أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - فؤاد النمري - ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول















المزيد.....



ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 11:53
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


" ماركسيون " يلقون براياتهم في الوحول
1
كنت قد كتبت في إيلاف عن " البورجوازية الوضيعة " التي ترى في الأحزاب الشيوعية منبراً عالياً تطلق منه زعيقها السياسي غير الواضح وغير المفهوم بل وغير المقصود
اليوم فقط أقرأ السيد كريم مروه ، الذي قضى حياته في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني ، يكتشف في النهاية أنه كان يحمل الراية الخطأ وأن لينين أساء للعالم بل إن ماركس لو عاد للحياة لما كتب ما كتب ؛ كل هذا في مقالته الاعتذارية (يجب أن نحاكم لينين) . وهكذا يجرّم كريم مروه لينين ، " القائد الثوري العظيم " كما وصفه مع ذلك ، ويلقي براية الماركسية أرضاً في الوحل . البورجوازيـون الوضعاء (la petite bourgeoisie) لم ينضووا إلى الأحزاب الشيوعية إلا ليتدربوا على امتهان السياسة نظراً لوفرة مردود المهنة معنوياً إن لم يكن مادياً أيضاً ، كما يراهنون ، وليس للنضال من أجل الوصول للشيوعية وخلاص البشرية . ولذلك لا يقرءون ماركس جيداً ولم يعْـنهم التفقه بأفكاره ، وخرجوا بالتالي من الأحزاب الشيوعية كما دخلوا دون أن يزيدوا في علمهم بالماركسية أكثر مما يعلم رجل الشارع .

منذ العام 1959 حين انعقد المؤتمر الحادي والعشرون الإستثنائي للحزب الشيوعي السوفياتي وحتى العام 1961 حين انعقد مؤتمره العام الثاني والعشرون استولى عليّ إحباط شديد حيث أن قادة الأحزاب الشيوعية والمتقدمين في كوادرها ـ وكريم مروه منهم ـ لم ينبس أحد منهم بكلمة إزاء الهرطقات المجنونة التي أطلقها خروتشوف في ذينك المؤتمرين وما بينهما باستثناء الحزب الشيوعي الصيني ، هرطقات لا تنتمي إلى عالم الفكر الماركسي من قريب أو بعيد ، بل هي من إفرازات النشاطات المعادية للإشتراكية إذ فهم خروتشوف الإشتراكية بالعكس تماماً مما رآها ماركس فاعتقد أن الفلاحين يتقدمون العمال في بناء الإشتراكية فاصطف على يمين المعدوم بوخارين !! جميعهم صفق للتحريفي خروتشوف عالياً وطويلاً . كرجل عاقل فقط كان يتوجب على كريم مروه أن يتساءل ، لمرة واحدة على الأقل ، فيما إذا كان هو نفسه ماركسياً حقاً قبل أن يعلن إلقاءه راية الماركسية في الوحل . إنني وبكل تواضع أقدم إعتذاري الشديد للسيد كريم مروه لأطمئنه إلى أنه لم يكن يوماً ماركسياً أكثر مما كان خروتشوف أو غورباتشوف أو حتى زوغانوف فيما بعد الإنهيار . وللدلالة السريعة على ذلك أشير فقط إلى عبارته في المقالة المشار إليها تقول : " البنيان العظيم للتجربة الإشتراكية المتمثل بالإتحاد السوفياتي " ، فكيف يكون البنيان عظيماً وقد أقيم على أساس خاطئ وأقامه خطاة كما فصّل في المقالة إيّاها وطالب بمحاكمة صاحب المشروع ومؤسسه ، زعيم البلاشفة فلاديمير لينين ؟!!

