|
البو حاجي اسم منسي على ضفاف الغراف
عباس الشطري
الحوار المتمدن-العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 - 05:12
المحور:
حقوق الانسان
البو حاجي اسم منسي لقرية في جنوب العراق وتحديدا في محافظة الناصرية تمثل صورة مصغرة لقرى الجنوب العراقي بكل تفاصيل المعاناة والالام والامال التي عاشها خلال الثلاثين عاما الماضية. لم يداهم وعي سكانها البسطاء الخوف من ولادة صبي ذي ذنب قصير برغم ايمان نسوتها بالاساطير يعزز ذلك الخوف من الزيارات المتكررة (للغجر) الى القرية في بداية فصل الربيع والذين يقومون بقضاء حاجات الاهالي في الحدادة وقراءة الفال.
على صهوة الجواد كانت هذه وغيرها من القرى المزدهرة يوما ما ملاذا للعديد من الفلاحين البسطاء الذين ضاقت بهم السبل ايام ازمات المعيشة المتكررة والهاربين من عسف (السراكيل) في المحافظات المجاورة في اثناء فترة ماقبل النفط في بحثهم للحصول على عيش كريم، حين كانت الزراعة تمثل المصدر الاول للدخل في العراق يدلل على ذلك عدم التجانس بين العديد من سكانها الذين ينحدرون من قبائل شتى. عن سبب هجرة هؤلاء الاغراب الى القرية والسكن والتناسب مع العوائل القاطنة فيها يقول السيد عامر حسين: ان ازدهار الزراعة في منطقتنا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي جذب العديد من سكان المناطق المحيطة بالناصرية الى القدوم والعمل فيها.واندمج هؤلاء المهاجرون بمرور السنوات وارتبطوا بزيجات مع عوائلها حتى بعد نهاية المجد الذي رحل شمالا!
ملاذ اخر بعد انحسار الرقعة الزراعية في السبعينيات تدفق ابناؤها الى العمل في الجيش خاصة ان الظرف الاقتصادي الصعب لم يتح المجال امامهم لاكمال دراستهم. جعفر محمد عسكري متقاعد يقول: كانت ظروفا بالغة الصعوبة،ولما كانت طبيعة السكان فيها الزواج مبكرا والتوالد بشكل كبير من دون الاهتمام بالوضع المعيشي وهذا ما خلق صعوبات جدية امام رب العائلة،ويضيف تحملنا نحن الشباب المسؤولية في توفير دخل منتظم لمعيشة افراد الاسرة فتطوعنا في الجيش برغم ان معدلاتنا في المرحلة الاعدادية كانت جيدة وتفي بالغرض في اكمال دراستنا،تصور البؤس حين طرقت والدتي ابواب اقربائه واحدا تلو الاخرمن اجل اقتراض مبلغ بسيط لا يتجاوز العشرة دنانير لتوفير سكن وطعام لي في المدينة ايام امتحانات البكلوريا.
بلا اطباء قد يفهم القاريء ان المقصود بكلمة بلا اطباء هو ندرة وجودهم فيها وهذا صحيح لكن المقصود هو عدم وصول اي من ابنائها في دراسته الى كلية الطب دلالة على تردي التعليم فيها فالمدرسة الوحيدة التي تؤمن الدراسة لهم ولابناء القرى القريبة الاخرىوالتي قارب عمرها الاربعين عاما لم تستطع تخريج تلاميذ يصلون فيما بعد الى مستوى متقدم في الدراسة،بل ان عدد المدرسين من ابنائها لا يتجاوز الستة برغم ان سكانها اكثر من ثمانمائة شخص، ويعود السبب في ذلك كما يقول السيد جاسم محمد: إلى ان ادارة المدرسة لم تكن كفؤة طوال تلك السنوات وان نسبة رسوب الطلبة يكاد يتفوق على نسبة الناجحين منها خاصة اثناء فترة الحصار الاقتصادي اذ تسرب العديد منهم وتركوا مقاعد الدراسة مبكرا وساعد في تفاقم الحالة غض البصرمن قبل اسرهم وعدم متابعتها،ويضيف اذاكانت فترة السبعينيات قد دفعت ابناء القرية الى ترك الدراسة والتطوع في الجيش فان التسعينيات دفعتهم الى تركها والسفر الى الاردن من اجل توفير مبلغ من المال يسد رمق عوائلهم. وتشهد المدرسةحاليا نسبة رسوب عالية بسبب اللامبالاة من قبل ادارتها وعدم متابعة ومحاسبة مديرية التربية في المحافظة لهم.
