|
في التأخير آفات وآفات
خالد عيسى طه
الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 05:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما نطق القديم به من حكم وشعارات أو قواعد قانونية شيئ لم يأتي من فراغ وانما حصيلة تجارب وتوارث حضاري كما يتطلبها تاريخ نشوء القانون، هو ان القانون ينشأ ويأتي من عادات تأخذ طريقها في المجتمع ثم تبلور هذه العادات فتصبح قاعدة ثم يصار صياغتها بقانون، وهكذا جميع القوانين في العالم نشأت من العهد الحجري ثم الزراعي ثم الصناعي، ونحن الآن في عهد الألكترونيات. في الأمس كان العثمانيون في امتداد مملكتهم الأسلامية باع طويل في صياغة القوانين بجمل مفيدة منها قانون القواعد الكلية وهي خلاصة ما جاءت به الشريعة رتبت حسب الحروف الأبجدية، وكانت جمل حكمائهم تأتي قصيرة ومفيدة منها، في التأخير آفات ( الآفة هي البلية والفاجعة ). العراق اليوم في ظل الأحتلال يواجه تأخير في انجاز الوعود التي قطعها على نفسه بول بريمر وهي ما يتطلبه قسوة الدمار الذي بدأه نظام صدام وأكملته طائرات الفانتوم الأمريكية، لقد تأخر جيش الأحتلال على كل الأصعدة: - على الصعيد التشريعي. - على صعيد هيكلة القضاء. - على صعيد التنظيم المالي المصرفي الأستثماري. - على صعيد الحالة الأدارية لجغرافية العراق في ظل صراعات فئوية.
الصعيد التشريعي أصدر بول بريمر حوالي 58 قانونا، بدأها بقانون اجتثاث المجتمع العراقي من حزب البعث، ثم قانون يرتب مسؤولية على العراقيين اذا لم يتعاونوا مع الأحتلال أو يخبروا ما قد يقع عليهم من هجمات، ثم أخذت القوانين تصدر بسرعة ونحن في غنى عن التدخل فيما اذا كان الأمريكان يحق لهم اصدار تشريعات جديدة في ظل نفاذ اتفاقيات جنيف خاصة اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في سنة 1946 وتعديلها الصادر في سنة 1977 وهي اتفاقيات ملزمة لمن أعطاها الشرعية القانونية بالتوقيع والمصادقة عليها وفق القانون، والعراق أحد الذين ينتمون الى هذه الأتفاقيات وكان يحرص على التوقيع والمصادقة خاصة في العهد الملكي. نحن لا نستطيع أن نغير من الواقع شيئا، فأحذية الأحتلال الثقيلة تنتشر في أرضنا، تداهم بيوتنا، تفضي بالموت لسجنائنا أثناء التعذيب، وكل هذا تحت علم ونظر منظمة حقوق الأنسان العالمية وهم قوة ضاربة، وعلى المثل الشائع ( الحق للسيف وللعاجز شهود ). اذا ابتعدنا عن هذه التفسيرات القانونية بحكم الواقع المرير نجد ان جميع القوانين التي شرعها بول بريمر لم تراعي المصلحة العراقية بشكل دقيق وخاصة قانون الأستثمار، هذا القانون الذي أخل بالموازين الأقتصادية وجعل من قوة الشركات ذات ازدواجية الجنسية القوية في المال والمركز والنفوذ منافسا للأقتصاد الوطني الذي لا يملك أي شيئ يستطيع به أن ينافس، مثل هذه الشركات الأجنبية حتى ضج ضجيج الخبراء الأقتصاديون وقالوا ان العراق بيع بمناقصة يحميها التشريع للأستثمار الأجنبي. هيكلة القضاء ان الأمريكان لم يراعو آراء المستشارين ذوي الهاجس