|
رأي الحزب الشيوعي السوداني في العقوبات الأمريكية
الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)
الحوار المتمدن-العدد: 1938 - 2007 / 6 / 6 - 12:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لم تكن العقوبات مثار دهشة أو مفاجأة للقوى السياسية السودانية فكل المقدمات كانت تشير إلى هذه النتيجة، مما دفعنا وغيرنا لتوجيه التحذيرات لهذه الحكومة للإقلاع عن السياسات الخاطئة وتجاهلها لمواقف المجتمع الدولي خاصة إزاء قضية دارفور. فإن العقوبات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر مايو 2007م، والتي نعارضها لأن شعب السودان هو الذي يتحمل نتائجها، تأتي ضمن سلسلة عقوبات موجهة ضد حكومة السودان. ولن تكون هذه العقوبات هي الأخيرة، طالما أن حكومة الإنقاذ تصر على انتهاج سياسات تعطي الذرائع والمبررات للآخرين وعلى وجه الخصوص للولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الشأن الداخلي. تقويم أثر العقوبات على الاقتصاد السوداني ليس بالأمر اليسير الذي يمكن اختزاله في بضع كلمات من قبيل أن لا أثر لهذه العقوبات كما كانت نتائج العقوبات السابقة، كما يجيء على لسان قادة واقتصاديي المؤتمر الوطني. فمثل هذه العقوبات أقعدت الاقتصاد العراقي قبل الغزو، وألحقت ضرراً بليغاً بليبيا أجبرها على تغيير سياستها على صعيد العلاقات الدولية، وهناك أمثلة أخرى. صعوبة التقويم الفوري لأثر هذه العقوبات ناشئة من النسيج المعقد للعلاقات الاقتصادية الدولية والتي تزداد تعقيداً في ظروف العولمة. مما يتعذر معه حصر النوافذ والقنوات التي تعبر من خلالها الآثار السالبة. مما يستدعي تقويماً موضوعياً على أسس علمية ينفذ للآثار السلبية في المديين القصير والطويل لهذه العقوبات على الاقتصاد الوطني. الحديث عن أن العقوبات السابقة لم تؤثر على الاقتصاد السوداني حديث لا يسنده منطق ويكذبه الواقع. مدير سكك حديد السودان في معرض نفيه لأن يكون إدراج الهيئة في قائمة الشركات التي شملتها العقوبات أمراً جديداً ذكر لصحيفة الرأي العام أن سكك حديد السودان عانت من الآثار السالبة خلال الأعوام الماضية جراء الحظر الاقتصادي مما أثر على القوة الساحبة بنسبة 75% وكشف عن أن الهيئة دفعت أكثر من 2 مليون دولار لشراء قطع غيار أمريكية غير أنه قد تم حجزها في البحر وتقبع الآن في بلجيكا بموجب قرار الحظر الأمريكي السابق. وفي ذات الصدد يرد تصريح وزير المالية والاقتصاد الوطني الذي يرد فيه أن "الإعلان عن حظر التعامل مع ثلاثين شركة جديدة يمثل إضافة لعدد الشركات المعلنة من قبل بجانب حظر الصادرات والواردات خاصة الآليات الثقيلة وأجهزة الكمبيوتر والتي تصل البلاد الآن من خلال طرف ثالث" (الرأي العام). دون أن يشير إلى التكلفة الإضافية التي يتحملها الاقتصاد الوطني من جراء الاعتماد على الطرف الثالث هذا. ننطلق في تقويمنا المبدئي لأثر هذه العقوبات على الاقتصاد الوطني من ضرورة فرز وتصنيف الشركات والهيئات التي شملتها قائمة العقوبات من وجهة نظر ملكيتها. فمن وجهة النظر هذه شملت العقوبات: 1- شركات وهيئات مملوكة ملكية كاملة لقطاع الدولة. كمشروع الجزيرة، مصانع السكر "الجنيد، حلفا الجديدة، عسلاية، سنار" وسكك حديد السودان. هذه المنشآت بناها شعب السودان، وتم تمويلها من كدحه وخصماً على قوته وهي من المفاصل الرئيسية لاقتصادنا الوطني أسهمت ولا تزال تسهم بهذا القدر أو ذاك في بناء قدراته ولا نزال نعتقد اعتقاداً جازماً بأن دور هذه المنشآت وفاعليتها يمكن أن تتضاعف، وتسهم بقدر كبير في نهوض الاقتصاد الوطني وإقلاعه إن تم توفير احتياجاتها من مدخلات الإنتاج واحتياجات التوسع الأخرى وذلك بالإبقاء على جزء مقدر من الفائض الاقتصادي الذي تحققه بحوزة هذه المنشآت لتعيد استثماره من جديد. هذه الشركات والهيئات ظلت تعاني من سياسات حكومة "الإنقاذ"، وظل الشعب السوداني يرقب محاولات تصفيتها وتحويل ملكيتها للقطاع الخاص، تحت مبررات فشلها الذي تسوقها إليه سياساتها المعادية للقطاع العام. 