ينتج عنهما الا مزيداً من الضرر للشيوعية والمصالح العامة معاً.
وقد طالبني البعض الكثير، بأن أقول ما لدي في نقاط يعتقدون أنها حيوية، وربما أشاركهم الرأي في ذلك، ولكن قد أختلف حول التوقيت، حيث ما زلتُ لا أرى الا معركة التحرير، وينبغي أن يوظف كل شيء بهذا الاتجاه، لهذا أشعر بالتردد عند الكتابة عن أي موضوع لا يتعلق مباشرة بلحظتنا الراهنة.
ولكن بعد التأكيد بوضوح على أن المهمة الرئيسية هي -التحرير- أجد أحياناً متسعاً لتناول بعض الموضوعات، خاصة اذا وجد ارتباط عميق بين مسألتي: النضال من أجل التحرير، وتنظيف الساحة النضالية، وعلى هذا الأساس وجدت مشروعية في تناول المطرح من قضايا وشؤون أخرى.
ان الحياة تحمل الكثير من الألوان في وقت واحد، فلابد أبتداءً من القول بأن ما سوف أتناوله يخص الحركة الشيوعية في العراق، وليس لوناً واحداً منها، ومن يريد عن قصد أن يصور أو يربط هذه الحركة التاريخية والواسعة بطرف واحد، وهو الطرف الذي جاء أو دخل الى ما يسمونها بالعملية السياسية تحت نظام المحاصصة الخيانية، لا يريد خدمة المصالح الوطنية العليا، لأنه يسعى الى تحميل الجميع مسؤولية سلوك طرف واحد، هو أصلاً قد تنكر لكل قيم ومباديء الشيوعية، وفي أبسط أولياتها.
يكفي أن نشير الى أن كبير هذا الطرف، قد تبجح بأنه من القومية كذا، والطائفة كذا على سبيل المنافقة، ليس لأبناء شعبنا من هذا العرق، أو تلك الطائفة، بل لمنهج تدمير العراق طائفياً وعرقياً، ونحن نسأله هل يعتقد بأنه سوف يكسب الطائفيين بهذا الكلام الرديء؟.
ألم يسأل نفسه الأمارة بالسوء، لماذا يأتي الطائفي الى حزبه، ولا يذهب الى الأحزاب الطائفية مباشرة، التي انتشرت في العراق كالطاعون، والتي هي أكثر منه عمقاً وأصالة وصميمية في هذا الميدان البائس، الذي لم يجلب لشعبنا الا الدمار بفعل كل الطائفيين، بكل أنواعهم، ومللهم، ونحلهم.
الحزب والحركة
قبل أن ندخل الى مساهمتنا الموجزة جداً، حيث نأمل اذا أسعفتنا الظروف أن نتناول كل قضية مطروحة تفصيلاً وعلى حده، في وقت لاحق قريب.
ويشجعنا على ذلك حين يكون شعبنا يرفل بالحرية والكرامة وحقوق الأنسان والخبز، ويتمتع بخيراته النفطية وغير النفطية، التي تتعرض الى أكبر عمليات سرقة في التاريخ.
ويكون العراق بيتاً واسعاً لكل أبنائه وأشقائه، وفي مقدمتهم شعب فلسطين الباسل، فالحكومة الرعناء تهاجم اليوم كل ما هو عربي، وقد رد عليها شعبنا، وقدّم الجواب الحاسم من خلال لجوئه الى ديار أشقائه بالملايين، بعد أن حرمه الاحتلال وعملاؤه من هواء وأرض الوطن، وحق الحياة حتى من دون مقومات أساسية للحياة.
نقول علناً من 31 آذار 1934 لغاية 9 نيسان 2003 وربما قبل هذا التاريخ الأخير لبعض الوقت، كان هناك تاريخ موحد للحزب الشيوعي العراقي، حزب فهد وسلام عادل وبقية المضحين الأبرار، وبعد هذا التاريخ توجد حركة شيوعية في العراق، ولا توجد وحدانية للتمثيل، الا عند من يريد النيل من حركتنا، لأن أي شيوعي عراقي فرداً كان أو جماعة أو حزباً، واتخد موقفاً شيوعياً من الاحتلال، هو الذي له الحق الكامل في الحديث عن الشيوعية، وعلى كل الأطراف الوطنية والثورية حقاً، أن تحترم خيار أحرار الشيوعية في العراق الصامد والمكابر على جراحه، والمناضل من أجل دحر الاحتلال بالقول والعمل.
في المحطات والحدائق وغيرهما نعم قرأت الكتاب الموسوم بـ (سفر ومحطات – الحزب الشيوعي العراقي – رؤية من الداخل) لـ "شوكت خزندار" وبعدها إستعراض د. عبد الحسين شعبان للكتاب نفسه، تحت عنوان(“الحديقة السوداء في محطات شوكت خزندار الشيوعية”). وهو كان يشكل رداً ضمنياً، وربما غامضاً وقاسياً في بعض جوانبه، ومتضامناً ومسانداً في أخرى، أو هكذا بدا لنا. نسعى هنا للتوقف عند النقاط المثارة، حيثما طُرحت كأسئلة، أو مقدمات، أو قراءات، وأحاول التعامل معها بالصيغة التي أعلن عنها، أو طُرحتها المتجادلون وأصحابها، وليس من قبل خزندار وشعبان فقط بل نتناول كل ما طـُُرح في الفترة الأخيرة، التي نحن بصدد التعرض لها، وأسعى قدر الامكان الى عدم اختصار الأسئلة قدر المستطاع، وأعرض الأسئلة كما جاءت على لسان المعنيين، وهنا لا نطرح القضية كرد على أحد، ولكن نعرض ما عشناه، وما لمسناه لمس اليد ليس فقط، بصدد القضايا المطروحة.
ولابد من الاشارة الى إننا في بداية الأمر، فضلنا المناقشة المباشرة مع الكاتبين خزندار مؤلف الكتاب، وشعبان عارضه ومقرضه مباشرة، هذا طبعاً قبل صدور الكتاب، وبعد طبعه، طبعاً هذا فيما يخص خزندار، وبعد صدور العرض الأول فيما يخص شعبان.
في العام الماضي ألتقيت شعبان مع الرفيق (أبو خالد)، وتم اللقاء الثلاثي لتوضيح بعض الأمور، التي أدلى بها شعبان في قناة الجزيرة القطرية، وفي العرض المشار اليه، وكان اللقاء ودياً، ووعد شعبان بتصحيح ما فاته، خاصة بالنسبة لبعض الأحداث التاريخية، أو لتلك التي ليست في حدود معرفته موضوعياً، فيما يتعلق ببعض القضايا المعروفة على نطاق ضيق بحكم سرية العمل الحزبي في حينها، وقد لمسنا بعضاً من التعديل لاحقاً.
وفي اتصال هاتفي مع شوكت خزندار، بادر اليه مشكور بعد صدور المذكرة المشار اليها أعلاه، وضحت له بعض الأمور التي تتعلق بالإنطلاقة الأولى للحزب، وبهذه المناسبة أعد بوقفة تفصيلة مع الأحداث الأكثر أهمية فيما يخص القضايا الواردة في كتاب خزندار، وذلك في أقرب وقت ممكن.
وأيضاً قبل فترة وجيزة، صدرت في أوقات متقاربة مقالات تناولت الشأن المطروح، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن مناطق مختلفة، ومن منطلقات مختلفة أيضاً:
الأولى لباقر ابراهيم موسومة بـ (شيوعيو العراق: أين حقيقتهم؟ في الحديقة السوداء أم بمأثرة اليسار الشيوعي الجديد!).
والثانية للكاتب العراقي المرموق جمعة اللامي: ("كنْتُ شيوعياً").
والثالثة لكاتب أظنه مستقل، هو د. حميد عبدالله تحت عنوان ساخر (ياعملاء العالم اتحدوا)، وهو عنوان وموضوع يناسبان صحفياً إنتقل الى البحث العلمي، أو جامعياً إنتقل الى الصحافة، وهناك الكثير الكثير في ساحة النشر عن هذه الموضوعات، التي جرى ذكرها أعلاه وغيرها.
وهذه الكثافة في النشر، والتنوع في التناول، تعني لنا بأن الموضوع فضلاً عن كونه جدياً، فإنه راهن، على الرغم من وجود الاحتلال، وتدفق المصائب، ولعلنا نـُحوّل الكتابة في هذه الموضوعات الى مساهمة ضد الاحتلال أيضاً.
اللون والمذاق
بخصوص مقالة باقر أجد لزاماً عليّ أن أسجل حقيقة أنها من أفضل ما كتب خلال الأشهر الأخيرة، حيث لمست ورفاقي فيها حرارة الروح الشيوعية في المعالجة والنظر، كما أن المساجلات بين الأصدقاء لها طعم انساني خاص، ففي وقت ما كان باقر سنداً وصديقاً لكاتب "الحديقة السوداء" وربما ما زال.
لقد كتب باقر مقدمة كراسة د. شعبان حول الحرب العراقية – الايرانية، وهي من وجهت نظر الرفيق (أبو خالد) كانت متقدمة على موقف الحزب، الذي كان يعارضه الرفيق بطريقة شرعية ومعلنة، وعندما أستلم نسخة من الكراس، شكر الكاتب عليها، وعلى مضمونها الذي يكاد يقترب من موقف الرفيق المعلن.
وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من وجود موقف عام أو طاغ داخل الحزب في حينه، ولكن كان ينطبق علينا القول:"تراهم حزمة وإتجاهاتهم شتى"، ولكن مع الأسف ليس بمعنى التنوع.
ولا بد من الاشارة هنا، الى أنني لا أكرر ما أشار اليه أبو خولة في مقالته، خاصة ما يتعلق بمصير عدد من الرفاق الشهداء، والشؤون الأخرى التي أتفق فيها معه.
طبعاً هنا لابد من قول ملاحظة عامة، وغير موجهة الى أحد بالذات أو بعينه، ولكنها مجرد هاجس، وتوخياً للدقة أيضاً، ولدواعي الرغبة بعدم احراج أي كان، أقول: وأنا أسترسل بالحديث، أستخدم أحياناً لقب رفيق، وأحياناً لا أستخدمه، وأعرف ان هناك من يسره ذلك اللقب المجيد، وهنالك ربما من يتجنب ذلك، وفي الحالتين أرجو المعذرة، إذا لم أصيب الهدف على نحو دقيق.
وللسياب أيضاً اجتهاده
أعود الى اللامي، الذي قدم خاطرة، أو عرضا موجزاً لكتاب شاعرنا العراقي البصري المجدد والعظيم بدر شاكر السياب، قال اللامي: "شَغَلَ الشاعر بدر شاكر السياب الناس في حياته ومماته أيضاً. وها هو في الكتاب الذي يحمل اسمه: “كنت شيوعياً”، يكلم الناس من قبره، بانفعال مرات، وبالإيمان مرات، وبالعدمية مرات. لكن “كنت شيوعياً” يتهم الشيوعيين العراقيين بالعمالة السياسية لموسكو.
وهذا صوت ينبغي أن يحسب له حساب، لأنه من “داخل البيت”، ولأن بعض الشهود ما زالوا على قيد الحياة، داخل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، أو خارجها، وبعضهم اختار “العملية السياسية” تحت نير الاحتلال الأمريكي للعراق، بملء حريته وقناعته الكاملة.".
ويضيف الكاتب: "الاحتلال الأمريكي للعراق، حدث فاصل وخطير، ولا قبل للعراقيين به في القرن العشرين، إذا ما استثنينا الاحتلال البريطاني. وكان لقبول القيادة الحالية للحزب الشيوعي العراقي، خيار “العملية السياسية” بعد الاحتلال، وفي أثنائه، وقع الصاعقة على كثير من العراقيين الذين جمعتهم بهذا الحزب روابط وطنية وعاطفية ورمزية شتى.".
ويختتم اللامي، الذي أكن له التقدير والاحترام، لأصالته الوطنية ولصدق نواياه، مقالته بقوله: "والأهم من هذا كله، ان مقال باقر ابراهيم، ينتظر من يمتلك شجاعة القول والفعل من داخل الحزب الشيوعي العراقي.".
نرى في مقالته اللامي دعوة صريحة لتناول هذا الشأن بوضوح وصراحة، وهذه الدعوة أيضاً كانت من العوامل التي شجعتنا على الكتابة في هذا الظرف الدقيق.
ولكن وعلى الرغم من أن هذه الدعوة طيبة للغاية، الا أنها لا تنظر الى باقر على أنه من قلب الحزب، فالأحداث كما يعلم كاتبنا معايشة واحساس ومسؤولية، فضلاً عن كونها قضية شرف وضمير، والرفيق المذكور يُعتد بمساهماته.
وبديهي، سوف لن يجد الكاتب أحداً يدافع عن الشيوعية في وسط من إختاروا ما وصفها الكاتب بالعملية السياسية، إن هولاء يفكرون جدياً بتغير جلدهم علناً، بعد أن غيّروه سراً، وبعد تغير المواقع والواقع فعلاً، وبعد تبدل نمط حياتهم.
وان الحفاظ على أسم الحزب عندهم حالياً، هو لضروات المصلحة، ولمهمات انتهازية، ومن أجل خدمة "الرسالة الراهنة والعصرية" للغزاة، ومن أجل عدم الانكشاف أمام من تبقى لهم من جماهير، وهم يؤجلون موضوع التخلي النهائي الى وقت آخر، الى وقت لاحق، والأيام بيننا، وسوف نرى، ان عدو هؤلاء هو من يعادي الاحتلال.
كما ان موقف السياب يدخل في اطار قضية واسعة، لم تتحدد خطوطها الصريحة بين طرفي المعادلة؛ المثقف والسياسي، ومن العدل النظر أو الموازنة العادلة بين الاحساس المرهف لرجل عظيم مثل السياب المجدد، وبين وعي السياسي الذي يواجه مهمات عملية، وفي الغالب في ظل مستو حرج، حتى في المعرفة والحس السياسيين.
لا نستطيع في اللحظة الراهنة التوقف عند "كنت شيوعياً" على الذاكرة، وأظن أن "كنت شيوعياً" هي مجموعة مقالات غاضبة للسياب، ربما جمعت في وقت لاحق بين دفتي كتاب، ولكن المهم أن نقف عند التساؤل الذي طرحه السياب، في لحظة مؤلمة، خاصة فيما يخص ادعاءاته عن "عمالة" الشيوعيين لموسكو، وحبذا لو كان هنالك من يساعدنا نحن فقراء العراق، ويسعفنا مجدداً بنسخة من كتاب السياب أو مقالاته المشار اليه، علّنا نستطيع أن نجري مناقشة بمنتهى المحبة والاحترام والصراحة، حتى مع الاتهامات، وربما ذلك يريح السياب في دار الثبات الدائم، وعلى سبيل الوفاء للطرفين، من منطلق العدل والصراحة في النظر الى الفترة الماضية.
كما ان مقالة أو خاطرة اللامي صبت أيضاً في تأكيد مشروعية التساؤل حول علاقات الشيوعيين بموسكو السوفيتية، فعندما يرد السؤال من أكثر من جهة، ومنها أوساط مشهود لها بالنزاهة والأصالة، يصبح السؤال والجواب مشروعين للغاية.
من أخلاق البحث النزيه
تؤكد معظم مدارس مناهج البحث العلمي على ضرورة اعلان المبادئ والتعريف بالموقف الشخصي لمن يتصدى لقضية أو موضوع ما، لكي يتاح للمتابع معرفة مع من يتعامل، وما هي مبادئ صاحب الرأي المطروح.
أقول بهذا الصدد، أن التجارب التي عشتها، وقد بلغت نحو أكثر من ستة عقود في النضال الشيوعي والنقابي، أقول بهذه المناسبة، انها جعلتني اليوم أكثر اصراراً من أي وقت مضى على مواصلة ذلك الطريق العادل والمنصف والشريف الذي سرت عليه، وعن قناعة أكبر وأعمق اليوم، قناعة تغذيها التجارب الملموسة، والسلوك الأرعن للامبريالية وعدوانها على الشعوب، وعلى السلام العالمي، وفي كل مكان، وفي كل لحظة.
ولا يقلل من قيمة ذلك الطريق، أنه لم يكلل بالنجاح الدائم. وعلى الرغم مما فيه من الانتصارات الى جانب الهزائم، وفيه الحلو الى جانب العلقم، وفيه التراجع والتقدم، وفيه الغضب والرضا، وفيه كل المتناقضات الانسانية الممكنة، على الرغم من كل هذا باتت قناعات أعداد غفيرة من الناس تـُجددوا التوجه صوبه، وبثقة أكبر معززة بتجارب ثمينة للغاية، أنها التجارب التي تصنعها الهزائم والانكسارت والغفلة، الى جانب تفوق العدو في بعض الحالات.
كما ان تجربتي تسمح لي بالقول لرفاقي على الأقل: لا تحكموا على الأشياء وأنتم في حالة غضب، أو احساس بغدر ذوي القربى، أو في حالة خوف أوعشق للذات، خاصة المضخمة منها، لا تدعوا في الأحزاب السرية مثل حزبنا السابق وحركتنا الحالية بأنكم تعرفون كل شيء، ولا تحكموا على أحداث التاريخ دون وثائق مؤكدة أو شهود، ولا تكونوا في موقع المؤرخين والحزبيين في وقت واحد، لا ترتدوا ثياب العلماء والباحثيين، وأنتم في موقع السياسة اليومية.
حشود من الأسئلة في وقت واحد
لاحظنا في بعض الأسئلة ما يترك الانطباع، بأن هنالك جواً مفعماً بالمطاولة، وقد يبدو هنالك شيء من محاولات النيل، وقد تبدو وكأنها لا تنطوي على هدف عام، وعربون على طهارة النية من جانبا، نطرح هنا ما نعرفه دون هواجس، وندخل في بيت القصيد مباشرة، وهو ما نعتبره المهم، ولذلك سوف لن نتوقف عند موضوع؛ من طرح الأسئلة وغيرها من الأسباب، وحتى الحساسيات الممكنة قدر الامكان، ومن منطلق الاحترام لعملية طرح الأسئلة، وتشجيع المحاورات الأكثر جدية، وكذلك قبول كل المحاولات لإطلاق حوارات هادفة، نحن جميعاً بأمس الحاجة اليها، نقول بأن مجرد عملية طرح الأسئلة تشكل قيمة بذاتها، وليس التدقيق بأهداف السائل هو الأمر الجوهري عندنا.
سوف نقطف من الحديقة السوداء كل زنابقها أو بعضها، وبوصف أدق ننظر الى كل ما حوته تلك الحديقة، وما حوته الحدائق أو الغابات الأخرى. وننقل النصوص بأمانة، ونتعرض لمعظم الأسئلة بقدر المستطاع، ويظل يحدونا الأمل باحتمال عودة أوسع الى الموضوعات المطروحة، أو التي قد تكون غابت من دون قصد، وندعو الآخرين الى الاشارة الى ما فاتنا من شؤون مهمة، حسب اعتقاد من يعتقد ذلك.
واعتباراً من السطر القادم سوف نتناول الأسئلة بصفة مجردة عن أصحابها، وان كانت معظم الأسئلة قد طرحها شعبان من خلال أهتماماته الخاصة، أو تأسيساً على ما رواه وكتبه خزندار، لا نذكر ونكرر الأسماء الا عند الضرورة الملزمة.
وليعلم القراء الأعزاء اننا تجاهلنا ذكر ما ورد في كلام الآخرين من الكتاب والسياسيين من عبارات توحي بالاستاذية أو المعلومية أوالتعالي البرجوازي، لعلمنا أن ذلك لا ينفع صاحبه أو أصحابه، وهو في ذات الوقت لا يضر الأخرين، لأنهم غير قادرين على فعل ذلك الضرر حتى ولو رغبوا، وأولاً وأخيراً، فان مثل هذه التوجهات لا تخدم هدف المساجلات العاقلة والهادفة.
وكما نوهنا في البداية نرجو من الجميع، بأن لا يتعاملوا مع مساهمتنا الحالية، على انها تعقيب مباشر على الأسئلة والأفكار المطروحة من هذا أو ذاك بصفة شخصية، وإن أخذت في الظاهر هذا المنحى، إنها مجرد بداية أولية، أي هوامش على الموضوعات المطروحة الكبيرة والهامة من الزوايا التاريخية والمبدئية، وقد نتناول جوانب أخرى في الزحمة التي تعج بها صفحات الذكريات والمقالات والخواطر وغيرها، التي تزخر بها نتاجات اليوم.
وهنا لابد من تسجيل شعورنا بالإحباط وبالألم مما إحتوته معظم المذكرات من تبجيل للذات، وفي الغالب على حساب الموضوعية، وحركة الأحداث نفسها، وربما جاء ذلك بسبب الاطمئنان، بأن كل واحد ترك الحبل على الغارب للآخر على سبيل المحاباة، وليس إحتراماً لحياة الرفقة المديد، أو حماية لمصالح الشعب، لأن من يبحث عن أمجاد فردية مجردة دون فعل موضوعي غير خليق بأن يمنحه الشعب ألوانه الخاصة في تكريم الأبناء الأوفياء.
وفي هذا المقام، ننظر الى طرح الأسئلة كجزء عميق الأهمية في أية عملية فكرية أو سياسية، وأزاء طرح الأسئلة تتضاءل المهاوشات الفلاحية حول النوايا.
علاقات أممية أم "عمالة"؟ طبيعة العلاقات الأممية مع السوفيت:
لندخل في غابة الأسئلة المطروحة، وهنا نعالجها كما وردت دون اعادة أو ترتيب لها حسب التسلسل التاريخي على الأقل، مع ضمان تسهيل مهمة القارئ بالحدود التي نراها غير مخلة بأمانة النقل والاقتباس، ونتناول كل سؤال دون أي إشتراط منا بصدد أهميته، أو أي اعتبار آخر يشغل حيزاً من الاهتمام عندنا، ولا حتى تعديل الصياغات من أجل مزيد من الوضوح.
وبالمناسبة لا نلاحظ في الغالب اهتماماً من قبل الذين يتناولون حياة وتاريخ الحزب الشيوعي في نقل أفكار الناس، حيث لا نجد الا التعرض القاسي وغير الأمين لذلك التاريخ، ولا نجد أحتراماً لعقل القارئ، ان الحياة لا تقوم، ولا تستقيم على لون واحد.
