|
هوس العداء للعولمة..
عزيز الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 12:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أيام تجري مظاهرات صاخبة ضد مؤتمر قمة الدول الصناعية الكبرى الذي ينعقد في ألمانيا. هذه المظاهرات تجري بمبادرة وتنظيم اليسار وأقصى اليسار الغربيين والمنظمات الموصوفة بالإنسانية والدفاع عن البيئة، والتي هي تحت سيطرة أقصى اليسار واليسار أيضاً. لقد اعتادت هذه القوى التي يجمعها شعار "لا للعولمة"، تنظيم المظاهرات منذ 1999 في أية دولة يجتمع فيها رؤساء الدول الصناعية أو منظمة التجارة الدولية. في هذه المظاهرات تقترف أشكال العنف، من رمي البوليس بقنابل مولوتوف، وتحطيم واجهات المخازن والبنوك. إن منظمي المظاهرات يقولون أن هذه الأعمال الفوضوية العنفية هي فعل مجرد أقلية وأن المظاهرات سلمية؛ لكن الملاحظ أن عدد وعنف هذه "الأقلية" يزدادان من قمة لأخرى، رغم وجود حرس خاص بالمظاهرات!! كما أن هذه المظاهرات السلمية اعتادت محاصرة أماكن الاجتماعات لمنع القمة من الانعقاد، أي أن المتظاهرين يحاولون منع رؤساء دول غالبيتهم منتخبون شعبيا، [الاستثناء روسيا والصين]، لبحث مسائل دولية كبرى تهم كل البشرية، كمشكلة الاحتباس الحراري، ودعم الدول الإفريقية، ومأساة دارفور. إنه ليس للمظاهرات برنامج سياسي واجتماعي معين، والحقيقة أن عداءهم للعولمة نابع أولا من العداء للبرالية، وحرية السوق وتبادل السلع. المنظمون يعتبرون اللبرالية شرا وأمريكا رمز هذا الشر. وسبق أن حملوا قبل سنوات دمية تمثل بوش وعليها لافتة "بوش الفاشي" وهم اليوم أيضا يوجهون مركز العداء للولايات المتحدة ورئيسها. ويل عجبا لهؤلاء الذين يصفون بالفاشي رئيس أكبر دولة ديمقراطية في العالم، وكأن الشعب الأمريكي انتخبه لميله الفاشي! هذه المنظمات تعادي الديمقراطية البرلمانية في دول ذات مؤسسات ودساتير تقدمية مبنية على حقوق الإنسان. إنها تريد إحلال صخب الشارع وعنفه محل صناديق الاقتراع الديمقراطية في دول ذات مؤسسات ورقابة شعبية على الحكومات. إن هذه المواقف والسياسات المؤلجة نزلت بشعبية هذه التنظيمات ولاسيما في فرنسا، حيث لم تستطع جميع أحزاب وحركات الشيوعيين والتروتسكيين والخضر أن تحصل على غير نسبة صغيرة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة كان معظمها من نصيب التروتسكيين. يجب أن نلاحظ أيضا أن معظم هذه القوى لا تستنكر عمليات الإرهاب الوحشي في العراق، بل إن بعض منظمات أقصى اليسار في ألمانيا جمعت تبرعات "للمقاومة" في العراق! في مقال لنا نشر في 20 مارس 2005 نشرنا مقالا عن موضوع المظاهرات المعادية للعولمة، ولكن الموضوع يستحق أكثر من مقال آخر. إن المفكر الفرنسي الراحل ريفيل يرى أن العولمة بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر ومع تطور الرأسمالية وتبادل المنتجات وحرية السوق. هذه العولمة مرت بمراحل حتى وصلت لمرحلتها الراهنة المتميزة بأن الدول اللبرالية الديمقراطية الآخذة باقتصاد السوق قد اتخذت عشرات التدابير والقرارات الاجتماعية لصالح المواطنين، كالعون الصحي، والعون الاجتماعي، وتعويضات البطالة، المساكن البلدية الرخيصة لذوي الدخول الصغيرة، وتقديم المساعدات للدول المحتاجة