قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 11:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما من عاطفة في الإنسان أنبل وأجمل وأروع وأبدع وارقّ وأرقى ..من عاطفة الحب . ليس فقط لأن الحب هو الذي يمنح الحياة معنى الوجود ، بل ولأنك فيه وبه تعيش عمرا أطول وصحة أوفر . وفيه وبه تتذوق جمال الناس والطبيعة . وفيه وبه تحب الناس ، وتلك أسمى الفضائل .
وأظن أن العراقيين عشاق بالفطرة . حتى أنهم يعيبون الشخص الذي لا يغني للحب ، أو لا يطرب للغناء " الراس اللي ما يحب الطرب ..كصّه ". وهم من أكثر الشعوب التي تمنح بناتها أسماء مشتقة من الحب والعشق والجمال والورود . بل حتى شوارعهم يمنحونها أسماء الحب ، مثل " عكد الهوى ، وشارع العشاق ، والأميرات ..." .
وكان أن نجم عن أربع حروب كارثية ( آخرها الحرب المركبّة : إرهاب ، طائفية ، مقاومة ، شبكات الجريمة ) أن عضو الحب " الدماغ " تعطّلت فيه المراكز الخاصة بالحب والعواطف الرومانسية وتذوق الجمال ، واعتاد من ربع قرن على رؤية نقيضه : الدمار في الطبيعة ، والقبح في الناس . وكان أن نشطت بالمقابل المراكز الدماغية المتخصصة بالألم والخوف وتوقع الشر . وصار مزاج الناس سوداويا . وصارت لغتهم اليومية مبرمجة في الدماغ على مواقع : الأحزان والقلق والتشاؤم والجزع من الحياة .
والواقع أن الحق معهم . فالأحبة صاروا يرحلون الواحد تلو الآخر . بل صاروا يرحلون جماعات جماعات في مشاهد تراجيدية .فبغداد تعدّ الآن المدينة الأولى في العالم التي يقطف فيها الموت أرواح الناس قبل الأوان . والمدينة الأولى في التاريخ التي تحولت لياليها الى رعب وأيامها الى طقوس مأتمية وحزن يبيت فيها من ربع قرن بعد أن كانت مدينة السلام والأنس والطرب .
وما هو خطير نفسيا ، أن المثقفين أصيبوا بعدوى المزاج السوداوي للناس ، وصاروا بين : نائح بكّاء في مآتم الأحزان وبين عازف عن الكتابة بتبرير: صرخة احتجاج ضد ثقافة الموت ، أو بحجة أن الناس مشغولون بمصائبهم وما عادوا يهتمون بالثقافة .
حتى الشعراء العراقيين الذين كان كل واحد منهم سمفونيا من عصافير الحب ..نسوا مفردات الحب وقوافيه وأقداحه وسهر لياليه ، وصارت قصائدهم بين مراثي للوطن ونعي للذات المحبطة . وصار المثقفون - الذين مهنتهم صنع الفرح وجعل الناس يتعلقون بالحياة – بين من ركب خيول السياسة وبين من هرب الى طقوس الأحزان ، وكأنهم قد قرءوا على الحب السلام !. وتلك أفدح خسائرنا النفسية ، الآن و...غدا!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