واجهنا الأسئلة التالية: "وما هي علاقة الحزب الشيوعي العراقي أو بعض قياداته وكوادره بجهاز الـ KGB (المخابرات السوفيتية) وبالاجهزة الامنية "الاشتراكية؟.". كيف كانت تتم العلاقة ومع من، وهل هي بتكليف، أو بعلم قيادة الحزب.؟. وماذا لو اكتشفت القيادة وجود علاقة دون علمها، فهل تستطيع، أو تتجرأ اتخاذ اجراء بحق العضو القيادي أو الكادر، أم انها أو بعض اعضائها على الاقل سيتجهون لمداراة صاحب العلاقة طالما اختاره "الباب العالي؟.".
وهل قائد جهاز أمن الحزب يجب عليه الذهاب الى الاتحاد السوفيتي ليتلقى دراسة مكثفة في العمل المخابراتي، وتحديداً لدى الـ KGB ويقال أن وعبدالرزاق الصافي درس في صوفيا ولكن المعهد تابع لـ KGB في بلغاريا؟.".
"ويُنسب الى احد الشيوعيين المخضرمين قوله: عندما لم تكن لنا علاقة حزبية مع السوفييت، أو انها انقطعت، ذهبنا قبل قطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، لنرمي رسالة من وراء السياج، نطلب فيها تنظيم الصلة بموسكو! ولكن الرفيق آرا خاجادور يسخر من هذه الرواية، ويطلق اسم "الرسالة الصاروخ" عليها!!."
وهذا السؤال الأخير أخذ طابع السؤال المعزز بقصة، وتتواصل الأسئلة والروايات في المجال نفسه حيث، لا يخرج القول السؤال الآتي عنها: "ولا أدري أين يمكن ادراج قول عامر عبدالله لزكي خيري في اواسط الستينات وبعد إلغاء عقوبته أي عقوبة زكي: "تهانينا لقد وافق الرفاق السوفيات على عضويتك في المكتب السياسي". الآن أتوقف عند هذا الحد من الأسئلة المطروحة، ولا أظن أنها قليلة.
*** أبدأ من نهاية هذه الأسئلة، وأقول: لم تنقطع علاقات حزبنا بالحزب الشقيق في الاتحاد السوفيتي يوماً، ولم نواجه يوماً صعوبة فنية في تنظيم الصلة مع جميع الأحزاب الشقيقة، ولا سيما مع أكبر وأهم هذه الأحزاب؛ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. وثم أسأل: وبأي صفة يُبلغ أبو عبد الله الرفيق أبي يحيى، بأنه أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب؟!.
لم يحصل في تاريخ الحزب أن تدخل الحزب الشقيق في شؤون اختيار القيادة، أو الشؤون الداخلية الأخرى، فعلى سبيل المثال أن عزيز محمد لم يخرج من العراق قبل انتخابه سكرتيراً للحزب في عام 1964 وقد وصل الى براغ، وهو مصاب بمرض الملاريا، وفي حالة يرثى لها، وجاء الى براغ للمشاركة في اجتماع اللجنة المركزية، من كردستان مباشرة، وقد انتخب الى هذا المركز الحزبي في ذلك الاجتماع دون أي تشاور مع موسكو.
وهو، أي عزيز، لم يكن يعرف عن قرب النهج السوفيتي، لاسيما ما كان يُطرح حول التطور اللارأسمالي، وكان لحديثه داخل اجتماع ل. م. في براغ الذي جاء فيه: "بأن سمة العصر لم تصل الى كردستان.".
وأضاف في ذات الاجتماع بصدد النظرة الى الناصرية (نسبة الى المرحوم الرئيس المصري جمال عبد الناصر): أرى أن هناك تهافتاً على الناصرية.".
وكما هو معلوم أن مثل هذه أقوال والآراء في كل الأحوال ليست من النوع الذي يروق للرفاق في موسكو، أو ينسجم مع خطهم المعلن، وربما تؤكد عدم التدخل في الاختيار، على الأقل وفق المنطق، الذي يتهم الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية بالتبعية المطلقة للقيادة السوفيتية في موسكو.
ودخل على الخط وفي معرض الحديث عن جهاز المخابرات السوفيتية يقولون: "يُنقل عن أحد أعضاء المكتب السياسي (فخري كريم) الذي كان مسؤولاً عن جهاز أمن الحزب عام 1982 قوله: نعم أنا أعمل في المخابرات، ولكن في المخابرات السوفيتية، ثم يضيف الكاتب تبريراً أو اتهاماً "لأنه أي (فخري) يعلم جيداً ان العمل المخابراتي مع السوفيت مباح .. ويضف بأن صاحب مصدر المعلومة "لا يوثق هذه المعلومة، وأين قيلت، وأمام من، وما هي المناسبة؟.
ثم يضيف اتهامات الأخرى مستندة الى ذات المصدر حين يقول: الرفيق، يقصد فخري، كان متعدد الجنسيات في العمل المخابراتي، بداياته مع الدوائر الأمنية العراقية، ثم مع السورية، والبريطانية، والأمريكية...
ويذهب الكاتب في التحليل أبعد، ويضيف مجدداً ومحذراً مصدر الاتهام "ولعل من هذه الاقوال ترتب مسؤوليات قانونية، ناهيكم عن مسؤوليات أدبية وسياسية خصوصاً اذا كانت بهذه العمومية وربما السذاجة أحياناً.".
ويستدرك على النحو التالي: "وفيما يتعلق بالحجج التي يسوقها هي أن عضو المكتب السياسي المذكور استقبل القنصل البريطاني في مكتب الحزب بدمشق في اوائل الثمانينات، والثانية زيارته للولايات المتحدة مع وفد من المعارضة وتصريحاته التي أثارت جدلاً كثيراً حول موقف الحزب الشيوعي ابان إحتلال الكويت وترجيحه الخيار العسكري، وقبل ذلك زيارته الى المملكة العربية السعودية.". انتهت الى هذا الحد وصف الحالة، والرد والأسئلة حولها أيضاً.
ضابط أمن الحزب؟!!!
*** حول كل ما تقدم، نقول: لا نريد تجنب الحديث عن فخري، فقد قيل عنه وحوله كلام كثير ولغط أكثر، وما كان لهذا اللغط أن ينشأ لولا أن هناك خللاً فعلياً في الحياة الحزبية أصلاً، عند نشوء الضجة، وقبل أن يكون ذلك نتيجة خلل في سلوك الشخص المعني بهذا.
كان فخري أكثر من عادي، عندما كان الحزب على أرض الوطن في بغداد، وفي فترة ما في أوائل الستينيات كان موضع اتهام وضعه في عداد المشبوهين حزبياً.
وقد طـُرح لاحقاً موضوع سلامته الأمنية، من قبل طرف صديق للحزب، وكانت تتضمن اتهامات خطيرة، وقد أبلغ عزيز محمد بهذه الاتهامات من ذلك الطرف ذاته، ولكن الأخير لم يتخذ اجراءً، ولم يطرح الموضوع على اللجنة المركزية، ولا على مكتبها السياسي، وهذه اساءة للشخص المتهم وللحزب أيضاً، اذ لا يجوز أن يبقى انسان تحت طائلة الاتهام.
أن قوة فخري في ضعف اللجنة المركزية، ووقوع الهيئات الحزبية تحت تأثير المناطق التي تشتت فيها، حقاً ان سلوكه الشخصي والحزبي بحاجة الى مراجعة نفسية واجتماعية، من أجل الوقوف القريب عليه، وإن الذين حوله من العاملين في الصحافة الحزبية يقولون بأن لديه عقدة نقص في التعامل مع الحزبيين، وبصفة خاصة المثقفين منهم، وحيث يسعى الى تحويلها، أي العقدة، الى محاولة انتقام من المثقفين، الذين يعملون معه، ولكن بعض هؤلاء مازالوا يواصلون العمل معه مهنياً وحزبياً، وفي توافق يصعب علينا تفسيره، انها مراوحة بين الحميمية والعداء غير المعلن بوجهه.
وهو في ذات الوقت يحاول الاقتراب من الأجهزة الخاصة؛ إشتراكية كانت أم غيرها، متجاهلاً التوصيات الحزبية بهذا الصدد.
ويُلاحظ نسجه للروايات عن اختراقه للأجهزة الأمنية هنا وهناك، وينقل من حوله بأنه أرشى موظفين أمنيين في مناطق عدة من خلال الهدايا، في البلدان الاشتراكية وغيرها.
وقد يبالغ فخري في سطوته على الثقافة العربية، والعراقية عامة، ومنها الكردية بصفة خاصه، ان ما يهمنا في هذا المجال، هو نقد أية محاولة لتضليل بعض الكتاب بالمعني السياسي للموقف، لأن بعض المهرجانات تصب في محاولات دعم الاحتلال، وان انفاق الأموال من باب أولى أن توجه الى الشعب الكردي المكافح، ان سد جوع فقراء كردستان أحق من بعثرة اموال الشعب على مهرجانات استعراصية بائسة، وغير حقيقية، وأقرب ما تكون الى رقصات موت على أشلاء أبناء شعبنا؛ من دهوك الى البصرة، مروراً بغداد المستباحة عنوة، والتي تقاتل وترافس حتى وهي مذبوحة، على أيدي كل أصناف المرتزقة ومحترفي الدجل.
ان شراهة بعض مثقفي الاحتلال وبخلهم، وهنا أقصد المعني الوضعي لكلمة "بخل" جعلت منهم قططاً متوهبة وهي ذليلة على لحوم قد تعرف أنها بشرية أو لا تعرف، وهكذا كان المشهد في اربيل، أن مثقفي العار لا يرون من المأساة العراقية الا فوائد العقود الباذخة من نفط العراق، وقبل ذلك من دم العراقيين، ومنهم أيضاً من يحث الخطى في محاولات تجديد عقودهم الباذخة، ولكن هذا البذخ يُقطع من أفواه الجياع.
وبهذه المناسبة نسأل بعض الكتاب من الأشقاء العرب الذي لبوا دعوة فخري للتفرج على العراقيين في محنتهم الكبرى، ألم تشعروا بأنكم تُسوقون للاحتلال، وتخدمون مشروعاته الاجرامية في العراق؟!.
ونخص البعض منهم بهذا السؤال، لأن السواد الأعظم من الحاضرين ينطبق عليهم القول: "لا ضراً جنيت ولا نفعاً"، وإن أدب التخاطب يلزمني مع من كانوا في يوم ما في عداد الأحرار الى الاكتفاء بطرح هذا سؤال آخر عليهم: هل يطمح رجال الكلمة الذين ذهبوا الى العراق بدمقراطية وحقوق انسان من النوع العراقي لشعوبهم؟!.
وبعد كل هذا لماذا يستغرب البعض من ادعائه العمل في أجهزة الأشقاء، وللأمانه أقول انني لم أسمع منه مثل هذا الادعاء، ولكنني لا أستغربه مثل هذا الادعاء منه، فبعد الترويج المهوس للبيرسترويكا، تبجح في أربيل مؤخراً حول تبدل العالم والقناعات في العراق الجديد والعالم الجديد... مبروك.
في عام 1982 قال لي عزيز محمد: "لقد تم اختيار فخري كريم لتولي المهمة (أي الجهاز) في المنطقة العربية، وأنت في الخارج، وسألت عزيز: "هل تم ابلاغ فخري بذلك؟. قال: نعم.
وقد أخبرت عزيز بأن هذا الشخص ذاتي وأناني، ولا يصلح لمثل هذه المهمة الحيوية للحزب، وعلى بقية الرفاق تتمت ما حصل من خلال تجاربهم الملموسة مع فخري بمن فيهم عزيز.
وهناك ملاحظة أخيرة، أرى أن من الضروري أن تـُطرح، وهي نشوب حالة من الهوس الأمني عند بعض أعضاء ل. م. خاصة من أصحاب الشهادات العليا.
ربما يـُفرض أو يـُشجع ذلك جو العزلة في جبال كردستان العراق، حيث انتعشت البطانات تحت ذريعة المتابعة الأمنية، ومثل هذه الأجواء قد تنتعش أيضاً في السجون، وفي المهجر، وحتى في حالات الاحساس بالاسترخاء الأمني، وان كان ذلك الاسترخاء مجرد حالة وهم عابر، ولم يحصل ولو لمرة واحدة، أن عرض عضو في ل. م. مهاراته الأمنية على سكرتير الحزب، وقال له السكرتير: لا.
القنصل البريطاني أو غيره
وبصدد لقاء فخري مع القنصل البريطاني، نقول من حيث المبدأ نحن نثق برفاقنا في كل المستويات الحزبية، ولكن لقاءات من النوع المشار اليها يجب أن تكون بتكليف من الحزب، اذا كان طلب اللقاء من جانبنا. واذا فـرض ضيف نفسه على رفيق، وهو في مكتبه او مكان معلوم يكون التصرف طبيعي، وفي غاية اللياقة، والوضوح، والثقة بالحزب والنفس.
ان حياة المناضلين تقوم على أساس الثقة الواعية والدقيقة، والا كيف نثق برفاقنا عندما يقعون بيد جلاد، أو في ايدي أجهزة العدو، ولا نتجاهل هنا ملاحظة الفارق في ظروف الحالتين، وعلى الرفيق أن يضع الحزب في صورة أي اللقاء، وفق تقاليدنا المعروفة لجميع الأعضاء.
وفي هذه النقطة تحديداً، وليس دفاعاً عن فخري، ولا يمكن لأحد أن يضعني في هذا الموقع، لأسباب موضوعية وتاريخية معروفة، أقول لما كنّا نتحدث عن وقائع ماضية، يجب أن يقول المرء ما لديه بأمانة، ودون الأخد بنظر الاعتبار الأهواء والمواقف الشخصية، ولا حتى كيف يُـوظف سرد الحدث.
لقد تصادف وجودي في الشام، مع طلب القنصل البريطاني للقاء مع ممثلي الحزب، في مكتب الحزب في دمشق، والذي يقع خلف جامع الكويتي بالميسات، وكان المكتب تحت ادارة فخري في حينها، وقد طلب الأخير رأي وموافقة سكرتير الحزب عزيز محمد قبل أن يلتقي القنصل، وبعد اللقاء قدم فخري تقريراً تفصيلاً للحزب حول لقائه مع القنصل البريطاني، وقد قرأت التقرير بحضور عزيز وفخري معاً.
أما زيارة الولايات المتحدة الامريكية، والتي جاءت في وقت التحضير للعدوان على العراق، وكانت تستهدف العدوان المباشر والمعلن على بلادنا، أقول هي عار شخصي، اذا كانت بقرار منفرد، وهي عار شخصي وحزبي، اذا كانت بقرار حزبي، لأنها تعني وضع اليد مع الغازي، وتمثل تشجيعاً مخجلاً له، ان لم تكن أبعد مما يذهب اليه خيالنا. وبعد الاحتلال بانت العملية بأكملها، وإنكشفت حالة تورط قيادة الحزب الشيوعي البريمري في هذا العار.
كلمة عن الجهاز
كما قلت لا يوجد عندنا في الحزب جهاز أمن بالصيغة المطروحة، أو كما يروج لها، يوجد لدينا جهاز صغير، ولكنه فعال في بعض المراحل والأحداث لصيانة الحزب، ومن المفترض الا يتداخل عمله مع عمل لجنة التنظيم والرقابة المركزية، التي هي بدورها لا يخلو عملها من بعض النواقص والثغرات.
لقد توليت هذا الجهاز بالمفهوم الدقيق الذي أطرحه الآن مرتين في حياتي الحزبية، وفي المرة الثانية بقرار من المكتب السياسي للحزب في كردستان، وفي أحد المراحل وبعد قرار تنسيبي للجهاز مباشرة، طلب مني باقر عضو م. س. أن أختار نائباً.
وذكرت له صعوبة المهمة، لأن مثل هذه الأجهزة قد تحمي الحزب، وقد تدمره، ومن أجل التأكيد أكرر بأن هذه المهمة كانت من أجل دعم العمل الأنصاري، ومن خلال زج الأشقاء في ميدان تدريب المناضلين في الخارج، وارسالهم الى الداخل، ولكن ليس عن طريق كردستان، ولنا تجارب مهمة في هذا الميدان، أنظر مقالنا حول نعي المناضل عضو ل. م. هادي أحمد علي.
http://www.rezgar.com/m.asp?i=856
وهنا لا أنكر ان هذا الحقل من العمل الحزبي، قد تعرض في بعض الفترات الى حالات من فقدان الوزن، وتحول الى جهاز ضد الحزب نفسه، خاصة في المهجر، وذلك نتيجة لغياب قوة القرار الحزبي، وترهل القيادة، واختلال القيم، بل وتحول الجهاز الى أجهزة، تقوم على الولاءات المتخلفة والرعناء.
وعن الأشقاء
من الصعب الان الاحاطة بالكم الهائل من المواد المنشورة في هذا المجال، وناهيك عن الرد والتصويب عليها كلها أو بعضها، لأن الكتابة في مثل هذه الحقول تتطلب الاحاطة بالموضوع المطروح، والأمانة في التعامل مع الأحداث والأشخاص، الثقة العالية بالنفس، والتحرر جهد المستطاع من النوازع الكيدة، والاخلاص للقضية العامة، التي ناضل جميع الشيوعيين الحقيقيين من أجلها على الدوام، وهذا الى جانب قوة الملاحظة، والمقارنة، والتحليل، والتركيب، والاطلاع الوافر حول محيط اية معلومات ومصادرها.
لم يكن الحزب الشيوعي العراقي حزبا يتجاهل اراء ومقترحات الحزب الشيوعي السوفيتي، وفي الوقت نفسه لم يكن مصدر معلومات للأخير، وبديهي في أمر شائك وموضوع شائك من هذا النوع، يفرض على أن أتناول الأشياء في إطارها العام.
ومن أجل الا نغرق في الكلام، وفي حدود المشاهدات والذاكرة، أقدم الان تجربة ملموسة وموثقة، قد توضح شكل العلاقة بين الجانبين، ولا أقول ان الحزب يعارض دوما الحزب الشقيق، ولكن في العديد من الحالات كانت هنالك معارضة كاملة.
في الوقت نفسه هناك بعض الحالات التي يرى فيها بعض الرفاق ان العلاقة مع الاتحاد السوفيتي اصبحت شأناً داخلياً، وبهذا المعنى يرون أن موقف الاتحاد السوفييتي كدولة وكحزب يأثر في اتجاه الشأن الداخلي العراقي.
من الناحية المبدئية لا ينبغي لمخابرات الدول الاشتراكية أن تجند عملاء من اعضاء الأحزاب الشيوعية، وهذا مبدأ معترف به رسمياً، وكذلك من جانب الأحزاب فانها ينبغي عليها أن تطرد الأعضاء الذين يجندوا في المخابرات الاجنبية، بما فيها أجهزة الدول الاشتراكية، ولكن هذا الموقف المبدئي لم يلتزم به تماماً، كما أظهرت أراشيف الدول الاشتراكية، التي رفعت السرية عن معلوماتها ووثائقها، كما حصل وظهر في تشيكوسلوفاكيا السابقة وألمانيا وبلغاريا والاتحاد السوفيتي السابق وبولندا وغيرها.
كاتب صحفي يعرف الحقيقة
أتناول ما قاله الأخ حميد عبد الله الذي ردّ من حيث لا يقصد على الموضوع الذي نحن بصدده، أشار في معرض نقده لستالين، كيف أن ستالين حرم على الأجهزة السوفيتية تجنيد الشوعيين الأعضاء في الأحزاب الشيوعية الأخرى في أجهزة المخابرات السوفيتية، والرجل مشكوراً ذكر هذه الحقيقة في معرض في معرض نقده لستالين.
قال بالنص:" لا نأتي بجديد إذا قلنا إن ستالين كان دكتاتورا ومستبدا، وانه اختزل شعوب العالم بالطبقة العاملة، واختزل الطبقة العاملة بالحزب الشيوعي، واختزل الحزب الشيوعي باللجنة المركزية، ولخص اللجنة المركزية بالرفيق الأمين العام وبالتالي فانه كأمثاله من أباطرة الأحزاب الثورية اختزل الشعب والقضية والماضي والحاضر والمستقبل بشخصه! غير إن ستالين عبر عن احترامه لعلاقة الرفقة بين الشيوعيين مع اختلاف أصولهم وجنسياتهم وانحداراتهم وقاراتهم وسلالاتهم، ومن بين أوجه الاحترام التي عبر عتها الرجل الفولاذي انه اصدر أوامر مشددة لأجهزة الأمن والمخابرات السوفيتية بان لا تجعل من أي شيوعي من غير السوفيت جاسوسا أو عميلا للمخابرات السوفينية لسببين اثنين أولهما لكي يظل الشيوعي مناضلا وسياسيا له كرامة تتناسب مع الأفكار التي يحملها، وثانيها انه اراد أن يدحض النظرية القائلة بان الشيوعيين في جميع أرجاء المعمورة هم عملاء للاتحاد السوفيتي وان السماء اذا أمطرت في موسكو فان الرفاق الشيوعيين يرفعون المظلات في جميع المدن التي يعيشون فيها وربما انطبق هذا المثل على الشيوعيين العرب أكثر من انطباقه على أي من شيوعيي العالم!".
*** .ان هذا الرجل المستقل خلصني من ذكر هذه الحقيقة على لساني، وان تجاهل جزءً من توصية ستالين، وهي في الأساس مبدأ لينيني، يُحرم أيضا على الأجهزة في الدولة السوفيتية التنصت على القيادة لأن في ذلك خطر جسيم، قد يخلق مراكز نفوذ، وقد تُستخدم الأجهزة القمعية في الصراعات الحزبية والسياسية.
تجدر الملاحظة هنا، أن "ستالين" لم يتقيّد الى نهاية الشوط بالسياسة اللينينية، في هذا المجال الشديد الأهمية، وكان لقائد الثورة الصنية "ماوتسي تونغ" الفضل الأول، في تشخيص هذه الظاهرة، حين قال: "أن ستالين ارتكب أخطاء فادحة لم يدركها.".
ولكن من جانب آخر، كان هجوم "نيكيتا خروتشوف" أمين عام الحزب الشيوعي السوفيتي لاحقاً على ستالين، كان انتقامياً، وتعامل بطريقة خاطئة، متجاهلاً أن ستالين هو أيضاً قائد أممي، أمره يهم شعوباً وأحزاباً أخرى، وليس الشعب والحزب السوفيتيين وحدهما، وهذا ما طرحته الأحزاب الشيوعية، خاصة في غرب أوروبا.
حول العلاقات الأممية
تشن في الوقت الراهن حملة قوية معادية للشيوعية في معظم الدول العربية والاسلامية ومنها العراق بصفة خاصة، وهذه الحملة لا تقتصر على أعداء الشيوعية التاريخيين وإنما يساهم فيها شيوعيون سابقون، وهؤلاء بدورهم ليسوا من صنف واحد، بعضهم بدوافع نزيهة ومخلصة، وأغلبهم بدوافع يعوزها الاخلاص، في أكثر الأوصاف حيادية، كما أن مضمون الحملة ليس كله يجانب الصواب، فبعض الشيوعيين العراقيين قدموا مبررات للطعن بالحزب لكل من هب ودب، سواءً كان وراء ذلك دوافع نزيهة أم لا.
