فواز فرحان
الحوار المتمدن-العدد: 1938 - 2007 / 6 / 6 - 12:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يطغي الحديث هذه الايام في مختلف وسائل الاعلام عن الدور الذي تلعبه الاحزاب السياسيه في المجتمعات العربيه لا سيما تلك التي تحمل الافكار الماركسيه بمختلف اشكالها وتصوراتها للفكر الماركسي الواحد,فقد شهد العقدين الاخيرين ظهور واسع ومتشعب لمختلف التيارات التي راحت تسمي نفسها بالاحزاب الماركسيه او اليساريه او الاشتراكيه..وبلا ادنى شك يعلم الكثيرون منا ان احد اهم الاسباب التي وقفت وراء انشقاق الاحزاب الشيوعيه هو الاحداث التي عصفت بالتجربه السوفيتيه والدول التي كانت امتداد لهذه التجربه..
والخلافات في النظر لفشل التجربه السوفيتيه هي التي احدثت هذا التشظي الذي ادى الى ظهور اكثر من حزب يحمل الفكر الشيوعي في بلد واحد وهي نتيجه طبيعيه اذا ما اخذنا في نظر الاعتبار حجم التأثيرات والتداعيات التي خلفتها الاحداث وكذلك وجهات النظر التي انقسمت بين مؤيد ومعارض لما حدث في الاتحاد السوفيتي وادت في النهايه الى الحالة التي نحن فيها اليوم من انقسامات واسعه في الاراء,ولايزال البعض يصر على ان التجربه الاشتراكيه لم تقم في اي بلد لحد الان ويعلل ذلك من خلال فهمه للماركسيه والماديه الديالكتيكيه ولا يرغب بتسميه التجربه الاشتراكيه في كل من المعسكر الاشتراكي سابقا او تجارب كوريا والصين وفيتنام وكوبا تجارب اشتراكيه رغم انها عملت بكل تفان من اجل تطبيق الاشتراكيه ومبادئها لكن ان هناك احدا لم يرغب في استيعاب ان المجتمع البشري مجتمع واحد بكل اختلافاته وتلاوينه ويعيش حاله من التواصل فيما بينه بشكل لا يمكن لاحد ان يتجاهل عمق التاثير الذي تفرضه وسائل الاعلام المقروءه والمسموعه وكذلك المراحل الزمنيه التي يعيشها كل مجتمع فطرح الافكار الشيوعيه على سبيل المثال في بلد مثل فنزويلا يختلف عن دوله كسلطنه عمان او الاردن فالفارق شاسعا ولا يوجد اي مقارنه لان طرحها في الدولتين الاخيرتين قد يعرض الانسان للخطر او الموت في ظل مجتمع يعيش مرحله قبليه ظلاميه تسيطر عليها الافكار الاسلاميه المتعصبه,في الحاله الاولى يمكن ان يعارض المرء الفكره ويحاول اقناعك بوجهة نظره بطريقه متحضره اما الحالتين الاخيرتين فيلجأ على الفور للتكفير والاتهام بالرده والالحاد حتى دون ان يعطي الفرصه لسماع وجهة النظر الى النهايه..
ان اي تجربه اشتراكيه في تقديري تستحق الاحترام حتى وان الت الى الفشل لانها على الاقل يمكن ان تعلمنا درسا اذا ما تولدت الرغبه لذلك فلو جمعنا المقالات والكتب التي تناولت التجربه الاشتراكيه في الاتحاد السوفيتي لاكتشفنا انها تعادل عدد الادبيات التي كانت تقوم عليها الثوره في الاتحاد السوفيتي,اما الدروس والعبر المستفيده من التجربه فلا اعتقد انها تذكر لان الاغلبيه سخرت جهودها للنقد وتحويل الفشل الى فلسفه بحد ذاته,فذهب البعض الى نقد خروتشوف واخرين الى جعل التجربه فاشله من الاساس لانها لم تنتهج النهج الفلاني دون ان يتمعنوا في طبيعة المجتمع الذي كان يكون الأتحاد السوفيتي..
