ان مسألة تشكيل الوزارات بشكل طبيعي وغير شاذ في دول العالم تعتمد على معايير سياسية غير معقدة تقريباً وتكاد ان تكون قيامها حسب الظروف الذاتية والموضوعية لكل بلد من البلدان، ففي البلدان التي تنتهج التعددية الحزبية وتمارس الديمقراطية البرلمانية يناط تشكيل الحكومة للأغلبية الحزبية في البرلمان أوقيام تحالفات بين حزبين أو اكثر قبل الانتخابات او بعدها وهذا الشكل متعارف عليه في الكثير من بلدان اوربا ودول اخرى في العالم ، أما الدول ذات الحكم الرئاسي فان رئيس الدولة المنتخب وطبعاً من خلفه حزبه أو المجموعة التي يمثلها والتي تسانده في حملته يقوم بتعيين الوزراء الذين اتفقوا معه في الحملة الانتخابية للرئاسة، وفي الدول ذات الحكم الملكي فهي مقسمة بين النظام الاول كما هو الحال في الدول الاسكندنافية وبعض دول أوربا الغربية وبين الشكل الرئاسي مع الفارق ان الملك في بعض بلدان العالم يستطيع ان يحل الوزارة حتى لو كانت تمثل حزب الاكثرية في البرلمان، كما أن هناك دولاً لا تعتمد الانتخابات ولا توجد فيها برلمانات منتخبة تُسَير امورها وفق رغبة الحاكمين من الملوك، أومن الرؤساء غير المنتخبين اساساً وهذه موجودة في العديد من دول العالم الثالث وطبعاً هذا الشكل ليس له صلة بالدمقراطية والحرية وحقوق الانسان لا من قريب ولا من بعيد .. أما الشاذ وغير الطبيعي ففي الدول التي تنتهج نظام الحزب الواحد والانظمة الدكتاتورية الشمولية وأنظمة الانقلابات العسكرية فان تشكيل الوزارة يخضع لقرارات القيادة الحزبية او الدكتاتور الذي جاء إلى السلطة عن طريق المؤامرة والانقلاب وعلى ظهر دبابة عسكرية ، ولا يوجد على ما أعرف اية دولة صار التقسيم الديني والطائفي هو الاساس في توزيع المناصب من القمة وحتى البرلمان وغيره سوى لبنان وهو حالة استثنائية نادرة الحدوث..
اذن ان تشكيل الوزارات يعتمد على مقومات متعارف عليها سياسية كما ذكرنا تقسيماتها وأشكالها الحديثة مقدماً، او تكنوقراطية بعدما تتفاقم الاوضاع في البلاد فُيبدأ حل الموضوع بشكل وسطي لتذهب إلى أن التكنيك الذي يكون على اساس التخطيط المنظم المستقل عن عوامل أخرى، وراجت هذه النظرية في الولايات المتحدة الامريكية والمانيا في الثلاثينات واعقبتها العديد من الدول بعد ذلك والسب الأول يعود لنشوء أزمة سياسية واقتصادية مستعصية الحل فيلجأ الحكام إلى تشكيل الوزارة من التقنيين أصحاب الاختصاص الاكاديمي لكي تُسير الأمور بدلاً من حدوث انفجارات اجتماعية وغيرها، وهذا النوع من الوزارات تقتصر طبيعته على التنظيم التكنيكي وسوف يعتمد عليه في المستقبل بشكل كبير لأنه سيلعبُ دوراً مهما في تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتطورات الثقافية وحتى في " ميدان الحياة الروحية والمصالح الطبقية والقومية والأممية"
في العراق ومنذ تأسيس الدولة العراقية كان تشكيل الوزارات قد خضع لعديد من الانماط المختلفة كأسلوب لنوع الحكم الموجود، ففي العهد الملكي كان الملك هو الذي يكلف من يريد بتشكيل الوزارة وحسب قربه من السياسة المتبعة واتجاهاتها الخارجية قبل الداخلية منها، وجاءت ثورة 14 تموز 1958 حيث اصبح تشكيل الوزارة من قبل رئيس الوزراء العسكري المرحوم عبد الكريم قاسم مُثل فيها الجيش وبعض الاحزاب دون غيرها وبعض التكنوقراطيين، بينما كان انقلاب 8 شباط 1963 قد اتخذ الطريقة الحزبية الشاذة كمعيار اساسي في تشكيل وزارته بدون النظر إلى الاختصاص ومصلحة البلاد والمجتمع.. بعد انقلاب 18 تشرين ولحين انقلاب 17 تموز 1968 كان رئيس الجمهورية غير المنتخب يقرر تشكيل الوزارات وحسب المصالح المشتركة وبخاصة مصالح العسكريين الذين ساهموا بنجاح الانقلابات لصالح الرئيس المعين، إلا أن الحقبة الثانية لحكم حزب البعث بعد 1968 اختلفت تماماً عما سابق إلا في فترة قيام الجبهة الوطنية في 1973 ، فقد وزر وزرين من الحزب الشيوعي العراقي ( ورزارة الزراعة ووزير بلا وزارة ) وهو نمط آخر سارت عليه بعض دول اوربا الشرقية سابقاً ودولاً أخرى في العالم بواسطة التحالفات الجبهوية التي كثيراً منها كانت تحت هيمنة الحزب القائد واتجاهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ..