وأخطر مبررات الطعن أن جناحاً قيادياً من الشيوعيين العراقيين انزلق في اللعبة الأمريكية، التي اقامت مجلس الحكم، وما اعقبه من ممارسات خاطئة وسيئة تسعى الى ايصال البلاد الى الحرب الأهلية الفعلية، من خلال اعادة انبعاث المذهب الامبريالي سيء الصيت - فرق تسد - وإغناء مضمون هذه الممارسة الاستعمارية بكل أنواع الأصباغ الراقية الصناعية، وحيل وبراعة الاعلام، وقوة وسطوة ونفوذ المال الحرام.
إن قطاعات واسعة من الناس بدأت تتنبه الى اللعبة الامبريالية، ولم يعد الكفاح ضد الاستعمار مهمة الشيوعيين بالدرجة الأولى وفقط، ولعل مظاهرات المزارعين والمسلمين والشيوعيين في الهند في بداية مارس/اذار من العام قبل الماضي ضد زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، كانت خير دليل على اتساع قاعدة القوى التي تقول: لا للظلم. وأعطت اشارة قوية على بداية مرحلة جديدة من النضال المشتركة بين دوائر واسعة من القوى السياسية والاجتماعية في ظل العولمة الامبريالية الجديدة.
رغم ان الامبريالية مازالت تعيش نشوة الانتصار الساحق على الشيوعية الرسمية في الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الاشتراكية الدولية، الا أن شبح الشيوعية بات من جديد يجوب، ولكن هذه المرة ليس في أوروبا فقط، بل في كل قارات العالم، وان عاد الى المستوى الذي وصفه كارل ماركس في كتابه "البيان الشيوعي".
وهنا لا بد من القول، اذا كانت كومونة باريس قد عاشت 70 يوماً، وثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى 1917 عاشت 70 عاماً، فان النصر القادم للطبقة العاملة سوف يكون دائماً.
ومن أجل ذلك ينبغي تذكر قول لينين دائماً، بأن على الطبقة العاملة أن تحرر نفسها بنفسها، في كل بلد في العالم، وفي هذه الحالة، وفي ظل النصر الجديد المرتقب، سوف تكون الطبقة العاملة قد تسلحت بكل أخطاء الماضي، بما فيها تجربة انهيار المنظومة الاشتراكية.
إن الحرب على الشيوعية لم تنقطع، ولكنها تمر بهدنة تكتيكية من أجل ان تتفرغ واشنطن وتوابعها لحرب اخضاع الشرق الغني بالخيرات، وعلى الرغم من أن هذه الحرب إتخذت أسماء متعددة: الحرب على الارهاب، الحرب الصليبية، الحرب على الاسلام السياسي، الحرب على المسلمين، الحرب على انتشار أسلحة الدمار الشامل، حرب تعميم الديمقراطية وحقوق الانسان، حرب الحضارة ضد الوحشية، وعناوين فرعية أخرى مثل: حرب تحرير العراق، سوريا، ايران، الخ... ولكن كل هذه العناوين والحيل سوف تظل عاجزة عن اخفاء الطابع الجشع والبشع لعولمة اليوم، وسمات التفرد الأمريكي فيها.
إن الحرب الإمبريالية الراهنة بعناوينها الرئيسية والفرعية، هي حرب الهيمنة على العالم بأسره، بما فيه أوروبا والصين والهند وروسيا، وهنا لا توجد ضرورة للإشارة الى الأطماع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرهما.
في هذا الحيز الضيق، لا أريد أن أتناول كل اتجاهات الحملة المعادية للشيوعية الظاهر منها المستتر، فهي واسعة ومتنوعة تاريخاً وجغرافياً ونوعياً.
علاقاتنا بالسوفيت تحديداً
أتوقف اليوم أمام جزء من نقطة واحدة، وهو علاقة حزب الشيوعيين العراقيين بالاتحاد السوفييتي، وقول العلاقة مع الاتحاد السوفيتي بحد ذاته يثير الكثير من الأسئلة عن طبيعة علاقة الحزب الشيوعي العراقي؛ هل هي مع الاتحاد السوفييتي ككل؟. أم مع الدولة السوفيتيه؟. أم مع الأجهزة السوفييتيه؟ ام مع الحزب؟.
كما أن هذه العلاقة بعد تحديد نوعها، تطرح أسئلة حول بدايتها، والى ماذا هدفت؟. ومن نهض بها؟. وماذا حققت؟. وأين أخفقت؟. وما هو عمقها؟. ووو... الخ.
وقد انحدر البعض في وصف العلاقات الأممية الى درجة الاتهام بالعمالة، والبعض الاخر رسم عنها صوراً كاريكاتورية، والكل يعلم أن هكذا أوصاف لا يليق اطلاقها على حزب تعرض للإجتثاث عدة مرات، وعلى ايدي محلية، وأجنبية، وحزبية داخلية، وعلى الرغم من كل هذا ظلت جذوره ضاربة في التربة العراقية، لأنه كان حزب الوطنية العراقية الحقة، على الأقل قبل أن يتعرض الى انزلاق نفر منه، أو من أحدى تياراته أو اتجاهاته الى عار العملية السياسية الرعناء الجارية في العراق، والتي بدأت في العلن، من اليوم الأول الذي وافقت فيه أطراف عراقية، تدعي أنها اسلامية، وقومية، وللأسف يسارية أيضاً، على عقد اجتماعاتها تحت اشراف مؤسسات أجنبية، لا تُشرف من يقترب منها، مجرد اقتراب فقط، ناهيكم عن العمل تحت ادارتها ولخدمتها.
ان العلاقة انطلقت من روح وجوهر النظرة الأممية، وقد عرفت الحركة الثورية والعمالية العالمية عدة أمميات، وقد تشكلت كجبهات لتنسيق النضال التقدمي العالمي ضد الاستعمار، ومن أجل بناء الاشتراكية.
وبعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية العظمى، وتأسيس الكومنترن للتنسيق بين الأحزاب الشيوعية، التحق الحزب الشيوعي العراقي بالكومنترن في وقت لاحق بعد التأسيس كأحد الفصائل الأممية.
من القواعد الثابتة عند ح. ش. في الاتحاد السوفييتي توجد قاعدة تحرم تجنيد العملاء للأجهزة السوفييتية من أعضاء الأحزاب الشيوعية.
ولكن من مسؤوليات أكبر الأحزاب الشيوعية في العالم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، الذي يحكم دولة عظمى، ويقود منظومة دولية، أن يقدم المساعدة للأحزاب الشيوعية مثل تزويد تلك الأحزاب ببعض المعلومات التي تحصل عليها أجهزته خاصة، والتي هي في بعض الحالات، وربما في أغلبها، أكثر مقدرة على الوصول الى مصادر المعلومات من الحزب الشيوعي في البلد المعني.
في بعض الحالات نلاحظ أن الأشقاء السوفيت يعرفون أكثر مما نعرف عن بعض الملموسيات الخاصة في بلادنا، وهذا أمر طبيعي أن تعرف موسكو أكثر مما نعرف، لأنها قوة دولية، وتستطيع أن تجند من نعجز نحن عن تجنيدهم، لحماية الحزب والوطن ككل، نعم هناك شيوعيون في كل أجهزة الدولة العراقية، وفي كل الفترات، ولكن هؤلاء أعضاء في الحزب، وهذا لا يشكل اختراقاً، فكل ما في حوزة أعضاء الحزب، هو في حوزة قيادته ومنظماته ذات الاختصاص، وينبغي ألاّ يذهب خيال البعض الى الاعتقاد أننا نتحدث هنا عن شؤون تتعلق بمعرفتنا في خصائص شعبنا، أو طموحاته، أو طرق خلاصه من الظلم والعدوان، أننا نتحدث هنا تحديداً عن بعض الأمور ذات الطبيعة الأمنية داخل الحكومات، وهي التي يعرفون عنها أكثر منا في بعض الحالات.
ان الحماية الحقيقة للحزب تتوفر عندما نخترق الأجهزة المعادية بهدف معرفة خططهم من أجل حماية الحزب، وهذه الاختراقات ملكاً مطلقاً للحزب، وليس للأشقاء في أي حال من الأحوال، ولا أظن أن الدولة السوفيتية كانت بحاجة الى معلومات ذات طبيعة مخابراتية، أو تُسلم لهم بطريقة مخابراتية أو غير مخابراتية.
طبعاً لو كانت لدينا أية معلومة تخص او تهدد البلد السوفيتي لما حجبت من جانب حزبنا عنهم، وأعتقد أيضاً من جانب أي حزب شيوعي آخر، وهذا يتعلق بوحدة المصير، ويكفي أن نرى ما حلّ بالشعوب العربية بعد أنهيار الاتحاد السوفيتي.
نعم نحن في فترات مختلفة حققنا أختراقات مهمة لحماية الحزب، وهنا لا أعني مثلاً الضباط وقواد الفرق والوحدات الذين كانوا أعضاء في الحزب، بل خارج هذا النطاق.
وبحدود معلوماتي أن أعلى اختراق حققناه، وبهذا المفهوم المطرح، كان على مستوى مدير أمن عام في فترة ما، هذا مع احتكاكات مهمة في جهات أخرى، وتوخياً للدقة نقول: قد يذهب الظن الى مدير الأمن العام الذي أعدم فاضل البراك، ونؤكد بأن هذا الرجل لم نصل إليه، وليس لنا أية علاقة به. وقد يأتي اليوم الذي يعلن اسم الرجل الذي خدم الحزب والشعب من خلال منصبه.
وبديهي أيضا لضمان الصلة بين الحزب الشقيق أن تكون هنالك وسائل لتبادل الرسائل، من الدعوات للمؤتمرات الى كل الشؤون الأخرى السياسية والدراسية وحتى العلاجية.
وحسب النظام الداخلي للحزب المعتمد منذ أيام الرفيق فهد، لا يجوز الاتصال بالسفارات الأجنبية دون موافقة الحزب المسبقة، وكذلك الحال بالنسبة للأجهزة الأمنية المحلية منها والأجنبية.
مثال ملموس في التعامل المشترك
هنا أطرح مثالاً آخر، على طبيعة العلاقة مع الاشقاء السوفيت، في التطبيقات العملية، ففي فترة الاعداد لما عرف بالعمل الحاسم، أرسل الحزب الشقيق أحد قادته العسكريين، لمعرفة التحرك، والتطبيق الملموس لسياستنا المقرة حزبياً، وهي العمل الحاسم من أجل الوصول الى السلطة، حيث بات احتمال قرب مجيئ الشيوعيين الى السلطة في العراق قائماً.
إلتقيت الموفد السوفيتي في السفارة السوفيتية في بغداد، بعد أن اعتذار عزيز محمد خلال لقائه مع الموفد، معللاً ذلك بعدم معرفته باسرار القضايا العسكرية.
طلب الموفد العسكري السوفيتي تفاصيل حول العمل الحاسم، فقلت له: "هذه اسرار عسكرية"، وقال: "ولكني جئت بموافقة سكرتير الحزب"، قلت له: "سكرتير الحزب لا يسأل عن الأسرار العسكرية".
ولكنه سأل عن قضايا دقيقة، تدل على أن لديهم معلومات غاية بالدقة والتفصيل، حول وضع الحكومة العراقية، ووسائل حمايتها لنفسها، حيث سأل عن الاذاعة في أبي غريب، وقال: "تودع الكاربونات التي لا يمكن الارسال من دونها يومياً في القصر الجمهوي"، ويبدو أنه لا يعرف أن لدينا كاربونات احتياطية، وقد حصلنا عليها من حزب شقيق آخر، وهو الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، الذي كان أكثر تفهماً لاهتمامات حزبنا.
أتفهم التساؤل والاهتمام السوفيتيين بالعمل الحاسم، وذلك لأن هنالك نقطة أخرى في السياسة الدولية العامة، يمكن أن تختصر على النحو التالي؛ العراق يقع في منطقة غاية في الحساسية، ولا يمكن للغرب أن يبرأ الاتحاد السوفيتي من المسؤولية المباشرة لو وقع أنقلاب فيه على غرار أفغانستان.
وبصدد الاذاعات
وبالمناسبة، وبصدد الاذاعات لدينا تجارب عديدة تتعلق أهم تلك التجارب بالحصول على مواد أحتياطية للاذاعة الحكومية في أبي غريب، والاذاعة الخاصة بالعمل الحاسم، واذاعة الانصار في كردستان.
ولكن قصة الاذاعة الاحتياط لها معنى خاص، وهي بالأساس تطوير لجهاز لاسلكي جلبه الرفاق من معسكر الرشيد، وهي تعكس مسار الخط البياني لمسيرة الحزب في النهج الثوري ونقيضه، فقد تم ادخال الاذاعة الصغيرة الى بغداد كأحتياط للاذاعة المركزية - اذاعة أبي غريب - ووضعت في الداودي ببغداد، في بيت الرفيق المعلم سليم الناشيء.
ولكن بعد أجهاض فكرة العمل الحاسم، وفي أحدى حملات الاعتقالات ضد الحزب، أعتقل الرفيق الناشيء، وعندما دخل الأمن الى بيت هذا الرفيق، فتشوا جميع الغرف، وكانت أحداها مغلقة، وطلب الامن فتحها (وطبعاً هذا حصل في الأيام الأخيرة قبل قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين الشيوعيين والبعثيين) وقال أهل الدار، هذه غرفة آرا، كسر الأمن الغرفة، ووجدوا الاذاعة.
وما كان هذا ليحصل لولا الاهمال، حيث طلبت من الرفيق بهاء الدين نوري اخلاء الاذاعة بعد أجهاض العمل الحاسم، ولكن اتضح أن الرفيق لم يعر المسألة الاهتمام المناسب.
وتصادف اكتشاف الاذاعة في وقت كنت فيه مع الرفيق كريم أحمد عضو المكتب السياسي للحزب في المجر بزيارة للحزب الشقيق، وقد طلب مني الرفاق عدم العودة الى بغداد، الى أن تتم تسوية الموضوع.
كم هو الفرق شاسع بين الاستعداد للعمل الحاسم، وتوفير الأجهزة الضرورية لذلك، وبين أن تذهب تلك الأجهزة هباءً؟!.
وهذا من مؤشرات التراجع في حركة الحزب ودوره وآماله، ان الزمن لا يتوقف، ولا ينتظر التحليلات النظرية المجردة والكسولة، وان للثورات أبواباً تـُفتح، وتـُغلق وفق حركة اجتماعية ينبغي أن تقاس بدقة، وحذر، و ببصيرية ثورية، وثقة متبادلة مع الجماهير، تلك الجماهير التي تعطي الكثير، ولكنها لا ترحم من يخذل آمالها، وتطلعاتها، وأهدافها، وخبزتها.
الدورات الحزبية عند الأشقاء
جاء السؤال فيما يتعلق بالدورات الحزبية على شكل مقدمة تهدف الى إطلاق أحكام ليس ضد قيادة الشيوعيين أو بعضها بل حتى ضد العضوية الجيدة في الحزب ان صح التعبير.
نقول منذ تأسيس الحزب بدأ بارسال دورات الى موسكو، وقد شملت القادة المؤسسين؛ الرفاق فهد وعاصم فليح وسلام عادل وكل القيادة ومعظم الكوادر.
وبعد نشوء المنظومة الاشتراكية بدأ يرسل الحزب أعضاءه وكوادره الى الدول الاشتراكية الأخرى.
كما أن موسكو وبقية العواصم الاشتراكية تدرب قادة وكوادر الأحزاب الشيوعية في المدارس الحزبية، وتضم بعضهم حسب طلبات أحزابهم الى دورات خاصة بصيانة الأحزب من الأجهزة الخاصة المعادية، سواءً لدولهم أو من خطر شبكات التجسس الدولية، وتقدم لهم المعلومات حول الاستراتيجية العسكرية، اضافة الى الدراسات الجامعية والأكاديمية لدعم دول العالم الثالث، وحركات التحرر بصفة خاصة.
وهناك عدة أنواع من الدراسات؛ منها الدراسات الحزبية، والدراسات الأكاديمية بكل مراحلها، الى جانب التعليم البوليتخني، وكذلك الدورات الحزبية بكل أنواعها.
ويمكن أعتبار عام 1955 البداية الحقيقية للدراسات الجامعية في الدول الاشتراكية، فمن المجموعات الأولى التي وصلت الى تشيكوسلوفاكيا السابقة للدراسة كان حسين العامل وأحمد كريم ومفيد الجزائري وآخرون، وهؤلاء عرفوا لاحقاً بجماعة الاذاعة، حيث عملوا في القسم العربي بالاذاعة التشيكوسلوفاكية، وطبعاً مجموعة الاذاعة تستحق حديثاً عنها مطولاً بسبب التطورات اللاحقة، وباتجاهات شتى لأفراد هذه المجموعة.
وبدأت الأعداد تتزايد سنوياً الى أن وصلت تلك الأعداد في آخر وجبة قبل أنهيار المنظومة الاشتراكية الى 250 دارساً، أكثر من نصف هذا العدد توجه الى الاتحاد السوفيتي.
وفي مجال الدراسات الحزبية، وهو كان الحقل المستهدف أكثر من غيره في التناول أو الاتهام في الفترة الأخيرة، وهو أي الزمالات الحزبية تضم طيفاً غنياً من التنوع على الأقل من ناحية الفترة الزمنية، والتي تبدأ من دورة لمدة شهر واحد الى نيل الشهادات الجامعية الحزبية العليا؛ الدكتورا والجامعية الأولية، وقد تخرج على سبيل المثال من هذه الدورات: الراحل ماجد عبد الرضا، ومهدي الحافظ، وحميد مجيد موسى وغيرهم.
والى جانب هذا، توجد دورات في الاستراتيجبة العسكرية لمدة عام واحد، وكانت جميع هذه الدورات تصب في مجرى عنوان واحد عريض، وهو المساعدة من جانب الأشقاء من أجل المساهمة في اعادة بناء الحزب، بعد الضربة الموجعة التي تعرض لها، وأدت الى تصفية قيادته بما فيهم سكرتير الحزب الرفيق سلام عادل، وتتضمن الدراسة تجربة الحزب الشقيق التشيكوسلوفاكي أبان الاحتلال النازي.
بعد 1963 قوّمت الأممية حزبنا، بأنه حزب مناضل ينبغي دعمه بكل الوسائل، وقد كُلّف الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي بتولي هذه المهمة، أو المسؤولية.
ومن جانبنا كحزب جرى اختيار كلاً من الرفاق: حسين سلطان وثابت حبيب العاني وأنا لوضع خطط عملية لاعادة بناء الحزب من جديد، وكنّا في المدرسة الحزبية في موسكو في حينها، مع عدد غير قليل من الرفاق القياديين، ووكان مسؤول الحزب في تلك الفترة الرفيق عبد السلام الناصري (أنور مصطفى)، وهو عضو مرشح للمكتب السياسي قبل 8 شباط 1963م . وأعلن بعد تعرض الحزب لمحاولات التصفية بما فيها الجسدية بعد الانقلاب، كناطق رسمي بأسم الحزب، كُـلف هولاء الرفاق الثلاثة بادارة مهمة اعادة بناء الحزب، وارسلوا الى براغ من موسكو، وكان ظنهم، أنه سوف يـُنظم ارسالهم الى الوطن عبر براغ، ولكن الرفاق التشيك اقترحوا عليهم البقاء بعض الوقت لاطلاعهم على التجارب العملية الواسعة للحزب الشقيق في العمل السري، وفي خلال ذلك عكسوا خبرتهم أيام الاحتلال النازي لبلادهم لنا، وتواصلت الدورات في هذا المجال لاحقاً لأعداد متزايدة من الرفاق.
وفي هذا الوقت، اي بعد نهاية الدورة المذكورة أعلاه، كلفت بمسؤولية جهاز صيانة الحزب، وهذا التكليف تطلب بقائي بعد انتهاء الدورة التي استمرت لمدة عام، الى البقاء لمدة شهرين ونصف، دخلت خلالها في دورة أخرى للدراسة العسكرية، لدراسة الخبرة المتراكمة عند الأشقاء في مجال عمل حزب شيوعي سري داخل الجيش وعموم القوات المسلحة.
وكان الغمز واضحاً في المقالات التي اطلعنا عليها للدورات التي تتعلق بصيانة الحزب بصفة خاصه، وهي دورات تتراوح بين شهر واحد وثلاثة أشهر، والغاية منها رفع يقظة الكادر الحزبي، ورفع مستوى اطلاعاتهم ومعلوماتهم عن عمل الأجهزة المعادية للشيوعية، وهي ليست دورات تابعة للـ (KGB)، إنما هي ذات الدورات التي يتدرب عليها أعضاء الأحزاب الشقيقة، وليس أجهزة الأحزاب الشقيقة.
وهنالك ملاحظة عامة حول جميع الدورات الحزبية، ان الهيئات الحزبية المسؤولة لا تتحدث مع الرفيق الذاهب أو الموفد الى أية دورة حول مضمونها، وتنحصر الارشادات الحزبية بضرورة الالتزام بوصايا الحزب التي تعرف بـ "وصايا حزبك اليك"، المعروفة للجميع، والمثبتة في النظام الداخلي للحزب، وهي قصيدة شيوعية جميلة بكل المعايير الانسانية، قبل الحزبية، ومعها دعوة عامة للاستفادة من تلك الدورات لخدمة نضال الحزب.
ولا بد من الاعتراف أنه في بعض الحالات يكون سبب ارسال هذا الرفيق أو ذاك، هو استغلال الدورة لمعالجة رفيق مريض، وكان الأشقاء ينزعجون من هذا التصرف، ولكنهم يتفهمونه، ويأخذون بنظر الاعتبار ظروفنا القاهرة.
سؤال ام إتهام؟ وكان أحد الأسئلة في هذا الصدد قد صيغ على النحو التالي، وندرجه نصاً: (وكما يتردد منذ اواسط الثمانينات، فإن الجهاز عاد تحت قيادة آرا خاجادور بعد المؤتمر الرابع باتفاق مع قيادة عزيز محمد - فخري كريم - حميد البياتي، وقام بإرسال عدد من المتدربين الى موسكو والدول الاشتراكية للتدريب على اعمال بسيطة مثل تفكيك الشيفرة والمراسلات بحبر وادوات خاصة واستخدام اللاسلكي وامكانية الزوغان من ايدي العدو والاحتراس من اندساس القوى الامنية وغيرها. ولكن في تلك الفترة ذاتها اصدرت مديرية الامن العامة كتاباً بعنوان "دور المعلومات والخبرة الامنية في متابعة الحزب الشيوعي العراقي"، بقلم النقيب عبد العزيز عبد الصمد عبد الغفور (نيسان /ابريل) 1987 وقدّم له عبد الرحمن الدوري (مدير الامن العام) تضمن معلومات حول: الكتابة السرية والبريد الحزبي والشيفرة والرموز الحزبية اضافة الى صور ومعلومات عن القيادات الشيوعية، وكأنه رد على جهاز امن الحزب.).