وضع جديد السيدة ام علي معلمة هجر والدها قريته وسكن في المدينة مما وفر امامها وامام اخواتها فرصة اكمال دراستهن: لولم يهاجر والدي الى المدينة لما اصبحت ما أنا عليه الان فليس من تقاليد القرية وصول البنات الى مستوى تعليمي افضل ولذا تجد العادات الصحية غير موجودة نتيجة قلة المعرفة لدى النساء فيها وتضيف تصور ان احداهن لم تتابع معالجة ولدها البكر بذرائع واهية، تاركة الباب مفتوحا امام رحيله المبكر.
ارض يباب حين تقلصت الرقعة الزراعية في الجنوب بسبب قلة الحصة المائية وعدم العناية بالمبازل ابتكر سكان القرية طريقة اخرى للعيش تمثلت بمعامل الطابوق الصغيرة والمسماة (الكورة) وبرغم انها ساهمت في توفير مصدر للدخل ادى الى الحد من هجرة ابنائها الى المدينة الاان تلك الحيلة في طلب الرزق سببت انقراض المساحة الخصبة المجاورة لها والتي بذل اصحابها جهودا لابقائها حية خصبة كما يقول السيد طالب داخل ويضيف: هناك عقبات كبيرة امام اصلاح الارض في المستقبل (فالكور) خلقت جزرا متباعدة داخل الارض الزراعية وتحتاج الى جهود كبيرة لتسويتها والتلوث اصاب الاراضي المجاورة اضافة الى اصابة اطفالنا وكبار السن بامراض الربو والحساسية التي تسببها هذه المعامل. عادات متوارثة عادت للقرية امراض عدت يوما ما من الاشياء المنقرضة،اذ لم يسجل تاريخ القرية حادثة قتل واحدة خلال الاربعين عاما الماضية. لكن قلة فرص العمل والبحث عن كل ما يمكن زراعته اعاد النزاعات العشائرية بسبب الارض الى الحضور في ذاكرة المكان مرة اخرى فالبؤس ايام الحصار الاقتصادي سبب نزاعا على قطعة ارض ادى الى مقتل شخص تاركا وراءه عدداً من الاطفال وارملة شابة وكان على العائلة المسببة بقتله (الجلاء عن القرية) كجزء من الفصل العشائري وتصحر الارض سبب النزاع لان ليس هناك من يتقدم لاصلاحها؟
سوق النخاسة طالما حلم سكان القرى الواقعة على الطريق الترابي المسمى(خديدان) ان يكون لهم طريق معبد يقيهم من الاوحال شتاءا ومن الغبار الذي يسبب لهم الحساسية صيفا واستبشروا فرحا حين قررت الحكومة في عام 1980 انشاء طريق معبد حديث يحل محل دربهم النيسمي الذي كان يمر بمرحلة الشيخوخة! ووافقوا على ان يتوسط الطريق اراضيهم الزراعية املا في الخلاص. لكن ذلك لم يحدث، و بعد خمس وعشرين عاما تحمل الاهالي كل معاناتها كشفت الوثائق في اثناء مراجعتهم الدوائر ذات العلاقة بعد سقوط النظام ان الطريق قد بيع! الى قرية اخرى وان رجلاً صاحب حظوة ونفوذ قد رتب ذلك الامرلمصلحته فما كان منهم الا الخضوع الى رؤية مجلس المحافظة بتسويته ب (السبيس) الذي لم يصل بعد برغم اربعة اشهر من التسوية والتعديل!
أمل العودة كان علي حسين شابا في العشرينيات من عمره حين اندلعت الحرب العراقية - الايرانية وكرسالة احتجاج عليها ورغبة في المحافظة على حياته قرر الرحيل الى الكويت ومنها وصل الى الدول الاسكندنافية تاركا زوجة واربعة اولاد بعهدة والده وقد حالفه الحظ واكمل دراسته في الوقت الذي كان فيه ابناء القرية يتساقطون صرعى الحرب الرهيبة... واستطاع في نهاية التسعينيات من سحب ابنائه خفية الى حيث يعيش بعد ان اسس لهم مستقبلا زاهرا. عاد الى عشيرته واخوته في العام الماضي زائرا ومكث عندهم شهرا لكن يبدو ان ذاكرة المكان واستحضار الماضي لم يساعداه على تحمل البقاء في بلد تتلاطمه أمواج المجهول كما يقول وعاد ادراجه بسرعة الى غوتلاند السويدية. في حين رحل ا بناء القرية الى بغداد مرة اخرى للعمل في مساطر تحت رحمة وزحمة الموت
#عباس_الشطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلة الوصول الى بغداد بعد تفجير الجسرين
-
ايران والطموحات النووية
-
هتلر في مدينتنا
-
الدولة العراقية الجديدة بين الديمقراطية والالغام
-
موسم الهجرة الى الجنوب
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|