ليث زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 1939 - 2007 / 6 / 7 - 11:32
المحور:
المجتمع المدني
كثيراً ما يتم تداول هذا المصطلح من قبل العديد من الشرائح الموجودة في مجتمعنا الفلسطيني بحيث أصبح مصطلحاً مبتذلاً بلا معنى وخصوصاً عندما يستخدم في الندوات والاجتماعات وورشات العمل بدون إدراك حقيقي لماهيته وأهميته ، فماذا نقصد بالسلام الديمقراطي ؟ .
قبل البدء بالحديث عن هذا المصطلح أجد لزاماً علي التأكيد على عدة نقاط مهمة مرتبطة بهذا المصطلح وهي :
أولا : النظام الدولي الموجود وعلاقات الدول مع بعضها البعض ووجود المنظرين الدوليين ورجال السياسة والفلاسفة والثورات الفكرية والسياسية الكبرى , كل ذلك دفع الدول في العالم الى الاتفاق على ايجاد القانون الدولي , الذي وضع من قبل مجموعة من الخبراء الدولين الذين راعوا النظام الدولي الموجود ومراكز القوى والضعف والخلل والتميز ..... الخ , الموجودة في دول العالم الغنية والفقيرة .
ثانيا : هناك علاقة وثيقة بين حقوق الانسان والسلام العالمي , فانتهاك هذه الحقوق يؤدي الى خلل في الامن الدولي , لذا كان من الاهمية بمكان الاخذ بحقوق الانسان في القانون الدولي , فالهدف الاسمى الذي قامت الامم المتحدة من اجله هو الحفاظ على الامن والسلم الدوليين , وهذا الهدف لن يتحقق بمعزل عن احترام حقوق الانسان وهذا ما نصت عليه ديباجه ميثاق الامم المتحدة والمادة الاولى منه .
ثالثا : لا يزال هناك ترابط بين القانون الدولي والسياسات الدولية , فاشكاليات هذه السياسات الدولية تتدخل بالقانون الدولي , فمفهوم القانون الدولي غير ثابت ومتغير بتغير النظام الدولي والسياسات العالمية الموجودة , وهناك علاقة مترابطة بين القانون الدولي وصانع القرار السياسي في الدولة بحيث لا يكون بينهما اي تعارض , فالدولة تصنع سياستها بشكل يتماشى مع النظام الدولي السائد .
رابعا : الخطاب الليبرالي جعل من حقوق الانسان اساس القانون الدولي الجديد وهو الخطاب المسيطر في هذا العالم .
• السلام الديمقراطي : - هو نتاج تفاعلات النظرية الليبرالية في العلاقات الدولية على القانون الدولي وأهم ابعادها . فالنظرية الليبرالية نظرية سلمية تعتمد على حل الصراعات سلميا وتعتمد على الحجة والاقناع وعدم اللجوء الى العنف والارهاب والقوة , فالقوة هي التي تحكم علاقات الدول من الزاوية الواقعية السياسية والدول فيها تسعى _ التي تعتبر الممثل في النظام الدولي _ الى البقاء والتوسع ويهتمون بموقع الدولة في النظام الدولي او الساحة الدولية , فالعلاقة بين الدول تتحدد من خلال قوة كل دولة وبالتالي لها تفكير استراتيجي , بينما نجد في النظرية الليبرالية ان الممثل الرئيسي هم الافراد والمؤسسات ، فالفرد هو القيمة العليا والهدف النهائي والدولة ليست سوى وسيلة لتامين حقوق الافراد والموازنة بينها ، وبالتالي فالاولويات غير محددة لانها تابعه للاولويات الافراد والمؤسسات وناتج علاقتهما , والقيود فيها متغيرة لا ذكر لها وبالتالي لا يوجد تفكير استراتيجي .