إن هذا السؤال أو بالأحرى الاتهام قد صيغ للإيحاء بضعف أمانة أعضاء الحزب المشاركين بمثل هذه الدورات، هذا كما لاح لنا على الأقل، وربما لا يشاركنا القارئ هذا الانطباع.
نقول من موقع المسؤولية لا أحد من الذين شاركوا في الدورات الحزبية ظهر في أجهزة الدول الاشتراكية، التي نشرت بعد انهيار تلك الأنظمة، وأن الذين تعاونوا مع تلك الأجهزة؛ أي الأجهزة الأمنية في الدول الاشتراكية، كانوا من جميع الأحزاب، ومن الطلبة والديبلوماسيين العرب وغير العرب، وعدد محدود جداً من الشيوعيين، سواءً كانوا عراقيين أو غيرهم.
وأضيف في هذا المجال بأن تدريب الرفاق لم يتضمن فك الشفرة أو غيرها على غرار محترفي العمل المخابراتي، وانما انصب الجهد على كيفية اتقاء جهود ونشاط الأجهزة المعادية، ورفع اليقظة الثورية عند الرفاق، وكذلك انصب الجهد الاساسي الى المهارات ذات الطبيعة الفنية، مثل الارسال الاذاعي، وكان لدينا ثلاثة رفاق، ثلاثتهم من منظمة بريطانيا، وقد تدربوا على صيانة الأجهزة الاذاعية، وقدموا خدمات جليلة في المجال الاذاعي، بعد تدريبهم في براغ، وقد عرفوا في أوساط الأنصار بالرفاق الانكليز، لاستخدامهم اللغة الانكليزية في الاشارة الى أسماء بعض أجزاء الاذاعة، وكانوا ليس عوناً للحزب فقط، بل وللأصدقاء في الأحزاب الأخرى.
ان التعاون مع أية جهة مخابراتية محلية كانت، أو اشتراكية، أو رأسمالية، وهو عمل لا يشرف الصفة الحزبية، وهو عمل غني عن التعريف، ولا يمكن للضالع فيه أن يدعي بأنه كان يجهل ما يفعل.
إن العلاقات مع الأحزاب الشقيقة تختلف شكلاً ومضموناً عن تلك العلاقات المشبوهة، وهنا لا ننكر وجود خروقات في مجال التجنيد من جانب الاشقاء، ومن الرفاق الأفراد، ولكن هذا يحصل على نطاق ضيق جداً، ولا أعتقد أن الانحراف الى مستوى العمل مع أجهزة الدول الاشتراكية مسألة مشرفة للرفيق المعني، أو الدول الاشتراكية، أو الهيئات الحزبية المتواطئة ان وجدت.
وبديهي أن الذين عملوا مع أجهزة الدول الاشتراكية السابقة حصلوا على بعض الامتيازات، التي لم يحصل عليها الآخرون، ممن هم في نفس ظروفهم الاعتيادية، أي من ناحية العمل أو الدراسات أو جميع مبررات الوجود في الخارج، وان قسم من هولاء المتعاونين من كل الاوساط السياسية والفكرية والمهنية حصلوا كما عرفنا في وقت لاحق على أموال وهدايا وبيوت وغير ذلك.
وهؤلاء لم يستخدموا ضد أبناء جلدتهم فقط، وانما استخدموا ضد مواطني الدول التي استضافتهم. وتجدر الاشارة هنا أن أعداداً كبيرة من أجهزة الأمن العراقية، وضباط الجيش قد تدربوا في الدول الاشتراكية، كما في الدول الرسمالية، وهم ليسوا بحاجة للتعلم من أي شيوعي عراقي خان أمانة حزبه، أو عقيدتة الماركسية، وقبل هذا وذاك خان شعبه، كما شاء السؤال الإيحاء به. أعتقد انني أدليت بتفاصيل قد تشبع فضول الفضولي الاعتيادي، وحتى من هو أكثر من ذلك، كما أظن، ولم يبق أمام أصدقاء الحزب وأعدائه الا أن يطلبوا منا قوائم بأسماء جميع الرفاق الدارسين في المنظومة الاشتراكية؛ أكاديمياً وحزبياً وعسكرياً، وربما حتى هذا لا يشفي فضولهم "العلمي".
وأخيراً، اذا اعتبرنا الدراسات الحزبية والعسكرية لا تخدم الا المصالح الذاتية للحزب الشيوعي العراقي الحقيقي، فمن حقنا، أن نقول بصدد الدراسات الجامعية عبر حزبنا في الدول الاشتراكية، بأنها كانت جامعة عراقية اضافية الى جانب شقيقاتها العراقية في كل في بغداد والموصل والبصرة وغيرها من الجامعات العراقية في خدماتها للوطن والمواطن، وللثقافة والعلم العراقيين.
نعم نسأل الرفاق السوفيت ولكن...
أحاول أن أقدم بعضاً من نماذج العلاقة مع الحزب الشقيق، وكما هي عادتنا لا نتحدث اعتماداً على الذاكرة وحسب، كما يفعل الجميع دون استثناء حتى يومنا هذا مع الأسف، فنحن إما نقدم وثيقة، أو نذكر شهوداً أحياء، كما جرت العادة في كل ما ننشر.
وحين نسأل الأشقاء لسنا ملزمين بأخذ وجهات نظرهم، ولكن من الغباء أن تتوفر ثقة وعلاقات عقائدية نزية مع قوة عظمى، تتوفر لديها وسائل اطلاع تفوق قدراتنا بلا مقارنة، ولا نستغل مثل هذا الفرصة، على الأقل للتعرف على ما لديهم، في حالة وجود معلومات خاصة عندهم، وقد سألناهم رأيهم بدعوة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكان أدناه الجواب، وارجو قراءته بروح التحليل الموضوعي، والرغبة في التعرف الحقيقي على جوهر العلاقات بين الطرفين؛ السوفيت ونحن.
ملاحظة :ـ
ان الترجمة المرفقة من الروسية الى العربية قام بها د.(س. ر.). ونعرب عن استعدادنا لإرسال النسخة الأصلية باللغة الروسية الى كل من يريد، سواءً للإطلاع، أو لتدقيق الترجمة، أو حتى لأمر في نفس يعقوب.
كنّا في المرات السابقة نعيد طباعة الوثائق الى جانب نشر النسخة الأصلية، ولكننا لاحظنا أن المواقع التي تستضيف الوثائق تستضيفها لفترة قصيرة، وبعض المواقع العراقية ليس في متناولها أمكانية نشر الوثائق المرفقة، ولذلك نتعهد بإرسال أية وثيقة نشير اليها، الى كل من يطلبها وفي الحال، بما فيها الوثيقة التي ننشر ترجمتها الحرفية أدناه.
وكما يلاحظ القارئ العزيز، أن الرسائل من هذا النوع تكون خالية من اسم وعنوان المُرسل، وكذلك المرسل اليه، وحتى دون ذكر تاريخ كتابتها، كجزء من اسلوب الاحتياط من احتمال وقوع الرسالة، أو الرسائل بيد غريبة، أو غير معنية. الرسالة أدناه تعود لعام 1988م.
رد الرفاق السوفيت
"لقد درسنا باهتمام طلبكم المتعلق بطلب صدام حسين الذي هُز نتيجة لاشتداد مصاعب نظام الحكم كما يبدو. وهذا الطلب ليس دون أساس، وفي الوقت نفسه لا نستبعد كلياً أن هذه الخطوة ترمي الى هدف، وقد تكون القيادة العراقية مضطرة الى تصحيح سياسة المواجهة مع الشيوعيين والقوى التقدمية العراقية الأخرى.
وهنا نتساءل، كيف يمكن التعامل مع مبادرة صدام حسين، وما إذا كانت غايته جدية؟.
وفي هذه الحالة، من الواضح أن علينا أن نقيّم ما إذا كانت هذه الخطوة تؤدي الى إمكان تحسين وضع الحزب الشيوعي العراقي وكل القوى الديمقراطية العراقية.
وإذا كانت هذه الخطوة تكتيكية، ويمكن أن تكون كذلك، فعلينا أن نعمل ما يلي:
أن لا نعطي عذراً لامكان إلقاء اللوم على الشيوعيين في فشل هذا الحوار، لأنهم لم يكونوا قادرين على الإفادة من هذه الفرصة، ولوكانت ضئيلة في تحسين الوضع في البلاد.
وفي كل الأحوال، علينا أن نبرهن على أننا جاهزون للحوار الجدي في كل المجالات التي تكون في صالح تنشيط الحزب الشيوعي. وبالطبع فإن عليكم أنتم أن تتخذوا القرار بشأن الحالة التي أمامكم.
ونحن نعتبر أن تحليل الرفاق لجميع الجوانب الملموسة في الوضع الحالي يمكن أن تؤدي الى جواب صحيح يستجيب لمصالح القوى التقدمية في العراق."
تعليق آخر على رسالة السوفيت نقل الرفاق السوفيت في عام 1982 رسالة من الحكومة العراقية تدعو للتفاوض مع الحزب والقوى الكردية، وأعرب الرفاق عن استعدادهم للوساطة بين الجانبين، ولكن الطلب رفض من جانبنا على الرغم من التحبيذ السوفيتي للفكرة.
وتجدد الطلب من جانب الحكومة عشية نهاية الحرب مع ايران، ولكن هذه المرة ليس عبر السوفيت بل عبر الرفيق مكرم الطلباني، وقد سبق أن نشرنا في عام 1990 رسالة الى اللجنة المركزية للحزب حول تفاصيل الإلتفاف على القرار الذي إتخذته ل. م. ولجنة الاقليم والكوادر الموجودة في مقر الحزب في كردستان بالاجماع بقبول المفاوضات، وتزامن قبول المفاوضات مع بدء مفاوضات السلام العراقية – الايرانية.
طبعاً كان تقدير الجميع عرباً وأكراداً وتركماناً والأطياف الأخرى بأن النظام سوف يستدير علينا بعد نهاية الحرب وفي معركة غير متكافئة.
قبلّ الجميع وساطة مكرم، نحن والحزبان الكرديان؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال الطلباني.
وعقد العزم على عقد اللقاء في أحدى الدول الاشتراكية، ولكن السوفيت اعتذروا عن إستضافة اللقاء هذه المرة، ربما احتجاجاً على رفض وساطتهم السابقة التي ربما كانت ستنطوي على شروط أفضل لو جرت في ذلك الوقت لاعتبارات عديدة غير خافية على من يريد أن يحلل ظرف طلب الحوار.
بتكليف من الحزب ومن عزيز محمد طـُرحت موضوع الاستضافة على الرفاق التشيك، وكان الجواب ايجابياً وسريعاً.
واستضافت براغ الوسيط مكرم الطلباني، والسكرتير الحزب عزيز محمد، والسيد جلال الطلباني، أما السيد مسعود البرزاني فقد اعتذر لأن ظرف خروجه عبر ايران في ذلك الوقت كانت صعبة جداً، وقال السيد البرزاني "أنا متفق مع كل ما تتفقون عليه".
كان اجتماع براغ مثمراً للغاية، وتوصلنا الى بيان مشترك يحمل تصوراتنا المشتركة، وأرسل البيان مع الرفيق عبد الرزاق الصافي الى الشام للنشر.
وفي الشام انقلب الرفاق على أنفسهم بقدرة قادر، ولا أعرف على وجه الدقة تلك القدرة، ولا أريد هنا أن أضع الاحتمالات القريبة من الواقع، لأنني قررت منذ عام 1990 أن لا أقول كلمة واحدة عن أي حدث دون وجود وثيقة، أو شهود موثوق بهم، خاصة بعد أن استسهل الكثيرون قول أعقد القضايا دون علم أو معرفة، لأن مثل هؤلاء ليس همهم الرئيس خدمة الشعب من خلال الأمانة في حمل ونقل المعلومات وتقديمها الى المتخصصين، والى أبناء الشعب، أو انهم معنيون بتقديم تجربة شريفة، ونزيهة للأجيال الجديدة، إنما همهم السعي الى المصالح الهزيلة، وطرح أنفسهم وكأنهم رجال إستثنائيون وأفذاذ.
مُنع البيان المشترك من الصدور، ولم يصل الى المواطنيين وأعضاء الحزب، وفي اجتماع اللجنة المركزية في ألمانيا الديقراطية السابقة، بقيت وحدي بين الحاضرين في ذلك الاجتماع أدافع عن سياسة عامة للحزب، والتي إختاروها الرفاق بالاجماع ودون اكراه من أحد في كردستان.
وهذه ليست أول مرة خلال تلك الفترة التي تُصادر فيها بيانات حزبية أو وطنية. وجرى التنازل عن فكرة أن الحوار السياسي نضال سياسي.
وهكذا بقدرة قادر تحول اليمين الى يسار متطرف، وهم الذين حولوا الحزب الى ذيل لهذا الحزب أو ذاك، لينتهوا الى خلية بسيطة عند أياد علاوي وغيره، وباتوا نزلاء دائمين في المنطقة الخضراء، يخافون شعبهم، ويتمتعون بأموال ودماء العراقيين تحت حماية حراب المحتل، الذي لا نعلم متى يبصق في وجوههم، أو يرميهم كمنديل ملوث بعد أن يجد من هم أكثر منهم جدارة وجسارة في خدمته وخدمة مشاريعه، خاصة من شيوخ القبائل ورجال الأديان العملاء؛ الشرطة السماوية في الأرض.
ومن محاسن الصدف، أن النسخة الأصلية للبيان المذكور، والذي لم ينشر موجودة في حوزتي، وقد قررت بعد إستشارة عدد من الرفاق قبل فترة طويلة، أن أطلق سراح البيان ليرى النور، ولو بعد حين، من أجل خدمة الحقيقة، وكما يعلم الجميع أنني أخذت على نفسي عهداً مُعلناً بنشر الوثائق التي في حوزتي لمساعدة الحزب ومناضليه، ومن أجل أن تبقى هامات الشهداء عالية، وتاريخ الحزب ناصحاً، قبل أن يُدنسه ريش بعض دجاجاته.
وربما يعلم بعض الرفاق أن انشغالنا في هم الاحتلال لم يدع الكثير من الوقت لمثل هذه المهمات على أهميتها.
وبصدد الوساطات أيضا أرى من المناسب الاشارة الى انها طـُرحت عبر أوساط عديدة معنية بتطورات الوضع في العراق، ومن أبرزها كانت وساطة الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي نقل رسالة بهذا الصدد من السيد طارق عزيز، والذي هو سجين الاحتلال حالياً، وقد سبقت الاشارات القادمة عبر الرفيق مكرم الطلباني من حيث التاريخ.
موظفو العلاقات الخارجية للأحزاب الشقيقة
بديهي أن تكون للأحزاب الشيوعية الحاكمة أقسام للعلاقات الخارجية مع بقية الأحزاب الشيوعية، والتي يبلغ عددها عدد دول العالم، وحتى أكثر في حالة وجود أكثر من حزب واحد في بلد واحد، ولا يعقل أن يرافق كل رفيق ضيف رفيق مثل مرتبته الحزبية خارج البرنامج الرسمي للزيارة، وهنا لابد للأحزاب الشقيقة أن تستعين برفاق لها، يمكن أن نسميه متخصصيين بالواجبات الاجتماعية للضيوف، وبديهي أيضاً أن يكون الى جانب المترجمين رفاق يعرفون لغة الضيف، ويحملون صفات حزبية وسياسية، ويمكن القول أن فلان متخصص في شؤون العراقيين، وذاك في شؤون الكوبيين ... الخ.
لقد كان الرفيق (نيجكين) مكلف بمثل الواجبات أعلاه، ولكنه أيضاً هو ديبلوماسي روسي، وعمل لفترة طويلة في العراق، وبحكم عمله لعقود طويلة في ادارة الشؤون العامة للضيوف العراقيين بات معروفاً لهم ومعروفين له، ولكن في الحالتين لا يتجاوز واجباته، فهو ليس موظف عند العراقيين لا هم عنده، هذه هي حدود العلاقة، ولكن البعض يحاول عرضها بطريقة مضخمة للاساءة للطرفين؛ للروس والعراقيين معاً، ومن ثمة للشيوعية ككل.
طبعاً، لمست أن بعض رفاقنا يضخمون دور أشخاص من أمثال الرفيق نيجكين، من باب خلق الوجاهة الفارغه لهم، هذا أمر قد يحصل، وفي حينها ومن أجل وضع الأمور في نصابها أطلقت على الرفاق من الأحزاب الشقيقة العاملين في الأقسام الخارجية للجان المركزية تسمية (إمطلعجية)، وهذه مهنة تطلق في بغداد على الموظفين العاملين في دائرة الجمرك، والذين يقومون بالوساطة لإخراج بضائع التجار، ويختصرون عليهم الجهد والوقت.
ولا أنكر هنا، أن هؤلاء (الموظفين) قد ينشأ عندهم فضول بحكم طبيعة مهماتهم، وأحياناً بحكم العلاقات المديدة مع الضيوف، قد تدفعهم لتناول الوضع السياسي في روسيا، أو في بلد الضيف، وفي الغالب تدخل مثل هذه الأحاديث في باب الفضول الانساني، وربما الذين عاشوا في أوروبا يتفهمون ذلك بصورة أدق، حيث يحصل أن يتعرف الانسان على صديق من بلد ما، ولم يكن هذا البلد ضمن اهتماماته، ولكن بفضل التعرف على أحد مواطني ذلك البلد يزداد أهتمامه بالبلد المعين، ويمكن تصور وضع انسان أجنبي عاش في العراق لسنوات طويلة، وإن مهنته تتعلق بالعراق والعراقيين أوغيرهم في بلاده، فلا غرابة في أن يعرف الكثير من المعلومات العامة عن العراق.
ويحصل أحياناً أن يكلف مثل هؤلاء الموظفين ـ كما أظن وليس على وجه اليقين ـ بطرح سؤال قد لا يرغب حزبه بطرحه على المستوى القيادي المباشر، مرة رافقنا "نيجكين" عزيز محمد وأنا الى مطعم موسكو، وسأل عزيز عن سبب رفض الوساطة السوفيتية عام 1982 في مجال المصالحة، وكان جواب عزيز على النحو التالي: "هذا قرار اللجنة المركزية." وسكت نيجكين. مازلت أحتفظ بهذا السؤال في ذاكرتي، وأعتبره رداً غير مباشر، لتوضيح سبب عدم استضافة اللقاء حول المصالحة في موسكو، الذي حمله مكرم الطلباني، وعُقد في وقت لاحق في براغ.
لماذا سطع نجم فهد
وجاء في عرض أو نقد كتاب (سفر...) ما نصه: "فإن خزندار يريد العودة الى تراثه الاصيل بقيادة "فهد" زعيمه التاريخي الذي أعدم عام 1949 كما يقول، وما عدى ذلك ليس سوى تخبط على صعيد الفكر والممارسة، خصوصاً منذ نحو خمسة عقود من الزمان، ناهيكم عن الأوصاف التي يطلقها على قياداته بغالبية أعضائها الاساسيين. ولعل خزندار يعرف ان فهد تعرّض هو الآخر لانتقادات شديدة من جانب قياديين بسبب نهج عبادة الفرد والتسلط وازدراء المثقفين.
ويضيف الكاتب : "وكنت آمل من الدكتور كاظم حبيب والدكتور زهدي الداوودي معالجة هذا الموضوع في كتابهما القيمّ الذي صدر بعنوان "فهد والحركة الوطنية العراقية"، إذ لم تعد النظرة القدسية والتمجيدية..." *** من حق الكاتب أن يتسأل عن سر المكانة التي احتلها فهد في قلوب رفاقه وأنصاره، خاصة من تلمس منهم عن قرب الخصائص القيادية، وحتى الشخصية لفهد.
تميز فهد بأنه قائد في الحركة الوطنية قبل أن يصبح شيوعياً، وهذا وفر له أمكانية رائعة للدمج ما بين الوطني والطبقي.
فهد هو وحده بين الشيوعيين الأوائل كان يدير تنظيماً حقيقياً، وباعتراف الرفيق زكي خيري، فقد كان مع الرفيق "أبو يحيى" رفيقان: شريف الشيخ ويوسف متي، ومع الرفيق نوري روفائيل رفيقان أيضاً.
أن الرفيق فهد القادم من الموصل الحدباء، ومن قرية "تلسقف" تحديداً، عاش حياة الكادحين عن قرب في البصرة والناصرية وبغداد أيضاً.
ومن بواكير نضالاته، أنه ساهم في الاضراب عن العمل في الأول من آيار عام 1918م ذلك الاضراب الذي نهض به عمال (الدوكيارد) في البصرة؛ أي عمال تصليح السفن العائدة لشركة بيت لنج الاجنبية، وكان هذا الاضراب بشكله التضامني البسيط، معبراً عن وعي طبقي جنيني ضد استغلال الشركات الأجنبية، وبالشعور الوطني ضد الاجنبي المحتل، وقد كان لمساهمة فهد في هذا الاضراب، وهضمه أبعاده الوطنية والطبقية تأثير كبير علي شخصيته ووعيه المبكر. وتواصلت مساهمات فهد في اضرابات عمال الميناء في البصرة، احتجاجاً على ظروف عملهم الشاقة، وسوء احوالهم المعيشية، واضطهادهم من جانب المحتلين، وقد لعب (فهد) العامل في (قسم الكهرباء) ورفاقه من خلال اتصالاتهم الدائمة بالعمال دوراً حيوياً في خلق حركة عمالية حقيقية في الميناء، ولعب ذات الدور في تحرك عمال السكك الحديدية، الذين طالبوا بتأسيس نادٍ لهم، ولكن طلبهم رفض مما عمق عندهم الاحساس بالاضطهاد، وغياب العدل. أن فهد جدي، وثقف نفسه بنفسه، وتعلم لغات أجنبية خاصة الانكليزية والفرنسية، وكانت المنشورات التي يرسلها العمال البريطانيون داخل البضائع المرسلة للعراق قد عمقت وعيه الطبقي في وقت مبكر، وكانت تلك المنشورات أحد مصادر تعرفه على الفكر الماركسي.
