|
في اربعينية حزيران الحلقة الثالثة دروس التاريخ
الفرد عصفور
الحوار المتمدن-العدد: 1939 - 2007 / 6 / 7 - 08:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب 1967
تضييع الممكن في سبيل المستحيل
بقلم: الفرد عصفور
الحلقة الثالثة: دروس التاريخ العاقل من عرف الخطر فدفعه بقوة او بحيلة؛ اما من بقي غير مستعد لحرب، او غير مستعد لصلح، فهو الذي ينتظر ساعة خروج روحه من جسده. عبدالله الاول، التكملة للمذكرات، الجزء الثالث ص 242
يقتضي التعامل مع قضية مثل القضية الفلسطينية قدرا كبيرا من المرونة والدينامية القادرة على التكيف مع متطلبات العصر. كل ما تم حتى الان لم يأت بالحل الحقيقي بل بمثابة الدواء المسكن او الوسيلة التي لا تفي بالغرض المنشود.
طوال المدة من عام 1917 (وعد بلفور) وحتى عام 1948 (اعلان قيام الدولة الاسرائيلية) كان الكل يعلم علم اليقين بان دولة لليهود ستقام على ارض فلسطين. وان احدا لن يقدر على رد ذلك او منعه او ايقافه.
الدول العربية جميعا بما فيها مصر والسعودية كانت على يقين بان اقصى ما يمكن القيام به هو تقسيم فلسطين بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
هذا العلم الذي يصل الى حد اليقين لم يكن خيانة ولا تقصيرا ولكن فهما ووعيا بالظروف الدولية التي كانت سائدة والتي سادت من قبل وأدت الى بدء مسار اقامة الدولة اليهودية.
كل السياسيين العرب والفلسطينيين كانوا موقنين انه لا يمكن وقف هذا الزحف الصهيوني بعد ان كان قد ترسخ في العقلية الاميركية والأوروبية ان لليهود الحق في اقامة الدولة وان القوى الكبرى ستعمل على تحقيق ذلك ولو بالقوة المسلحة.
قليلون جدا كانوا يتمتعون بالعقلانية الكافية لرؤية المستقبل ورؤية ما ستؤول اليه الاحداث. هؤلاء فقط كانت لديهم الحكمة والجرأة ليعلنوا آراءهم ومواقفهم بشجاعة من اجل حفظ الحقوق وحقن الدماء بدون تفريط بهذه الحقوق او تلك الدماء.
من هؤلاء، الملك فيصل الاول. عندما اقام فيصل الاول المملكة العربية السورية، ونتيجة للوعي بالظروف الدولية السائدة، كان مستعدا ان يقبل بحكم ذاتي لليهود في بعض مناطق فلسطين ضمن تلك المملكة، تحفظ فيه حقوقهم كأقلية (اذ لم يكن عددهم ليصل الى 65 الفا) وتصان فيه حقوق الاغلبية العربية (التي كان تعدادها آنذاك خمسمئة الف).
كان موقف فيصل واضحا في ما عرف باتفاقية فيصل وايزمن عام 1919. فقد نصت الاتفاقية على احترام حقوق الاقلية اليهودية في فلسطين. لكن فيصل اشترط تحقيق ذلك بتحقيق الاهداف العربية في الوحدة والاستقلال ضمن مملكة عربية يكون هو على رأسها.
وبعد اجبار فيصل على ترك سورية ومجيء عبدالله بن الحسين في محاولة لاسترداد عرش اخيه، ادرك بحكمته وحنكته ما تخطط له القوى الكبرى. فكانت مطالبه الاولية اقامة دولة عربية تشمل الاردن وفلسطين بعد ان تم سلخ سورية الشمالية ولبنان ضمن الانتداب الفرنسي، ويكون لليهود فيها حكم ذاتي. ولكن القوى الكبرى رفضت الاقتراح.
