دفعني سؤال أحد أصدقائي الفلسطينيين الى كتابة هذه الكلمات . و كان سؤال الصديق هو : هل يتزاوج السنة والشيعة في العراق؟
على الرغم من سذاجة السؤال الظاهرية ، الا أنها تدل على عمق الجهل الذي يطوي كثيرا من أبناء شعوبنا العربية من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن تكفير الشيعة قد دخل في عقول البعض. إن الدعاية التي قام و يقوم بها الوهابيون و أمثالهم قد أنتجت أزهار الحقد و الضغينة ضد أبناء شعبنا العراقي ، وأن أثمارها قد ولدت ضدنا الإرهاب و عمليات جبانة يُقتل فيها المصلين الشيعة ، لا فرق بين طفل و شيخ . و عملية إغتيال آية الله السيد محمد باقر الحكيم هي مثل عنيف و دلالة على ذلك. و كذلك لم يسلم الشيعة في أفغانستان، و لا آخرون ، من إرهاب و سكاكين قوى الطالبان الوهابيين فذهب أكثر من مائة ألف شيعي أفغانستاني ضحية لمجازر عصابات طالبان .
بسبب أعمال الإرهابيين الوهابيين تحول إسم العربي الى إرهابي و المسلم الى مجرم.
في البداية ،و بعد نجاح الخميني في الثورة الإسلامية في إيران ، كان المسيطرون على المراكز الإسلامية ، في البلدان الأوربية ،من اخوان المسلمين قد أصدروا بياناتهم يدعمون فيها تلك الثورة و يؤازرونها ، الا أنهم و بعد أن تبين لهم أن القائمين بها هم من الشيعة قلبوا رأيهم 180 درجة و بدأوا بحملة مضادة ، وقد إزدادت تلك الحملة بشكل أعمق و أقوى بعد إزدياد نفوذ القوى الوهابية المدعومة بأموال سعودية ، إن السعودية مصدر التطرف الديني و الإرهاب . إن الوهابيين لم يحقدوا فقط على الشيعة بل أنهم يحقدون على كل من لا ينتمي الى مذهبهم ، و لا يفرقون في إجرامهم بين هذا و ذاك.
و إذا أضفنا الى ذلك ما تقوم به وسائل الإعلام العربية التي تمثل ديكتاتورية الأنظمة العربية ، فإن الطامة ستكون أكبر. الجزيرة و العربية هما نموذجان صارخان يمثلان التزييف و التزوير . إن و سائل الإعلام هذه لا تُـعْـلـِم و لا تُـعَلـِّم، بل تُـخَـرِّب و تهدم.
كان جوابي لصديقي الفلسطيني قاطعا: نـعـم !
و ذكرت للصديق أن في عائلتي أمثال كثيرة تؤكد الزواج بين الشيعة و السنة . إننا أبناء بلد واحد ، و لا يوجد التزاوج بين الشيعة و السنة العرب فقط بل أيضا بين العرب و الأكراد و القوميات الأخرى ،سنة كانوا هؤلاء الأكراد أم شيعة .
المشكلة أن الطائفيين يستعملون موقعهم في الحكم، أو مراكز القوة الأخرى، لضرب أبناء الطوائف و المجموعات الدينية و العرقية المختلفة عنهم، و ذلك لأجل إبعادهم أكثر ما يمكن ، و قد يصل هذا الإبعاد الى القتل. و في تاريخنا القريب و جدنا المجرم صدام و قبله كان عبد السلام عارف الذي تنسب اليه الكلمة : " إن حكومتنا سماوية أموية رمادية".
الطائفيون هم من يدافعون عن أشرار طائفتهم ، وكذلك العنصريون يدافعون عن لئام قومهم.
لم يكن يؤثر فينا إذا كنا ننتمي الى هذه الطائفة أم تلك ، الى تلك القومية أم هذه . و كاتب هذه الكلمات كان يلعب في فريق لكرة القدم في منطقة المسبح في الكرادة ، و كان الفريق يضم بين أفراده المعيدي الشرو?ـي و "المتمدن" المتعنفص ، و المسلم و المسيحي و اليهودي و العلماني .لم نكن نفرق بين أحدنا و الآخر ، و لحد الآن أتذكر اسم اليهودي العراقي الذي كان يلعب معنا ، يوسف ، و هو الآن يسكن في بريطانيا ، حسب ما نقله لي أحد أصدقائي في ذلك الفريق ، وهو لا يزال يتذكرنا.
و عند تذكري لفريق القدم أذكر أن أحد أصدقائي و أقربائي، الذي كان يلعب معنا في هذا الفريق ، قد اختطف في بداية الثمانينات بأيدي المخابرات الصدامية و بقي مفقودا لايعرف أهله مصيره . الا أنه و بعد سقوط حكم الدم البعثي ، عرف أهله أنه قد أعدم في عام 1982 ، الا أنهم لم يعرفوا أين أصبحت جثته ،و لا يزال الأهل يبحثون عن مكان دفن جثته. هذا مثل من أعمال المجرمين الحاقدين الطائفيين!!
