|
التنظيم العمالي النقابي أحد ركائز الديمقراطية
خالد عيسى طه
الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 12:10
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
الطبقة العاملة في كل الدول التي يكون مسارها نحو الديمقراطية والأستقرار السياسي تلعب دورا مهما في خلق الوعي الطبقي والسياسي نحو عدالة اجتماعية تتوفر (حسب اعتقاد الماركسيين) أكثر في الدول الأشتراكية. ان فشل النظام الشتراكي برأيي ليس عيبا في النظرية الماركسية وانما في الأداء والتطبيق من قبل القادة الشيوعيين في الأتحاد السوفيتي. نعم ان الأشتراكية في الدول التي انتشرت فيها الماركسية وفرت رغيف العيش والسكن والطب والتعليم كلا حسب كفائته ولكن يقابل ذلك دكتاتورية ( البرولاتريا ) التي تمثلت في بطش ستالين وقوة ال ( KGB) التي جعلت كل فرد روسي متقولب ضمن ما يرسمه الحزب. ولم يأبه القادة الى الحاجات الأستهلاكية المتطورة والرفاه المادي الذي هو أقل بكثير من دول الجوار كما في برلين الشرقية والغربية. الموجات السياسية العالمية مع وجود وسائل العلام المرئية والمسموعة خلقت في العراق نوعا من الوعي دفعه للتكتل والتنظيم في نقابات عمالية. ان تاريخ النقابات العمالية في العراق سحيق في القدم، وكان أحيانا يتميز بتفاهمات شخصية تبنى عليه سياسة تؤدي الى مطالبات تفيد ذوي المهنة، مثلا نقابة الخياطين التي تأسست في العشرينات، الا ان لايستطيع المرء ان ينكر دور الأحزاب السياسية والفكر الماركسي والحزب الشيوعي في ارساء قواعد التنظيم النقابي المهني حتى كانت النقابات في زمن الملكية الدستورية لها أثرها ووزنها السياسي. وكنا نحن المحامين اليساريين نهب دوما للدفاع عن النقابات، وهناك حالة قد أشغلت الحكومة السعيدية، اذ أعلن عمال سكك الحديد وعددهم عشرات الآلاف ودعت الأحزاب مطالبين بتحسين الأحوال المعيشة ولم يستطع وزير الشؤون الأجتماعية ووزير الداخلية أن يجري توفيقا مع المضربين مما اضطره الى استعمال العنف فوقعت الواقعة وأعتصم العمال في معامل ( الشالجية ) وجرى توقيف المئات ومثلهم من الجرحى وقتلى آخرون. وقد احتجت كافة الأحزاب اليمينية واليسارية على هذا العمل اللاأنساني الذي أدى بالكثير الى الموت والسجون علما ان مطالبتهم برفع الأجور كانت بنسبة ضئيلة جدا وهي ( درهم واحد ) في الشهر. أن القمع البوليسي مهما تكن قسوته لا ينهي الصراع الموجود ما بين الطبقة العمالية وأرباب العمل التي تتمثل بالحكومة والقطاع العام والخاص من الصناعات. ان وعي العمال هو بركان قد يخمد بالقوة ولكن يثور عندما تحين الفرصة ولكن يبقى بركانا سواء أكان ثائرا ام خامدا طالما ان هناك مصلحة للطبقة العاملة. وكان أهتمام المحامين بهذه الحادثة هو أن تبرع الكثير منهم بالدفاع عن قادة عمال السكك، وأذكر منهم علي شكر الذي أصبح رئيسا منتخبا لعمال السكك أيام الزعيم عبد الكريم قاسم وهي أكبر النقابات عددا وأكثرهم وعيا. ان مثل هذه الطاقات والوعي يجب أن لا تهمله القيادة الحالية وأصحاب القرار وعليهم العودة الى تشجيع أعادة بناء هذه النقابة وغيرها لتكون أساسا للحالة الدستورية المرتقبة في ديمقراطية ليبرالية موعودة. والعراق لا زال يملك طاقاته التنظيمية سواء في النقابات الحرفية أو التنظيمية سيما وان الزعيم قاسم قد أطلق عنان التنظيم السياسي النقابي المهني وجرى تأسيس (56) نقابة تضم أكثر من (382) ألف عضوا، وقد قسمت هذه النقابات بين المهنية مثل نقابة المحامين ونقابة المهندسين