الشيوعي السابق كريم مروه ، وكما تشي مقالته ، لا يعرف من الماركسية حرفاً ورغم ذلك يتنطح لانتقادها بفجاجة دون أدنى تواضع . فمثلاً يصف لينين بذي " الجهد النظري العظيم " الذي تمثل كما يزعم ب " السياسة الإقتصادية الجديدة "(NEP) مدعياً أن تلك " النظرية " السياسية كانت قد شكلت ، وكما أرادها لينين بادعائه ، الأسـاس لمراجعة كاملة للمشروع اللينيني ، لولا الرحيل المبكر للينين ولولا "الدكتاتور" ستالين !! لو سألنا مروّه عما تكون (النيب) فإنني على ثقة من أنه لن يجد جواباً على الإطلاق بعد أن عمّدها " نظرية سياسية " ـ ولا أدري حقاً من أين جاء بمثل هذه التخرصات ! في العام 1922 ، وبعد حرب أهلية وحروب التدخل الأجنبي 1918 ـ 1921 التي جعلت من الأراضي السوفياتية قاعاً صفصفاً ، وجد لينين أن مجمل إنتاج العمال لا يساوي ربع مجمل إنتاج الفلاحين وفي حالة كهذه لن يستطيع العمال شراء غذاءهم من الفلاحين بصورة عادلة ، فكان أن ترك للفلاحين بعض الإمتيازات ، وليس جميعها ، ريثما يغتني العمال . في العام 1926 عـاد إنتاج العـمال إلى ما كان عليه عـام 1913 فأصبح ممكناً إلـغاء معظـم أحكام " السياسة الإقتصادية الجديدة " (New Economic Policy) ـ النيب لا هو نظرية ولا ما يحزنون . في الثورة الزراعية 1929 تحررت القيادة السوفياتية من سلطة كبار الفلاحين وأصبح تأمين الغذاء الكافي للعمال السوفيات تحت سيطرة الدولة . المسألة الزراعية ظلت تقض مضاجع القيادة السوفياتية طيلة عمر الإتحاد السوفياتي ولم يكن ذلك بسبب القصور في إنتاج الغذاء حيث كان إنتاج الإتحاد السوفياتي من الحبوب يزيد عن ثلاثة أمثال ما تنتجه الولايات المتحدة إنما كان بسبب عدم إيفاء الفلاحين بالتزاماتهم تجاه الدولة وعدم وفائهم لسياسة التقدم على طريق الإشتراكية . في العام 1951 قامت مناقشة كبيرة للمسألة الزراعية في القيادة السوفياتية وطالب قياديون في الحزب والدولة وعلى رأسهم مولوتوف بإلغاء طبقة الفلاحين التعاونيين دفعة واحدة وإلى الأبد ، إلا أن ستالين رأى خطورة في ذلك وأن الإلغاء يلزم أن يكون تدريجياً عن طريق إغراق السوق بالسلع الصناعية الإستهلاكية الأمر الذي سيواجهه الفلاحون التعاونيون بالتخلي عن الفلاحة والإنضمام إلى البروليتاريا ـ راجع القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي .

بعناد شديد وهو ما يثير الشك الكبير قبل السخط ، يصر الشيوعيون سابقاً ، كالسيد مروّه وكثيرين غيره ، على وضع مسألة إنحراف خروتشوف خلف ظهورهم . يخبئونها خلف ظهورهم لا لسبب إلا لحماية ذواتهم ولو كلف ذلك إتهام ثورة أكتوبر لحد اعتبارها خطيئة تاريخية كما يعتبرها اليوم السيد مروّه !! كان هؤلاء الشيوعيون من الأصول البورجوازية الوضيعة قد صفقوا طويلاً وبحماسة شديدة لتحريفات خروتشوف ولزعيقه المشبوه حول الديموقراطية المفقودة في الحزب بقيادة ستالين ـ زعق عالياً حول الديموقراطية المفقودة عام 1956 لكنه مع ذلك ، وعندما سحبت قيادة الحزب الثقة منه وكان عليه أن يتنحى ، قام بانقلاب عسكري في حزيران 1957 وطرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي للحزب . وعندما أوشك خروتشوف أن يصحو ويرتد عن أخطائه صائحاً برفاقه في المكتب السياسي عام 1964 " خراء ستالين أفضل منكم " انقلبوا عليه وأرغموه على الإستقالة تحت طائلة التهديد بالقتل وأتوا ببريجينيف تاجر السلاح وأبي المافيا ـ هكذا هي ديموقراطية الذين ولولوا على فقدان الديموقراطية في عهد ستالين !!