فهد ليس فقط رجل شجاع وذكي، وانما إنساني للغاية في حرصه على رفاقه، ومن الظلم أن يوسم بالتسلط والاستبداد، فهد كان يوصي الرفاق بعدم التشهير بمن يتعرض لعقوبة حزبية حتى أمام هيئته الحزبية، التي إتخذت العقوبة.
ويكفي فهد فخراً بصدد مرونته وواقعيته، موقفه من عاصم فليح بعد أن لم يُظهر عاصم القدر المطلوب منه في التحدي أمام السلطة الحاكمة في العراق، وظل فهد يكن له الاحترام على دوره السابق، وما قدمه للحزب والشعب، ولم يسمح فهد بأي انتقاص من الراحل عاصم فليح.
وكذلك موقف فهد من مالك سيف، فعندما جلبوا له السيد مالك سيف بعد أنهيار ارادته، ليقول أمام فهد، بأنه هو الذي كلفة بالقيادة بعد إعتقاله، وان فهد هو الذي وقع عضوية عدد من العسكريين في الحزب، وطرح أسراراً أخرى، استغلتها الحكومة العميلة لاصدار قرار أعدام فهد، كان رد فهد في منتهى الأدب الشيوعي حيث قال: "إن مالك لم يقل هذا بإرادته.".
إن فهد لم يسع للقيادة، بل هو أقدم على التطوع في الفيلق الأممي، وقد أخبرني الرفيق نقولا الشاوي في عام 1960 بموسكو، بأن فهد توجه لدعم الثورة الأسبانية، وكان برفقته نوري روفائيل، وكان الحزب الشيوعي اللبناني يُنظم إرسال المتطوعين العرب عبر الحزب الشيوعي الفرنسي، ولكن الكومنترن طلب التحاق فهد بمدرسة كادحي الشرق في موسكو، وكانت المدرسة والحزب الشقيق يهتمان بالعمال بالدرجة الأولى، وعلى هذا الأساس ذهب نوري الى باريس، وفهد الى موسكو.
وجاء قرار الكومنترن بعد الاشعار الذي وصله من الحزب الشيوعي اللبناني، ويفيد بأن الاثنين القادمين من العراق؛ أحدهما عامل والثاني مثقف، فطلبوا العامل للدراسة، وهو الرفيق فهد، وواصل نوري رحلته الى باريس.
ولقد إلتقيت بالرفيق نوري روفائيل في بغداد بعد ثورة 14 تموز 1958 حين طلب الاتصال بالحزب، ولكنه إشترط على الرفيق حكمت كوتاني، الذي نقل طلبه الى الحزب، أن يُرسل اليه اما زكي خيري أو آرا خاجادور، وكان ما يشغل اهتمامه هذا السؤال: لماذا ذهب هو الى باريس، وفهد الى موسكو؟.
ولم يكن لدي جواب على سؤال نوري في ذلك الوقت، الى أن إلتقيت بالرفيق نقولا الشاوي القائد الشيوعي اللبناني، الذي عبر عن اعجابه بالرفيق فهد، وسجاياه الثورية والوطنية، وحبه للتعلم، وأشار الى طلب الرفاق في موسكو لتحويل وجهة سفر فهد، وقد أبلغ الرفاق اللبنانيون فهد بذلك الطلب.
خط آب نهج عام وليس موقفاً فردياً
لا يمكن دراسة هذه التطورات على نحو فردي دون الأخذ بنظر الاعتبار ما حصل في حركتنا الشيوعية العالمية، بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، والطروحات التي انتشرت حول التعايش السلمي والتطور اللارأسمالي، وغير ذلك من التطورات السياسية والاقتصادية والعلمية ـ التقنية، وعلى الصعيد النظري، وفي العلاقات بين المعسكرين؛ الاشتراكي والرأسمالي.
انني أقدم في هذا المجال الواسع والمعقد، هذه الملاحظة كقاعدة أساسية لحديث تفصيلي لاحق في هذا الصدد، لأن ما يشغل اهتمامي، هو نقل الموضوع من مجرد تصورات وأفعال شخصية، الى حالته العامة التي لا تتجاهل دور الأفراد، ولكنها تضع القضية على قدميها، وعلى هذا الأساس أطرح الآن عنوان القضية على الأقل.
سوف أتناول هذا الموضوع في وقت قريب لاحق، ويقوم هذا التناول على أساس محاولة عكس تطور الظاهرة في محيطها العام، وكذلك سباحة الأفراد في محيطها، ومتى ظهر الخط، وكيف تطور، وتنامى، وانتهى، وكذلك حركة أفكار الاشخاص القياديين بصدده صعوداً ونزولاً.
حول العمل الحاسم
وبصدد العمل الحاسم، لابد من التأكيد على أن هذه المسألة قد شغلت اهتماماً واسعاً، وموضعاً متقدماً في انشغالات الرأي العام، وفي أوساط الشيوعيين بصفة خاصه، وهذا أمر مشروع للغاية، ولتبرير النقص في المعلومات حول العمل الحاسم، يمكن القول لحد ما: ربما لم يتوفر الوقت المناسب للمساهمين في هذا الفعل الثوري للحديث عنه كما ينبغي، وبما يشبع أهتمام المعنيين والمراقبين.
وفي أجواء الخيبة والانحسار قلما تجد من الرجال والنساء من يحافظ على تماسكه الثوري، ويحافظ على الموضوعية، وعلى العدل في النظر الى الأحداث والأشخاص والأدوار، وكثيراً ما يجد المرء رجالاً يعوضون هزيمتهم أو خيبتهم بالنيل من الآخرين، وهذا موقف يختلف عن المنهج الثوري في فضح خونة الشعب والمتأمرين عليه، لا عيب في الانحراف يساراً كان أم يميناً، العيب كل العيب في الخيانة الوطنية، والعيب أيضاً في الذاتية المفخمة، واختراع الأحداث، والكذب على التاريخ.
وبعد أن أصبح للهزيمة تاريخ مديد، بدأ فيضان الاعتداء على كل شيء أمر مباح، ولكن ليس على طريقة أو بحلاوة وطراة وذكاء شهرزاد، فلا غرابة في عصر لا يخجل فيه أشباه الرجال من توسل المحتل على البقاء في بلادنا، وأن يُطعن العمل الحاسم أوغيره، وكأنهم يريدون محو كل مجد في ذاكرة كل القوى الثورية العراقية دون استثناء، وهنا لم يعد من وجهة نظرهم فرق بين يسار ويمين لأن المستهدف الكرامة وعزة النفس، حتى بالمعنى الفردي أو الشخصي للكلمة.
طبعاً سأقدم ما لدي عن العمل الحاسم، على الأقل في الوقت الراهن بخطوطه العامة، ولكن أبدأ بطرح ما رأيته غريباً جداً جداً، وأثار استغرابي أكثر لأنه أسقط سلعة الطائفية والعرقية الرائجتين اليوم على مرحلة لم تعاني مما زرعه العملاء اليوم، او على الاقل أولئك المناضلون كانوا أرفع هامة من هذا البلاء، ونحن سوف نتناول الامراض التي ضربت الحزب في مرحلة متأخرة ضمن عواملها الموضوعية، والتي هي نتاج عوامل عدة على أية حال، أو هكذا نعتقد، وان الحالات الفردية الحاصلة، سوف تكون موضع ملاحقة من جانبنا بمعني العلمي لتحليل السلوك والمفردات اللغوية والتصرفات وغيرها.
لا أطرح أي قدر من سوء الظن فيما أتناوله الآن، ولكن في أعلى درجات الحيادية أقول أن هذا الكلام متسرع بحد ذاته، خاصة في اطلاق أحكام خطيرة على أشخاص لم يعد في امكانهم الدفاع عن أنفسهم، ولم تقدم لنا وثائق مكتوبة، نحن نقدمها حتى في قضايا أقل شأناً، نحن مثلاً نتهم المشاركين في العملية السياسية بأقذع الأوصاف والاحكام لأن لدينا ألف دليل، بما فيها تلك التي تأتي على لسان أبطال الخيانة الوطنية.
حول الجواهري وعامر عبد الله
وهنا لا أطلب توضيحاً من أحد حول ما أشيرعن رفض عامر عبدالله اسناد رئاسة الجمهورية في العمل الحاسم الى الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. أقول ان هذا الكلام المنسوب للرفيق عامر عبد الله بصدد الموقف من ترشيح الجواهري لرئاسة الجمهوية من قبل رفاق العمل الحاسم، هو كلام عار عن الصحة تماماً، ولا أعرف كيف تم إختلاقه، حيث من الأصل لا يوجد في العمل الحاسم منصب رئيس جمهورية، وانما الخطة كانت على غرار ثورة 14 تمور 1958 وهي أقامة مجلس سيادة من ثلاثة أشخاص.
إن أية مراجعة لمجمل مواقف عامر وعلاقاته، تدل على أصالته الوطنية والأممية، بغض النظر عن التحليلات السياسية، وأين تصب يساراً أو يميناً، وأنه لم يُعرف عنه أنه أصيب بمثل هذه الأمراض التي تدفعه للاعتراض على تعين الجواهري، هذا فضلاً عن أن العلاقة بين المعنيين في غاية الصداقة والود.
ان الجواهري يحتل مكانة عظيمة في الابداع الشعري، ولكن من قال بأن الجواهري اداري جيد، نعم ورد اسم الجواهري ضمن التداول حول تشكيل الوزارة، وقد طرحت أنا اسم الجواهري كوزير للثقافة، تأسيساً على تجربة توليه لقيادة لجنة الدفاع عن الشعب العراقي عام 1963م. في براغ.
وقد رحب عامر بالفكرة، ولكنه فضل توليه لوزارة المعارف، وان لم يعترض على تولي الجواهري لوزارة الثقافة، وربما كان قد ذهب أبعد بصدد تعيين الجواهري في المنصب الوزاري، حيث كان يقصد الرد على عزل الجواهري من سلك التعليم، والقصة معروفة خلال الصراع بين المرحومين ساطع الحصري ووزير المعارف العراقي حينذاك عبد المهدي المنتفكي.
لا يمكن انكار أن عامر عبد الله من المجتهدين القلائل، الذين عرفهم تاريخ الحزب على الاطلاق، لا ينبغي التعامل معه، ومع تراثه بخفة وعجالة، تقوم على مواقف وانطباعات غير دقيقة. ان الرفيق هو الوحيد ربما في قيادة الحزب، الذي أكد من دون مواربة وعلناً؛ بأن الثورة لا يصنعها الكهول، وهذا بحد ذاته يمثل دعوة صريحة الى تجديد الحزب، والى ايلاء الشباب فيه عناية خاصه، وما كانت السهام لتُسلط عليه بطريقة قاسية، وغير موضوعية، لولا أنه من الشجرات المثمرة في حزب فهد وسلام عادل وبقية المناضلين.
هنالك حقيقة ظلت دون عناية كافية داخل الحزب الى يومنا الراهن، وهي تتعلق بالهيبة الاجتماعية، والتي لم تأخذ في المراحل الأخيرة بنظر الاعتبار، وكأنها ليست حالة انسانية تدخل في صلب علم الاجتماع الماركسي اللينيني (المادية التاريخية)، وهذا النقص انعكس بمرارة، وبتأثير سلبي على هيبة الحزب ككل، خاصة اذا لم تتطابق هذه الحالة داخل الحزب وفي المجتمع، بمعنى وجود تفاوت كبير بين رأي الناس ورأي الهيئات الحزبية.
الطائفية ومبدأ فرق تسد
طـُرحت أسئلة حول وجود أو عدم وجود طائفية في الحزب الشيوعي العراقي، ولغرض التصدي السليم لهذه الظاهرة الخطيرة التي دبت بقوة مع الاحتلال في نسيج المجتمع العراقي، أرى من الضروري هنا تناول الحالة في المجتمع قبل تناولها في الحرب، وارتباط ذلك بمبدأ "فرق تسد" الاستعماري، حيث لا يترك الاستعمار السلطة الا بيد طائفيين قدر ما في استطاعته، ولا يهمه من أية طائفة، وانه اي الاستعمار يوزع السلطة بطريقة لا تدع مجالاً للتقارب بين فئات المجتمع لأسباب استراتيجية، لأن شعور أية فئة من الشعب بالحرمان، انما يسهل مهمة الاحتلال، أو السيطرة غير المباشرة، ربما هذه الحقيقة غير معروفة لحديثي الخبرة وضعيفي الاجتهاد، وهذه المسألة تتطلب فهماً خلاقاً لممارسة المبدأ الاستعماري "فرق تسد" على الأقل من جانب العناصر الثورية، التي لم تتلوث بعد بطاعون الطائفية.
نعم لا تـُسلم القوى الاستعمارية السلطة في أي بلد يقع تحت سيطرتها الا للقوى الطائفية والعرقية، وفي اتجاهين الأول محلي يضمن لها عدم وحدة الشعب، والثاني اقليمي يضمن لها التلوين المختلف والمتضاد على النطاق الاقليمي، أي أن تترك فواص بين الدول المتجاورة، خاصة في البلاد العربية، والشرق الأوسط بصورة عامة، راقبوا وتابعوا العلاقات بين دول المنطقة، ان ما يحرك هذا المبدأ هو تسهيل أمر السيطرة على الشعوب.
ان التجربة الجديدة في العراق تكشف هذا التخطيط اللئيم، فمن أجل خلق حالة من الاحتقان الطائفي، جلبت القوات الغازية معها زمرة عميلة من لون واحد، بصفة عامة، ووسمت الآخرين بالأقلية بغض النظر عن مدى جدية تلك الأرقام، وتعمدت مهاجمة الآخرين، وإشعارهم بالتهميش واهانتهم، وحتى ارتكاب المجاز ضدهم، وهنالك من استهوته اللعبة الرعناء، ومن أجل تمرير هذه اللعبة استخدمت من القتلة المؤجورين الدوليين 48 ألف مرتزق أجنبي، اضافة الى المأجورين من العراقيين، ويخدم هؤلاء ثلاثة أضعافهم في مجالات الخدمات، من الترجمة الى الخدمة المنزلية. هذا الى جانب الجيش الأمريكي وحلفائه، وجهازي الشرطة والجيش المحليين، وذلك من أجل زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
ولاحظوا ! بعد الحديث الطويل عن الأقلية والأكثرية بالمفهوم الطائفي، أنتقل حديثهم في هذه الأيام الى الحديث عن الطائفتين الكبيرتين، وعن ضعف تمثيل من وصفتهم بالأمس بالأقلية، ولماذا ضعف التمثيل، اذا كان توزيع المناصب، وفق نظام المحاصصة الطائفي ـ العرقي سيء السمة والصيت، والذي فرضه الاحتلال نفسه؟!. انها اللعبة التاريخية لمبدأ "فرق تسد"، وينبغي ادراك هذه اللعبة على الأقل من جانب الأطراف غير الطائفية.
وفي حديث تلفزيون مع مكرم الطلباني بُث قبل فترة وجيزة، قال بالحرف الواحد: "بعد توقيع اتفاقية 11 آذار 1970 م. بدأت الضغوط على الحكومة العراقية والحركة الكردية لتخريب العلاقات بين الطرفين من نفس القوى وفي ذات الوقت". أي ان التفاهم بين الطرفين أو الأطراف العراقية يحرم الأطراف الدولية والاقليمية من امكانية الضغط على الجهتين أو الجهات العراقية المعنية، وتضعف امكانية تدخلهم في الشؤومن العراقية عامة.
هل هناك طائفية في الحزب؟!!!
ينبغي أولاً عدم تجاهل العوامل الموضوعية، التي لا تدخل في باب عدم العدل، أو اللاموضوعية، أو الأمراض الطائفية والعرقية، وإنما تدخل في باب ما يمكن أن نسميه التلامس النفسي، الذي ينشأ من تماثل التجربة، والبيئة، وثقافة لمرحلة ما قبل الانتماء للحزب وحتى بعده، وهناك حالات ينشأ فيها الود من مجرد العيش في مكان واحد، أليس في حياتنا العامة نقول مثلاً عن مجموعة من المهندسين جماعة بريطانيا، أو موسكو، أو براغ لمجرد أنهم خريجو تلك البلدان، ويظهر عملياً نوع من الود بين هؤلاء، ولكن ليس من النوع المريض، الذي يقوم على المحاباة والمخادنة والتخادم وعدم الموضوعية، وعدم احترام مشاعر الأخرين والتعاطف مع رغباتهم.
من الناحية الموضوعية، في بعض المنعطفات التاريخية تلمسنا رعشات ذات بعد طائفي، من هذا الطرف أو ذاك، فالبعض على سبيل المثال بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران بالغ في مدح نهج الامام كما أسلفنا، ولم يركز على التمييز الديني أو الطائفي أو العرقي، وربما تغاضى البعض عن الصراع الطبقي في ايران. ولكن هذا التشخيص انطبق، وفي نطاق محدود، على بعض الرفاق، الذين تربوا تربية ملائية، أو لم يتعمق وعيهم الاجتماعي، أو كانوا يعانون من ازدواج التكوين الفكري، وحتى السياسي. وظهرت عند عدد قليل من القياديين السابقين في الحزب نوازع طائفية واضحة للغاية مع الأسف، وقد كتبنا لواحد أو اثنين منهم رسائل شخصية قصيرة، نتمنى فيها على المعني عدم الانزلاق أكثر، لأن هذه المرحلة عابرة، وسوف يبصق عليها الشعب العراقي بكل مكوناته الرائعة، والمغلوبة مؤقتاً على أمرها.
ونحن نحتفظ بعدد من مقالات هؤلاء من هذه الضفة أو تلك، وورد على بالنا أن نقدم معالجة محدودة بهذا الصدد، ولكن بعد الدراسة، فضلنا الحديث المباشر مع المعنيين، ولاحظنا بعض التحسن هنا وهناك، ولكن عند البعض جاء التخفيف الطائفي، لا بسبب عودة الروح الوطنية، بل بسبب تلمس بعض الاستدارة عند أسيادهم الأمريكيين.
ومازال شعارنا في هذا الصدد: دع الموجة العاطفية الرعناء تعبر، وان شعب العراق سوف يقدم لكل الطائفيين الدروس التي يجري حالياً اخفاؤها عن عمد وقصد، ومن كل الجهات المهيمنة على القرار والمال ووسائل الاعلام.
وقد أظهر بعض الرفاق جهلاً عميقاً بتاريخ وحياة بعض المدن العراقية، التي نالت شتائم فاضحة، من دون وجه حق، وتناولوا بعض التواريخ بنزعة حاقدة، لا تليق بمن ادعى، ولو ليوم واحد، أنه كان شيوعياً، فما هو الوصف المناسب، اذا كان الكاتب قائداً، ربما عزاؤنا الوحيد، أنه جاء في زلة زمن الى دوره القيادي، ليس الا، وأنه أجاد مسرحياً فقط دور القائد الشيوعي.
أول تشخيص للأمراض الجديدة
ثبتنا في الوثائق التي طُرحت على المؤتمر الرابع حقيقة أن الحزب يعاني مما تعانيه البلاد من أمراض بما فيها الطائفية، والعرقية، والمناطقية وغيرها، وكان هذا الاعتراف اعترافاً مريراً وجريئاً في ذات الوقت، واذا كنّا نعترف بأن الحزب كيان اجتماعي، علينا نعترف بأن انضمام شخص ما الى الحزب لا يُطهره تماماً من كل الأدران الاجتماعية.
طبعاً كانت عمليات تخليص الرفاق من الأمراض الاجتماعية تولى عناية أكبر في أوقات سابقة، وعلينا الآن أن نضع الأمور في نصابها، ولا نبالغ في هذا الاتجاه أو ذاك، فالقول بأن الأمراض العرقية، والدينية، والطائفية، والمناطقية في الحزب بمستوى المجتمع قول مبالغ فيه، حتى أذا كنّا نتحدث تحديداً عن حزب جماعة مجلس الحكم، وفي ذات الوقت هذا الاستنتاج لا يقف حائلاً امام القول بأن هذه الأمراض موجودة عند بعض الأشخاص بمعدلات أسوء من المستوى الاجتماعي العام.
وأيضاً علينا أن نأخد العوامل الموضوعية بنظر الاعتبار، فاحترام مسقط الرأس مثلاً يُُعد قضية موضوعية، اذا لم يكن ذلك على حساب المبادئ، ولكن الخطر أن يتحول مسقط الرأس، أو الانتماء الفئوي الى كلمة سر للتعاطف غير المبدئي، والتخادم، أو غض الطرف عن الأخطاء والنواقص، وحتى الانتهاكات دون مبرر مشروع.
وهناك خطر آخر، وهو أن تُفسر المواقف على أساس المبالغة في العوامل الطائفية أو العرقية أو غيرها. ان أية مراجعة لإصطفاف القوى في اللجنة المركزية منذ تأسيس الحزب حتى الانتقال الى الكفاح المسلح بعد إنهيار التحالف مع البعث لم تـُُظهر دليلاً يُعتد به على وجود مثل هذه الأمراض كظاهرة عامة.
في سنوات العمل العلني بعد قيام الجبهة مع البعث عام 1973م ظهر خيط رفيع على وجود ما يشبه كتلة كردية، وأخرى من الفرات الأوسط،، انها كانت في واقع الأمر مسحة خفيفة ومحدودة وأقرب ما تكون الى الهاجس مع شيء من المضمون الفعلي، وقد تجسد ذلك ببعض مظاهر التفاخر عند بعض الرفاق، أو حتى أن أحد الرفاق بدأ يحسب أعداد أعضاء اللجنة المركزية من هذه الفئة أو تلك، وفي حالات معينة تجسد في المحاباة والمداراة على طريقة ذوي القربى أولى بالمعروف، طبعاً بالمعنى السلبي للكلمة، ولكن في كل الأحوال هذه الظاهرة السلبية جداً لم تلتهم الرفاق الجيدين والمميزين في اجتهادهم الفكري والتنظيمي والاجتماعي والعلمي أيضاً.
حول دور الجيوش
ومن الحقائق الواضحة في مجال الدراسات الاجتماعية أن الجيوش في الدول النامية، بصفة خاصة، تلعب أدواراً حاسمة، وتعتبر التكوين الاجتماعي الأكثر تنظيماً وانضباطاً، وتمتاز بسهولة وسرعة التحرك والحسم، ويمكن استغلالها لصالح الشعب أو ضده.
وتأسيساً على هذا التصور يمكن القول أو التأكيد على أن الجيوش لعبت أدواراً خطيرة في إختزال تاريخ العديد من الشعوب، ويمكن التوقف عند انقلابات خطيرة في التاريخ الحديث من أهمها انقلاب كمال أتاتورك على السلطنة العثمانية، وانقلاب 23 تموز/ يوليو في مصر، وإنقلاب بينوشت في تشيلي، والقائمة طويلة للغاية؛ سلباً وإيجاباً.