فالدول الليبرالية هي دول يحكمها التمثيل الديمقراطي , وحقوق الاقتصاد والتسويق الخاص والملكية الخاصة , والحصانه الدستورية , والحقوق السياسية , وهذه المعايير تجعلها ابعد ما تكون عن فكرة شن حرب او دخول حرب مع دول اخرى وهو ما يطلق عليه (السلام الليبرالي ) أو ( السلام الديمقراطي) , الذي تحكمه عدة معايير أهمها المستوى المرتفع للاقتصاد , الاستقلال الاقتصادي , الثقافة التي تعزز تأثير الديمقراطية .
فالليبرالية هي التي تؤدي الى السلام الديمقراطي , وانا مع اخذها بشكل واقعي في القانون الدولي وعدم بقائها بشكل نظري او التركيز عليها من جانب النموذج او المثال , فالليبرالية نظرية شاملة للنظام الدولي وفي تحليلها لسلوك الدولة تاخذ بعين الاعتبار النظام المحلي والذي يرتبط بعدة متغيرات هي : طبيعة علاقة الدولة بالمجتمع , وطبيعة التمثيل , وتركيب الحكومة والمجتمع المحلي .
والنظرية الليبرالية نظرية سلمية وهي نظام مرن وفعال ولا تتصف بالجمود وتشجع اقتصاد السوق .
ما اود ان اقوله انه يجب ان ننتقل من الواقعية السياسية الحالية التي تتحدد علاقات الدول فيها من خلال قوة كل دولة فيها ومن خلال موقع كل دولة في هذا النظام الدولي , الى الليبرالية فتطبق هذه النظرية الليبرالية للعلاقات الدولية على كل الدول سواء كانت شمولية او دكتاتورية او ليبرالية , بحيث تتحدد العلاقات فيها بين الدول وفي المجتمع المحلي والمتعدد الجنسيات من خلال عدة معايير اهمها :
1- السلام : ولكن هل يعني ان الحفاظ على علاقات سلمية مع الدول الاخرى يعني عدم وجود صراع او خلاف ؟ بالتاكيد لا , فالصراعات والخلافات دائما موجودة وستبقى ولكن طريقة حلها هي التي تختلف فلا يلجأ الى الحل العسكري او الحرب او القوة , وانما تحل بالطرق السلمية سواء كانت سياسية او دبلوماسية .
2- الديمقراطية الليبرالية : فهي نظام حكم وطريقة حياة تعتمد على الحجة والاقناع وعد الاصوات لاتخاذ القرار في حالات تتعدد فيها الاراء والمواقف وتتنافس فيها المصالح والقناعات والاهداف , وفيها ضمان لحقوق الافراد المدنية والسياسية والحريات الاساسية وحماية دستورية للاقلية من تعسف السلطة وظلم الاكثرية , وفيها عدالة قضائية , وهي نظام حكم قائم على مبدأ سيادة القانون والمساواة امامه ومعنى ذلك ان القانون السيد هو قانون وضعي وهو الذي يحكم السلطة الحاكمة والمحكومين وهو الذي تسنه هيئة تشريعية شرعية تخضع لحكمه ويكون هناك فصل بين سلطات الدولة , ويجب ان يتمتع القانون بعدة شروط شكلية مثل العمومية والعلانية وقابلية التطبيق وقدرته على معالجة القضايا المستقبلية , ويرى هانس كيلنسن ( منظر نمساوي ) بان حكم القانون يعني تراتيبية القيم القانونية , ويرى كاريه مالبيرغ ( منظر فرنسي ) بان حكم القانون يعني ان الدولة تخضع في علاقتها مع الافراد لنظام قانوني وتحدد عملها اتجاه هؤلاء الافراد من خلال تحديد حقوقهم كمواطنين , والديمقراطية الليبرالية قائمة على اعتبار الحرية قيمة اولية وهي منسجمة مع مبدا سيادة القانون ومتلائمة مع حريات الاخرين , والديمقراطية الليبرالية محايدة في مجال الاهداف والقيم والعقائد لكنها ليست كذلك في مجال الوسائل والافعال , والديمقراطية الليبرالية قائمة على الفردية بمعنى ان الفرد هو الغاية الاسمى والدولة هي وسيلة لتحقيق هذه الغاية , والديمقراطية الليبرالية تقوم على العقلانية وتؤمن بحرية تدفق المعلومات والوصول اليها من قبل الافراد وتدعو الى الابتعاد عن الشعبوية , وترى اهمية للحوار العلني داخل المؤسسات وبين بعضها البعض وتهتم باستقلالية الهيئات والمؤسسات , وتقوم على المشاركة في اتخاذ القرار وهي بذلك تتجه باتجاه اللامركزية وتعدد المواقع والمستويات التي تتخذ فيها او من خلالها القرارات وهذه المشاركة تتطلب توزيعا للصلاحيات وللادوار والمهمات وتوزيع للسلطة .
