|
قراءة في فكر هانس كينغ3ديانات للسلام وللحرب
سلطان الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1935 - 2007 / 6 / 3 - 11:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بيروت ، نيسان 1967 ، اليوبيل المئوي للجامعة الأمريكية . دعوة لاهوتيين مسيحيين وفقهاء مسلمين . لم يجر أي لقاء ، كل منهم ألقى كلمته بوقت منفصل وبعيد . سؤال لوزير خارجية لبنان السابق شارل مالك رئيس المؤتمر ، أجاب عليه : إنه سابق لأوانه هذا اللقاء ! وقد شُبه لبنان في تلك الحقبة من الزمن (بسويسرا الشرق الأوسط ) ، وبجزيرة سلمية بين المناطق والديانات التي كانت مسرحاً لصراعات قاسية . بيد أنه بدأ يهمس في تلك الحقبة أن الوضع يدعو الى الانفجار ، وأن التوازن السياسي بين المسيحيين والمسلمين بات هشاً ، وأن هيمنة المسيحيين مهددة بالانفجار السكاني الإسلامي ، وأن دستور الدولة الحالي لن يكتب له العيش طويلاً . واليوم بعد واحدة من أطول الحروب المدنية وأرهبها في التاريخ ، بين أناس حضاريين ، كما يدعون . أصبح هناك قناعة ؛ أنه لو سعى اللبنانيون منذ خمس وعشرين سنة إلى حوار ديني جدي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان ، ولو حظي هذا الحوار بحماية الجماعات اللبنانية ، لما كان لبنان اندفع إلى كارثة بهذا الحجم . فقد كان بوسع التفاهم الديني أن يرسي قواعد لحل سياسي عاقل وعادل . وكان بوسع هذا التفاهم أن يخفف من تعصب العنف والقتل والدمار الذي غذاه الدين (القتل على الهوية ) . فمنذ السبعينات كان بوسع المسيحيين ، انطلاقاً من عقلية التخلي المسيحي عن السلطة ، ومن طبيعة دينهم المسالم ، أن يقدموا إلى المسلمين طوعا التنازلات التي انتزعت من حكومة أمين الجميل بالسلاح في اثمانينات ، بوم كانت هذه التنازلات عاجزة عن إعادة السلام إلى البلاد .وخلاصة القول أنه كان باستطاعة اللبنانيين أن يتلافوا الحرب المدنية وإراقة الدماء من دون أن نرى النهاية ----. وإني لمقتنع أن دولة اسرائيل ومدينة أورشليم ، كما هي الحال في لبنان ، لا تستطيعان أن تحصلا على السلام إلا من خلال الحوار الديني والسياسي بين اليهود والمسلمين ، بين الاسرائيليين والمسلمين ، دون أن نعِد لحرب سادسة وسابعة وثامنة .
ويبقى السؤال دون شك بحق : هل بوسع الديانات أن تُنجز ما هو سبب وجودها ؟ من الثابت ، وردا على هذا الجواب ، أن الديانات تركت وما برحت تترك تأثيرات سلبية مدمرة لا تقاس ؛ كما تركت معارك كثيرة وصراعات دموية (حروبا دموية ) سُجلت على اسمها ، وأثارت عدداً كبيراً من الصراعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية من جهة ، أو أوحت بها أو شرعتها ، وهذا القول يصلح أن ينسب إلى الحربين العالميتين .
لقد حصلت مذابح وحروب كثيرة لا في الشرق الاوسط بين الموارنة المسيحيين والسنة والشيعة المسلمين ، بين السوريين والفلسطينيين والدروز والاسرائيليين فحسب ، بل بين العراقيين والايرانيين ، بين الهنود والباكستانيين ، بين الهندوسيين والسيخ ، بين البوذيين السنغاليين والهندوسيين التاميل ، وقديما بين الرهبان البوذيين والنظام الكاثوليكي في فييتنام ، وحديثا عار الأنفال والمذابح بين الشيعة والسنة في العراق اليوم ؛ فإذاكان لهذه المذابح والحروب طابع تعصبي دامِ وقاسِِلا يوصف ، فلكونها تيتند إلى جذور دينية . فالمنطلق هو التالي :إذا كان الله نفسه (معنا) ومع ديانتنا وطائفتنا وأمتنا وحزبنا ، يصبح جينئذ كل شيء مباحاً ضد الطرف المعادي ، إذ هو من الشيطان . فنسمح لنفسنا أن نجرح ونحرق وندمر ونقتل ونفجر كنائس ونحرق حسينيات دون أي رادع باسم الله .