كما أن الجنود والضباط الأحرار ساهموا في الكثير من الثورات العظمى في التاريخ، ومنها ثورة اكتوبر 1917م في روسيا القيصرية. وغني عن البيان أن الأممية الثالثة (الكومنترن) وضعت شرط العمل في القوات المسلحة كأحد الأجزاء الهامة من أحد شروط الاعتراف بأي حزب شيوعي وضمه الى الأممية.
ومن الواضح أن هذا الشرط يعكس موقف قوة صاعدة تطمح الى تحرير البشرية جمعاء، صحيح أن للأممية شروط عديدة أخرى، ولكن وضع شرط العمل في القوات المسلحة بين أحد مكونات أهم ثلاثة شروط، فهذا الأمر يوحي بالأهمية الخاصة لهذا الشأن.
ومن المعلوم أن الكومنترن الذي تأسس رسمياً في موسكو بروسيا سنة 1919م تحت قيادة لينين، وكان يهدف إلى تحشيد القوى الماركسية الثورية، خاصة في البلدان الرأسمالية من اجل الهجوم الثوري ضد الحكومات الراسمالية، وهو يؤكد حاجة ثورة اكتوبر الى دعم الحركة الشيوعية في العالم، كما تحتاج الأخيرة الى دعم موسكو. وفي الواقع فإن الاممية الثالثة بدأت في النشوء منذ ١٩١٤ وكانت ارهاصاتها بارزة قبل ان يُصبح الحزب البولشفي حزبا يقود السلطة بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 وقد حُلت هذه الحركة سنة 1943 خلال الحرب العالمية الثانية. يُذكر أن المؤتمر الاول للأممية قد توصل الى بيان يحدد اهداف الاممية الشيوعية يتضمن الأهداف الرئيسية للأممية، وفي مقدمتها تقف مسألة؛ حتمية قيام النظام الشيوعي.
وفي المؤتمر الثاني للاممية الشيوعية الذي انعقد في سنة ١٩٢٠ وضع لينين شروط القبول في الاممية الشيوعية، وتضم ١٩ شرطاً، و حظت بمصادقة المؤتمر، وقد نشرها الباحثان: د. كاظم حبيب و د. زهدي الداودي في كتابهما الموسوم بـ (فهد والحركة الوطنية في العراق) كملحق في نهاية الكتاب، مع الاشارة الى الطبعة الألمانية، وان لم يذكر الباحثان طبيعة ونوع الترجمة الى العربية، وفي هذا العجالة لم يتسن لنا العودة الى النص في ترجمات أخرى.
من المهم هنا التأكيد على أن شروط الأممية ذات طبيعة كونية عامة، وفي التطبقات الملموسة تـُراعى الفواق بين الدول الواقعة تحت الاحتلال وبين الدول الامبريالية، وأيضاً تأخذ بنظر الاعتبار فوارق التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كل بلد على حده، وعلى هذا الاساس توضع الشروط الملموسة لكل حزب معني، نحن في الحزب الشيوعي العراقي ــ الفرع الأرمني منه، كانت تـُطرح علينا ثلاثة شروط فقط، وهي أعداد الحزب لمعركة التحرر من الاستعمار كشرط أول، وهذا يعني أن كل حزب سياسي يضع الشرط الأساسي أمامه كشرط أول وهو استلام السلطة السياسية وعليه في هذه الحالة أن يعمل داخل القوات المسلحة، والعمل في القوات المسلحة على اعتبارها أنها القوة الضاربة للنظام العميل، ولأننا نعيش في بلد زراعي فتحتل الدعوة الى منح الأرض لمن يزرعها أهمية خاصة كشرط ثان، والشرط الثالث هو الاعتراف والعمل من أجل المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع القوميات صغيرها وكبيرها.
حركة 3 تموز / يوليو
وفي تجربتنا العراقية العامة، هناك محطات مهمة في هذا المجال 1941 و1958و 1963 و1968 كان للجيش اليد الطولى فيها سلباً وايجاباً.
أما ما عُرف بـ (حركة حسن سريع) في 3 تموز 1963 فهي بمعنى ما يمكن اعتبارها تجربة خاصة بنا نحن الشيوعيين، وكادت أن توصل الشيوعيين الى السلطة، على الرغم من كل ما قيل عن أن قيادة الحركة كانت عازمة على محاسبة الحزب الشيوعي العراقي من مستوى عضو لجنة محلية؛ أي لجنة محافظة فما فوق الى اللجنة المركزية للحزب، وفسروا هذا الموقف بأنه محاسبة تاريخية على التقصير في استلام السلطة، وليس عداء للشيوعية أو الحزب الشيوعي.
ان الدعوة الى العمل الحاسم تعني استغلال الجيش للوصول الى السلطة، ولا تعني الانقلاب العسكري المعزول والارادوي أو الصبياني والمتطرف، كما كان هذا المسعى يمثل دراية حقيقة بالواقع العراقي حيث يملك الحزب في ذلك الوقت قوة جبارة في الجيش وعموم القوات المسلحة.
أن قيادة الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ذكرت في أحدى اللقاءات بأنها وهي قوة حاكمة منذ 25 عاماً لا تملك ذات النسبة من الضباط والجنود المنظمين في الحزب.
كما ان الرفاق الذن يقفون وراء العمل الحاسم يعرفون النفوذ الشعبي للحزب والذي لا يمكن تحريكه بالقرارات وانما بالأفعال الحاسمة، ومن خلال القوى المنظمة تنظيماً شبه عسكري، وقد شكل الحزب قوات شعبية مسلحة لدعم حركة الجيش عند الانطلاق، وقد كلف الحزب الرفيق كاظم فرهود بقيادة تلك القوات التي أطلق عليها أسم كودي – "قوات حسين" نسبة الى أسم الرفيق سلام عادل – حسين الرضي، سكرتير الحزب الذي أعدم في عام 1963.
أن العمل الحاسم هو ثورة حزب عميق الجذور واسع الصلات بالجماهير، يدمج في حركة واحدة قواته في الجيش وفي الشارع في ظل نظام متهالك، لم يعد قادراً على مواصلة الحكم.
الانتفاضة الشعبية
أنا لا أقول بأن الرفاق الذي طرحوا فكرة الانتفاضة الشعبية مقابل العمل الحاسم كان هدفهم عرقلة العمل الحاسم فحسب، ولكن المقارنة بين الاثنين تميل للعمل الحاسم، خاصة اذا تأكدت امكانية الانتفاضة فمن المناسب ان تردف الى جانب العمل الحاسم، وان الحديث عن الانتفاضة الشعبية يشكل دعماً للعمل الحاسم وليس العكس.
كما ان التخطيط للعمل الحاسم لم يتجاهل القوى القومية، وجرت إتصالات مع الملا مصطفى البرزاني، الذي أبدى ترحيباً بالفكرة، وهنا نحن لسنا بصدد تقديم تقويم شامل لشخصية الراحل البرزاني، ولكن فقط نعرض ما حصل البرزاني معه حيث أرسل مع الرفيق ستار خضير مسؤول اقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي في ذلك الوقت رسالتين في أسفل كل واحد منها توقيعه الشخصي فقط، واحدة الى قيادة العمل الحاسم، وأخرى الى الاتحاد السوفيتي للاعراب عن تأييده للثورة، هذا بعد مفاتحته بقصة العمل الحاسم.
ان الكونفرنس الثالث شكل انعطافة ضد العمل الحاسم حيث ذهب باتجاه الانتفاضة الشعبية، والتي حسب تصوري تعني الترقب والانتظار والولوج في بحر اللامتعين، وفي بحر الجدل المجرد على حساب العمل الحاسم.
وبعد الكونفرنس سحبوا مسؤوليتي عن التنظيم العسكري، ووقعت تحت طائلة الاتهام بأني على استعداد لتصفية اللجنة المركزية إن هي عارضت العمل الحاسم فحين أن كل الذي ذكرته على سبيل الجدل مع الرفاق وهو أن ل.م. لا يمكن أن تعترض على انتصار القوات المسلحة لصالح الديمقراطية، وتحقيق رقابة شعبية على السلطة الجديدة التي تتكون من شخصيات وطنية لا شائبة عليها.
ان من رفاق العمل الحاسم كانوا عامر عبد الله، وهوالذي أعد بيان استلام السلطة، والرفيق صالح دكلة وأنا، وكان هدف الحركة العودة الى مبادئ ثورة 14 تموز 1958 م.
وتم الاتفاق على تشكيل مجلس سيادة يراعي ذات المعايير التي أعتمدت في ثورة تموز، ويضم مجلس السيادة كلاً من: العميد الركن اسماعيل صفوت، والدكتور العلامة مصطفى جواد، والملا مصطفى البرزاني.
وان تسند جميع الوزارات الى شخصيات وطنية مشهود لها بالاخلاص والجدية، على أن يحتفظ الحزب بالاشراف على وزارتي الدفاع والداخلية وقيادتهما، لتكون الوزارتان تحت رقابتنا المباشرة والدقيقة، من أجل ضمان عدم الارتداء، على غرار الارتداد الذي أصاب ثورة تموز.
وقد تم تشخيص الشخصية الوطنية، ونقيب المحامين العراقيين السيد عبد الوهاب محمود لتولي رئاسة الحكومة العراقية المقترحة، لاستكمال متطلبات مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تحت رقابة شعبية حقيقية.
بعض التأثيرات الخارجية في انشقاق 1967
وهناك الكثير من الأسئلة حول دور الحركة القومية الكردية في شق وحدة الحزب الشيوعي العراقي عام 1967م. الذي عُرف بانشقاق عزيز الحاج، أو القيادة المركزية.
ليس هناك ما يؤكد ضلوع قيادة البرزاني في هذا العمل المشين ضد الحزب الشيوعي العراقي، بل على العكس كانت مواقف الملا مصطفى البرزاني في تلك المرحلة ايجابياً جداً منا.
ولكن حبيب محمد كريم، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو شخصية تملك صلات واسعة مع دوائر واسعة في الجوار، وفي الخارج عامة، وربما كانت تـُنظم صلاته من خلال أخيه الايراني الجنسية، والذي كان يعمل بصفة طبيب في مدينة كرمنشاه الايرانية، وكانت علاقات الاخوين كريم وطيدة مع حكومة طهران الشاهنشاهية، وربما مع من يقف وراء الحكومة الايرانية.
يقوم حبيب خلال زياراته الى بغداد بتزويد قريبه عزيز الحاج، وهو الذي قاد انشقاقاً واسعاً ضد الحزب في ايلول 1967 م. بالأموال والدعم المعنوي والتشجيع.
ان عزيز الحاج، ومن خلال موقعه في قيادة الحزب، تبنى بعض الشعارات التي تلقى رواجاً في صفوف القواعد الحزبية، وذلك من خلال منافقة أطراف عديدة داخل الحزب وخارجه.
وحملت حركة الحاج عبارات ثورية وحسب، اضافة الى إبراز النزعة الجيفارية الثورية التي تحظى برواج في أوساط الشيوعيين الشباب لحد ما، ان قيادة الحزب كانت تعرف الحجم الحقيقي لثورية الحاج، وهي كانت تتوقع المصير النهائي للانشقاق، ومع هذا فان الانشقاق لعب دوراً وعاملاً اضافياً في اجهاض العمل الحاسم.
ولا ريب في أن حبيب محمد كريم شجع على الانشقاق بدفع من اطراف عدة، ولأهداف عدة، منها محاولة الاجهاز على مشروع العمل الحاسم، ومن ثم الحزب ككل.
وواصل حبيب علاقته بالحاج حتى بعد مجيئ البعث الى السلطة في 1968م. وكان ضمن الاعمال الاستعراضية لاقناع القاعدة الحزبية الثورية لجماهير القيادة المركزية، يقوم حبيب بترك بندقية كلاشنكوف واحدة عند جماعة الحاج في كل زيارة لبغداد للتفاوض مع البعث، الذي كان يفاوض الحركة القومية الكردية، وقد تكللت تلك المفاوضات بتوقيع اتفاقية 11 آذار 1970 م. التي تعد من أكبر مكاسب الشعب الكردي، ليس في العراق فحسب، وانما في المنطقة ككل، وهي ايضاً مكسباً حقيقياً للشعب العراقي ككل، ولحركة التحرر الوطني العربية عامة.
ان هذا العمل الاستعراضي، كان مجرد محاولة بائسة لايهام القاعدة الحزبية، بأن الرفاق متوجهون حقاً الى الكفاح المسلح، سلاح غير حقيقي، ففضلاً عن كونه بهذه الكمية المشار اليها، فان الحاج وكريم يتحكمان به، وربما من كان ورائهما.
قصة عاصم فلـّيح أول سكرتير للحزب
طـُرحت في الأونة الأخيرة أسئلة حول وعن الراحل عاصم فليح، وبعض الأحاديث عنه ـ التي طرحت هنا وهناك ـ وصفت بالقصص التي لها دلالة مهمة. وعلى الرغم من أن سيرة الراحل تناولها العديد من الكتاب المتخصصين في الشأن السياسي وفي فترات مختلفة إلا أن هناك من يعتقد بإن ما كُتب في الفترة الأخيرة يمكن وصفه بالمحاولة الأولى التي يتم فيها تسليط الضوء على قصة أول أمين عام للحزب الشيوعي العراقي، "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار" عام 1934م.
وضمن هذا المسار يحفل كتاب (سفر...) ونقده بالكثير من الكلام عن سجايا ومرارات عاصم فلـّيح، وينقلان عنه كيف تعرف على الشيوعية عن طريق يهودي، ويتواصل الكلام على لسان فليح:"ثم تجمعت الحلقات الماركسية في بغداد وأصبحت سكرتيراً للحزب"، وكيف بعدها ُطلب منه الذهاب الى مدرسة كادحي الشرق في موسكو.
ويُنسب الى عاصم فليح قوله: "كان لي رأي آخر (غير السفر) وهو استكمال مقومات الحزب ونظامه الداخلي وبرنامجه وعقد مؤتمر تأسيسي وانتخاب قيادة ثم الذهاب الى الدراسة وبناء علاقات أممية. (ويتواصل الحديث المنسوب الى الراحل عاصم فليح) وكنت أريد حزباً كامل البناء وليس تابعاً، لكنني وجدت بعض الرفاق اليهود ضدي، في حين ان الاغلبية معي، فدخلت في صراع مرير معهم حول توجهاتهم ذات الصبغة اليهودية، فوشى بي أحدهم (وخانوني) فاعتقلت، وهذا هو السبب في ابتعادي عن العمل السياسي. هذا النص أعلاه الذي تعمدت أن يكون واسعاً، هو واضح القصد والمعالم في صناعته الأولى، وهنا أنا أبعد ما أكون عن توجيه الاتهامات للكاتبين العزيزين، ولكنني لا أستطيع أن أتجاهل أن هذا هو نفس الكلام الذي واجهناه منذ البدية، وسواءً كان عن قصد أو عدم قصد، وهو ينطوي على ترديد لتلك المقولات أو على تأثر بها، أو محاولة لاستجلاء الحقيقة التي قد تكون تبدت لهما بمسحة غامضة بعض الشيء، وربما جمع الكاتبان مجموعة كبيرة من الأسئلة المطروحة علينا جميعاً وعليهما أيضاً، ولنقول لهما فضل في هذا الاتجاه.
ان اتهام اليهود بالإحاطة بالراحل عاصم فليح لا أصل له على أرض الواقع، وهو من جانب آخر يحمل نزعة عنصرية، وهي نزعة لا تخدم الا غلاة العنصريين في تل أبيب، وتقوم على أساس عدم التمييز بين اليهودي والصهيوني.
ان أعداد اليهود داخل الحزب في السنوات الأولى لتأسيسه لم تكن كبيرة، كما هو الحال بعد الحملات المعادية لهم في الأربعينيات، حيث وجدوا ملاذاً في الحزب الأممي.
ومن جانب آخر، فان اليهود في العراق شأنهم شأن بقية الأقليات العراقية أقرب الى معرفة المدارس السياسية والفكرية المنتشرة في العالم، والإحتكاك بها لاعتبارات غير خافية على أحد، ومن بين الأسباب، كان انتشار التعليم في صفوفهم، ومن المعروف ان التعليم أحد الوسائل التي تشكل درعاً لأية أقلية، وفي كل مكان، هذا اضافة الى وجود صلات عائلية لهم في الخارج، وغير ذلك من العوامل الأخرى.
واذا تناولنا الموضوع من الناحية الكمية، فلا توجد مؤشرات توحي بالنفوذ الخاص، أو المميز، أو القوي لليهود في الحزب الشيوعي العراقي، في الفترة المشار اليها، وهنا لا أبخس وعيهم واخلاصهم لحزبهم، بل في الواقع، أو بالعكس، لم تسجل بالقدر المناسب تضحيات الشيوعيين منهم، كما أن أعداداً كبيرة منهم رغم طردهم من الوطن، على سبيل الخدمة المجانية من الانظمة الرجعية للصهيونية العالمية، لم يذهبوا الى اسرائيل، وهم كما بقية الفئات العراقية، فيهم الجيد والرديء، وفيهم من كان عراقياً صميمياً، ومن كان صهيونياً متشدداً، كما تفيد معلومات العراقيين والفلسطنيين من أراضي 1948م.
وينبغي اليوم الاعتراف صراحة بأن الحزب لم يتعامل مع أعضائه من اليهود في الكثير من الحالات بما يتناسب ونهجه الأممي وكانت اجراءات الحكومة العراقية في السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية أكثر رُقياً وتقدماً. لا توجد علاقة بين اعتقال عاصم فليح وأي يهودي عراقي، ان الراحل أعتقل بعد عودته من المدرسة الحزبية في موسكو مباشرة، وكان ذلك بسبب ضعف التجربة الحزبية، حيث اصطحب الراحل معه خمسة رفاق، منهم من إتصل بالتروتسكيين في داخل موسكو، ومنهم من قطع صلته بالحزب فور عودته للوطن، وقدم أحدهم معلومات للأجهزة العراقية أدت الى اعتقال عاصم فليح.
لقد إنتخب عاصم فليح بحضور الرفيق فهد الذي لم يكن معروفاً للرفاق في بغداد بما فيه الكفاية، ولأنه جاء لتوه من الناصرية الى الاجتماع الذي إنتخب به الرفيق عاصم فليح، ومما ساعد في انتخاب فليح هو أن المعايير السائدة حينذاك تؤكد على الصفة الطبقية، وكان الراحل خياطاً، وعلى هذا الاساس اعتبر الأقرب الى العمال.
ان عاصم فليح هو أول سكرتير للحزب الشيوعي العراقي، من مواليد 1905م، وفي سنة 1935م، تلقى الحزب ضربة من قبل الأجهزة الأمنية للنظام الملكي، أدت إلى إعتقال عاصم فليح والعشرات من رفاقه، وفي هذا الإعتقال تعرض الى تعذيب يفوق التصور الانساني، ونتيجة ذلك قرر عاصم فليح التخلي عن العمل السياسي.
وأرى من المناسب هنا، تسجيل حقيقة أن الرفيق فهد كان يكن احتراماً واضحاً ومعلناً للمناضل عاصم فليح، الذي وضعته السلطات العراقية تحت تعذيب يفوق قدرة البشر، ولا شك أن معاييرنا في تلك المرحلة، كانت تتطلب عدم التساهل مع من لا يصمد أمام تعذيب الأعداء، بغض النظر عن الظروف، ولهذا كان هنالك ما يشبه الخجل من أي ضعف يظهر على أي شيوعي، وعلى الرغم من كل ذلك، ظل الرفيق فهد يطالب باحترام عاصم فليح، لما قدمه للنضال الوطني والطبقي، على الرغم من عدم مواصلته، يميز فهد ورفاقه بين ايقاف العمل السياسي، وبين الاعترافات الخيانية.
وأخيراً، نخلص الى أن الادعاء بأنه ذهب ضحية مكيدة يهودية لا صحة له، أن الأمر يتعلق بضعف الخبرة النضالية، وطراوة عود الحزب، حيث كان الفريق الذي ذهب مع فليح الى موسكو دون المستوى المناسب، لهذه المهمة النضالية، حيث اعترف أحدهم فور عودته من موسكو، وآخر طلب اللجوء الى بريطانيا، اضافة الى ما ذكرناه أعلاه.
البذور الأولى لحزب الطبقة العاملة
أن الأفكار الماركسية إنتشرت في العراق، في أوساط الفئات الأكثر وعياً، واطلاعاً على ما يجري في داخل بلادهم، وحولهم في العالم الواسع، وقد نبتت في أرض العراق الخلايا الشيوعية في أوقات متقاربة، وفي مناطق متعددة. فهد جاء من قرية تلسقف في الموصل من شمال العراق، وحسين الرحال جاء من قرية الرحالية في الأنبار من غرب العراق، وزكي خيري ونوري روفائيل من بغداد، وفي الواقع لكل مدينة عراقية قصة ملهمة مع نشأة الشيوعية في العراق.
ان مجموعة حسين الرحال تُعد من أوائل حلقات الفكر الماركسي في العراق، وكان من بين الأعضاء الأساسيين فيها: محمد سليم فتاح،، ومصطفى علي، وعبد الله جادو، وعوني بكر صدقي، ومحمود أحمد السيد. وكانت علاقات الرحال بدرجة أقل مع حسين جميل، وعزيز شريف، وعبد القادر اسماعيل البستاني، وعبد الله جدوع. وتعرف الرحال أيضا على عاصم فليح، ومهدي هاشم، وزكي خيري، الذين تعلموا منه الماركسية، وهؤلاء ساهموا أيضا بشكل مباشر في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934م.
وكان حنا بطاطو قد وصف الرحال بـ"أبي الماركسية في العراق". ولد حسين الرحال في 21 آب سنة 1900 من أب عربي من قرية الرحالية في الأنبار وأم تركمانية. وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني، وهذا أتاح له فرصة التنقل مع والده في داخل العراق وخارجه بما فيها دراسته في ألمانيا، وتعرفه على الثوريين الألمان، خاصة مراقبته ومعايشته وهضمه لتجربة وأحداث الثورة التى اندلعت في كانون الثاني من عام 1919 بقيادة عصبة سبارتكوس الشيوعية، التي انتهت باغتيال روزا لكسمبورغ وكارل ليبنخت.
لقد تمكن حسين الرحال من قراءة الادب الماركسي باللغات الألمانية، والفرنسية، والانكليزية، وبالطبع الى جانب اللغة التركية والعربية.