هذه الخصائص والمبادىء والقيم التي تم ذكرها يجب ان تترجم بمؤسسات تقوم وتعمل على تحقيق هذه الاهداف , وهذه المؤسسات تحكمها وتنظم عملها مجموعة من الضوابط والتوازنات ومتابعة ومراقبة ومحاسبة هذه المؤسسات .
3- اقتصاد السوق : الجو الاقتصادي حر ومنفصل عن الدولة وفيه حقوق ملكية خاصة , فالدولة لا تسيطر على الاقتصاد ولا باي شكل من الاشكال وانما يقتصر دورها في عرض خيارات من القوانين امام الافراد والمجموعات للاختيار والسماح لهم بذلك , وامكانية تبني احد القوانين الوضعية المختارة وتشريعها في الدولة , كما ان للدولة دور في دعم الاتفاقيات التجارية الثنائية وتسهيلها والاتفاق بين الاطراف على شرعيتها , اما الدور الرئيسي في الاقتصاد فيقع على عاتق الافراد والجماعات الذين يحق لهم اختيار القانون الذي يحكم تجمعهم وشكل معين لحل النزاعات واختيار ما يناسبهم من اشكال العقود والى اي محكمة يحتكمون , فقانون السوق الجديد ، تختاره جماعات التجار ورجال الاعمال ليحكم عملهم وعمل شبكاتهم , والقانون الذي ينظم التجارة ، يختاره الافراد لاتفاقيات التجارة الثنائية وحل خلافاتها التي تتم بطريقة حيادية ومستقلة بدون تدخل سياسي مباشر وتحت اشراف قضائي وتحكيمي , فحقوق المتقاضين محفوظة بالدستور ولهم حرية اختيار طريقة حل الخلاف .
4- شبكة كثيفة للتبادل التجاري : في حالة تداخل العلاقات التجارية بين الافراد والمؤسسات في عدة دول ليبرالية , تصبح لهم سلطة وقوة للتدخل لحل النزاعات ومنع الحروب للحفاظ على مصالحهم , فالتبادل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي يعزز مبادىء الحل السلمي للخلافات .
5- الاتصال على مستوى الحكومات : فهناك علاقات غير رسمية بين الصفوه من الدول مما يدعم التفاهم والبعد عن الخلافات ويحد من عمل مكاتب العلاقات الخارجية مما يدعم علاقات الشعوب والتبادل التجاري . فهناك حوار قضائي مشترك بين محاكم الدول لتطوير العلاقة بين الافراد والمجموعات اّخذه بعين الاعتبار مصلحة كل دولة , وبذل جهد خاص لاختيار وتنسيق قوانين بديلة , فالخيارات القانونية متعددة وكثيرة لانها تأتي من عدة دول ليبرالية , وتلعب المحاكم دورا مهما في حماية حكومة الدولة عن طريق التشاور مع محاكم الدول الاخرى ومعرفة رأيها في حكم ما لتاثيرها على الدبلوماسية , ففي حالة خلاف بين محكمتين تتدخل السلطة التنفيذية لكلا الطرفين فتشكل التنفيذية تحالفا مع السلطة التشريعية من خلال القانون الوطني ومؤسساته , وكذلك فهناك حوار تشريعي مشترك يؤدي الى ظهور دستور غير رسمي مشترك يشرع مبادىء محددة للحكومة وحرية الافراد بدون المساس او الغاء التشريعات الوطنية لكل دولة .
