حنان زعبي
الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 11:24
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
تركيا امام مفترق طرق صعب. وصول حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الاسلامية الى منصب الرئاسة، يهدد الطابع العلماني لتركيا، ويضعه في مواجهة مع الجيش. يهدد الجيش باللجوء لانقلاب عسكري، ولكن هذا يهدد الطابع الديمقراطي للدولة. في كلتا الحالتين ستمس الدولة بفرص انضمامها للاتحاد الاوروبي.
حنان زعبي
احداث دراماتيكية آخذة في التسارع على صعيد المجتمع والدولة التركية، تمثل مرحلة فاصلة في تاريخ البلاد السياسي، وخطوة هامة على صعيد الصراع التاريخي بين الحكومة المنبثقة عن التيار الاسلامي، والقوات المسلحة القوية النفوذ. بدأت الازمة مع اعلان حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الحاكم ترشيحه عبد الله غول لرئاسة الجمهورية، ثم تفجرت مع فوز غول في الجولة الاولى في التصويت بالبرلمان في 29/4.
احتمالات انتخاب عبد الله غول بالمنصب كانت كبيرة جدا، بسبب تمتع حزبه بالاغلبية البرلمانية. غير ان المعارضة العلمانية نقلت الصراع الى المحكمة الدستورية التي اقرت ان التصويت لم يكن دستوريا، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني الذي يتطلب حضور ثلثي اعضاء البرلمان، بينما حضر الجلسة في جولة التصويت الاولى 357 نائبا من اصل 550. ولم تكتف المعارضة بذلك بل نقلت الصراع الى تظاهرات في الشوارع، مما عرّض البلاد الى ازمة سياسية حادة.
تظاهر مئات الآلاف من الاتراك تعبيرا عن تمسكهم بالعلمانية، وبهدف الضغط على الحكومة كيلا تخلط الدين بالسياسة والحياة العامة. في التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن التركية الرئيسية، حمل مئات الآلاف صور مؤسس تركيا العصرية العلمانية مصطفى كمال اتاتورك، وهتفوا بشعارات منها "تركيا علمانية وستبقى"، و"وحدة ضد التعصب" و"لنسر على خطى اتاتورك".
الجيش مع الغرب
الجيش التركي طرف رئيسي في المناظرة، وهو لا ينظر بعين الرضا الى اتساع النفوذ الاسلامي في بلاده، من منطلق حفاظه على علاقاتها مع الغرب وخاصة مع حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
الكثير من المحللين السياسيين رأوا في تدخل الجيش مثابة تحذير جدي للحكومة لالغاء التصويت وحل البرلمان التركي، للحيلولة دون فوز غول بكرسي الرئاسة. كل هذا دفع في النهاية المرشح الوحيد لحزب العدالة والتنمية غول الى سحب ترشيحه.
بالمقابل، قدم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب اردوغان، مشروع قانون ينص على اصلاح دستوري يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر من الشعب، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. حتى الآن كان البرلمان ينتخب رئيس الجمهورية لولاية مدتها سبع سنوات غير قابلة للتجديد.
وتوقع مسؤولون في الحزب الحاكم ان يتم انتخاب الرئيس القادم بالاقتراع الشعبي خلال العام الحالي، مع امكانية ان يكون ذلك في نفس يوم الانتخابات العامة المقررة في 22 تموز (يوليو) القادم.
يذكر انه قبل عشر سنوات اطاح الجيش التركي بحكومة الزعيم الاسلامي، نجم الدين اربكان، التي كان غول عضوا فيها. ولكن استبعد كثيرون ان يقوم الجيش بانقلاب عسكري الآن وينتهك بشكل فظ اسس النظام الديمقراطي، الامر الذي سيمس بفرص تركيا للانضمام للاتحاد الاوروبي، الهدف الذي يُجمع عليه الاسلاميون والعلمانيون على حد سواء.
وقد حذر الاتحاد الاوروبي الجيش التركي، وطالبه بالبقاء بعيدا عن السياسة. واعلنت المفوضية الاوروبية انها تراقب عن كثب وبقلق تطورات ازمة الانتخابات الرئاسية المحتدمة في تركيا، واعربت عن املها في رؤية انتخابات ديمقراطية في تركيا وفق الدستور.