وكان لدراسته الأولية في المدرسة السلطانية ببغداد قد أتاحت له فرصة التعرف على استاذه الاشتراكي الديمقراطي "أرسين كيدور". وقد أثار الرحال، وهو في سن لم يتجاوز فيه الـ 11 عاماً، اهتمام استاذه في المدرسة السلطانية، لما تميز به من جدية ونباهة وهدوء وثقة بالنفس، حيث لا تتناسب هذه الخصائص مع عمره، وقد تنبأ له "أرسين كيدور"بمستقبل مميز.
ومن مفاخر حسين الرحال قيادته للتظاهرات الطلابية سنة 1927م. ضد زيارة السير الفرد موند الداعية الصهيوني، وكان مع الرحال معظم الرعيل الأول من الشيوعيين العراقيين الذين شكلوا في وقت لاحق عصبة مكافحة الصهيونية.
وتسرب الفكر الماركسي الى العراق من خلال الصلات المباشرة التي أقامها بعض المثقفين والعمال مع العناصر الاشتراكية في الخارج، خاصة مع الدول العربية التي سبقتنا في التعرف على الفكر الاشتراكي، ولا سيما لبنان وسورية.
ومع الخارج كانت الأفكار والمعلومات تتسرب عن طريق صلة ميناء البصرة بالهند، حيث تشكل الحزب الشيوعي الهندي منذ عام 1917م. وكان أيضاً العمال البريطانيون والهنود يرسلون صحيفة (ديلي وركر) الى العمال العراقيين.
لقد واصل المناضلون الأوائل النضال حتى نهاية حياتهم، وفي مقدمتهم فهد والشبيبي وبسيم وزكي خيري ويوسف متي وعزيز شريف وغيرهم من العاملين بالثقافة والسياسة في فترة الحكم الملكي، ومن هؤلاء من واصل العمل السياسي البناء في الحكم الجمهوري، وخاصةً بعد ثورة تموز 1958 م. وفي المراحل اللاحقة، وتحملوا كل تقلبات الأوضاع السياسية في العراق.
في عام 1927 تشكلت المجموعة الماركسية الأولى في مدينة البصرة، وضمت كل من: عبد الحميد الخطيب، وزكريا الياس، وسامي نادر، وعبد الوهاب محمود.
وقبل ذلك كان في البصرة خياط إسمه (بيوتر)، ويُلقب بـ (بطرس)، وهو أثوري من جورجيا السوفيتية، وهو من مجموعة الموفدين من الكومنترن الى دول الشرق لنشر الفكر الاشتراكي، خاصة وأن مهنته تساعد على الاحتكاك مع أعداد كبيرة من الناس، ويتذكر البصريون هذا الشيوعي الصلب، وظل بطرس يتنقل في عدة مدن عراقية، حتى أواخر الثلاثينيات، ولم يعد يُسمع عنه شيء. ويبدو أن سلوك إرسال الدعاة أسلوب اعتمده الكومنترن منذ تأسسه في عام 1919م.
ان الميناء والاحتكاك بالعمال الأجانب ولاسيما الهنود والبريطانيين وصحيفة "ديلي وركر" التي واظب فهد على قراءتها بعد أن تعلم الانكليزية في مدرسة الراهبات ذات التسعة صفوف ساعدته في تعميق وعيه الطبقي والسياسي.
وقد عاضد فهد في العمل الحزبي أخوه داؤود الذي كانت عضوأ في مؤتمر الحزب.
فهد بين البصرة والناصرية
وهناك في البصرة تعرف فهد على عزيز شريف الحاكم والمحامي الشيوعي، والذي واكب حركة اليسار العراقي حتى يوم وفاته في موسكو، التي زارها للعلاج.
وفي العام التالي 1928 تكونت خلية أخرى في الناصرية ضمت كل من: فهد، وغالي زويد، واحمد جمال الدين.
وهذه المجموعة التي عرفت بمجموعة الرفيق فهد في الناصرية، هي أول مجموعة تعمل تحت اسم الحزب الشيوعي العراقي على الاطلاق، وإن لم تكن الأولى من حيث النوع والطبيعة.
ان مجموعة الناصرية أصدرت بخط يد الرفيق فهد بياناً بعنوان "يا عمال وفلاحي البلاد العربية اتحدوا" وقد حلل البيان طبيعة الوضع السياسي، وظروف السيطرة والهيمنة البريطانيتين عليه، وكان البيان موقعا باسم الحزب الشيوعي العراقي، ونشر في الناصرية في كانون الأول عام 1932م. وبيانات أخرى موقعة باسم عامل شيوعي.
لعب يوسف سلمان يوسف (فهد) دوراً بارزاً واستثنائياً في حياة الحزب سواء في بناء التنظيم في الأطراف والمركز/بغداد وبعدها سافر فهد إلى موسكو في عام 1935 للدراسة في جامعة كادحي الشرق، وبقي هناك الى بداية عام 1938، درس خلال وجوده في موسكو العلوم الماركسية، وأساليب التنظيم والعمل وسط الجماهير.
وأختير فهد في عام 1941 سكرتيرا عاما للحزب إلى ان يوم اعدامه في عام 1949 م.
جماعة سبارتاك في الموصل
وفي وقت مبكر، وتحديداً في عام 1925م، تشكلت خلية شيوعية في الموصل، قبل أن تحسم قضية الموصل في عام 1926م، أطلقت الخلية على نفسها أسم (سبارتاك).
ضمت الخلية مجموعة من الأرمن تولى قيادتها (هايكاز كاسكانيان) وكان إتصالها مع القيادي الشيوعي اللبناني (آرتين مادويان)، وهو أحد مؤسسي الحزب الشيوعي في لبنان، وينحدر من جذور اشتراكية ديمقراطية.
كما ان بعض أعضاء هذه الخلية انتقلوا الى بغداد، ومعظمهم من سائقي سيارة الأجرة، ونقلوا معهم الكتب الماركسية، التي كانت تصلهم من لبنان.
شيء عن زكي خيري
ان حنا بطاطو الذي يعد حالياً مصدراً مهماً جداً حول تاريخ اليسار العراقي استقى الكثير من معلوماته عن طريق الرفيق زكي خيري.
وقد بدأت الصلة بين الاثنين في عام 1954م، عندما جاء بطاطو الى العراق بصفة باحث، وإلتقاه زكي بتوصية من الزعيم الوطني كامل الجادرجي، الذي وصف بطاطو، بأنه باحث ومؤرخ فلسطيني، وناشد الجادرجي زكي، الذي كان حينذاك في سجن بعقوبة كسجين سياسي مساعدته، أي مساعدة بطاطو في مسعاه.
وكان زكي مصدراً كبيراً لكل الباحثين، وهو في ذات الوقت أي زكي يُحسن الاستماع الى معلومات رفاقه الآخرين، ويُجيد تدقيق وتمحيص المعلومات، بدقة الباحث والمناضل السياسي.
وأيضا التقى زكي المؤرخ الفرنسي جاك كولون الذي جاء في بداية السبعينيات الى العراق، والتقى زكي بتوصية من حنا بطاطو، والتقاني كولون أيضاً، لأنه كان يُعد كتاباً عن تاريخ الأحزاب الشيوعية العربية، ويعتقد كولون بأن خلية (سبارتاك) هي أول خلية شيوعية في العراق.
أرسين كيدور
وأبدى كولون اهتماماً خاصاً بسيرة (أرسين كيدور) الأشتراكي الديمقراطي الأرمني، الذي عمل مدرساً في المدرسة السلطانية في بغداد، وهو من أوائل حملة الفكر الماركسي في العراق، وكان من طلابه في المدرسة السلطانية حسين الرحال، كما أسلفنا.
ان "أرسين كيدور" مناضل سياسي من رعايا السلطنة العثمانية، ولنشاطه السياسي صار هدفاً للحكومة العثمانية، ولكن المناضلين العرب أنقذوه، وهربوه من تركيا الى العراق، قبل أن يصدر بحقه حكم الاعدام، مستغلين أن لقبه يحمله المئات من الأشخاص، وان سلطة الاستانة ضعيفة في بغداد لحد ما.
وفي الفترة التي انكشف فيه أمره، نقلوه لفترة من الوقت الى النجف، واقترحوا عليه اسماً جديداً، وصار يدعى لبعض الوقت بـ (حسن الألفي).
تبعية ام علاقات مشتركة؟
ويتمادى البعض في فهم طروحاتنا ويفسروها بطريقة قسرية لا تخفي الأهداف السياسية الضيقة في أكثر الأوصاف حرصاً، وقد ترجم على سبيل المثال السيد نبيـل الكرخي في مقالته:(إنبثاقات ظلامية من المسيرة الشيوعية - "لمحة تأريخية") ما نسبه لباقر ابراهيم بقوله:" وقد بلغ الحزب المذكور، يقصد الحزب الشيوعي العراقي، درجة الفخر بذيليته للشيوعية العالمية لدرجة أن عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي باقر ابراهيم الموسوي قال في الإجتماع الإستشاري للأحزاب الشيوعية العالمية المنعقد في بوخارست في شباط 1968م : إنَّ الحزب الشيوعي العراقي لم يفخر في يوم من الأيام بإستقلاليته!.".
في هذه العجالة لا أستطيع تدقيق هذا الادعاء، وأمل من باقر بأن يبادر الى توضيح ما لديه في هذا الصدد، وليعلم الجميع أننا نحن الشيوعيين العراقيين لا نجد أي حرج من الاعتراف بأخطائنا حتى ولو كانت كبيرة، لأن ذلك يحمي المستقبل، وربما يشكل ضمانة ومناعة ضد تكرار ذات الخطأ.
في الاطار العام، كان السائد في علاقاتنا مع الأشقاء شيء يمكن أن نسميه الاحساس بوحدة المصير، وهذا الاحساس لا ينطوي على اي مفهوم لابتذال الذات، أو الانتقاص من حرية الاجتهاد في المواقف، التي نعتقد فيها بأننا على حق، كما أن الاستقلالية لا تعني بالضرورة المخالفة، والمشاحنة، والمناكفة على طوال الخط، ودون مبررات موجبة.
يلاحظ في الكثير من الطعون التي توجه للحركة الشيوعية في البلاد العربية أنها تستند الى قراءات خاصة لأصحابها وليس تأسيساً على مواقف معلنة وواضحة تـُفسر نفسها، وعلى السنة الشيوعيين انفسهم.
المؤتمر الرابع "ما الذي جرى عشية المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي وبعده 1985؟. ولماذا قال السكرتير تمهيداً لذلك: اجتمعنا ليلغي نصفنا النصف الآخر؟. ولماذا حُسِمَ الصراع الداخلي بتلك الطريقة الاقصائية …؟ أيعود السبب الى: الضغوط التي تعرضت لها القيادة من جانب الحركة الكردية ومن ثم بحكم تأثير جهات عربية وخارجية، خصوصاً في موضوع الحرب العراقية ـ الايرانية، الذي انتقد كثيراً. وقد كان بعض أعضاء القيادة قد صرّحوا علناً ان 10% من أعضاء الحزب تكفي اذا كانوا منضبطين و"مطيعين"!.؟؟؟.
*** نقول بصدد المؤتمر: عُقد المؤتمر الرابع في ظروف غير مناسبة، حيث الكيان الحزب موزع في مناطق عدة، بما يسمح في بعض الحالات بالتدخل من هذا الطرف أو ذاك، أو قد يستثمره هذا الرفيق أو ذاك في الحزب نفسه.
وعُقد في أجواء حزبية لا أقول تشهد صراعات عنيفة بين الأطراف الحزبية، بل تشهد تناحراً له أبعاد تتجاوز حدود العراق، وليس الحزب فقط، وهذا وضع موضوعي.
كما ان تناسب القوى كان مختلاً جداً، فالرفاق العرب يعملون خارج مدنهم الأصلية، التي تعرفهم ويعرفونها، وهذا يجردهم من كل مصادر القوة، ويمنح من يعيش في منطقة يعرفها قوة أضافية.
ولا شك في أن القوى القومية الكردية موضوعياً لا تدعم مناهج تعمق النزعة العراقية في الحزب، وهي تعتقد بأنه كلما كان الحزب الشيوعي العراقي كردستانياً أكثر، كان من وجهة نظرهم أحسن، حيث أن النظرة الضيقة، ترى بأن يكون أقدم الأحزاب العراقية، حزباً عراقي الشكل كردي المضمون، وهذا الأمر قد يُفسر جانباً من أسباب إلتحاق أحد الأطراف الشيوعية بالعملية السياسية الخيانية.
وقد استغلت العناصر التدميرية في الحزب نقتطين؛ الثقة بالحزب، وسرية العمل الحزبي، ونجحت في توظيف هاتين النقطتين ضد إتجاه الحياة نفسها، ففي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الشيوعية تعمق نهج الديمقراطية الداخلية، ذهب المؤتمر باتجاه آخر، حيث منح سكرتير الحزب صلاحية الاحتفاظ لنفسه بتعين عشرة أعضاء في اللجنة المركزية، وبضربة خاطفة سُلب من المؤتمر حقه في الانتخاب المباشر، وانتخب قيماً عامة، لم تـُزكي، ولم تـُمكن الحياة من أودعت لديهم مثل هذه المسؤولية من الوفاء بها ولها.
لقد وقفت ضد أن تـُطرح على المؤتمر فكرة تنسيب عشرة أعضاء الى اللجنة المركزية لارسال الى الداخل، لانها تتعارض مع قواعد العمل السري، ولأن مثل هذا الاعلان يكشف خطط الحزب المستقبلية للأطراف الأخري، بما فيها الجهة التي من المفترض أن الحزب لا يريد لها أن تعرف شيئاً عن خططه خاصة، وان جوهر العملية تستهدف التعويض عن القيادة في حالة تتم تصفيتها لاي سبب كان، بكوادر قيادية مـُعدة لهذا الغرض.
أما وعي الخديعة فقد تفاوت إدراكه من رفيق الى آخر، فمنهم من إرتاب في الحال، ومنهم من بعد حين، ومنهم من مازال يُدقق.
ستالين كربلاء
ماهي الجهود المبذولة لوحدة الحزب بعد المؤتمر؟
*- أذكر حادثة ربما تنطوي على جواب في هذا المجال، بعد مظاهر التمزق التي أعقبت المؤتمر الرابع، طـُرحت على عزيز ضرورة التحرك لإعادة التماسك الى الحزب، وطـُلبت منه اللقاء مع الرفاق المخلصين ومنهم باقر، وبعد فترة إتـُخذ قرار باللقاء معه.
وكان ذلك في عام 1989م في موسكو، وجرى تكليف الرفاق عزيز وعبد الرزاق الصافي وكريم أحمد بهذه المهمة، ولكن عزيز تخلف عن اللقاء، ربما لأنه أدرك بأن اللقاء سوف لن يكون مفعماً بالتفهم، وروح الرفقة، وان الرغبة في تحقيق التصالح معدومة.
طلب الصافي من باقر تقديم نقد ذاتي، وكان باقر من حيث المبدأ لا يمانع في ذلك، اذا أقدم الأخرون على سلوك مماثل، وسأل الصافي: هل أنت على استعداد أيضاً لممارسة النقد، وتتحملون نشر الغسيل كله؟.
ولكن الصافي أظهر تشدداً مستغرباً، لا يناسب الخصائص المعروفة عنه، وفشل اللقاء فشلاً ذريعاً، كما يؤكد باقر الذي أكد لي بعد اللقاء، بأن الصافي حاول أن يظهر بأعلى درجات التشدد، ولخص أبو خولة الموقف، بأن أبا مخلص سعى للظهور بمظهر ستالين كربلاء.
وهكذا تضيع الفرص، واحدة تلو أخرى، طبعاً لا أتجاهل الظروف الموضوعية، ولكن أيضا تراكم الفرص قد يخلق ظروفاً مناسبة، وفي كل الأحوال، لا ينبغي تجاهل تاثير الأفراد.
مالية الحزب ومصادرها
هل كانت قيادة الحزب الشيوعي تتقاضى راتباً شهرياً من قيادة حزب البعث أيام الجبهة؟.
وجاء في الحديقة السوداء {يقول شوكت خزندار ان قيادة الحزب الشيوعي كانت تتلقى مساعدات مالية شهرية تحت باب الدعم الاعلامي، وان هذه المساعدات كانت تأتي بشيك مصـّدق يجلبه عامر عبدالله (وزير الدولة) شهرياً ويسلـّمه الى عزيز محمد الذي يقوم بدوره بتسليمه الى مسؤول المالية أسعد خضر (أبو نجاح) والشيك الشهري كان بمبلغ 150.000(مئة وخمسون ألف دينارعراقي... ولعل معلومة من هذا النوع بحاجة الى تدقيق والى اجلاء أي غموض أو التباس قد يكتنفها أو اشكال قد يشوبها لانها ذات قيمة ومعنى.
ومع ان خزندار يؤكد ذلك بحكم اطلاعه كما يقول، الا ّ أن باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي السابق ينفي علمه. ويذكر استلام الحزب لشيك واحد بمبلغ 150.000 (مئة وخمسون ألف دينار عراقي) لبناء مقر لقيادة الحزب الشيوعي مساعدة من حزب البعث أو الحكومة...
لكن خزندار يصّر على استلام قيادة الحزب شيكاً شهرياً، بل يزيد على ذلك حين يؤكد أيضاً ان أمين عام الحزب عزيز محمد كان هو الآخر يستلم شيكاً بمبلغ عشرة آلاف دينار عراقي شهرياً اضافة الى الشيك الأول، أي بما يزيد عن 000 ر31 (واحد وثلاثين ألف دولار شهرياً كمصرف جيب ونثريات) وهذا ما يزيد من انتقاد خزندار لعزيز محمد اذ يعتبر ذلك بمثابة شراء ذمة لقاء المال!
ورغم ان هذه المعلومة هي الاخرى بحاجة الى فحص وتدقيق وتوكيد من آخرين الاّ ان خزندار وفي سياق الاستغراق في التفاصيل يقول ان عزيزمحمد لا يتصرف بالشيك، أي لا يستخدمه شخصياً وانما يرسله الى ميزانية أو مالية الحزب، بما يعفيه من أي خدش بالذمة المالية، خصوصاً اذا كان مثل هذا التعامل يتم على أساس سياسي وليس شخصي.} إنتهى الاقباس المطول.
+ـ منذ اليوم الأول لانضمام أي شيوعي الى حزبه يكون معروفاً له بأن قراره هذا مغرم وليس مغنماً، ولكن في الوقت نفس هذا لا يعني أن النفوس تتطهر دفعة واحدة أو بجرة قلم، كما أن تأثير الحركات الثورية في نفوس الناس يكون مختلفاً في فترات الصعود عن فترات النزول أو التراجع أو الانحطاط. وليس دفاعاً عن السياسة الحزبية في المجال المالي، ولكن من باب السعي المخلص لتلمس الحقيقة، سأحاول جهدي نفض الغبار عن هذا الموضوع بحدود ما أعرفه شخصياً.
وابتداء أقول وليس عيباً على الحزب الثوري أن تكون لديه أخطاء ونواقص وحتى كوارث، كل شيء ممكن فيما عدا الخيانة، وعلى رأس كل أنواع الخيانات تقف الخيانة الوطنية، لأنها تشكل عاراً لا يمحى مهما تقادم الزمن، بل تتحمل عبء عارها حتى الأجيال القادم، ومن خلال المادة التي هي بين أيديكم ألا ترون اضطرارنا اليوم الى مناقشة قضايا مضى عليها عقود طويلة من الزمن، وقضايا لم تعد موجودة أصلاً، أن التاريخ قاس مع المواقف غير الشريفة، ولا أحد يستطيع القول بأنه لا يعرف، أو لا يعلم، أو انه اجتهد فيما يتعلق بالخيانة الوطنية.
ابتداءً أقول لم أسمع، ولم أرى مساعدة مالية من الحكومة السابقة قدمت للحزب، أقول هذا ولا أرى عيباً في أن يسلك الحزب سلوك أي حزب برلماني في بلد متطور، ان توفرت الامكانية لذلك، وان دافعي الضرائب في مختلف دول العالم يدفعون للأحزاب من أجل أن تخدم مصالحهم، ولكن ينبغي أن يكون ذلك معلناً للشعب، وعضوية الحزب، وتحت رقابتهما.
في الأصل نحن حزب سري يقوم على مبدأ الثقة بالآخر، وظروف العمل السري لا تسمح بطرح كل شيء حتى على الهيئات القيادية، ولا نسأل عن المالية المركزية، وما يصل من الهيئات تكون معه جداول، وهي بدورها تكون من اختصاص المسؤولين عن الجانب المالي، وان المالية في اطارها العام يمكن أن توصف بأنها تسد متطلبات الحزب في الحدود الدنيا.
صحيح اننا تربينا على الثقة، وعدم الاكثار من الأسئلة حول تفاصيل العمل الحزبي، ولكن مثل هذه المساعدات، وبهذا الحجم، هل يعقل انها لا تطرح علىّ بحكم مسؤوليتي الحزبية؟. وكذلك على باقر الذي أكد في وقت سابق، بأنه لا يعرف شيئاً عن هذه الأموال.
الهجرة والمالية
ولكن بعد هجرة أعداد غفيرة من الشيوعيين الى الخارج في عام 1979 وبما يمكن وصفه بهجرة الحزب، برزت ظواهر جديدة لا تتعلق بتزايد عوائد الحزب من الأشقاء والأصدقاء العرب وغير العرب فقط، ولكن أيضا تضخمت عوائد المنظمات الحزبية خاصة منظمة الجزائر، وكذلك أدبيات الحزب.
وبالمقابل ظهرت في الخارج حاجة أعداد متزايدة من الرفاق الى المال للانتقال الى أماكن العمل، أو للعيش وغير ذلك، وبدأت لأول مرة في تاريخ الحزب تُطرح على نطاق واسع، مسألة ابتزاز الرفاق سياسياً وتنظمياً وفكرياً من خلال المعيشة، أي من خلال التسلط المالي.
كما أن بعض الرفاق لم يعد يميز بين أمواله الشخصية وأموال الحزب، وهذا اذا افترضنا وجود مثل هذه الأمول الشخصية عند رفاق هربوا من وطنهم بظروف وامكانيات متشابهة حد التطابق.
وان عمليات ابتزاز الرفاق شملت القياديين أيضاً، وبدأت أصوات الاحتجاج تتعالى في صفوف الحزبيين، ودوي هذه الاحتجاجات وصل الينا نحن الذين تربينا على الثقة، وعدم التدخل في أشياء لا تقع ضمن الاختصاص، لهذا الرفيق أو ذاك، حفاظاً على سرية العمل الحزبي، وللتحوط من تراكم الأسرار لدى نفر من الحزبيين.
