|
الإنتقال الديمقراطي في المغرب بين الوهم والحقيقة
براهيم أمكراز
الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 11:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ورثت الدولة المغربية لما بعد 1956 عن سلطات الحماية المنطق اليعقوبي الهادف إلى التغلغل في أحشاء المجتمع المغربي عبر أجهزتها الضبطية، لتفكيك البنية التقليدية السائدة . عمل مخزن ما بعد 1956 على التوفيق بين مرجعيتين، تنبني أولهما على إرث الماضي بعاداته وتقاليده المخزنية، فيما تنبني المرجعية الثانية على إرث الحماية المتجسد في آليات وبنيات تحتية معقدة مختلفة عن الخصوصية المغربية، ليكون النهج المنتهج في مغرب المستقبل يمكن إلى حد بعيد في التوفيق بين هذين الإرثين. يقوم التصور المخزني للسلطة على أساس ديني، فالسلطة لدى المخزن كل لا يتجزأ، وأنها حق إلهي ووراثي مبني على النسب الشريف المنتهي إلى آل البيت، وهو الأمر الذي كرسته فصول عدة من الدساتير المغربية منذ أول دستور إلى آخرها، وعلى هذا الأساس كان ضروريا أن تقوم كل مؤسسات الدولة وفق هذه الأرضية، المرتبطة من جهة بالدين الإسلامي بكونه المصدر الأول للتشريع أو للقوانين المؤطرة لها، عمل المخزن على اختراق كل مجالات الفعل والتفكير التي يتحرك فيها الفرد فعملت الدولة على توسيع المجال السياسي للدولة على حساب المجتمع المدني. وتم تعويض التحالف مع النخب القروية فيما بعد سنة 1956، إلى التحالف مع الطبقة الوسطى المتصاعدة، وعمل المخزن على إفراغ بعض فعاليات المجتمع المدني من خطابها عن طريق إحداث مؤسسات رسمية تتبنى نفس الخطاب أو جمعيات محسوبة على الدولة. وخلال السنوات الأخيرة بدأت من جديد شرذمة من ورثة مرتزقة أحفاد الإستعمار بالمغرب تردد عبارات المنعطف الديمقراطي و مسلسل الإنتقال الدمقراطي ذرا للرماد في الأعين، محاولين برفعها التنفيس على الغضب الشعبي المتزايد، أمام لا مبالات الحكومات البروقراطية، وأمام تزاد أفواج البطالة، وتردي الخدمات الإجتماعية وتزايد مستوى الفقر، ونهب ثروات وأراضي القبائل وكافة الشعب المغربي بتفويتها للأجانب ثارة أو باحتكارها من طرف مافيا الشبكات الأسرية المسيطرة سياسيا واقتصاديا بالمغرب، إلى وضع بات فيه الشعب يسكن في المراحيض والحدائق والشوارع، وتتجرأ السلطات على فعلها وترسم لهم هذه العناوين على بطائق التعريف الوطنية، في بلد يقر بأنه يتبنى الإسلام دينا رسميا للدولة، وتقوم فيه السلطة على هذا الأساس. تستخدم عبارة الإنتقال الديمقراطي لوصف حالة بلد ما يتخلى عن نظام حكم سلطوي غير ديمقراطي، ليدخل تدريجيا وبشكل سلمي في تجربة جديدة تؤطرها منظومة مقاربات أكثر ديمقراطية، وتركز على علاقة الحاكمين بالمحكومين بتحسينها الذي يتجسد في تحسين إدارة الحكم وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، كما يعتمد على مبدأ الإلتزام، أي إلتزام السلطة المتجسدة في الدولة بجميع أجهزتها بالتخلي عن النظام السابق للدخول في حالة جديدة تعلنها للشعب وتلتزم بالعمل لتحقيقها، أي أن تقدم مشروعا مجتمعيا متكامل وواضح، ويتميز الإنتقال بتقييمه ونقده للماضي ومحاسبة كل المتورطين في أوراش الفساد وخرق الحقوق الجماعية والفردية ومعاقبة الجلادين، وتنطلق مؤشرات الإنتقال الديمقراطي الحقيقية من الدستور. ولعل أكبر دليل على ذلك التجربة الموريتانية الحديثة التي وعد فيها الرئيس محمد ولد علي فال قبل عامين عقب قيامه بانقلاب على معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وصدق بعد عامين من المرحلة الإنتقالية، وهنا يمكن بالفعل الحديث عن (الإنتقال الديمقراطي) حيث تم تقديم نقذ موضوعي لما كان يطبع الحياة العامة الموريتانية من قبل وتم الإعلان عن فتح أوراش عمل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، من