ولكن أيضاً بوسع الديانات أن تترك تأثيراً ايجابياً ، وقد أسهمت كثيراً في ذلك . وبوسعها ، عبر الأفراد والفرق الدينية أو عبر الجماعات الدينية ، أن تعمل بفعالية في العالم من أجل السلام والعدالة الاجتماعية واللاعنف ومحبة القريب . وبوسع هذه الديانات أن تنشر وتحيي مواقف أساسية كإرادة السلام والعدول عن العنف .
بقيت فرنسا وألمانيا إبان قرون عدوتين لدودتين . ففي القرنين التاسع عشر والعشرين ، انطلاقاً من نزعة قومية ، خاضت الدولتان غمار ثلاثة حروب ، أثنتان منها أوصلتا إلى حربين عالميتين . فإذا لم تستيقظ الأحفاد القديمة بعد الحربين العالميتين ، وإذا لم تغلِب سياسة الثأر مرة أخرى ، وإذا باتت حرب جديدة بين فرنسا والمانيا غير معقولة اليوم ، فالعالم مدين إلى أشخاص ، مثل شارل ديغول وكونراد ادناور وموريس شومن وجان مونييه والسيد دي كاسباري . لم ينغلق هؤلاء السياسيون الكبار على ذواتهم في عقلية بيروقراطية وتكنوقراطية كما يحصل في بروكسل . بل حددوا موقفهم من خلال اختباراتهم الرهيبة ضمن رؤية تحمل بعداً أخلاقياً ودينياً . لتضع نهائياً حداً لهذه الحروب بين الأمم الأوروبية . فأوروبا الموحدة في تجذرها المسيحي الغربي وفي اقتصادها وسياستها الدفاعية هي أهم ضمانة لتعايش سلمي بين الشعوب في المستقبل . ولكي يعبر ديغول وادناور عن هذه المصالحة بين فرنسا وألمانيا التي تنبع من روح مسيحية ، بعد كل الويلات التي ارتُكبت في عقلية منافية للمسيحية ، دمغا هذه المصالحة بقداس أمام العالم بأسره في كاتدرائية (رمس) والتي كان يتوج فيها ملوك فرنسا .
فإذا اضطلع رؤساء كل الديانات الكبرى حتى الصغرى بمسؤولياتهم اليوم وأبدوا رأيهم بعزم في السلام ومحبة القريب واللاعنف والمصالحة والغفران ، فأي وقع يكون لعملهم على عالم الغد ؟ عوضاً عن اصدار البيانات والفتاوى التكفيربة والتدميرية والدموية والاجرامية ، بحق أخوة لهم في الإنسانية . فعلى ديانات العالم اليوم أن تقر بمسؤوليتها بالاشتراك مع الآخرين من اجل السلام في العالم . لذا لا ننفك في ترداد موقفنا : لا سلام بين الأمم من دون سلام بين الأديان . أي لا سلام عالمي من دون سلام ديني .
دمشق 2-6-2007
#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في فكر هانس كينغ2 معضلة الدين في الأخلاق!
-
قراءة في فكر هانس كينغ2 الديانات تناقضات قواسم أخلاقيات
-
قراءة في فكر هانس كينغ 1-أخلاق بلا دين؟
-
انخفاض في نسبة الشعور القومي
-
اليكم كيف كان الوضع ؟
-
ملحق فتاوى الارضاع ع ع
-
حرام يا لبنان
-
رضا الله من وطء رسول الله وغضب الله من احتقان رسول الله
-
الأمة التي فقدت أعز ما تملك للمرة الألف
-
يعتزمون بناء كنيسة دون ترخيص ، يا لوقاحة هؤلاء المسيحيين
-
الهي الهي لماذا تركتني صرخة شعب
-
شالوم اورشليم الطريق الى السلام ج2
-
شالوم اورشليم طريق السلام ج1
-
قلقنا وخوفنا على سوريا يزداد اليوم
-
نعم نعم ماع ماع الله الله .
-
الخطر الذي يُهدد المسيحيين في سوريا
-
بث مباشر للمبارة المرتقبة بمناسبة طلة تباشير الديمقراطية على
...
-
تحذير : يمنع نقل أو ترجمة أي فقرة من هذا الكتاب العلمي البول
...
-
مجلس النعام والنيام –مالنا وما علينا
-
رد على وزير اعلام سوري سابق-
المزيد.....
-
مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر
...
-
نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
كاتس يهاجم غوتيريش مجددا: يقود سياسة معادية لإسرائيل ولليهود
...
-
ماما جابت بيبي يا أطفال..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل
...
-
بلينكن: السنوار كان مسؤولا عن أكبر مذبحة ضد اليهود منذ المحر
...
-
استعلم عن تردد قناة طيور الجنة للاطفال بجودة عالية جدا مع اب
...
-
المقاومة الإسلامية تقصف مستعمرة زفلون بصلية صاروخية كبيرة
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن رصد تحركات جنود العدو الإسر
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|