تسعى تركيا للانتماء للاتحاد الاوروبي لحل مشكلاتها الاقتصادية، لكن طريقها الى الاتحاد ليس بالهيّنة. الكاتب والمحلل السياسي طلعت رميح كتب في صحيفة "الشرق الاوسط" (13/5) مقالة بعنوان "تركيا.. الدولة الحائرة استراتيجيا" يقول فيها:
"اذا كانت شروط الاتحاد الاوروبي في ظاهرها تنصب على المطالبة بالديمقراطية وحقوق الانسان وقضايا الاقليات (الاكراد) والاصلاح الاقتصادي وحل القضية القبرصية والنزاع مع اليونان حول ترسيم حدود بحر ايجه؛ هذا الامر يضع تركيا في مأزق داخلي معقد. فمن ناحية هي غير قادرة على تلبية شروط حل مشكلة الاكراد، خوفا من تصاعد هذه المشكلة والتهديد بانفصال جزء من تركيا. ومن ناحية اخرى، هو يدفع تركيا الى صدام داخلي دائم مع القوى الاسلامية الرافضة للتوجه ذاته. وبالتالي صراعها الداخلي يدخلها في صراع مع حلفاء حاليين، سواء الولايات المتحدة او الاتحاد الاوروبي. هم حلفاء مع بعض التحفظ".
امام مفترق صعب
حزب التنمية والعدالة التركي "الاسلامي" بزعامة اردوغان، ابتعد قليلا عن النظام التركي السابق الذي تحولت تركيا في كنفه الى دولة قوية مركزية، تفصل بالخط الاحمر سياسيا بين العلمانية والعسكرية وبين الدين والدولة. في انتخابات تشرين ثانٍ (نوفمبر) 2002، تمكّن حزب العدالة من الحصول على 34.3% من الاصوات، وهي اعلى من أي نسبة حققها اي حزب او ائتلاف في السنوات الماضية.
جاء التصويت للحزب الاسلامي على خلفية الازمة الاقتصادية. ففي نفس عام الانتخابات كانت تركيا تمر بأوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة، ازدياد الهجرة الداخلية والامية وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة.
ولكن ما ان وصل الحزب للسلطة، حتى راح يمرر قوانين "اصلاح" بروح الشروط التي يضعها الاتحاد الاوروبي. ولكن معروف ان الاتحاد الاوروبي يتبنى النهج الاقتصادي الرأسمالي المعتمد على الخصخصة، مما يوسع الفجوات الاجتماعية ويهدد بمزيد من الفقر بين الاغلبية.
من جهة اخرى، يرفض الحزب التقيد بشروط الاتحاد الاوروبي المتعلقة بافساح المجال لحرية التعبير ورفع القيود عن التعليم والاذاعة والنشر بلغة غير اللغة التركية. كما يعترض الحزب الاسلامي على اعطاء حريات للاقلية الكردية، وهو في ذلك يتفق مع الجيش على قمع المقاومة الكردية ومطلبها الحكم الذاتي.
هذه بعض الامثلة على طبيعة النهج السياسي المتناقض في الحزب الاسلامي. وتناقض اساسي آخر لا يقل اهمية، هو كيف يمكن بناء حزب حديث مؤيد للديمقراطية والعصرية وساعي للانضمام للاتحاد الاوروبي الغربي، ويتبنى في الوقت نفسه الاسلام المعارض مبدئيا لفكرة الديمقراطية ومفاهيم الغرب على اعتبار كونها بدعة؟
تركيا امام مفترق طرق صعب. وصول حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الاسلامية الى منصب الرئاسة، يهدد الطابع العلماني لتركيا، ويضعه في مواجهة مع الجيش. يهدد الجيش باللجوء لانقلاب عسكري، ولكن هذا يهدد الطابع الديمقراطي للدولة. في كلتا الحالتين ستمس الدولة بفرص انضمامها للاتحاد الاوروبي.
#حنان_زعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