ونقابة الصيادلة ونقابة الأطباء البيطرييين وعشرات غيرها. أما الحرفية فقد أخذت اطار أوسع حسب الحرف مثل نقابة الحدادين ونقابة السباكين وغيرها، حتى أضطرت هذه النقابات ان تنظم انتخابيا في تأسيس اتحاد نقابات العمال العراقيين وكان يضم قادة نقابيين يشار اليهم بكل أحترام. هذه المسيرة التي دامت أربعة سنوات وهي فترة حكم الزعيم قاسم. انتكست عند مجيئ عصابة البعث في 1963 و 1968، اذ ألغت كافة النقابات السابقة ورتبت نقابات جديدة تخضع للحرب والسلطة البعثية. وهكذا أصبحت هذه النقابات ميليشيات مسلحة في البطش بكل ما يعارض البعث واسلوبه في الحكم، وبل وأصبح أفرادها جزءا من المخابرات العامة. ان من يتغافل عن فترة صدام في الأستيلاء على مواقع القوة لخدمة أغراض الحزب فهو خاطئ... صدام عند استلامه السلطة سيطر على الأمن والمخابرات وجميع قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة، كذلك استطاع الهيمنة على كافة وسائل الأعلام، وأخيرا تمكن من تشكيل جهاز تشريعي يضم أكثر أهل القانون خبرة تحت حجة اصلاح النظام القانوني، فألغى كل قانون مفيد للشعب وأبقى كل ما يسيئ اليهم ويشدد قبضته عليهم وشرع ما هو أسوء. وأهتمامنا في هذا التشريع هو قانون العمل الجديد الذي ألغى بموجبه قانون العمل رقم (1) لعام 1958 الذي صدر في زمن الزعيم قاسم وتعديلاته التي جاءت لمصلحة العمال منها التعديل الذي جاء بعد مفاوضات طويلة بين اتحاد العمال ونقابة النفط وشركات النفط ( BPC) و ( IPC) وكان لي دور كمستشار قانوني في هذه المفاوضات وجاءت النتائج التالية التي أتفق عليها بوثيقة رسمية معلنة في الوقائع العراقية كجزء من الأنتصار النقابي وهي: 1- العامل الذي يعمل في شركة النفط ويكون مهيئا للقدوم يستحق أجره كاملا اذا منع من ممارسة عمله لأي سبب. 2- الشركة تتحمل مسؤولية ومخاطر نقل العامل من سكناه الى مقر العمل اذا كان ينقل في سيارات تعود لشركة النفط. 3- تضاعفت أجور العامل في الأعمال المهنية الخطرة كأخماد الحرائق أو تواجده في محل التنقيب قرب البئر أو تعامله مع مواد كيميائية تخص التنقيب. 4- اتفق طرفي التفاوض على زيادة اجور جميع العمال منتسبي شركات النفط بنسبة تعادل التضخم النقدي ذلك الوقت. 5- اضيفت مدد للعطل الضرورية وخاصة المرأة الحامل بعد الولادة. وهناك نقاط أخرى جاءت لمصلحة التيار النقابي وثم أصبحت سارية على المشاريع الكبرى في العراق. ماذا عمل صدام مع وجود هذا القانون التقدمي الذي جاء حصيلة نضال وتضحيات الطبقة العاملة وقيادة نقاباتها في مسيرة طويلة من النضال. كلف صدام جلاوزته في تشريع قانون يحمل بين طياته أكثر حقوقا وأوسع مدارا لتحرك العمال في مطالبتهم النقابية، وقد أصدرت وزارة العدل قانونا وقد أصبت بذهول عند قرائتي لنصوصه وأنا أملك قدرا من الفهم والأدراك ما يخص التشريعات العمالية السابقة سواء في العهد الملكي أو زمن الزعيم قاسم، فقد وجدت في ما أصدره تشريع صدام لا يمكن أن أجده في أي تشريع في العالم المتقدم، اذ ان جميع نصوصه جاءت بأفكار متطورة لصالح الطبقة العاملة. ان صدام بتشريعه الجديد أدخل مبادئ لصالح العمال لدرجة لا يمكن تصورها، اذ أعطى للعامل حق الأضراب وحق الأعتصام لمدد غير محدودة، كما رفع الحد الأدنى للأجور بشكل ملفت للنظر، كما جعل العمل النقابي عملا اجباريا والنكوص عنه يعتبر خيانة للحزب والوطن، كما أدخل في مجالس ادارة الشركات أعضاء يمثلون عمال النقابة في تلك الشركة، كما أعطى رؤوساء النقابات الحق في