يطالب كريم مروه بغير خجل بمحاكمة لينين لأنه قام بثورة اشتراكية في روسيا المتخلفة خلافاً لرأي ماركس كما زعم . وردّاً على هذا الزعم فإنني أطالب بمحاكمة كريم مروه بتهمة الجهل أولاً وبتهمة القدح والذم بلينين . وعلي أن أشير هنا إلى الحقائق التالية ليس دفاعاً عن لينين وعن انتفاضة أكتوبر بل تثقيفاً لكريم مروه وكل من يتثاقف معه .
• ما سمي بثورة أكتوبر لم يكن ثورة ولم تكن اشتراكية كما جرى طويلاً الإعتقاد خطأً . كانت الأممية الإشتراكية الثانية قد اتخذت قراراً ، في مؤتمرها المنعقد قي مدينة بال السويسرية عام 1912، ينص على أنه يتوجب على الإشتراكيين الروس القيام بالثورة البورجوازية في روسيا واستكمال بناها الاجتماعية حتى النهاية وذلك بسبب هشاشة الطبقة البورجوازية الروسية وضعفها التاريخي . قامت البورجوازية الروسية بثورتها في شباط 1917 إلا أن حكومتها ، حكومة كيرانسكي ، تخاذلت ولم تعمل على تحقيق أي من أهداف الثورة الكبرى الثلاث وأولها الإنسحاب من الحرب وإعلان السلم ووقف القتال على الجبهة الروسية الألمانية ، وثانيها، العمل على الإصلاح الزراعي ، وثالثها، إنتخاب الجمعية التأسيسية للجمهورية . انتفض البلاشفة واستولوا على السلطة ليس فقط بهدف استكمال الثورة البورجوازية كما كانت قد قررت الأممية الثانية بل تلبية لإلحاح مختلف القوى الشعبية المتمثلة بمجالس السوفييت في كل المدن الروسية أيضاً . وهكذا كان أول مرسومين وقعهما لينين كرئيس للدولة هما مرسوم السلام ومرسوم الأرض . وكان لينين صبيحة الإنتفاضة مباشرة أن دعا كل الأحزاب الروسية ، بما في ذلك حزب الكاديت الرجعي وهو حزب أغنياء الفلاحين ، للمشاركة في الحكومة الجديدة . لكن سرعان ما توحدت جميع الأحزاب البورجوازية والرجعية بما في ذلك حزب المنشفيك وحزب الإشتراكيين الثوريين في جبهة معادية رفعت السلاح بوجه البلاشفة ليس بهدف استعادة السلطة فقط بل بهدف إبادتهم وتصفيتهم نهائياً أيضاً . لم تتردد هذه الأحزاب في نهاية سنتين من الحرب الأهلية التدميرية والدموية في دعوة الجيوش الأجنبية للقضاء على الشيوعيين . إلتف العمال والفلاحون الروس حول الشيوعيين فكان انتصارهم حاسماً ومصيرياً على طبقات البورجوازية والرأسماليين والإقطاع والفلاحين الأغنياء . لم يبق في الميدان إلا العمال وفقراء الفلاحين . واجه الحزب في مؤتمره العاشر 1921 مأزقاً دقيقاً وحاسماً .. هل يبني الحزب مجتمعاً بورجوازياً رأسمالياً مستكملاً الثورة البورجوازية كما بدأ بانتفاضته في أكتوبر 1917 أم يشرع في بناء الإشتراكية ؟! البلاشفة بقيادة لينين لم يكونوا خبراء في بناء الرأسمالية، هذا إذا شاءوا ذلك !! وماذا كان سينصحهم كريم مروه ؟!! الإشتراكية لم تكن خياراً أمام البلاشفة في العام 1921 بل المسار الوحيد المفتوح أمامهم .