الوصول الى المرحله الشيوعيه في ظل اوضاع الاتحاد السوفيتي كان صعبا حتى لو تمكن لينين من العيش مئة عام لان الفوارق في مراحل التطور بين جمهورياته كانت تختلف اختلافا جذريا المجتمع في اذربيجان كان في عصر والمجتمع في ليتوانيا كان في عصر اخر..المرحله الحضاريه التي وصلت اليها اوكرايينا تختلف عن الحاله الحضاريه في داغستان والشيشان وقرغيزستان..حتى التعاطي مع الفكر الشيوعي وتطبيقاته كان يعاني من هوه شاسعه بين الحالتين ولا يمكن لعاقل قبول فكرة المجتمع الواحد في الاتحاد السوفيتي لانه يتجاوز هذا التعبير بكثير,ربما لو كان هناك اتحاد بين روسيا ودول البلطيق واوكرانيا وروسيا البيضاء لكان المجتمع الشيوعي ليس بعيد المنال عن هذه الشعوب وهو ليس انتقاصا من الشعوب الاخرى بالاحرى قراءة واقعيه للحالة التي تعيشها ولا زالت تلك المجتمعات وما حدث في الشيشان والحرب بين ارمينيا واذربيجان على اقليم ناغورني كاراباخ ابسط مثال فقد كانت سطوة الدوله السوفيتيه تغطي على بركان من العقد والمشاكل الاجتماعيه والنفسيه في هذه المجمعات برزت الى السطح فور اعلان غورباتشوف مبادئه(البيروسترويكا والغلاسنوست)اذ ان تحقيق الاشتراكيه في مجتمعات القوقاز لا يبدو معقدا بقدر ما يحتاج من وقت للقضاء على الكثير من القيم الاجتماعيه الباليه التي كانت تعشعش فيها..
ان الحديث هنا عن عن تحميل اشخاص الفشل في التجربه السوفيتيه يمثل فكرا ضيقا في قراءة التجربه من خلال عدة زوايا والساحه العربيه تثبت ذلك فالتجربه التي عاشها اليمن الديمقراطي رغم قوتها الا انها تهاوت اما عاصفه خفيفه من الافكار القوميه ولو كان الشعب يعتنق الفكر الماركسي وطبقه بصدق على تفاصيل حياته اليوميه لجرف معه اليمن الشمالي القبلي الى الاشتراكيه بدلا من حصول العكس,والتجربه التي يرغب الكوريون الشماليون تعميمها على الجنوب هي افضل مثال لتمسك شعب بمبادئه حيث اصبحت فئات واسعه من الجنوبيين يفضلون نظاما اشتراكيا على النظام الراسمالي الحاكم..لقد تطرقت في مقاله سابقه الى ان الاتحاد السوفيتي لم ينهاربسبب اخطاء في تطبيق الماركسيه بقدر ما كان انهيارا مبرمجا قائم على دراسه دقيقه للواقع الدولي مفاده ان هناك تيارات دينيه لا يمكن القضاء عليها من قبل نظام الحكم لانها بحاجه الى عمليه متكامله لاجتثاثها من عقول البشر جذريا والى الابد وتحتاج لتظافر الجهود من قبل فئات واسعه من المثقفين في المجتمع الدولي هذه التيارات تقف عائقا امام تحويل المجتمع البشري الى مجتمع متحضر خال من الاوهام الميتافيزيقيه..والعمليه اشبه ماتكون بجلوس شخصين على طاوله وهما في حالة حرب احدهما يتسلح بالافكار الدينيه وهي الراسماليه العالميه التي كانت تصف الاتحاد السوفيتي بالشيطان الاكبر وقوى الالحاد وغيرها من المصطلحات الخاويه والطرف الاخر كان الاتحاد السوفيتي وما فعله غورباتشوف ببساطه انسحب من هذه الطاوله وافسح المكان لجلوس بن لادن ليكون خصما لهذه الراسماليه التي كانت تتدعي التدين..
وتاريخ الحرب العالميه الثانيه والحروب التي تعرضت لها معظم الدول التي اختارت الطريق الاشتراكي تعلمنا ان الضحايا الاوائل لهذه الحروب كانوا من الشيوعيين الصلبين المؤمنين الى حد الموت بالافكار الماركسيه لانهم كانوا يذهبوا طواعيه للدفاع عن تجربتهم ,وهذا الشئ يمكن ان يطبق اليوم على المؤمنين بالاسلام السياسي وبالافكار الصهيونيه من المسيحيه وبلا ادنى شك ان الحرب التي يشهدها العالم ستساهم الى حد بعيد في اجتثاث هذه اافكار من عقول البشر لانها ستقضي على فئات واسعه من المتعصبين في الطرفين والعمليات الانتحاريه الارهابيه من الجانب الاسلامي وكذلك تطوع عشرات الالاف من الامريكيين الذين يعتقدون ان ظهور المسيح قد اصبح حتميا خير دليل على ان العالم يعيش هوس حرب وهميه قذره يذهب ضحيتها الملايين من الابرياء الذين لا دخل لهم بهذا الهراء,وهنا يبرز دور الاحزاب الماركسيه في نشر مفاهيم الماركسيه بشكل متدرج يسهم في اقناع الناس ليس بأساليب القوه او التجربه التي تطبقها دولا اخرى بل من خلال الطروحات الصحيحه للفكر الماركسي حتى لو حمل اسم العلماني المهم ان جوهر الماركسيه لا يمكن لاحد الاقتراب منه اودحضه لانه قائم على اسس علميه راسخه وبنفس القدر الذي يعادي المرء من خلاله العلم يكمن عداءه للماركسيه ...
