منظمة التجارة العالمية وحماية الملكية الفكرية والبند الاجتماعي [1]
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
أعلن الوزراء المشاركون في المفاوضات التجارية متعددة الأطراف لجولة الأوروغواي اختتام هذه الجولة في عام 1994 لتقوم بذلك منظمة التجارة العالمي مع بداية عام 1995. وهذا يعد حدثاً تاريخياً يؤدي (وفقاً لمصادر المنظمة) إلى تقوية الاقتصاد العالمي ويؤدي إلى حدوث معدلات أعلى للمبادلات التجارية والاستثمارات والتشغيل والمداخيل في كافة أنحاء العالم. وقد أعرب الوزراء عن ارتياحهم للإطار القانوني الواضح والمتين الذي صادقوا عليه لتيسير التجارة الدولية والذي يتضمن آلية عمل أكثر فعالية و نجاعة لتسوية النزاعات بين الدول.وينص هذا الإطار القانوني على خفض شامل للتعرفات الجمركية تصل إلى نسبة 40 % وكذلك وضع إطار متعدد الأطراف للضوابط المتعلقة بتجارة الخدمات وحماية حقوق الملكية الفكرية وتوفير متطلبات التجارة متعددة الأطراف وبخاصة في قطاع الزراعة وقطاع النسيج والألبسة.
وقد أكد إعلان الاتفاقية أن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة يعد مرحلة تاريخية جديدة للتعاون الاقتصادي العالمي يستجيب للرغبة العامة في العمل ضمن إطار نظام تجاري متعدد الأطراف أكثر عدلاً وانفتاحاً يخدم رفاهية الشعوب ورخاءها. وقد أكد الوزراء في إعلان قيام المنظمة العالمية للتجارة العزم على مقاومة الضغوط الحمائية بكل أنواعها، والقواعد المتينة التي وضعت في إطار جولة الأوروغواي ستؤدي حتماً إلى إشاعة مناخ تجاري عالمي أكثر انفتاحاً. وأكد الإعلان عن اختتام جولة الأوروغواي العزم على العمل لتحقيق انسجام أكبر على المستوى العالمي للسياسات المتبعة في المجالات التجارية والنقدية والمالية من خلال التعاون بين المنظمة العالمية للتجارة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. لقد كانت المشاركة في جولة الأوروغواي أكثر كثافة بالمقارنة مع كل المفاوضات التجارية متعددة الأطراف السابقة وبخاصة مشاركة البلدان النامية التي اضطلعت بدور جد نشط أثناء المفاوضات. وهذا يوفر الجو المناسب لإقامة شراكه تجارية أكثر توازناً واندماجاً.هذا وقد تم خلال الفترة التي جرت فيها المفاوضات تطبيق إجراءات مهمة للإصلاح الاقتصادي والتحرير الذاتي للتجارة في عدد من البلدان النامية والبلدان التي كانت تعتمد الاقتصاد الموجه (المخطط).[2]
وتضمنت نتائج المفاوضات ضرورة القيام بإجراءات تعود بفائدة أكبر على اقتصاديات البلدان النامية وإيلاء الوضع الاستثنائي للبلدان الأقل نمواً عناية خاصة ولابد من مواصلة دعم الإمكانات المتاحة للبلدان النامية والبلدان الأقل نمواً وبخاصة في مجال التجارة وتيسيرها والاستثمار.وسيتابع المؤتمر الوزاري والأجهزة المختصة للمنظمة العالمية للتجارة بشكل دوري نتائج وأثر اتفاقيات جولة الأوروغواي على البلدان الأقل نمواً المستوردة لمعظم حاجاتها من المعدات والآلات والمواد الغذائية بقصد اتخاذ إجراءات إيجابية تمكنها من بلوغ أهدافها التنموية. ومن الضروري أن تؤدي اتفاقية الغات وقيام المنظمة العالمية للتجارة إلى تقديم المساعدة التقنية المتزايدة في مجالات اختصاصها وبخاصة ما يتعلق بزيادة نسبة الدعم المقدم للبلدان النامية.