ممارسة نشاطهم الحزبي والنقابي وتسيير المظاهرات والمسيرات في أعياد الميلاد ولكن لم يكن ذلك الا استهتارا بحقوق العمال وتزويرا لأرادته ، اذ جعل كل النقابات تنضم وتنتسب الى المخابرات العامة وبهذا أفرغ هذا القانون من كل معناه ومن نفاذ نصوصه. الحقيقة ان القانون والتنظيم النقابي وواقع النقابات كلها شعارات زائفة لا تمت الى الحقيقة بأي صلة، واستمر هذا الأرهاب حتى سقوط صدام. ماذا على مجلس الحكم عمله في ظل الواقع كي تستعيد النقابات وخاصة العمالية حيويتها وديمومة مواصلتها الدفاع عن حقوق منتسبيها ؟؟ برأينا أن الخطوات التالية مهمة للغاية: 1- تشجيع الأحزاب السياسية كافة للدعوى الى التنظيم النقابي وخلق الوعي السياسي النقابي من أجل اعادة تنظيم النقابات بقواعدها وهيكليتها ونظامها الأساسي وأغراضها لتكون مدار العمل بأقرب وقت. 2- دفع وتشجيع العمال على دعم تكتلاتهم المهنية والحرفية لتنظيم نقابات وفق المهن والحرف كما كان في عهد الزعيم قاسم. 3- الدعوى لأنتخابات اتحاد عمال يضم كل العمال الحرفيين، وآخر يضم نقابات مهنية. كذلك تشريع قانون عمالي يتوائم مع الحالة في العراق مع ملاحظة ان نسبة البطالة عالية وتقدر بحوالي 68 % من قدرة العمل المتوفرة. برأيي الأسراع في اتخاذ مثل هذه الخطوات هو تحقيق وترسيخ الأسس التي يبنى عليها صرح الديمقراطية الليبرالية المنشود كما وعدت أمريكا ليكون العراق منارا ونموذجا للغير، وأي ضغط على حرية تنظيم النقابات الجديدة بعد سقوط صدام عمل لا يخدم أي جهة، فالعمال العراقيون سيفقدون الثقة بوعود بول بريمر وهم يمثلون طبقة واعية ومؤثرة في النسيج الأجتماعي العراقي، كما ان دولاب العمل المطلوب البدء فيه بعد توفير بضع مليارات من الدولارات ليقيم صناعات خفيفة ومتوسطة، ان هذه المعامل وان كانت برأسمال أجنبي وفق قانون الأستثمار فالحالة ستصبح صعبة اذا استمر الأمريكان في مصادرة حقوق العمال في الوجود والتنظيم النقابي الذي يحمي مصالحهم. اني أقول بصوت عالي للسلطة المحتلة ان اهمال تنظيم المؤسسات العمالية المهنية الدستورية سيؤدي الى كارثة سياسية وامنية واقتصادية لكل الأطراف.
#خالد_عيسى_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الولاء ليس للمذهب .. بل للجيب والمصلحة الذاتية
-
في التأخير آفات وآفات
-
هل يستطيع علاوى انقاذ العراق
-
مصلحة للشعب العراقي بعد هذه الكوارث
-
تغيب النقابات المهنية .. وابعادها عن دورها الريادي .. خطراً
...
-
على هامش اجتماع الايرانيين والامريكان على مستوى السفراء وبحض
...
-
هل البعض يفتري على ايران في سياستها المذهبية
-
حوار هاتفي حول الاوضاع الملتهبة في العراق
-
حكومتنا والاحتلال وجهان لعملة واحدة
-
من يكتب الدستور .........ومن يطبق عليه هذا الدستور ........و
...
-
هاجس الخوف يلاحق كل العراقيين
-
الكفر بالله قد يغتفر وقتل البريئ لا يغتفر
-
ماهي الدوافع وراء تغير اسم الائتلاف .. الحكيمي..!
-
مدينة الثورة او الصدر..الزعيم قاسم نجح في لَمّ أهل الصرائف .
...
-
ليس للاحتلال حيلة سوى التراجع
-
الكفر بالله قد يغتفر وقتل البريء لا يغتفر(الفتاة اليزيدية)
-
رسالة مفتوحة الى السيد وزير الدفاع الولايات المتحدة الامريكي
...
-
حكامنا في العراق .. لا يريدون ان يسمعوا او يفهموا مطالب العر
...
-
أيحق لليساريين أن يندموا على ماقدموه من تضحيات !!!
-
الدوامة السياسية .. ضررها وأخطارها
المزيد.....
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|