• أما بشأن تلك الأسطوانة المشروخة التي تقول بأن لينين قام بثورة اشتراكية في غير مكانها فإنني أنصح السيد كريم مروه بالعودة إلى المقدمة التي كتبها كارل ماركس نفسه لأول طبعة لترجمة البيان الشيوعي باللغة الروسية . أشار ماركس في تلك المقدمة إلى إمكانية قيام الثورة الإشتراكية العالمية في روسيا القيصرية قبل غيرها من الدول معولاً على شكل من أشكال الكومونات الزراعية منتشرة في شرق روسيا القيصرية . على مروًه وجميع الذين يرون في لينين مغامراً استعجل الثورة في روسيا المتخلفة أن يوقفوا مثل هذه الأسطوانة المشروخة طالما أن ماركس نفسه لم يستثن روسيا من الشروع بالثورة .

• ثم وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن لينين " المخطئ والخاطئ بنفس الوقت ! " وستالين " المجرم والدكتاتور! " هما من سلما كريم مروه وأمثاله " البنيان العظيم للتجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " ـ بكلمات مروه نفسه ـ وهو البنيان الذي هزم وحده كل النازية والفاشية والرجعية في أوروبا ، والذي لم يبدأ في التفكك إلا بعد أن استلمه كريم مروه وأمثاله . نعم كانت روسيا القيصرية بلداً متخلفاً قياساً إلى ألمانيا في العام 1917 لكن الإتحاد السوفياتي عندما استلم قيادته " الديموقراطيون " من أمثال كريم مروه في العام 1954 كان متقدماً على ألمانيا وعلى بريطانيا بل وعلى الولايات المتحدة تقنياً وقد سبقها في ارتياد الفضاء . العلة إذاً في كريم وفي أمثاله ، كما اعترف متواضعاً ، وليس في قادة البلاشفة ، لينين وستالين ورفاقهما.

كريم مروة الذي كان من قادة الحزب الشيوعي اللبناني لم يقرأ فقط ماركس ولينين بل لم يقرأ التاريخ أيضاً ، ومن لا يقرأ التاريخ كما هو في حقيقته فإنه لا يستطيع أن يقرأ ماركس على حقيقته أيضاً حيث أن التاريخ كتاب صفحاته الصراع الطبقي . هو يثني باللائمة على البلاشفة لأنهم لم يتحالفوا مع " الإشتراكيين الديموقراطيين " ومع الديموقراطيات البورجوازية ضد النازية والفاشية المتفشية في أوروبا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي لكن الإشتراكيين الديموقراطيين لم يكونوا أقل حماساً في إبادة الشيوعيين البلاشفة من المناشفة الروس . وقفوا ضد جمهورية بافاريا السوفياتية عام 1919 وشاركوا فيما سمي آنذاك " الإرهاب الأبيض " وفي اغتيال الشيوعيين وأولهم القائدان التاريخيان روزا لكسمبورغ وكارل لبكنخت ليقيموا على إثر ذلك جمهورية (فايمار) التي كانت السلّم الذي صعد عليه أدولف هتلر . في انتخابات 1933 في ألمانيا تآمر الإشتراكيون الديموقراطيون والمخابرات الإنجليزية لإفساح الطريق أمام حزب هتلر لاكتساح الإنتخابات وقطع الطريق على الشيوعيين . في حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا 1936 سرعان ما استثنى الإشتراكيون الديموقراطيون بقيادة ليون بلوم والراديكاليون بقيادة إدوارد دالادييه الشيوعيين من الجبهة وتبين فيما بعد أن إبعاد الشيوعيين إنما كان تمهيداً لخيانتهم حكومة الجمهورية الشعبية في اسبانيا وانتصاراً لفاشية فرانكو . إدوارد دالادييه ، الرئيس الذي ورث حكومة الجبهة الشعبية هو من تآمر مع هتلر في مؤتمر ميونخ وعقد تحالفاً غير مكتوب ضد الإتحاد السوفياتي بالإشتراك مع بريطانيا تشيمبرلن وإيطاليا موسوليني . ثم منذ أن بدأ العدوان النازي على الإتحاد السوفياتي في 22 حزيران 1941 توقفت الحرب على الجبهة الغربية وأخذ الجنود الألمان على الجبهات السوفياتية يقضون إجازاتهم في الجبهة الغربية . كان تشرتشل وبعض أصدقائه في الإدارة الأميركية ينتظرون نهاية الإتحاد السوفياتي على أيدي الهتلريين !! لم تفتح الجبهة الغربية إلا في 6 حزيران 1944 بعد أن اتضح بصورة قاطعة أن هزيمة ألمانيا النازية أصبحت محققة وخاصة بعد معركة كورسك في تموز 1943 ، وقد فتحت بالرغم من معارضة تشرتشل وكانت أعمال هذه الجبهة جانبية وغير مؤثرة . وبكلمة في هذا المقام فإن السيد كريم مروه يقرأ التاريخ بالمقلوب فليس البلاشفة هم من رفضوا التحالف ضد النازية بل الإشتراكيون الديموقراطيون والبورجوازيون الليبراليون هم من رفضوا التحالف مع الشيوعيين مؤملين تصفيتهم على أيدي النازيين وهو ما يعترف به اليوم حتى مؤرخو الغرب الليبرالي .