أجل الإنتقال بالبلاد نحو الديمقراطية، الشيء الذي لم يكن في إطار الوثيقة الدستورية التي وضعها ولد سيدي احمد الطايع، ولكن من خلال بيئة قانونية جديدة، وها هي موريطانيا اليوم تحقق معدل التنمية الأول من نوعه على مستوى القارة الإفريقية، حيث بلغ 19,17 بالمائة سنة 2006. "الأنا" طفل الفلسفة المدلل على حد تعبير كلود ليفي-اشتراوس، جاء ليشغل مكانة الصدارة على واجهات الفعل الأمازيغي، فتوقف بذلك حجرة عثرة في وجه كل بادرة جريئة أو عمل جدي، نتيجة رغبته المستمرة في الإستئثار وحده بكل شيء. الحكام بالمغرب أصبحت كما قال ميكل دوفرن في الفلاسفة "إن الفلاسفة لا يتحدثون فيما بينهم، وهم يتحدثون عن الناس ولكنهم لم يعدوا يتحدثون إلى الناس" ومثلهم في ذلك مثل الحكومة المغربية. أصبحت العلاقات بين أطراف المجتمع المغربي غامضة، ومعقدة وعسيرة الوصف، وأصبحت القوى السياسية غير قادرة على التفريق بين "المحسوس" و "المعقول" حيث التعلق بالظواهر السطحية للأشياء ورفض الباطن على مستوى الواقع المباشر، ولا تقر بالتعددية والإعتراف بعدم الكمال والإيمان بآستحالة تحقق حلم ليبنتس في إقامة علم كلي شامل يستوعب الكل، ويوحي هذا إلى جدلية الصورة والمضمون، وهي فلسفة أقرب من المادية والآلية منها إلى العقلانية. وفي هذا الصدد يقول ليفي اشتراوس "إن كل من ينطلق من عملية الإحتماء بالبداهات المزعومة للذات، فإنه هيهات له أن يتمكن من الخروج منها. ما يسميه ميشيل فوكو ب "البيو-بوليتيك" "bio politique"، أي تدخل السلطة في تنظيم كل مناحي الحياة هذا التدخل الذي يمتد إلى مراقبة كل السلوكات البيولوجية للساكنة، وهو نوع من التشريح السياسي للجسد الإنساني. في كل مكان وفي لا مكان "partout et nulle part" وهي صيرورة بلا ذات "processus sans sujet" المأسسة "institutionnalisation" وما ذلك سوى أفكار نمطية، وهو ما يسميه أشهر الصحافيين السياسيين خلال القرن العشرين walter lippman ب "الصورة الموجودة في أذهاننا" أي الشيء الذي نريد أن نتصوره بعيدا عن إي اقتراح تصوري آخر، وهو في الواقع رفض للمعقول وإرضاء المحسوس إن وعي التشابه والمغايرة مع الآخرين يتكون عند الفرد من خلال تفاعله مع البنية والعلاقات الطبيعية والضرورية التي يعقدها معهم، وتظهر ضرورة الوجود مع الآخرين لما يوفرونه من أمان وعطف، جدلية الطبيعة الإنسانية وفي مواجهة المشاكل التي يعجزون عن حلها بمفردهم يكتشف الأفراد في علاقتهم بالآخرين وسيلة لتحقيق أو بلوغ هذا الحل، إنهم يكتشفون تسخرهم المتبادل "interdépendance" على حد قول جون بيير هوغ وإستيل مورين. يحيى الفرد منذ ولادته، في بيئة مشحونة بالدلالات، فللأشياء التي يراها ويصادفها، وظائف وقواعد للإشتغال والإستخدام، ولكل الأشخاص مواقع وأدوار ووظائف ومسؤوليات، وتبقى حركة الفرد هي التي تعطي المعاني للأشياء والأشخاص والعلاقات. [b]عود على بدء:[/B] عملت الدولة على تهدئة الأوضاع المزرية بالمغرب بفتح مسلسل (المصالحة) ومجالات للحديث عن الإنتقال الديمقراطي، وتحقيق التنمية البشرية، وغيرها من الشعارات الرنانة التي سرعانما تنتهي صلاحياتها، إذ أن التباين في المنطلقات والغايات، واستمرار الارتجال في مجالات النهوض بالشعب المغربي، حال دون التقاء الإرادتين الرسمية والشعبية، هذه الأخيرة التي تتطلع إلى أن تصبح الغيرة على الوطن وهويته كمغرب مستقل عن المشرق والغرب هي المفتاح العمومي الذي سيتم من خلاله فتح أوراش التنمية الشاملة والدفع بالمغرب نحو دولة الحق والقانون، إلا أن الدواليب الرسمية ومعها النخب التقليدية تعاقدت على هذا الوطن وفق تسويات وتوافقات نهائية غير قابلة للترميم أو التجديد أو إعادة التفاوض.
#براهيم_أمكراز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|