ان الخوض في هذا المجال يحتاج إلى أكثر من مقال ونحن لسنا بصدده في الوقت الراهن، انما الذي يربطنا هو تشكيل الوزارة العراقية الجديدة والمعايير التي اتخذها مجلس الحكم الانتقالي في هذا التشكيل.. ويبدو أن هذه الحالة لم تحدث بشكلها وطريقتها إلا في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وتكاد تتميز عنها في كثير من القضايا. لكنها ظمت والحق يقال الكثير من التكنوقراطيين صاحبي الاختصاص الاكاديمي.
فهل ينبغي لمجلس الحكم العراقي ان يشكل الوزارة على الشكل اللبناني وهل يَسْتنسخ حكومة على نمط الدولة اللبنانية لكي تطبق الديمقراطية في الاتجاه والاسلوب ؟
ويمنح لكل فئة موجودة في الشعب العراقي مقعد وزاري ؟ أو يعتبر هذا التشكيل الحالي مرحلي وانتقالي لحين التمكين من قيام الدولة العراقية وبخاصة بعدما انهارت ولم يبق منها اي شيء، والتحضير لانتخابات أو استفتاء عام بمراقبة من الامم المتحدة وجامعة الدول العربية او اي منظمة حقوقية حيادية ما دمنا لا نخاف من الانتخابات أوالاستفتاء وممن سيفوز فيها، لأننا نريد ان نبني الديمقراطية الحقيقية ونمارسها بشكل صحيح بعدما دمرتنا الحكومات الرجعية والدكتاتورية التي كانت لا تمثل الشعب ولا تنتهج اي اسلوب ديمقرطي حتى وان كان نسبي اتجاه الشعب ..
إلا أن الامر يبدو على غير ذلك وقضية النجاح والسير في الطريق السليم لانهاء الاحتلال يجابه مشاكل لا حصر لها، منها ما هو مغرض لأبقاء الاحتلال واغراضه معروفة ومفهمومة بالبقاء على عدم الاستقرار والفوضى لكي يعود إلى السلطة وهؤلاء يتمثلون بفلول النظام الشمولي والذين فقدت مصالحهم بسبب سقوطه، ومنهم من يريد جعل الساحة العراقية محكاً وتجربة لنقل الصراعات الدولية والارهابية على ارضها للفراغ الأمني ولعدم وجود الدولة وقوى الامن من الشرطة وغيرها وبالتالي فإن الاستقرار وتشكيل المؤسسات الامنية والدولة ستضرهم وستضر مخططاتهم بالتأكيد.. أما القسم الثاني والذي يتكون من مجموعات مختلفة فله أغراضه الخاصة المتعلقة به وبنواياه، البعض بسبب عدم اشراكه في مجلس الحكم، والبعض الآخر كان يتصور أن الشعب سيهتف بأسمائهم ويفرضهم على اي حكم قادم وهؤلاء تنازعهم قضية السلطة قبل اي قضية اخرى ، وآخرون كانوا يتصورون على سبيل المثال أن يعود العراق إلى الحكم الملكي فورسقوط النظام الشمولي وينصب ملكاً جديداً على العراق، أما البعض فقد رأوا أنفسهم وحجمهم على الواقع وبين الجماهير العراقية فاختاروا الاتهامات والمعارضة لكسب معين محدود ،هؤلاء جميعهم يطالبون بانهاء الاحتلال ان كانوا في مجلس الحكم العراقي الانتقالي أو خارجه ولكل واحد منهم طريقته وهدفه واغراضه من هذه المطالبة .
البعض يعلن أن الاحتلال هو الذي جاء بمجلس الحكم العراقي الانتقالي ومجلس الوزراء، إلا أنهم مع شديد الاسف يتناسون انفسهم وموقعهم الحالي ولا يقولون كيف تواجدوا هم في العراق ومن ساعدهم في هذه العودة وبخاصة اولئك الذين كانوا يناضلون ضد النظام الشمولي خارج الوطن.
أو اولئك الذين كانوا داخل الوطن غير معروفين كمعارضين للنظام الشمولي لا هم ولا تجمعاتهم مع تقديرنا لهم، إلا يرون أن الاحتلال مكنهم من الظهور وظهور تجمعاتهم وأحزابهم بهذا الشكل الحر والديمقرطي وهو صاحب الفضل عليهم أيضاً؟
لو كان ذلك بوجود صدام حسين وحزبه وفدائيه ومخابراته وأمنه ومعتقلاته وعشيرته هل كان سيسمح لهم ليس بالظهور أو الحركة فحسب بل حتى في التفكير كمعارضين للنظام والقائد العظيم!! ؟
والذين كانوا في خارج الوطن إلا يرون ان الاحتلال مع كرهي الشديد له قد مكنهم من العودة بل ساعدهم على الرجوع والتحرك بهذا الشكل.