2- طالت هذه العقوبات شركات تساهم الدولة في رؤوس أموالها إلى جانب مساهمين آخرين سودانيين وأجانب. هذه الشركات تقدم خدمات لقطاع الأعمال والقطاع العائلي، وترفد الخزينة العامة بإيرادات وأخرى غير نقدية، مثل سوداتل. 3- شملت هذه العقوبات أيضاً شركات تقدم لها الدولة دعماً وتوفر لها سوقاً مضمونة. إلا أن هذه الشركات لا تساهم في إيرادات الخزينة العامة أي أنها تأخذ ولا تعطي. ومثال لهذا النوع من الشركات جياد وشيكان والأخيرة تحتكر سوق التأمين على ممتلكات الدولة. 4- ضمت القائمة شركات مختلطة تساهم فيها الدولة إلى جانب رأس المال العربي الحكومي والخاص. 5- طالت العقوبات مجموعة من الشركات حديثة التكوين، والتي لا تتوفر معلومات عنها، ملكيتها، مجالس إدارتها، أنشطتها ... الخ. ويرجح الكثيرون تبعيتها لأجهزة الأمن وحزب المؤتمر الوطني وبعض الشخصيات النافذة في هذا الحزب. هذه الشركات تجد الدعم والرعاية من جانب الدولة دون أن يظهر ذلك في ميزانيتها السنوية. هذه الشركات التي تقوم بتمويل أجهزة القمع وحزب المؤتمر الوطني وقياداته النافذة، وتستخدم أيضاً سطوتها الأمنية والحزبية في إقصاء المنافسين لها من شركات القطاع الخاص. الدعم غير المحدود الذي تقدمه الدولة وبأشكال مختلفة يأتي خصماً على الصحة والتعليم وقوت المواطن وتوسع نشاط القطاع الخاص المنتج للسلع والخدمات. مما يجعلنا نذهب إلى القول بأن هذه الشركات لا تستحق العطف عليها والتضامن معها. بل والإلحاح والضغط بطلب الكشف عن حقيقتها وطبيعة أنشطتها ومراجعة أوضاعها بواسطة لجان تتمتع بالحيدة والاستقلالية والنزاهة والكفاءة المهنية والتوصية لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها وذلك يشمل كل الشركات من هذا النوع التي شملتها العقوبات والتي لم تشملها. دون مثل هذا الفرز والتصنيف لهذه الشركات وتحديد طبيعتها وفائدتها للاقتصاد الوطني ومدى تأثير وجودها على مستوى معيشة المواطنين، دون ذلك يصعب التحديد الدقيق للآثار السلبية المترتبة عن هذه العقوبات. الصعوبات التي ستنشأ من جراء فرض هذه العقوبات وتطبيقها على الوحدات الإنتاجية المملوكة لقطاع الدولة – مشروع الجزيرة، مصانع السكر، سكك حديد السودان، تتجسد في صعوبة توفير قطع الغيار بالمواصفات والجودة المطلوبتين في حالة السعي للحصول عليها من الخارج عن طريق طرف ثالث ستكون تكلفتها أعلى. وبالتالي تتأخر أو تتوقف عمليات الصيانة الجارية مما ينتج عنه تدهور القدرات الإنتاجية وارتفاع تكاليف الإنتاج وتتفاقم هذه الصعوبات في حالات إعادة التأهيل والتحديث، الأثر السلبي من جراء ذلك لا يحيق بهذه الوحدات فقط، إنما ينتقل للوحدات الإنتاجية الأخرى التي تتعامل معها وكذلك بالمواطنين. تدهور القدرة الإنتاجية لهذه الوحدات يعطي المزيد من المبررات لحكومة "الإنقاذ" للسير على طريق خصخصتها جزئياً وكلياً. ونلاحظ هنا أن هذه العقوبات والآثار المترتبة عنها تحقق أهداف الجهات التي أصدرتها وحكومة "الإنقاذ" الذين تلتقي مصالحهم وأهدافهم الاستراتيجية في القضاء على قطاع الدولة. الآثار السلبية التي ستلحق بالشركات ذات الحظوة والرعاية من جانب الدولة، دون أن تشارك في رفد الخزينة العامة بأية إيرادات هذا الأثر السلبي يكون محصوراً فيها وفي الجهات التي تغذيها هذه الشركات، الأجهزة الأمنية، حزب المؤتمر الوطني وبعض الشخصيات النافذة في هذا الحزب بل أن توقف هذه الشركات التي تعتبر عبئاً على الاقتصاد الوطني سيكون في مصلحة الأخير. فالآثار السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين في هذه الحالة لن تكون ناتجةً من العقوبات بقدر ما ستكون ناتجةً من سلوك حكومة "الإنقاذ" التي عودت الشعب السوداني على استغلال مثل هذه