أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسين ديبان - سوريا...قصة موت غير معلن














المزيد.....

سوريا...قصة موت غير معلن


حسين ديبان

الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 07:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


حين قدم روائي وسيناريست عربي يقيم في دمشق أحد مسلسلاته الى دائرة الرقابة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا، لم يخطر في باله للحظة واحدة بأن مسلسله سيكون مصيره الرفض من قبل تلك الدائرة، فهو لم يتحدث عبر شخصيات نصه بالسياسة، ولم يتطرق من قريب أو من بعيد لا تلميحا ولا تصريحا لجبهة الصمود والتصدي سابقا ولا لسيمفونية السلام الدائم والشامل والعادل في حينه، كما أن نص مسلسله كان يحاكي الراهن ولاعلاقة له بالتاريخ واسقاطاته على الحاضر السوري، والمسلسل لايُفهم منه أي سوء نية "لاسمح الله" تجاه الدولة السورية الحديثة، ولا يستشف منه أي مساس بقائدها المفدى ورموز بعثه الثوريين.


كل مافي الأمر أن أحد شخصيات مسلسله هو "معلم" في أحد المدارس الابتدائية فرضت عليه قساوة الحياة ومتطلباتها الكثيرة التي لا ترحم البحث عن عمل آخر، ولم يكن هذا العمل سوى أن يكون هذا المعلم واحد من الذين سهروا على نظافة شوارع مدينة دمشق عبر سنوات طويلة، قضاها هذا المعلم متنقلا من شارع الى شارع حتى عرفت ملامحه الطيبة كل تفاصيل الجغرافية الدمشقية،
لم يُكمل الرقيب قراءة الحلقة الأولى من المسلسل حتى ثارت ثائرته، وتورمت عروقه، ليعبر عن رفضه لهذا النص غير الواقعي وغير المسؤول حسب تعبيره، فاستدعى الروائي العربي الى مكتبه ليقول له ان نصك أيها الكاتب مرفوض لأنه يتجنى على واقع سوريا الحديثة المشرق في ظل القيادة الحكيمة، ففي سوريا الحديثة لا يوجد معلم مدرسة يضطر أن يعمل كعامل تنظيفات كي يتمكن من اعالة أسرته، فالسيد الرئيس وهو المعلم الأول أكد دائما على المكانة العظيمة والمتميزة التي يجب أن يتمتع بها المعلم، وهو الذي قال في المعلمين انهم بناة حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان، والإنسان هو غاية الحياة ومنطلقها. لقد سقط سهوا بالتأكيد من كلمة رئيس سوريا الراحل أن هذا المعلم وبهذه المواصفات لايوجد إلا خارج حدود سوريا، أما في سوريا فالمعلم كما يعلم الجميع هو ذاك الموظف الذي لا تكفي الليرات القليلة التي يمُن بها عليه حكام دمشق لإعالة اسرته، لذا يلجأ غالبية المعلمين في سوريا الأسد للبحث عن عمل آخر، وهذا العمل الآخر ان لم يكن في مجال التنظيفات الليلية فهو بالتأكيد سيكون واحد من سائقي التاكسي في شوارع المدن السورية.

كان ذلك في عهد ديكتاتور سوريا الراحل، والآن وبعدأكثر من سبع سنوات وأكثر من استفتاء مخزٍ لم يتغير في سوريا شيئا سوى الإسم الأول للحاكم الأول، أقول هذا الكلام لأن ذلك المعلم الذي كان يعنيه الروائي العربي في نصه هو الأستاذ رضوان حسين "أبو اياد"، الذي فارق الحياة قبل أسابيع قليلة وبالتحديد في العاشر من آيار، بعد خمسة عشر يوما قضاها في غرفة العناية الفائقة في احدى مشافي دمشق، بعد أن دهسته سيارة مسرعة أثناء أداءه لعمله الثاني أي وهو ينظف شوارع دمشق.

رضوان حسين أبو اياد هو واحد من عشرات الآلاف من الناس الذين رماهم حظهم العاثر ليكونوا معلمين في سوريا الأسد، إلا أن مايجعل رضوان حسين استثنائيا بكل ماللكلمة من معنى أن خيارات كثيرة كانت متاحة أمامه لا تمنعه من أن يكون عامل تنظيفات ليلي فحسب وانما تجعله يستغنى عن مهنة التدريس أصلا، لأنه لو اقدم على واحد من تلك الخيارات ستفتح له أبواب الحياة الرغيدة على مصراعيها، ولكن أبو اياد كان يعلم ان تلك الحياة لاقيمة لها مادام سيكون ثمنها مبادئه الأصيلة التي عاش وتربى وربى الأخرين عليها. لقد شكل رحيل أبو اياد لكل من عرفه صدمة كبيرة وخسارة جسيمة لا تعوض، إلا أن عزاؤنا الوحيد هو بأؤلئك الطلبة الذين تتلمذوا على يد أبو اياد معنى ان يكسب الإنسان نفسه حتى لو اضطر ان يخسر العالم كله.


جاء على لسان ذات الروائي العربي في نعيه لأبو اياد بأنه كان أكثر من أم عظيمة وكبيرة وحنونة لكل من عرفه، وما أتمناه شخصيا أن يُعيد هذا الروائي في يوم ما أراه قريبا صياغة السيناريو القديم ليتناسب مع هول الفاجعة الكبرى التي ألمت بنا جميعا... يوم لايكون فيه رقيب في سوريا يسمح أو لايسمح بهذا النص أو ذاك... يوم لا يضطر فيه المعلم أن يكون فيه عامل تنظيفات لسنوات طويلة قبل أن تأتي سيارة مسرعة وتختطفه من أهله ومحبيه...يوم تصبح فيه سوريا العزيزة وطنا لأهلها جميعا وليس مزرعة خاصة لبشار وزبانية بعثه الفاسدين.



#حسين_ديبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزوة بمها!!
- سماحة الإسلام المجهرية !!
- ماذا عن شارونات العرب؟
- الإرهاب والديكتاتورية وضرورة القضاء عليهما
- انصروا قضية الأقباط تَنصروا أنفسكم
- حسن نصر الله.. نبيٌ جديد!!
- الدروس والعبر مابين بشار السوري وجمال المصري!!
- الأخطاء الفلسطينية القاتلة..الى متى؟
- مسلمون ضد التمييز..معادلة غير صحيحة!
- هل يرغب المسلمون حقا بالسلام مع اليهود؟
- وتتوالى جرائم النظام المصري وفضائحه
- يورانيوم ونووي بشرى المولد النبوي
- بيان تهديد أم بيان نعي للظلاميون وأفكارهم؟
- إلا نبيكم
- الفلسطينيون وتصريحات ولي الفقيه الجديد
- لا سيادة لدولة الإستبداد
- وفاء سلطان والعالم الإسلامي..
- من يحاكم من يا آل مهدي؟
- أم الهزائم الكاريكاتيرية
- الإسلام والمطالبة بإحترام الأديان


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسين ديبان - سوريا...قصة موت غير معلن