كانت تلك المطالب او الطموحات بداية عقلانية لحل مشكلة اليهود المضطهدين في اوروبا، ومن ثم حفظ كيان فلسطين. لقد خفت وتيرة الهجرة اليهودية الى فلسطين في فترة ما بين الحربين الى ان نشطت مجددا بظهور هتلر على الساحة السياسية الدولية. فهل كان يجب التضحية بفلسطين من اجل حل مشكلة اليهود؟
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بات واضحا ان الدولة اليهودية قائمة لا محالة. وكان الامر مجرد مسالة وقت وانتظار اللحظة المناسبة.
لقد لعبت المصالح الشخصية والطموحات غير المشروعة لبعض القادة العرب وبعض القادة الفلسطينيين دورا سلبيا في تضييع الحقوق الفلسطينية وإضاعة فرص الحل السلمي التي يمكن لها لو تمت ان توفر الكثير من الدماء والأرواح والثروات.
وفي الوقت الذي كانت فيه الاصوات العاقلة تخرج خافتة ضعيفة وخجولة كانت الاصوات الغوغائية عالية وصخبة، ضجيجها يملأ الافاق ويجذب العواطف، كالسراب يحسبه الظمآن ماءً.
كان الملك عبدالله الاول واعيا لما يحيط به من ظروف دولية لا تسمح بأي حل عسكري للوجود اليهودي في فلسطين. لم يكن عبدالله الاول يقبل بالوجود اليهودي في فلسطين لو كان يقدر ان ينهيه بالقوة وهو الذي يعلم ان القوة اذا ما وجدت يمكنها ان تحقق نتائج مهمة كما حدث عند اخراج الاتراك من الحجاز.
في مرحلة مبكرة وخلال الحرب العالمية الثانية، وجه عبدالله الاول مذكرة سياسية الى المستر كيزي وزير الدولة البريطاني في القاهرة بتاريخ 17 آذار 1943 موضوعها الوحدة السورية والاتحاد العربي.
في هذه المذكرة، يطالب عبدالله الاول الحلفاء "بتاييد استقلال سوريا بحدودها الطبيعية واعتبار وحدتها القومية والجغرافية اساسا لنظام الحكم فيها". وفي الفقرة ج من المادة 3 جاء ما يلي: "يكون لكل من فلسطين في بعض مناطقها ولبنان القديمة ادارة خاصة بمقتضى الدستور يلاحظ في الاولى منهما حفظ حقوق الاقلية اليهودية ومركز الاماكن المقدسة الخاص وفي الثانية صيانة امتيازات لبنان القديم" . وفي البند د نص صريح لإلغاء وعد بلفور "لعدم موافقة العرب عليه وهم اصحاب البلاد الشرعيون او يفسر تفسيرا يزيل مخاوف العالمين العربي والإسلامي فيكتفى بالوضع الراهن وهو نسبة الثلث الى الثلثين وتمنع الهجرة اليهودية" .
وفي المذكرة نفسها، طرح عبدالله الاول مشروعا ثانيا في حال تعذر نجاح المشروع الاول. والمشروع الثاني شبيه بالأول من حيث موضوع فلسطين والأقلية اليهودية فيها. ففي المشروع الثاني يبقى لبنان وفلسطين خارج الدولة السورية الجديدة على ان تنضما اليه لاحقا وفق شروط خاصة. ومن الشروط الخاصة بانضمام فلسطين الى الاتحاد قيام حكومة دستورية في فلسطين تراعى فيها المركز الخاص للاماكن المقدسة، وإقامة حكم ذاتي لليهود. ويشترط لإقرار العرب هذه المزايا للاقلية اليهودية في فلسطين "اعلان الهيئة اليهودية المسؤولة موافقة اليهود نهائيا على هذا الحل بإشعار الحكومة البريطانية ذلك" .