المواقف وبفرض المزيد من الرسوم والضرائب على الأنشطة الاقتصادية المختلفة وزيادة أعباء المستهلكين وتوسيع دائرة الفقر الذي يطحن الأغلبية الساحقة من المواطنين فالنظام الحاكم ومنذ مجيئه يؤكد كل يوم أنه غير مستعد لتخفيض إنفاقه على الأجهزة الأمنية والسيادية والحزبية ودونما اكتراث للنتائج المترتبة على هذا الإنفاق المتضخم في أوجه صرف بذخي لا يجني منها الوطن خيراً. الأثر السلبي لهذه العقوبات ستتسع دائرته في حالة نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الاتحاد الأوروبي للانضمام إليها. وسيكون هذا الأثر أكثر اتساعاً في حالة تبني مجلس الأمن لهذه العقوبات. ويصبح الحصول على التكنولوجيا المتطورة من المصادر الأمريكية والأوروبية متعذراً ومن ثم توجه البلاد للاعتماد على التكنولوجيا الأقل تطوراً كالتكنولوجيا الصينية فيتضرر كل الاقتصاد الوطني وعلى وجه خاص قطاع النفط. ظاهرة النضوب السريع لبعض آبار البترول هي من أحد جوانبها ناتجة من استخدام التكنولوجيا الصينية غير المتطورة تعمل على تخريب آبار النفط وتهدد مستقبل تطور هذا القطاع. العقوبات كلما اتسع نطاقها، كلما عبرت عن تردي علاقات السودان الخارجية وبالتالي تقل فرص وإمكانيات توظيف هذه العلاقات لخدمة عملية التنمية، فالعقوبات تنال من البلاد وتشوهها في أوساط المستثمرين الأجانب بمختلف جنسياتهم. فالأثر السلبي لهذه العقوبات على مناخ الاستثمار لا يحول فقط دون دخول مستثمرين جدد بل يشجع على هروب رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة فعلاً. وهنا ليس من المصلحة في شيء التقليل من شأن الولايات المتحدة الأمريكية وقدرتها على ممارسة الضغوط على البلدان الأخرى وكذلك توظيف نظامها المالي بهدف زيادة تأثير هذه العقوبات. الأثر التراكمي للنتائج السلبية المترتبة على هذه العقوبات.. ارتفاع تكاليف الإنتاج، ضمور القاعدة الإنتاجية، التمادي في زيادة الإنفاق الحكومي خاصة على الأجهزة الأمنية والسيادية، وزيادة الإنفاق العسكري... الخ. سينتج عنه انخفاض في سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وبالتضافر مع العوامل الأخرى سيأخذ التضخم في الارتفاع، وترتفع أسعار السلع الإنتاجية والاستهلاكية لتزداد معاناة محدودي الدخل.. وتتراكم المزيد من عوامل الكبح التي تعرقل مسار تطور الاقتصاد الوطني.
سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)
Sudanese_Communist_Party#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإضرابات المرتبطة بلقمة العيش
-
الديمقراطية واستعادة الحريات
-
لنوحد الصفوف من أجل التحول الديمقراطي الحقيقي
-
محمد إبراهيم نقد..الإقرار بفشل نمط الحزب الواحد أبرز الدروس
...
-
الصومال: أمة يأكلها بنوها
-
الانتخابات قادمة فهل انتم مستعدون؟ حوار مع الاستاذ محمد ابرا
...
-
رأي الحزب الشيوعي في زيادات الأسعار
-
قانون الاحزاب
-
زعيم الحزب الشيوعي السوداني: الحكومة أضاعت فرصة مبكرة لمعالج
...
-
مسألة الدين والدولة: دراسة فى اطار التحضير للمؤتمر الخامس ال
...
-
الحزب الشيوعي وقضية الديمقراطية (حول البرنامج) دراسة فى اطار
...
-
المؤتمر الخامس 2 نشرة غير دورية تعنى بأخبار سير التحضير للمؤ
...
-
المؤتمر الخامس - نشرة غير دورية تعنى بأخبار سير التحضير للمؤ
...
-
رأي الحزب الشيوعي السوداني في الزيادات في اسعار البترول والج
...
-
مساهمة الحزب الشيوعي السوداني في الاجتماع الاستثنائي للأحزاب
...
-
موقف الحزب الشيوعي السوداني من نشر قوات الأمم المتحدة في دار
...
-
في الدولة الإرهابية - فلنواجه عنف الشرطة وحملات التكفير وتجم
...
-
بيان من الحزب الشيوعي السوداني عن اتفاق ابوجا
-
قمة الخرطوم العربية ومهام الإصلاح السياسي !
-
خطر التقسيم والشرذمة والتدخل الأجنبي
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|