خصوصا في إفريقيا؛ ناهيكم عن منح اللجوء السياسي واللجوء الأمني لعشرات الملايين القادمين من البلدان العربية وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي. الرأسمالية اللبرالية لم تعد "وحشية" كما زمن ماركس"، والدول الفقيرة لا تزداد فقرا أمام زيادة غنى الدول الغنية، بل هي أيضا، وبحسب الإحصاءات الدولية، تتقدم وتقوى اقتصادياتها ويرتفع المستوى المعيشي لسكانها. أما الهوة بين العالمين الصناعي وغير الصناعي فلا يمكن زوالها، ولكن الأمور تؤخذ نسبية وحسب المراحل التاريخية. ومن بين الأدلة أن دولا من العالم الثالث كانت تعتبر فقيرة هي اليوم دول صناعية متقدمة كالهند، والبرازيل، وكوريا الجنوبية وغيرهما. مظاهرات اليوم تجري ضد انعقاد قمة وضعت في جدول أعمالها أهم الهموم الدولية والخاصة بالمناخ وأخطار الاحتباس الحراري الذي يهدد حياة البشر والحيوان والنبات، وإفريقيا التي يتهمون الدول الصناعية بإهمالها وإفقارها، هي أيضا بتصدر موضوع زيادة العون لها جدول الاجتماع. وللعلم فقد سبق للدول الصناعية وخصوصا الولايات المتحدة تقديم معونات كبرى وسخية للدول الإفريقية، وما يجري في بعض هذه الدول أن الفساد منتشر وأن هناك رؤساء ينهبون هذه الأموال ويضعونها في البنوك السويسرية في حسابهم الخاص. ومن المفارقات أن مظاهرات العنف قامت قبل سنوات ضد مؤتمر للقمة الصناعية كان ضيوفه البارزون زعماء إفريقي، الذين جاءوا لطلب زيادة المساعدات، وكان بوش قد طالب بزيادة المنح والقروض لشؤون الصحة والتعليم في إفريقيا؟! إن قيادات ولوالب حركات العداء للعولمة تصدروا مظاهرات الاحتجاجات الصاخبة على نشوب حرب إسقاط صدام، بينما مروا بعدم اكتراث أمام كشف المقابر الجماعية وأمام أدلة رمي الأكراد بالغاز القاتل! فأية "أممية بروليتارية" لهؤلاء الذين لا يزالون يحلمون بثورة البروليتاريا العالمية لإسقاط الرأسمالية، وإلغاء اللبرالية والعولمة، اللتين يتمتعان بكل ما توفرانه من حرية الانتقال وحرية التظاهر؟ إن أصدقاء الفقراء "المزيفين" كما يصفهم ريفيل، لا يطرحون برامج واقعية مدروسة لزيادة المستوى المعيشي وتحسين أوضاع ذوي الدخول الصغيرة، بل يطرحون برامج غير واقعية ويحاربون مؤتمرات تنعقد لصالح البلدان الأقل نموا.
#عزيز_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرة أخرى عن عصابات الإرهاب الصدرية!
-
الحكومة الفرنسية المثيرة!
-
القنبلة الإيرانية وفتوى مولانا البرادعي!
-
هل تجب إبادة الكرد الفيلية؟!!
-
نكتب أم لا نكتب؟ تلكم هي المعضلة!
-
صرخات استغاثة وجريمة عدم المبالاة!
-
مع الانتخابات الفرنسية (2/2)
-
سركزي رئيسا: بضع ملاحظات [ 1 ]
-
لماذا الكتابة؟!
-
ما بين مظاهرات مقتدى وضرب البرلمان!
-
العراق -الجديد- بين وحشية الإرهاب وجشع الفساد!
-
القرصنة الدولية الإيرانية والسلبية العراقية
-
ما قبل المؤتمر وما بعده..
-
مع الانتخابات الفرنسية
-
نيقولا بافاريه عن لبرالية قرننا -1
-
هل تعود الحرب الباردة؟!
-
الدعاة الإسلاميون وكرامة الأطفال..
-
الالتباس والخلاف في تعريف -الحرب الأهلية-..
-
برامج التعليم العراقية ورجال الدين!
-
إيران بين شيراك والصحفي فريدمان!
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|