ان تقديم طروحات علمانيه واقعيه لا يشكل موضعا للنقد في تقديري لان حالة المجتمعات العربيه تحتم علينا سقيها هذا الدواء على شكل جرعات لا جرعه واحده كي لا يتحول الى سم ويقضي على المريض..ومعظم الذين يقدمون طروحات تميل للتعصب بعض الشئ لا يراعوا الحاله الاجتماعيه والاقتصاديه التي تعيشها هذه المجتمعات والتي لا يمكنها تفهم الماركسيه او الاقتصاد الاشتراكي بسهوله دون ان تكون هناك مقدمات كثيره تساهم في تبسيط الامور لهم عند مناقشه موضوع بهذا الحجم .والعمليه التي يلقي البعض تبعاتها على الجهله واليتامى ومصطلحات اخرى اشبه ما تكون ان يقوم رجل ضالع بالعلم بالحديث عن نظريه اينشتاين النسبيه اما راع غنم لم يتعلم في حياته حرفا واحدا او ذهب للمدرسه ذات يوم,وراع الغنم هنا هو انسان ربما فيه الكثير من الخصائل التي لا تتوفر في بعض الاحيان عند المتنورين والمتعلمين لكن الطريقه التي اراد المتعلم الحديث معه من خلالها كانت خاطئه ويمكن ان يحول هذا الراع الى مبدع في مجال اخر من مجالات الخياة حتى دون ان يجعله يشعر بالفارق في مستوى التفكير او مستوى الثقافه,والمجتمع العربي يشكل الغير متعلمين فيه نسبة كبيره للغايه لا يمكننا تجاهلها وتقديم الطرح المناسب لهم في اي موضوع يشكل اساس النجاح ما المانع ان يقدم الشخص الماركسيه للمجتمع باسم العلمانيه هل يعني هذا خروجا عن الفكره؟؟ ثم اذا كانت هذه الشعوب تملك تصورات خاطئه على الموضوع الماركسي من اساسه لماذا لا يتم شرح الموضوع اولا واقناع الناس وبالتالي القول لهم هذا هو الفكر الماركسي..
المجتمعات العربيه تعيش حاله مرضيه خطيره وهي انها تخفي بين احظانها الكثير من الافكار المتطرفه التي لا تظهر الى بعد زوال العائق الذي يقف في طريقها ولا يمكن تجاهل هذه القضيه عند تناول قضايا علميه في غاية التعقيد كالماركسيه,حتى التجربه في الاتحاد السوفيتي كان الخلل واضحا فيها في مرحله اصطدامها مع العالم الراسمالي لانها لم تعش اصلا الراسماليه ولا تعلم عنها شيئا كيف تريد اقناع شعب بمحاربة نظام لا يعلم عنه شئ لقد انتقل الاتحاد السوفيتي من الاقطاع الى مجتمع اشتراكي مباشرة دون المرور بالمرحله الراسماليه وهي الحلقه المفقوده في سلسله وصول المجتمع الى المرحله الشيوعيه,وقد اخذ البعض هذه الحجه في نقده للتجربه السوفيتيه ..
ان دور الاحزاب السياسيه العلمانيه سيكلل بالنجاح بلا ادنى شك اذا ما ادركت الطريقه الصحيحه في ايصال الافكار الى الناس بطريقه تلائم المعلومات المخزونه في ادمغتهم لا ان نطبق مثل الراع عليهم لان الدور سينتهي عند ذلك الحد وتتعرض الطروحات للتشويه,وهناك وسائل متعدده تجعل الاحزاب والمنظمات الماركسيه تحقيق النجاح في المجتمع دون ان تعلن ماركسيتها من على ماذن الجوامع ,لقد علمتنا تجارب الاشتراكيه ان التطبيق وجذب الناس هو الذي يجب ان يحتل الاولويه وليس المجاهره حتى العلم الماركسي بكل سعته يكون خاليا من التاثير وفاقدا لقوته اذا لم تسخر الوسائل والادوات الصحيحه لطرحه..
#فواز_فرحان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