وطرحت هذا الموضوع على القيادة بجلاء واستفسار مباشر عن مالية الحزب؛ المصادر والإنفاق والمسؤولية، ولكن السؤال الملح ظل كصرخة في برية قفراء بلا مجيب.
وهذا أثار قلقي وغضبي، وشعرت بأني منحت ثقة زائدة لمن لا يستحق، وأن القاعدة الحزبية هي دوماً الضمير اليقظ للحزب، وهي سياجه، وهي وجدانه، وهي سيفه ومصدر أمجاده وفخره، وطرحت الموضوع على الحزب بأسره، وفي رسالة مفتوحة الى جميع الرفاق والاصدقاء كُتبت في عام 1990 .
وجاء فيها بصدد مالية الحزب ما يلي نصاً:"وأجد من المناسب أيضاً إثارة ما أثرته في رسالة سابقة حول مالية الحزب، التي دخلت طرفاً في الحد من الصراع الفكري، واستخدامها أداة في محاربة الرفاق برزقهم ومصادر عيشتهم الشحيحة أصلاً، وأذكر جزءاً مما ذكرته في السابق بأن المالية ما زالت باقية بلا حسيب ولا رقيب، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه حيث هنالك من يحمل (كارت بلانج) مصون وغير مسؤول. لقد تدهور الوضع الى حد أصبحت فيه المالية الحزبية، وكأنها ملكية شخصية يجري التصرف بها من قبل أفراد، ولا يملك الحزب، أو هيئاته أية صلاحيات بصددها، ولا حتى أية معلومات عنها.".
وأنا أعد هذه المداخلة جاءتني بعض الملاحظات على خروقات مالية في مجالات الطباعة والنشر حتى قبل أن نخرج من العراق.
ولكن بصدد العلاقات المالية مع السلطة، أكدت تلك الملاحظات بأن الحكومة لم تدفع اشتراكاتها على امتداد عمر صدور جريدة طريق الشعب والثقافة الجديدة، ومجموع الأعداد التي تصل الى الأجهزة الحكومية يتجاوز يومياً 250 عدداً، وقدم الرفاق في دار الرواد للحزب حساباً دقيقاً بالمبالغ المترتية على الحكومة، وهو يتجاوز عشرات الآلاف من الدنانير العراقية على الحكومة وغيرها، ولكن الدار لم تتسلم رداً على الموضوع، ولم يشعر الرفاق بأي اهتمام من أي أحد.
وأعرف حادثة أخرى مالية، وهي تبرع السفارة السوفيتية للجريدة بمبلغ 12000 دينار، ولا أعلم أو بعبارة أدق لا أعرف، أن هناك أية حادثة أخرى، قدم فيها الحزب الشيوعي السوفيتي الشقيق أموالاً نقدية للحزب غير هذه الحادثة.
نعم قُدمت لنا مساعدات من أحزاب شقيقة في مجال الطباعة، والسلاح الفردي الخاص بالدفاع عن النفس لأعضاء التنظيم المحلي، ومساعدات أخرى في مجال الاتصالات، وغيرها.
أما بصدد الشيكات المشار اليها، أعود وأكرر بأنني لم أسمع عنها شيئاً، ولا أجد أي حرج في الحديث عنها، ولو كنت أعرف أي شيء عنها، ولما توانيت في ذكره، ولكنني أقول: لما كانت المسألة قد طُرحت هكذا، وعلى نطاق واسع، أدعو الرفاق المعنيين بما فيهم عزيز محمد للكتابة عنها، وحول اذا كانت هذا الأموال تصل الى الحزب أم لا، واذا كانت تصل، وقبل الحزب، أو أية جهة حزبية بها، فلابد أن هذه الجهة قد اعتمدت تبريراً محدداً، من المفترض أن تُطرح للرفاق والناس عامة روح أو جوهر ذلك التبرير، الذي أعتمد في حينها، وذلك من أجل الاجابة على الاسئلة المطروحة، والأهم المساهمة في منع استغلال قضايا لا وجود لها، كما أعتقد.
الاتفاقات السّرية مع حزب البعث هل هنالك خفايا في العلاقات مع البكر وصدام؟
أنقل لكم عبارة أو سؤالاً أو رأياً ورد في تقريض (سفر ومحطات...) وبالنص كالعادة طبعاً:
{تردد عشية وخلال انعقاد الجبهة الوطنية عام 1973 بأن هناك اتفاقات سرّية بين قيادة الحزب الشيوعي وقيادة حزب البعث والسلطة، تتعدى حـّل التنظيم العسكري والتعهد بعدم العمل والنشاط في الجيش والشرطة وأجهزة الامن. والاتفاقات التي لم يعلن عنها في حينها تتعلق بضمان حياة أعضاء اللجنة المركزية وتقديم تسسهيلات خاصة لهم.
ورغم نفي القيادة الشيوعية رسمياً وجود مثل هذه الاتفاقات، الاّ ان عامر عبدالله، أفصح في حديث للباحث، ان هذه الاتفاقات تقضي بعدم تعّرض أعضاء اللجنة المركزية للتفتيش أو الاعتقال خصوصاً الذين كانوا يديرون حوارات ولقاءات مع القيادة البعثية. جاء ذلك في اعقاب اغتيال عضوي اللجنة المركزية ستار خضير (عام 1969) وشاكر محمود (عام 1972). وعضوي قيادة منطقة بغداد عبد الأمير سعيد (1969) ومحمد الخضري (عام 1970).
ويواصل الباحث: {وقال عامر عبدالله عند إبرام اتفاق الجبهة عام 1973 أصبح مثل هذا الأمر تحصيل حاصل، وهو جزء مهم لضمان حركة القيادة وتسهيلاً لاداء مهماتها.}.
أقول بصدد هذا الادعاء ليس لدي ما ينفيه أو يؤكده، ولا أعرف في أي مجال ذكر ذلك عامر، وهل أورده كتحليل وتقدير للأمور، أم حقيقة سياسية ثابتة.
كان عامر في تلك الفترة أكثر قرباً واطلاعاً مني على التطورات اليومية في العلاقة مع البعث والحكومة باعتباره صلة الحزب مع القوى الأخرى، ولكن الذي أعرفه أن عامر شديد الدقة، فيما يتعلق بمسؤوليات الحزب ككل في رسم السياسة وايقاعها اليومي.
ولكن أستطيع الاستدلال على عدم صحة هذا الادعاء، من الأمور التالية: اولاً انها، أي قضية أسيثناء القيادة، لم تطرح علينا حزبياً، أذ يمكن أن تحصل بعض الاجرءات دون أخذ اذن أعضاء اللجنة المركزية، لأسباب عملية، ولكن عدم اخبارهم يدخل في باب آخر، ربما لا تسمح به علاقتنا الحزبية، والعامل الآخر: ان الاتفاقات المؤلمة، وغير الصحيحة، فيما يتعلق بالعمل داخل الجيش، وحل المنظمات الجماهيرية قد أعلنت، وهل هناك أصعب من اعلان مثل هذه القرارات الغربية، وحتى غير المبدئية في بعض جوانبها، ولكنها لم تحجب عن أعضاء الحزب وأبناء الشعب عامة.
ان مثل هذه الاشارة التي تطلب توفير الحماية لأعضاء القيادة فقط تبدو لي غير أخلاقية، وهي اتهام مر للغاية، على الرغم من أني لا أنكر حقيقة سياسية قائمة في كل العالم، تفيد بأن استهداف القيادات يعني تصعيداً خطيراً لاسلوب المواجهات بين أي طرفين.
وفيما يتعلق بعدم العمل في الجيش وحل المنظمات الجماهيرية، ربما يكون تأسيس حزب العمل العراقي خير رد وخير دليل على عدم اقتناع كل أعضاء قيادة الحزب في هذه المواقف، حيث اضطروا الى تأسيس حزب العمل.
طبعاً ان كل الاغتيالات التي تعرض لها الرفاق في القيادة أو خارجها، كادت تعصف بكل امكانات التعاون، والعمل المشترك، وبديهي أن تطرح على حزب البعث، ويـُطلب منه الكشف عنها، ومحاكمة القائمين بها، كما ان اخلاق التفاوض بين طرفي ليسا في حالة حرب تـُحرّم عليهما كل أنواع الانتهاكات، والذي في السلطة يتحمل المسؤولية الأولى دائماً، وفي كل مكان.
وأخيراً! لابد من هذه الاشارة
أعترف بأنني لم أتناول جميع الأسئلة المطروحة بذات القدر من المساحة على الأقل، وبعضها الآخر وجدت مبرراً في نفسي لتناولها لاحقاً، وذلك لعاملين أساسيين؛ الأول: حاولت طرق الموضوعات التي تجنب الجميع الحديث عنها، ربما بسبب وجود بعض التحفظات، أو النقص في الجرأة، أو غياب المعلومات، وما الى ذلك.
وعلى الرغم من كل هذه المبررات، لا أرى فيها، كما أعتقد، سبباً كافياً لهذا التمنع، خاصة بعد أن تحولت الأسئلة في هذه المجالات، الى أسئلة عامة بين الناس، ولا يهم من الذي طرحها، ولماذا، ولهذا ركزت على القضايا التي يمكن وصفها بالموضوعات، التي لم تطرق سابقاً الا بصيغة أسئلة، أو مادة للتشهير، والنيل.
والسبب الثاني الذي الزمني التعامل من خلال هذا المادة، والتي بدت لي طويلة كهامش ليس الا، أو انها اشارة الى استعدادنا لاجراء الحوارات والمناقشات في كل الأمور، لا توجد بالنسبة لنا موضوعات نخشاها، منطلقين من القول اللينيني من لا يعمل لا يخطأ، كما انني وجدت الأجوبة، التي تأخذ طابع الرسائل القصير قد تؤدي الى نتيجة معاكسة لما نستهدف، وربما تكون الشروحات مبتسرة، وربما ضارة.
وقد يشفع لي أني تعاملت مع ما أطرحه الآن كهامش على هوامش القضايا المطروحة والملحة في ذات الوقت.
وقد يشفع لي ايضاً، أنني أخذت على عاتقي منذ زمن غير قصير تعهداً، بتناول جميع الموضوعات، التي تقع في اطار معرفتي، أو اختصاصي، وأعتقد أنني مواظب على نشر العديد من الموضوعات، بثبات، وصدق نية، وعزم أكيد على التناول الصادق والمخلص للشعب والطبقة العاملة وتاريخها النضالي، نحن لا نكتب مذكرات شخصية، اننا نخوض معركة نضالية ضد الاحتلال وعملائه، ونعرض ما يتاح لنا عرضه بشرف ومسؤولية من أجل معركة تحرير الأجيال الجديد من الفتيات قبل الفتيان، من أجل الأمن للشعب بأسره، من أجل الماء والكهرباء والصحة والتعليم، والأهم من أجل عدم ابادة الشعب العراقي بأكمله، والخشية من الابادة ليست عبارة بلاغية، وانما مخططات مطروحة على أرض التنفيذ، ويجب أن تـُواجه بقوة وصلابة ووعي ثوري.
3) ليس هذا حزباً شيوعياً
كلمة الخطيب الأول
صحيح أن المؤتمر الثامن لما يدعى بالحزب الشيوعي العراقي لم يُثير اهتمام الشعب، ولا حتى الشيوعيين أنفسهم، ولا الحركة الشيوعية على النطاقيين العربي والعالمي، ومن بين أسباب ذلك هو عزلة وخيانة قيادة هذه المجموعة الهجينة والغريبة على حركتنا وشعبنا.
أما دافعي لتناول مؤتمر هذه المجموعة البائسة؛ هو الحرص على الأسم وحسب، والسبب الثاني أن هذا المؤتمر جاء تأكيداً صارخاً على كل ما قلناه سابقاً، حول انزلاق هذه المجموعة الغربية في متاهات النفاق البرجوازي، ولكن غير المتمرس، ومتعجل المكاسب ذات الطبيعة الشخصية، فالمؤتمر انشغل بكل شيء ثانوي عدا المس بالاحتلال.
أن ضحالة نتائج هذا المؤتمر، لا تتعب أحداً في تحليلها، ويكفي أن تـُعرض كما هي، وعلى لسان كبيرهم، الذي افتتح المؤتمر بلغو مخجل، هدفه ارضاء المحتل، والسيد جلال الطلباني الذي يدعو بالحاح قوات الاحتلال الى البقاء في العراق لحماية العراق من شعب العراق؛ بعربه وكرده واقلياته القومية والدينية، وقام "الرئيس" باستقبال "الامين العام للحزب الشيوعي" بعد نهاية المسرحية التراجيدية، وطبعاً يستقبل جلال كل من هو من نمطه وطرازه في التعامل مع الاحتلال.
ان شبيه الشيء منجذب اليه، نعم يستقبل جلال أي شيوعي لا يدافع عن العمال، ولا يحرض على التظاهر في شوارع السليمانية ضد الغلاء، وعدم دفع الاجور، ولا يطالب حتى بجدولة رحيل المحتل، ولا أقول يقاتل الاحتلال، ولكن الشيوعي الحقيقي مصيره سوف يكون بعرف المطبلين للاحتلال على غرار مصير شهداء بشت آشان، وعمال طاسلوجه، ومتظاهري السليمانية من الطلاب والموظفين، أن الشيء الوحيد المزدهر في إمارة السليمانية السجون، وقتل النساء، وارهاب كل من يتجرأ على قول كلمة صادقة.
من سخرية الأقدار أن يخاطب من يُفترض أنه أمين عام حزب شيوعي في بلد محتل مؤتمر حزبه دون الاشارة الى الاحتلال "النازك والترف" الذي يزعجه"ارهابيو" المقاومة الوطنية لهذا الشعب "غير المتحضر" الذي لا يعرف قيمة وقيم أمريكا.
لا شك هنالك ما يثير الألم في هذا المؤتمر، وهو انسياق البعض ليتحولوا الى ديكورات في مسرح الدمى، يا لخيبة الأيام، وخيبة كل من لا يعرف قدر نفسه، وحكم الشعب على أفعاله، نعم ان من سخرية التاريخ والأقدار أن يوضع انسان في موقع تاريخي، وهو لا يحترم حكم التاريخ.
هاكم الدرر الفريدة التي أتحفنا، وأتحف الشعب الضحية بها؛ الأمين العام من دون منازع في كلمته، في افتتاح المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي، والتي كان عنوانها أيضا ينطبق عليه القول بأن الخط يقرأ من عنوانه"ستنتصر إرادة الشعب اذا تضافرت جهود أبنائه وتوحدت قواه" وما أدراك بأداة ودور "إذا"، وعلى من تنتصر إرادة الشعب.
طبعاً لا يهم الخطيب المبرمج في كهفه بأن لا ينطوي كلامه على اي معنى، أو لا ينطوي على أي شيء، وربما هذا هو المطلوب، قال: " سنوات طويلة مضت على اختتام مؤتمرنا الوطني السابع، وقد مرّت بلادنا بأحداثٍ جسيمة، وتطوراتٍ خطيرة، هزّت أركان الوطن، ولا زالت تلقي بظلالها على حياة شعبنا، وترهق مسيرته، وتعرقل تحقيق طموحاته، وهو التواق للحرية والمصمم على الحياة الكريمة...
ويتواصل الهرف "ونحن نعقد مؤتمرنا في هذه الظروف الاستثنائية الانتقالية، وفي أجواء من العلنية، والصراع المحتدم حول مستقبل العراق وآفاق تطوره، وكلنا ثقة بانتصار إرادة شعبنا، جدير بنا أن نستذكر بالطيب وبالعرفان، بالجميل وبالتقدير والحب كل من ساهم بإنضاج تجربتنا، وبناء حزبنا وعزز من صموده بوجه الرياح الصفراء العاتية، رياح الدكتاتورية والاستبداد وعملائها وبقاياها، أولئك الذين منوا أنفسهم الرذيلة بإطفاء نور الحزب ومُثله وقيمه وكيانه، فكان مصيرهم مزبلة التاريخ، وبئس المصير.".
وظن هذا المتكلم بأن هذه الهلوسات سوف تغلف رسالة الاعتراف بالعرفان للاحتلال، الذي أنضج تجربة بناء العراق الجديد: عراق جديد أرادوه مرتعاً للجريمة، وللسرقة، والنهب، والموت المجاني والمعلن، ومسكناً للخوف والجوع وهدر الكرامة الانسانية.
الداعية الثاني
أظن لا توجد حاجة لمواصلة نقل فقرات أخرى من هذه الهرطقة المقصودة، ولكن فقط على سبيل الاستزادة، ومن أجل التأكيد على أن هذا اللغو لا ينفرد به "الأمين العام أو الخاص" نضيف جوهر ما تفتق به ذهن عضو في لجنتهم المركزية.
لقد لخص هذا العضو في لجنتهم المركزية مؤتمرهم المخزي، الذي عُقد تحت حراب الاحتلال، في جواب على سؤال وهمي، ربما هو طرحه على نفسه، ولا نريد أن ندخل الآن في تفاصيل هذا العضو، ولكن نورد النص ليرى الشيوعيون أيّ أفق محدود يتحكم بعقل الحزب الشيوعي البريمري الخائب والمأزوم.
هاكم النص الذي يتحدث فيه عن مؤتمرهم، وكأنه يتحدث عن بلد، في كل الأحوال، لم يكون العراق المحتل، بل عن بلد وهمي موجود فقط في رأس هذا العضو، يقول:
"تذكرت ان علينا ان نركز على اهم القضايا الاساسية ومنها، مواصلة الكفاح بالطرق الشرعية حول محتوى وشكل النظام الجديد في العراق، والإصرار على الديمقراطية نهجا وسلوكا وطريقة للحكم في العراق الجديد، وضرورة التمسك بمشروع المصالحة الوطنية الذي بدونه لا يمكن الحديث عن استقرار البلد، والمصالحة التي نعنيها هي الحوار والانفتاح والمشاركة في ادراة البلد مع كل من لم تتلطخ اياديه بدماء العراقيين، والتأكيد على اهمية السلم الاهلي، وتأمين الامن والاستقرار للبلد، واعادة اعمار ما خربته الحروب، والاعمال الارهابية الغادرة، وموضوعة العدالة الاجتماعية، وخيارنا الاشتراكي بأفقه الانساني الرحب.".
ان هذا "المناضل" كم هو مغفل أو كذاب، أنه يتحدث عن الديمقراطية في جمهورية الموت، ويدعو للمصالحة ولكن بلغة تقول ليس هناك من نتصالح معه، أو أنه يريد التصالح بين العملاء أنفسهم، ومع اللصوص فقط، ولكنه نسى أنهم يعيشون وقت تقاسم المسروقات، ووقت الهزيمة، وبالوقت الذي نسى الاحتلال فيه على طريقة معلمه البشعة، لم ينس منافقة المحتل، من خلال غمز الاشتراكية، وذلك من خلال اقحام الأفق الأنساني، ولكنه في الوقت ذاته نسى الأفق الأنساني عند تعلق الأمر بالاحتلال، من خلال تجاهل كل الجرائم اليومية له على أرض الرافدين العظيمين... هزلت.
الرقص بين ضفتين
راقبت بعناية ما يُنشر عن مؤتمرهم الثامن، ولم أعثر على أي اهتمام حقيقي، أو تناول مقبول حتى في صحافتهم أنفسهم، وما نشروه كان لغواً فارغاً من أي مضمون على غرار ما جرى عرضه، واعتقد أنهم تصوروا ذلك اللغو شطارة مبدعة، وأكتفي الآن بكلمة رفيق شاب، قال في مؤتمرهم مايلي: "ديماغوجية سطحية لتبرير خيانة وطنية عظمى".
وأخيراً، ولما كان مؤتمرهم لم ينل أي اهتمام من الشيوعيين أوغير الشيوعيين، سوى من تملكته قوة العادة، أو الحرص على كلمة الشيوعية، تبجح البعض منهم، بأنهم يريدون بناء دولة في العراق الجديد، وكأن العراق خـُلق مع مجيئ القوات الغازية، وملحقاتها من البخلاء والأذلاء والأدلاء وكل سقط متاع.
وأقول لهم ناصحاً، وقبل أن يضيع اعتبارهم الرخيص عند أسيادهم تماماً، أن يتوسطوا عند من عقد اجتماع (المبدعين) وكتاب الجملة في اربيل، الذين يناضلون تحت خيمة الاحتلال، وكتاب مؤتمر الاردن من المتعاقدين، بأن يوجهوا قسطاً من خبراتهم الاعلامية في تنظيم حملة لدعم المؤتمر الثامن، بعد أن فشلت التوجيهات الحزبية، التي طالبت بدعم المؤتمر، وسبب الفشل كان معلوماً لنا، وهو أن كتاب الأمس منشغلون في هذه الأيام بتنظيم الراحة والرحلات الصيفية، وتأدية الواجبات تجاه ولي نعمتهم المباشر.
من المناسب ان يستغلوا التنافس على نيل بركة المخابرات المركزية الامريكية ودولاراتها السائلة من دم العراقيين وشقائهم بين جماعتي اربيل وعمان، لعرض نجاحات المؤتمر الثامن المظفر من قبل الجماعتين، وقد يشجعهما على ممارسة دور الداعم لكم، ربما أملهم بأن تنطلي لعبتهم على الناس بقدر انطلاء لعبتكم، ودمتم الى حين اغلاق منتجج المنطقة الخضراء.
#ارا_خاجادور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حال المرأة العراقية في عيدها العالمي
-
تضامنوا مع الكاتب الصحفي والأديب علي السوداني
-
نحب التحدي العادل والشريف وليس لدينا ما نخفيه
-
انتبهوا! ان الهدف تفاقم الاقتتال الداخلي
-
ذبح الفلسطينيين في العراق: من الجريمة الى العار
-
هل يمكن تحقيق حوار متمدن في مرحلة همجية؟
-
ليس باسمنا وبعض الهموم الوطنية
-
الحركة الاضرابية تثير هلع المحتل وعملائه
-
نهج المقاومة الوطنية ومورفين المصالحة الوهمية
-
حديث مع عمال معمل اسمنت طاسلوجة
-
لبنان: المقاومة المسلحة تشير الى الطريق
-
حركة التضامن مع الشعب العراقي
-
أسئلة حول الوحدة العمالية النقابية في ظل الاحتلال
-
بعض من عبر الأول من ايار
-
لا للحرب الأهلية... انها حرب التحرير
-
النقابات العمالية رافعة قوية في معركة التحرير
-
قراءة في صفحة من سفر كفاحنا المسلح
-
نراجع الماضي بثقة من اجل المستقبل
-
مزامير الانتخابات الامريكية في العراق
-
هل النقابات العراقية الاساسية تدعم الاحتلال ؟
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|