(أقرت الوثيقة الختامية لاتفاقية الغات حق الدول النامية في التنمية, وحث كافة الدول الأعضاء على مراعاة ظروف التنمية في هذه الدول, واحتياجاتها المالية والتجارية, إلا إن ذلك لا يغير من حقيقة أن كافة الامتيازات التي حصلت عليها الدول النامية في الاتفاقات ككل, إنما يهدف في المقام الأول تيسير التزام الدول النامية بأحكام الاتفاقية في إطار تحرير التجارة الدولية مع ضمان عدم إخلالها بحقوق البلدان الأخرى الأعضاء خاصة والحديث عن تجارة دولية حرة أمر لا يتحقق دون مشاركة الدول النامية, التي تعد السوق الرئيسة لمنتجات الدول الصناعية المتقدمة من السلع والخدمات ومصدراً رئيساً للمواد الخام ومصادر الطاقة. وكان من الضروري إتاحة ذلك عن طريق منح الدول النامية بعض التسهيلات التي تمكنها من المشاركة, وتمثلت هذه التسهيلات بصورة حوافز مؤقتة للدول النامية تساعدها على إعادة هيكله اقتصاداتها وتعديل تشريعاتها وسياساتها التجارية الوطنية لتتلاءم مع الفكر الجديد لتحرير التجارة الدولية بمفهومه الشامل). [3]
ومن بين اتفاقيات الغات التي تم التوقيع عليها في قمة مراكش اتفاقية حماية الملكية الفكرية واتفاقية الشرط الاجتماعي، سأحاول إلقاء الضوء على هاتين الاتفاقيتين، بمناسبة قرب انعقاد مؤتمر منظمة التجارة العالمية خلال شهر تشرين الثاني المقبل في الدوحة - الشهر القادم.
اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية:
تهدف اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية إلى التوفيق بين عنصرين هامين في حياة أي مجتمع متضاربين: الأول - حماية حقوق مبدعي الفكر والعلم والتكنولوجيا عن طريق تقييد شروط النشر لأغراض تجارية. الثاني - السماح بالوصول المفتوح إلى التقدم العلمي والتقانة والاستفادة من ثماره.
وكانت منظمة التجارة العالمية قد ركزت على حقوق حماية الملكية الفكرية، وتم التوضع على اتفاقية حماية الملكية الفكرية التي أثارت أشد الخلافات في جولة الأورغواي، وتشدد الاتفاقية على حماية حقوق الملكية الفكرية للمبدع، ثم وضعت معياراً عالمياً قابلاً للإنقاذ يربطه حقوق الملكية الفكرية بالتجارة.
لكن السؤال: هل تحقق اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية مصلحة البلدان النامية ؟
إن اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة يفيد البلدان المتقدمة تكنولوجياً، ويلحق الضرر بالبلدان النامية.
(واتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة يفيد البلدان المتقدمة تكنولوجياً. فمن المقدر أن البلدان المصنعة لديها 97% من جميع براءات الاختراع، وأن الشركات العالمية لديها 90% من جميع براءات اختراع التكنولوجيا والمنتجات. أما البلدان النامية فإن ما يمكن أن تكسبه من الحماية الأقوى لبراءات الاختراع الناجمة عن الاتفاق قليل لأن قدرتها في مجال البحث والتطوير ضئيلة. إذ يقدر أن عمليات البحث والتطوير لاستنباط دواء جديد تقدر تكلفتها بما يتراوح بين 150 مليون دولار و 200 مليون دولار تقريباً، ولكن ما من بلد من البلدان النامية لديه حجم مبيعات صيدلانية يبلغ حتى 400 مليون دولار. ولا يوجد دليل كبير حتى الآن على أن حماية براءات الاختراع حفزت عمليات البحث والتطوير في البلدان الفقيرة أو لصالحها، أو أنها حتى تتيح إمكانية ذلك.