الذين ألقوا براياتهم الماركسية في وحول البورجوازية الوضيعة تحولوا إلى اجترار أفكار بائسة كالتي عبر عنها كريم مروه في مقالته " يجب أن نحاكم لينين " . هؤلاء لم يفهموا ماركس يوماً وقد اعتقدوا أن ماركس ما كتب ما كتب إلا لكي يقيم العدل بين الناس . لو كان ذلك صحيحاً لما انتبذ ماركس وعائلته الحياة بمسراتها ومباهجها وعانى من شظف العيش طيلة حياته ليكتب ما كتب . لقد سخر ماركس سخرية مرة من مفهوم العدالة الذي اجترته فرق عديدة من الإشتراكيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر واعتبره مفهوماً بورجوازياً تضليلياً بائساً وعديم الدلالة . فالعدالة المزعومة لا يمكن استحضارها معزولة عن مفهومي القيمة والتحصيص . من اخترع مفهوم العدالة لم يكن يقصد العدالة بطوباها أصلاً غير أن الهروب من مفهوم الصراع الطبقي غير المقبول عليه لم يكن ممكناً دون ارتداء ثوب العدالة الزائف . لا بد للمولج بإقامة العدالة بين أفراد الشعب من أن يتولى بداية التقييم كي يحسن التحصيص . البشرية لم تعرف عبر تاريخها الطويل من يقوم بالتقييم والتحصيص الدقيقين غير " السوق " . لكن السوق هي المستنبت الذي تربته الوحيدة هي الصراع ، الصراع بين مختلف الجماعات والطبقات المنتجة عن طريق التنافس السلعي . وفي الصراع تنتفي طوبى العدالة . تلك هي خديعة العدالة ، لعبة البورجوازية المفضلة والتي يلعبها اليوم وفي زمن غير زمانها ، المستقيل من الماركسية ، كريم مروه .