فلو تحقق ذلك الحلم بإقامة الوحدة السورية في تلك السنة وبتلك الشروط فهل نكون في وضعنا الحالي؟
لقد كان كثيرون من الفلسطينيين يرون حل مشكلتهم يتمثل في اقامة دولة اتحادية يكون عبدالله الاول رأسها. فقد نقل بهاء الدين طوقان وهو من رجالات فلسطين في رسالة الى الديوان الاميري عام 1939 عن فخري بك النشاشيبي قوله انه "لا يناسب فلسطين غير النظام الملكي وعلى رأسه سمو الامير عبدالله"
كثيرون في ذلك الوقت رفضوا موقف عبدالله الاول وحسبوه اطماعا في غير محلها. وكان ردهم النقد والتجريح والاتهام. لم يكن اولهم الحاج امين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين، ولم يكن اخرهم عبد الحميد سعيد الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين العالمية رئيس اللجنة العليا المصرية للدفاع عن فلسطين.
لقد انطلق عبدالله الاول في مقترحاته لحل المشكلة الفلسطينية من منطلق ان دوام الحالة الراهنة هي الويل لفلسطين وللعرب. وقال مخاطبا عوني عبد الهادي في رسالة اليه مؤرخة في 24 ايار 1938 انه مستعد لسحب اقتراحه اذا "اقنعتني بان في دوام الحالة الراهنة ما يردع اليهود عن شرقي الاردن بعد فلسطين ... ولست بالذي فرط بشبر من ارض او بحق من الحقوق. فلو كان في السياسة التي تعقبتها العرب منذ عشرين عاما من تأثير لما امتلأت فلسطين اليوم بما يقارب النصف مليون من اليهود ... وهذه فلسطين فاستعدوا لصلاة الجنازة عليها وقد تركت من دون مدبر او مشير. وان علي واجبا انا قائم به ولا استثني شيئا يردعني عن القيام به الا اقناعي بان الحالة الراهنة او سواها افضل منها" اما في الرد على الرئيس العام للجمعية العالمية للشبان المسلمين عبد الحميد سعيد فقد كان الملك عبدالله الاول اكثر وضوحا وأكثر حسما. كان ذلك الرد الذي اتسم بالأدب الجم والكياسة المطلقة والدبلوماسية الرائعة درسا لكل اصحاب الاصوات العالية. يقول عبدالله الاول في رده المؤرخ في الخامس من حزيران عام 1938: "... ان دعائم الصهيونية في فلسطين هي ثلاث: الوعد البلفوري، والأمم الاوروبية التي قررت اخراج اليهود من بلادها مشيرة اليهم بفلسطين، ومتطرفو العرب الذين لا يقبلون أي حل مكتفين بالبكاء والعويل مستصرخين من لا يجديهم نفعا، وهذه فلسطين تلفظ النفس الاخير". ويتابع بعد ان يستعرض احوال فلسطين: "ودواء داء فلسطين هو الاسراع في توقيف الخطر وتحديد الهجمات ثم التفكير في دفع ذلك كله دفعا تاما. وأما المطاولة فتقتل فلسطين".
في تلك الرسالة كشف عبدالله الاول عن بعض الحقائق التي ربما ما زالت غائبة عن كثيرين. او ربما ليست غائبة ولكن كثيرين يرفضون التصريح بها احتراما لنضال الشعب الفلسطيني. هذه الحقيقة اوضحتها الخريطة التي وضعتها لجنة سمبسون وكذلك لجنة بيل. ان ذلك يشهد "بأفصح بيان كيف ان العرب يسرفون في البيع كما يسرفون في العويل والبكاء الذي لا طائل تحته "
لقد ظل العرب في ادارة الصراع مع الصهيونية والإمبريالية العالمية والقوى الاستعمارية يلجأون للحلول السهلة وهي الصوت العالي والمضمون الفارغ. فما كانت تحتاجه فلسطين هو القوة الضاربة التي تنهي الوجود الاستعماري والوجود الصهيوني معا، ولكن مثل تلك القوة لم تكن موجودة ولن يسمح احد بوجودها. وكان عبدالله الاول يعلم ذلك علم اليقين. فكان لديه الجرأة الكافية ليطرح الحل وهو الذي خبر الحرب والسلم من خلال قيادته لألوية الثورة العربية الكبرى. فماذا كان الحل؟
كان الحل مقترحات من اثنتي عشرة نقطة وقد ارسل الى الحكومة البريطانية عام 1938 وأعيد نشرها في كتاب الآثار الكاملة للملك عبدالله بن الحسين المنشور في بيروت عام 1973. وخلاصة الحل تشكيل مملكة عربية موحدة من فلسطين والأردن يتمتع فيها اليهود في مناطقهم بإدارة مختارة (ما يشبه الحكم الذاتي) ويتمثلون في برلمان الدولة بنسبة عددهم وكذلك في الحكومة. ويتبع ذلك حصر الهجرة اليهودية ووقفها نهائيا ومنع اليهود من شراء أي اراضي اضافية. وتسري هذه الحا لمدة عشر سنوات ثمان منها تجريبية الى ان يتم اقرارها بصفة نهائية تبرم عندها معاهدة لإعلان الاستقلال.