وهناك أسئلة أيضاً بشأن توافق اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة مع قانون حقوق الإنسان والاتفاقات البيئية. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. تعترف جميعها بحق الإنسان في المشاركة في التقدم العملي وتتطلب اتفاقية التنوع البيولوجي من الموقعين عليها حماية وتعزيز حقوق المجتمعات المحلية، والمزارعين، والسكان الأصليين في استخدامهم للموارد البيولوجية والنظم المعرفية. وتتطلب أيضاً تقاسماً منصفاً للفوائد التي تجني من الاستخدام التجاري للموارد البيولوجية للمجتمعات المحلية ولمعارفها المحلية). [4]
ففي مجال الرعاية الصحية في البلدان النامية على سبيل المثال نلاحظ أن أحكام اتفاقية حماية الملكية الفكرية تقيد سياسات عامة كثيرة كانت تعزز وتوسع نطاق الحصول على الرعاية الصحية. حيث تستبعد القوانين الوطنية إنتاج الأدوية والمواد الصيدلانية في حماية براءات اختراع المنتجات (بحيث تسمح ببراءات التجهيز فقط)، وذلك يهدف إلى تشجيع صناعة الأدوية محلياً وبخاصة الأدوية غير الخاضعة للعلامات التجارية، وهذا يؤدي إلى توفير الأدوية بتكاليف أقل وبيعها بأسعار أقل. أما الانتقال من براءات التجهيز إلى براءات المنتجات التي تنص عليه اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية في منظمو التجارة العالمية، سيؤدي إلى توقف إنتاج الشركات المحلية لنسخ من الأدوية المهمة والتي قد تنقذ الحياة مثل أدوية السرطان وتنقص المناعة وغير ذلك، كان المواطن في البلدان النامية يحصل عليها بأسعار منخفضة تناسب دخله.[5]
ومن الضروري إدخال أحكام جديدة في اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية، تشكل ضمانات أقوى لحماية معارض السكان في البلدان النامية وبخاصة المعرفة التقليدية الموجودة لدى المجتمعات المحلية منذ قرون. وهذا يتطلب سياسات وطنية أقوى لحماية مصالح المجتمع في إطار حقائق النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
تضمنت هذه الاتفاقية الإجراءات اللازمة لحماية الملكية الفكرية والاختراعات والمحافظة عليها وتسوية المنازعات حولها والترتيبات المرحلية للتطبيق، كما تضع قواعد مكافحة الغش الصناعي وعمليات سرقة التكنولوجيا والتقليد وتحديد مقاييس ومواصفات دقيقة لحماية الحقوق وآليات التطبيق وفترة ونطاق استعمال حقوق الملكية الفكرية. وتحدد مقاييس لحماية الملكية الفكرية، وآليات لتطبيقها, ولمنع المنازعات وتسويتها. وهذا يشمل حقوق النشر, والعلامات التجارية, والتأشيرات الجغرافية, التصاميم الصناعية, بما في ذلك الأزياء والألبسة, البراءات, تصاميم الدوائر المتكاملة والمعلومات غير المكشوفة. وفي مجال البراءات، على سبيل المثال, فان المقاييس الدنيا تمنح الحماية للبراءات في جميع الحقول التكنولوجية, بما فيها الصيدلة لمدة عشرين سنة.
ـ لماذا أضيفت اتفاقية حماية الملكية الفكرية إلى اتفاقيات الغات ؟
ـ ما هي الإيجابيات التي تحققها للدول العربية أو للدول النامية المنشغلة أساساً في تأمين الغذاء لمواطنيها ؟
ـ هل بإمكان الدول العربية والدول النامية حماية حقوق الملكية الفكرية لمواطنيها ؟ وكيف يمكنها التحقق من التعدي على هذه الحقوق وطرقها ؟ وهل لديها الوسائل التي تمكنها من ذلك ؟
إن الدول الصناعية المتقدمة قادرة على التأكد من التعدي على حقوق الملكية الفكرية لمواطنيها, وهي تملك المؤسسات المؤهلة لذلك. الشركات الكبرى متعدية الجنسية.على سبيل المثال تنص اتفاقية حماية حقوق الملكية على حماية حقوق البرامج والحواسب الإلكترونية التي من المقترح أن تصل إلى نحو50 سنة لأصحاب الصور المتحركة واختراعات الشركات باختلاف أنواعها.
إن تطبيق الاتفاقية الخاصة بالملكية الفكرية لابد وأن يسهم في زيادة التكاليف المترتبة على الدول العربية والدول النامية, وبخاصة فيما يتعلق بالنشاطات الاقتصادية المختلفة, أو ما يتعلق بنقل التكنولوجيا في مجال الصناعة والزراعة.
البند الاجتماعي في اتفاقيات الغات:
ويقصد بالشرط الاجتماعية ربط المسائل التجارية مع معايير العمل الدولية التي تم المصادفة عليها في إطار منظمة العمل الدولية والتي تضمن حقوق العمل الأساسية وهي:
ـ حرية التنظيم والتعبير والمفاوضة الجماعية.
ـ حظر العمل الجبري والتمييز في المعاملة.(أمريكا أكثر دولة تمييزية).
ـ كفالة الحد الأدنى للأجور وساعات العمل والإجازات والصحة والسلامة المهنية وغيرها.
ـ عمل الأحداث وحماية المرأة العاملة.
إن ربط المسائل التجارية مع معايير العمل الدولية يعد نوعاً من التدخل الواضح في الشؤون الداخلية ومس السيادة في الدولة وبخاصة في الدول النامية التي يعمل فيها الأحداث وظروف العمل غير مناسبة وهذا يوضح لنا خطورة الشرط الاجتماعي.