فلماذا التجني على مجلس الحكم العراقي والوزارة الجديدة في هذا الاطار والجميع سواسية أمام هذه النقلة السياسية الجديدة؟
ولماذا لا ينظر من هذه الزاوية إلى الموضوع العام للخروج برأي موحد وطني يسعى ويعمل من أجل قيام الدولة وسن الدستور والشروع في الانتخابات لتشكيل الحكومة المنتخبة على أساس انهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن ؟
من خلال ما قدمناه في هذه اللوحة لا يجب أن لايفهم أننا مع الاحتلال واعتبار وجوده إلى الأبد قضية طبيعية، أو علينا السكوت على تجاوزاته وخططه الرامية على بقاء الاحتلال اكثر من المعتاد أو تواجد قواعد عسكرية له تحت ذرائع مختلقة، فنحن نريد أن ينتهي الاحتلال بسرعة ممكنة، ولكن بالطريقة التي اتبعت في أكثرية البلدان التي اصابها ما اصاب العراق وشعبه، وحصلت على استقلالها بطريقة النضال التدريجي حتى وصل البعض منهم إلى الكفاح أو النضال المسلح بعدما تعذرت الطرق والاساليب الاخرى، فهل وصلنا نحن إلى هذه النقطة لكي نبدأ بالمقاومة المسلحة؟ ولماذا نبدأ من الأعلى دون التدرج في صراعنا ونضالنا المشروع ، إليس من الصحيح بناء بيتنا وترميم ما اصابه من خراب وتدمير لكي ننتقل إلى السياج الخارجي والحماية الكاملة؟ وهل المقاومة تخريب ملكيات الشعب ومصادره المعاشية وثرواته الوطنية ومؤسساته الانتاجية والخدمية؟ وهل نصدق الكذبة المجّة أن قوات الاحتلال والموساد الاسرائلي مثلما يشاع خلف هذه التفجيرات والاغتيالات والتخريب والدمار؟ لكي ندير ظهورنا ونحجب انظارنا عن المسببين الحقيقين.
إذن الاحتلال لو فرضاً جاء بمجلس الحكم والوزراة الجديدة هو نفسه مكن الاخرين من تواجدهم وعلنيتهم وتحركهم مع الفارق هو على ما يبدو كراسي السلطة التي ما تزال مصيبة كبيرة وهدف أولي دون الاهداف الاخرى.
كيف يمكن ارضاء الجميع، وبعض الكتاب يدعو كل فئة وجماعة أي كان وضعها أن تطالب بالتمثيل في مجلس الحكم و التمثل بوزير كي لا تغمط حقوقها وفق ديمقراطية
خاصة به يُقيم من خلالها مجلس الحكم او الوزارة أو اي عمل وظيفي في الدولة.
فهل هذه الطريقة في التعين طريقة ديمقراطية اصيلة ام تعينية ستخلق اشكالات لا حصر لها! وكم نحتاج من الوزراء كي نستطيع تلبية هذه الطلبات مئة مئتان ثلاث ؟ لأن الطالبات سوف تنهال من آخرين حتى الوصول إلى العائلة وهذه قمة السذاجة السياسية.
كيف يمكن ارضاء الجميع؟
باعتقادي ان هذه الطريقة التي يطالب بعض الاخوة معقدة تساهم في تقسيم المجتمع العراقي وتبعده عن مسالة غاية في الاهمية وهي قيام نظام حكم تعددي ديمقراطي تحكمه اسس لدستور وقوانين يقترع عليها الشعب وبالتالي لقيام برلمان منتخب بشكل حر وديمقراطي وهو الطريق الصحيح للوحدة العراقية ثم ليأتي رئيس الجمهورية او حتى الملك باستفتاء شعبي ولتأتي الوزارة ورئيسها بعد ذلك من الاكثرية البرلمانية أو التحالفات حول برامج مرحلية أو مستقبلية وهذا يجعل المواطن العراقي أي كان انتمائه يدرك أن الديمقرطية هي الحل الوحيد للكثير من المشاكل التي تواجة الشعب .
الحل الوحيد بقيام الدولة والدستور واجراء انتخابات عادلة وديمقرطية وباشراف دولي عند ذلك لا أعتراض للأكثرية أن تحكم وليأتي من يأتي ولكن عليه الالتزام بالدستور والقوانين واحترام الرأي والرأي الآخر وعدم التجاوز على حقوق ألآخرين.. المعيار سيكون من الذي سيقدم للشعب وللعراق الأفضل والأحسن سيكون الفيصل في الحكم عليه في انتخابات قادمة.. هذا هو الطريق لأنهاء الاحتلال وااقامة عراق ديمقراطي حر ومجتمعاً مدنياً له حقوقع المشروعة، إذا كان الجميع يطالبون برحيل القوات المحتلة وضرورة العودة للاستقلال الوطني فالطريق واضح وليس معقد كما يريد البعض تصويره لتمرير ما يهدفون إليه.
11 / 9 / 2003