لا يقف في طريق الحب دين أو مذهب ، قومية أو لغة . و هذا ما نراه في الدول الغربية حيث يتزاوج العرب الأجانب بأهل هذه الدول ، الذين هم على أديان و لغات أخرى و عادات مختلفة.
و عندما نتكلم عن الحب فلا بد أن أذكر نقيضه ، الكراهية . إن الكراهية أيضا لا يقف في طريقها أي شيء ، حتى و لا علاقة الدم و الخبز و الملح.
*ألم نر كيف أن صدام الدموي قام بقتل إبن خاله ، عدنان خير الله طلفاح؟ و خير الله طلفاح كان قد قام بتربية صدام.
*ألم يقتل صدام زوجي إبنتيه ، وأبوي حفيديه؟
ألم نشاهد عائلة المجيد المجرمة وهي تقتل ولديها صدام كامل و حسين كامل ؟
*ألم ……..؟؟؟
إن اللصوصية التي تفتخر بها العشيرة التي ينتمي اليها صدام قد أدت الى سرقة خيرات العراق ، و إن هذه اللصوصية التي صاحبتها الإغتيالات و الإجرام قد دفعتهم لقتل بعضهم البعض . و لا أخفي على أحد أنني أفرح عندما أعلم أن الأشرار يقتل بعضهم الآخر.
و عند ذكر عائلة المجيد و مقتل الأخوين من هذه العائلة المجرمة ، لا بد أن أذكر المجرمين ،خنزيري العوجة، عدي و قصي، و أؤكد أن مرتزقة فلسطينيين من قادة جماعة حماس و الجهاد قد أقاموا مجلس عزاء و نواح على جثث الخنزيرين المذكورين ، علما بأن المرتزقة لم يقوموا مجلس النواح الا على أرواح الدولارات التي ذهبت ضحية مع إنتهاء الحكم الدموي الطائفي في العراق. لم يجاهدوا الا بسبب الدولار و لم يتحمسوا الا الى الدينار ، و بقليل من الدولارات أو الدنانير باعوا أرواحهم لشيطان و حرامي العوجة ، صدام، و قاموا بتلميع وجهه الكريه. إن الأموال التي استلموها هي تلك الأموال التي سرقت من الشعب العراقي.
هناك حادثة تاريخية وقعت أيام الخليفة الأموي ،يزيد بن معاوية، إذ يذكر المسعودي في مروج الذهب : أن يزيد كان قد ولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة ، فسرح منها جيشا الى مكة لحرب إبن الزبير ، و كان على الجيش عمرو بن الزبير ، أخو عبد الله ، و كان عمرو منحرفا عن عبد الله ، فلما تصاف القوم إنهزم رجال عمرو و أسلموه، فظفر به أخوه عبد الله ، فأقامه للناس بباب المسجد الحرام مجردا ، و لم يزل يضربه حتى مات.
ولنا أيضا في الخلفاء الأمويين و العباسيين و بعدهم العثمانيين أمثلة كثبرة حول إقتتال الأخوة . و قد يكون إقتتال الأمين و المأمون خير دليل على ذلك.
إن الإنسان عدو ما يجهل ، و إن جذور الجهل تكون قوية و صعبة القلع إذا تعلقت بها نفوس الأشرار الذين تربوا تربية شيطانية و إجرامية . و لكن جذور الجهل هذه تصبح سهلة الاقتلاع من نفوس أولئك الطيبين الذين يعيشون في ظروف تجعل منهم جهلة . و أذكر هنا حادثة وقعت مع صديق لي ، فيلي ، و هو أنه عندما أراد الزواج ذهبت جدة زوجته لتسأل القاضي فيما إذا كان في استطاعة حفيدتها السنية المذهب الزواج بكردي شيعي ، و الجدة كانت من الذين يعنقدون أن الشبعة كفرة . ومن حسن حظ صديقي أن القاضي لم بكن طائفيا أو حقودا فطمأن الجدة العجوز ، و بدلت العجوز رأيها .
و جعلناكم شعوبا و قبائلا لتعارفوا ،كلمات كريمة و حكيمة نرددها باستمرار ، تذكرنا بأننا متنوعي القوميات و اللغات و تأمرنا في التعارف والتقرب واحدنا الى الآخر . إن خطوط المواصلات جعلت أبعد نقطة في الأرض قريبة جدا ، مما يتيح التعرف أكثر فأكثر ، أبسط فأبسط.
محيي هادي - أسبانيا
11/9/2003