لقد تم إدراج البند الاجتماعي في اتفاقيات التجارة المتعددة الأطراف تحت مظلة المنظمة العالمية للتجارة. مجموعات كثيرة في مختلف دول العالم ترى أن هذا البند الاجتماعي ربما يشكل إجراء حمائي خضع ولكنه مكشوف ولن يتمكن من حماية حقوق العمال لا في الدول المتقدمة ولا في الدول النامية. كما أن آثاره غير مؤكدة لأسباب عديدة منها: [6]
- ضعف العلاقة بين التجارة ومعايير الحقوق العمالية.
- من الممكن أن تأتي العقوبات التجارية الواردة في البند الاجتماعي بنتائج عكسية، بحيث تلحق الضرر بالعمال في البلدان النامية بدلاً من مساعدتهم.
- كما أن هذه العقوبات قد تزيد من عوائق إمكانية وصول منتجات البلدان النامية إلى الأسواق العالمية.
- ينطبق البند الاجتماعي على قطاعات الإنتاج المخصصة للتصدير فقط، وهذه القطاعات لا توفر إلا جزءاً يسيراً من فرص العمل، وبخاصة عمالة الأطفال.
- لن تساعد العقوبات التي نص عليها البند الاجتماعي على محاربة الفقر.
- من الممكن أن يكون البند الاجتماعي أداة قوية بالنسبة لدولة كبيرة وغنية، لكن هذا البند بالنسبة لدولة صغيرة نامية فإن تأثيره ضعيف جداً. وربما يكون للعقوبات التجارية تأثير مدمر أكبر على بلد صغير لا يصدر سوى بضع سلع أساسية.
- إن عملية تسوية النزاعات باهظة التكاليف وتتطلب خبرة فنية قانونية دولية عالية لا تمتلكها البلدان النامية. ولن تتمكن البلدان الفقيرة من مقاضاة البلدان الفنية. [7]
(ما هي بعض البدائل للعقوبات التجارية ؟
· اتخاذ تدابير تمكن من إنفاذ معايير العمل الأساسية التي وضعتها منظمة العمل الدولية.
· وضع برامج تشترك أصحاب العمل والحكومات لتحسين حقوق العمال. ومن أمثلة ذلك برامج منظمة العمل الدولية المناهضة لعمل الأطفال التي تبني على مبادرات ناجحة توفر التعليم في باكستان وبنغلادش.
· اتخاذ مبادرات لتشديد مسائلة الشركات، بما في ذلك وضع مدونات لسلوك الشركات تحترم معايير العمل الأساسية، مع تنفيذ تلك المدونات ورصدها رصداً مستقلاً.
· اتخاذ إجراءات من جانب المستهلكين مثل وضع البطاقات وحملات المقاطعة لإيجاد حوافز في السوق لرفع مستوى معايير العمل). [8]
إن ما يلزم لحماية حقوق العمال وتحسين أحوالهم في البلدان النامية ليس البند الاجتماعي بل زيادة الاستثمارات والنمو الاقتصادي الذي يخلق فرصاً للعمل أكثر، وقوانين وطنية أقوى. إلى جانب اعتماد معايير محددة من جانب القطاع الخاص المحلي ومن جانب الشركات الأجنبية.