لماذا التذكير بهذه المواقف. فقد اصبحت في ذمة التاريخ. ولانها كذلك لا بد من استحضارها اليوم للذكرى والعبرة فان الذكرى تنفع المؤمنين.
لقد بقي العرب يراوحون مكانهم في هذا الصراع الطويل. وظلوا في كل مرحلة يتراجعون عن وضعهم في المرحلة التي سبقت. ومنذ وعد بلفور عام 1917 الى الان 2007 أي طوال تسعين عاما لم يكن العرب في موقف افضل مما كانوا عليه في مرحلة سابقة.
في كل مرة كان العرب والفلسطينيون يتنازلون شيئا فشيئا عما تمسكوا به في السابق. وبالطبع ليس السبب دائما التهاون او الاستسلام بل لان الظروف الدولية المستجدة لا تسمح بما هو افضل. حتى الملك عبدالله الاول، الذي طرح فكرة المملكة الموحدة للاردن وفلسطين وإدارة مختارة لليهود عام 1938 عاد ليقبل بما هو اقل من ذلك عام 1943 عندما طرح فكرة الوحدة السورية وحكم ذاتي لليهود. وفي عام 1947 دعم وشجع فكرة التقسيم وهي اقل بكثير من مشروع الوحدة السورية. واستشهد وهو يدافع عن فلسطين دون ان يرى حلمه في السلام يتحقق.
وبعد النكبة عام 1948 ، بعد التشريد والتهجير، قبل العرب بما بقي من فلسطين بأمل استعادة الباقي في الوقت المناسب. لكن هذا الوقت المناسب لم يأت ابدا. بل على العكس، قامت اسرائيل. اعترف بها العالم. قبلت في الامم المتحدة. شنت اعتداءات وحروب على الدول العربية المجاورة. وأخذت مزيدا من الاراضي.
ظل العرب يتعاملون مع القضية الفلسطينية من منطلق الصراخ والفعل الصوتي دون أي عمل حقيقي لبناء القوة الذاتية ودون أي نوايا حقيقية لاسترجاع فلسطين بالقوة.
كانوا كلهم يعرفون ان التحرير الكامل ضرب من المستحيل. فكانوا يفضلون اللجوء للحل السهل وهو الكلام عن التحرير بدلا من العمل الجاد من اجله. وفي الوقت الذي اشتغلت فيه اسرائيل ببناء قوتها وتدعيم مكانتها وتحصين مواقعها وتعزيز جيشها، كانت الامة العربية تتفرق وتتشرذم وتتمزق.
انشغل العرب بالانقلابات ، من سورية الى مصر الى اليمن الى العراق، وغيرها. وهؤلاء الانقلابيون الذين جاؤا على ظهر الدبابات واغتصبوا الحكم قاموا بتخدير شعوبهم بأنهم فعلوا ذلك من اجل فلسطين وللتعجيل بتحريرها. لكن الحقيقة كانت غير ذلك.
#الفرد_عصفور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في اربعينية حزيران الحلقة الثانية
-
الحكمة باثر رجعي: تضييع الممكن في سبيل المستحيل . الحلقة الا
...
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|