الوطني يوم أشاروا عليهم بوجوب البدء بأصلاح النظام القضائي وترتيب الهرم الهيكلي لقضاة العراق بدءا من محاكم الصلح والبداءة ثم الأستئناف ثم التمييز، وكان الأقتراح يوم كنت أنا في البنتاكون وشرحته لذوي القرار هناك أن يعيد الحاكم المريكي كافة القضاة الى مراجعهم لكي تبدأ دورة العدالة والتقاضي بالسرعة الضرورية بعد توقفها، وفي مرحلة تالية تشكل لجان بأسم التطهير القضائي تتضمن من قاضي ومدون قانوني وممثل للأدارة، وآخر للسلطة المالية ومن يمثل الدائرة الأمنية. هذه اللجان تدرس أضابير كافة القضاة الذين عملوا من زمن صدام، ويجب أن يطهر اقصاءا أو تقاعدا كل قاضي تنطبق عليه أحدى الفقرات التالية: 1- اذا كان قاضيا لا يخدم العدالة بسبب ولأنه الحزبي أو المخابراتي أو الخوف من قصر الرآسة. 2- كل من كان غير نظيف اليد وتقبل الرشوة مباشرة أو بالواسطة أو تأثر برأي الغير على القرار القضائي. 3- كل من كان قد تعين بقفزة غير شرعية ولم يكن كفوءا ومؤهلا ليبت في أمور الناس عند مراجعتهم. 4- كل من أساء بحكم وظيفته للعدالة سواء بأشتراكه في لجان التعذيب أو ترئسه محكمة استثنائية أو ساهم بعمل يسيئ الى مجموع مصالح الشعب. لذا نجد ان اللجان المشكلة ستكون حرة في قرارها وتنهي علاقات الذين لا يصلحون أن يكونوا قضاة. السلطة الأمريكية لم تعمل بهذا الرأي، بل تلكئت وتأخرت وفي التأخير آقات لنجد ان آلاف القضايا لازالت مكدسة في المحاكم بدون بت، وهكذا تاخرت في اعادة تنظيم الدوائر والمؤسسات التي هي قواعد ومرتكزات تحقيق العدالة والوصول الى الحق مثل دائرة الطابو ( تسجيل العقاري ) ودائرة النفوس وأموال القاصرين والتقاعد وجميع المؤسسات القانونية التي تشرف عليها وزارتي المالية والعدلية. التنظيم المالي المصرفي الأستثماري لا زال الأمريكان يتخبطون في مواقفهم ويحاولون أن يتلمسوا الطريق الصحيح كي يقدموا مساعدة بخطوات مدروسة تعيد الأقتصاد العراقي الى حالته الطبيعية. انها لم توفق عند تشريعها السريع للقانون الأستثماري وذكرنا ذلك، وانها لم تستطع ايجاد المسالك القانونية التشريعية لفسح المجال في اعطاء اجازات بنوك أجنبية تعمل بالعراق، لذا نجد حالة تأسيس البنوك وتأسيس فروع الشركات الأجنبية حالة تسيبية لا نجدها في أبسط المجتمعات المتواجدة رغم ان العراق له ماضي مصرفي عريق وقديم، فأول مصرف أنشأ في الدول العربية هو مصرف الرافدين وأول البنوك التي شجعها العراق لتكون مساهمة في توفير السيولة النقدية لأستثمارات صناعية وانشائية هو البنك البريطاني والبنك الشرقي وبنوك أخرى من باكستانية ولبنانية، ناهيك عن عدد كبير من الصيارفة وبقدر ما يتحمله السوق العراقي في نهضة تجارية وخاصة في أوائل الخمسينات، ويوم بدأ مجلس الأعمار في انشاء المشاريع الكبرى. العراق غني بخبراءه الأقتصاديين، وقد ارتاح خبراء الأقتصاد عندما قرر تعيين الدكتور سنان الشبيبي كمحافظ للبنك المركزي، فهو ذو خبرة وممارسة معترف بها عالميا. ان التأخير في تنظيم السوق المالي العراقي آفة كبيرة تؤدي الى الخراب والعياذ بالله. الحالة الأدارية لجغرافية العراق في ظل صراعات فئوية ليس للأمريكان أي عذر من الوصول الى حل توفيقي بين صراعات الفئات التي تدخل ضمن تركيبة مجلس الحكم كما حصل الآن، ولكن متى حصل ؟ حصل بعد سنة من صراعات أثرت على النسيج الخاص بالوحدة العراقية، وكما ان أهل الجنوب وصلوا الى حل مع أهل الشمال والوسط بتنازلات اقتضتها مصلحة العراق العليا وفضلها العقلاء على مصالحهم الفئوية أو الشخصية، فنرى ان الشماليون وافقوا على الوحدة الجغرافية بدل الوحدة القومية، والجنوبيون آمنوا بأن صدام وزع قسوته على كل الفئات وانهم لم يكونوا مظلومون لحد أن يطالبوا بأستلام السلطة، وآمنوا أيضا بالواقع أن الأنتخابات هي ضرورية وقد أطلقها الزعيم الوطني رئيس المرجعية الشيعية السيد السيستاني والذي آمن به الكثير وأنا منهم، ولولا هذه المطالبة والأصرار عليها لما حدد الأمريكان مواعيد تسليم السلطة، ولكان العراق لا زال يراوح بالمربع الأول حائر بين تصريحات أقطاب البنتاكون ووعودهم الهلامية، وتحديد تسلم السلطة عند تحسن الظروف تارة وانتفاء مصلحة الأمريكان تارة أخرى. السيستاني والضاري لو وصلوا الى عمل مرجعية واحدة لكل المسلمين تشترك فيه الفتوى والقرار لأوصدنا الباب أمام كل الذين يتصيدون في الماء العكر في التفرقة المذهبية والعنصرية والسياسية. وبهذا نضع الأمريكان أمام واقع عليهم أن يحققوا وعودهم بتسليم السلطة. ان تاريخ تسليم السلطة دين برقابنا، نموت من أجله ونضحي بأي شئ ونحن نرنوا الى استقلالنا التدريجي بعد النكسة التي جاء بها الأحتلال الأمريكي لشعبنا العظيم.
المستشار القانوني خالد عيسى طه
#خالد_عيسى_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يستطيع علاوى انقاذ العراق
-
مصلحة للشعب العراقي بعد هذه الكوارث
-
تغيب النقابات المهنية .. وابعادها عن دورها الريادي .. خطراً
...
-
على هامش اجتماع الايرانيين والامريكان على مستوى السفراء وبحض
...
-
هل البعض يفتري على ايران في سياستها المذهبية
-
حوار هاتفي حول الاوضاع الملتهبة في العراق
-
حكومتنا والاحتلال وجهان لعملة واحدة
-
من يكتب الدستور .........ومن يطبق عليه هذا الدستور ........و
...
-
هاجس الخوف يلاحق كل العراقيين
-
الكفر بالله قد يغتفر وقتل البريئ لا يغتفر
-
ماهي الدوافع وراء تغير اسم الائتلاف .. الحكيمي..!
-
مدينة الثورة او الصدر..الزعيم قاسم نجح في لَمّ أهل الصرائف .
...
-
ليس للاحتلال حيلة سوى التراجع
-
الكفر بالله قد يغتفر وقتل البريء لا يغتفر(الفتاة اليزيدية)
-
رسالة مفتوحة الى السيد وزير الدفاع الولايات المتحدة الامريكي
...
-
حكامنا في العراق .. لا يريدون ان يسمعوا او يفهموا مطالب العر
...
-
أيحق لليساريين أن يندموا على ماقدموه من تضحيات !!!
-
الدوامة السياسية .. ضررها وأخطارها
-
لكل سؤال جواب
-
لعبة الجوازات المتنوعة.!!!!الاحتلال يتفنن في تعذيب ضحيته كما
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|