من الواضح بأن اتفاقيات الغات منذ نشأتها عام 1947 وحتى اكتمال أبعادها في مؤتمر مراكش عام 1994 كان هدفها الأساسي تلبية حاجات الدول المتقدمة الصناعية وتأمين مصالحها, وقد أكدت الممارسات الفعلية لهذه الدول عبر مسيرة الغات الطويلة هذه الحقيقة.. وقد ظهر من تطبيق أحكام اتفاقية الغات خلال العقود الخمسة الماضية بأنه على الدول النامية أن تصدر سلعاً أكثر فأكثر من أجل أن تستورد سلعاً أقل فأقل. [9]
وإذا كانت الدول الصناعية المتقدمة هي الرابحة دوماً من خلال تطبيق اتفاقات الغات فإن الدول النامية والدول الأقل نمواً هي الخاسرة دوماً, لقد كانت الخاسرة في علاقاتها التجارية مع الدول المتقدمة صناعياً في عصر الاستعمار وبقيت خاسرة في عصر الحرب الباردة وما بعدها وحتى مع ظهور وتطبيق اتفاقية الغات ظلت هي الخاسرة. [10]
إن تطبيق اتفاقية الغات قد يؤدي إلى نتائج مدمرة على اقتصاديات الدول النامية، وتشير بعض التحليلات إلى أن استخدام أنظمة متطورة للري مثلاً لإنتاج كميات كبيرة من السلع الزراعية بأعداد أقل من الأيدي العاملة هي نظرية يقود تطبيقها في البلدان النامية إلى نتائج خاطئة, لسبب بسيط هو أن الذين سيفقدون عملهم نتيجة لذلك سيهاجرون إلى المدن حيث سيعيشون في المناطق الفقيرة مما سيؤدي إلى خلل سكاني وعدم استقرار اجتماعي.ويقدر عدد الذين يعيشون في المناطق الزراعية في الدول النامية بأكثر من ثلاثة مليارات فرد, وإن أي نجاح لاتفاقيات الغات بفرض طرائق زراعية حديثة وتستخدم التقانة العالية سيؤدي إلى فقدان حوالي 2 مليار من السكان عملهم, وسينتقل عدد كبير من هؤلاء العاملين إلى المدن, وسيجبر عدد كبير منهم على الهجرة الجماعية, وما يحدث الآن في الصين هو تأكيد لذلك إذ أن حوالي 100 مليون صيني هجروا أراضيهم بسبب استخدام الطرق الحديثة والتقانة في الزراعة وبدؤوا البحث عن عمل آخر في أنحاء البلاد. [11]
ولتجنب نتائج مأساوية مثل هذه, لابد من تجنب سياسات تجارية جديدة تعتمد على الأسواق الحرة كمقدمة لإطلاق حرية التجارة على مستوى العالم, وهذا لا يعني إغلاق الأسواق العالمية بوجه التجارة من منطقة إلى أخرى. بل على العكس فتح إمكانيات عقد اتفاقيات ثنائية بين هذه الأقاليم. ليس من السهل على أي بلد فتح أسواقه أمام كل أنواع البضائع من البلدان الأخرى بغض النظر عن المنافع التي يمكن أن يجنيها هذا البلد أو ذاك أو عن الأضرار التي يمكن أن يلحقها مثل هذا الانفتاح باقتصاديات البلدان النامية وتدمير فرص العمل فيها والتي ستؤدي أحياناً إلى اضطرابات اجتماعية وإشاعة عدم الاستقرار في البلد.
واعتقد أن على الذين يطالبون بإطلاق حرية التجارة العالمية إقامة تجمعات ومناطق إقليمية اقتصادية في بداية الأمر كما يحدث الآن في أمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا, وأن تكون مثل هذه التجمعات منطلقاً لعقد اتفاقيات ثنائية مع الحفاظ على حرية انتقال التكنولوجيا ورأس المال من منطقة إلى أخرى ومن تجمع اقتصادي إلى آخر.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق - كلية الاقتصاد
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - نشر ت هذه الدراسة في مجلة التنمية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي ، التي تصدر عن منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، العدد 81 يوليو / تموز 2002 القاهرة.
[2] - تقرير وفد الجمهورية العربية السورية إلى اجتماع الخبراء العرب لدراسة منعكسات اتفاقية الفات على الأقتصادات العربية المنعقد في القاهرة خلال الفترة 4ـ 7 تموز 1994 .
[3] - التقرير الاقتصادي العربي الموحد 1995، إصدار صندوق النقد العربي ومؤسسات عربية أخرى.
[4] - - See, Dutfield Grahan, Intellectual Property Rights, Trade and Biodiversity, World Conservation Union, Earthscan Publications. London 2000.
[5] - See, Correa Charles, Intellectual Property Rights and the Use of Compulsory Licenes: Option for Developing countries, South Center, Geneva 1999.
[6] - See, Belles Patrick, Globalization, International Labor Standards and Multilateral Institutions, Background paper for UNDP, Human Development Report 1999. Unied Nation Development program Newyork 1999.
[7] - Khor Martin, A Comment on Attempted Linkages between Trade and Non- Trade Issues in the WTO. Penang, Malaysia 1999.
[8] - See, Panagotu Theodore Globalization and Environment, Background paper for UNDP, Human Develodment Report 1999, Now York 1999.
[9] - دراسة غرفة تجارة دمشق, ملخص عن الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارية (الغات). دمشق.
[10] - الدكتور عدنان شوكت شومان, اتفاقية الجات الدولية الرابحون دوماً والخاسرون دوماً, دار المستقبل ـ دمشق 1996.
[11] - صحيفة البعث ملف الاثنين حول اتفاقية الغات العدد الصادر بتاريخ 25/8/1997 .