6- انهيار الفرق بين السياسات المحلية والخارجية : في غياب الهرمية وتوفر المساواة المدنية والاقتصادية والبيئية تنهار الفروق والتميز بين السياسة المحلية والسياسة الخارجية لان كلاهما متداخلتان وتؤثران في بعضهما , ووجود السلام يدعم هذا التوجه ويقويه .
فالفرد هو الممثل وهو اصل الاتفاقيات التي تاتي نتيجة نشاطه ومصالحه , ولتطبيق اتفاقية دولية نحتاج الى تشريع يعزز عن طريق المحكمة المحلية وبالتالي تصبح هذه الاتفاقية جزء من القانون المحلي فيجب ان تتوافق التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية , وتطبيق بنود المعاهدات يتم عن طريق المحاكم المحلية واذا حدثت مشكلة في التفسير تتدخل الدولة كحكم , هذا بالاضافة الى تشكيل محكمة دولية لضمان التوحد والعدالة وحل كل مشاكل بنود المعاهدات وقانونها وهكذا تصبح المحكمة المحلية تضم قانون المعاهدة والقانون الوطني للدولة وهذا النظام يشجع الحوار الافقي بين المحاكم والدول ويسهل عملية الحوار بين اعضاء المحكمة العليا .
• مما تقدم نجد من خلال هذه المعايير التي تحدد العلاقات بين الدول , بان السلام الديمقراطي ضروري ويجب اخذه بجدية في القانون الدولي , حيث نجد ان حكومات الدول الليبرالية التي تاخذ بالسلام الديمقراطي تتمتع بميزات عديدة اهمها :
1- سلطتها محددة بالقانون المعزز بالمحكمة .
2- السلطات فيها مفصولة بدستور .
3- تحمي حقوق الافراد بطريقة قانونية .
4- تشرف على القرار السياسي .
5- لا ازدواجية في القوانين وتفضل القانون الدولي على المحلي .
6- الاختلاط الاقتصادي والاجتماعي يخلق علاقات بين المؤسسات والافراد في المجتمع .
7- ان معايير السيادة تحمي المؤسسات السياسية المقسمة الى عدة مراكز للسلطة السياسية : التشريعية والتنفيذية والادارية والقضائية , في تنفيذ واجبهم اتجاه الافراد وحفظ التوازن بين الدول بتحقيق عنصرين :
أ – بدون التدخل بعمل السلطات الاربعة لكل دولة , بل عن طريق قيام المؤسسات بتمثيل الافراد وحماية مصالحهم وتنظيمها فتصبح كل جماعة مرتبطة بدولتها وجزء من دولة اخرى في نفس الوقت وهذا يعزز بالسلام الديمقراطي .
ب – التواصل بين مؤسسات الدولة كمراكز سلطة الذي ينبع من وعي بدورهم التكاملي والمشترك لهوية موحدة بحيث تحقق وظيفتين :
1- تنظيم وتمثيل مجموعة من الافراد وتنظيم علاقتهم بالدول الاخرى .
2- تمثل سلطة ذاتية للدولة على رعايا في الدول الاخرى بالتعاون مع مؤسسات الدول الاخرى , وهذا ايضا يدعم بالسلام الديمقراطي .
. مع كل هذا تبقى لكل دولة سيادتها الذاتية التي تنبع من الموقع الجغرافي , الثقافه , اللغة , التاريخ ...الخ
#ليث_زيدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