يتجرّأ مروّه على ماركس ويبتذله أيما ابتذال فيزعم أن العدالة كانت هاجس ماركس الأكبر !! ـ والحق أنني أحسّ بماركس ينتفض في قبره من مثل هذه الجرأة عليه وهذا الابتذال لأفكاره ـ ومن أجل تحقيق العدالة " الماركسية " يطالب مروّه بتشكيل كتلة تاريخية تتألف من مجموعات متباينة الإتجاهات تأخذ على عاتقها " مقاومة الرأسمالية المتوحشة والحد من أخطار مغامراتها " ـ لا أدري لمن يوجه خطابه هنا ، للشيوعيين أم للاشتراكيين الديموقراطيين أم لأحزاب البورجوازية الوضيعة في الدول المتخلفة ؟! . الصورة التي يرسمها هذا المستقيل من الماركسية هي صورة ما فوق التجريد . إنها لم ترسم الطبيعة المتباينة لهذه الكتل ! ولماذا يسمح هذا التباين بالائتلاف !! ولم توضح الصورة الهدف من مقاومة الرأسمالية المتوحشة المتعولمة !! هل لتطهيرها من الوحشية وتحريم العولمة عليها ؟! أم مقاومتها حتى القضاء عليها ؟! ثم القضاء عليها لمصلحة أي نظام ؟ لمصلحة الإشتراكية أم العدالة الإجتماعية المزعومة التي على مروّه إذّاك رسمها بالتفصيل؟ وإذا لم يتم القضاء عليها نهائياً فما الذي سيضمن عدم عودتها للتوحش وللعولمة ؟؟ وأخيراً وليس آخراً ، ما عساه يكون النظام الإجتماعي في تلك الكتل المتآلفة من أجل مقاومة الرأسمالية ؟! لئن كان رأسمالياً في بعضها فلماذا إذاً عليها أن تقاوم مثيلتها الرأسمالية ؟؟ ـ هذه ليست صورة على الإطلاق ؛ هذه خربشة من يخربش لقتل الوقت هرباً من الملل . صورة الكتل المتباينة المتآلفة المتسالمة هي ليست صورة من عالمنا ، عالم الذين ينتجون حياتهم ويتصارعون ويتحاربون لتحقيق هذا الإنتاج . لعلها صورة من عالم آخر أو أخروي . وكي يعطي مروّه صورته لوناً من الحياة لجأ إلى الأمم المتحدة لتقيم العدل والسلام بين الأمم !! لم يفطن مروّه إلى أن الذين أسسوا الأمم المتحدة هم أولئك الذين خاضوا أشرس الحروب للسيطرة على العالم ، فكيف لهم أن ينقلبوا على أنفسهم ليقيموا السلم والعدل بين الأمم ؟!! وهل لدى الأمم المتحدة وزارة حرب لتقيم العدل بين الأمم ؟!

الذين انصرفوا لامتهان السياسة من خلال الأحزاب الشيوعية ، بل وغيرها من الأحزاب ، يخشون اليوم ، وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي على أيديهم هم دون غيرهم ، يخشون من فقدان وظائفهم بعد أن كدحوا طويلاً فيها واكتسبوا دربتهم السياسية . لذلك ، ولذلك فقط ، يتجاهلون كليّاً كل التغيّرات النوعية التي حدثت في العالم في الربع الأخير من القرن الماضي وأزاحت العوالم الثلاث الموروثة من الحرب العالمية الثانية من على المسرح الدولي ، وظلوا يرطنون بالشعارات القديمة وكأن شيئاً لم يكن ، بل وأضافوا إليها بعض التوصيفات المختلقة لاصطناع الجديّة الكاذبة من مثل " الرأسمالية المتوحشة " و " العولمة الرأسمالية " و " المشاريع الإمبريالية " و " الغزو الثقافي " و " الدفاع عن الهوية " وما إلى ذلك من حذلقات جوفاء . ليَع ِ هؤلاء السياسيون الذين فقدوا وظائفهم أن بضاعتهم القديمة لم تعد نافقة بل قد غدت سامة بعد إنقضاء مدة صلاحيتها . الرأسمالية انهارت وأعلنت وفاتها في (إعلان رامبوييهG5) 1975 وبوفاة الرأسمالية توفيت الإمبريالية وأعلنت الأمم المتحدة رسمياً وفاتها عام 1972 . لا يمكن للمتوفى أن يقوم بأية مشاريع ولذلك فالحديث عن " المشروع الأميركي في المنطقة " ليس أكثر من حديث إفك واستخدام المشروع المزعوم كفزّاعة لشعوب المنطقة ؛ ومثله الحديث عن الغزو الثقافي حيث أن ثقافتنا الحديثة إنما هي الثقافة الغربية معربة ؛ كما أن هوية الأمة غير قابلة للإلغاء بحال من الأحوال . أما الذين يقاومون العولمة فإنما هم ، ودون أن يعوا ، يحاربون حرب دونكيشوت لإعادة الحياة للنظام الرأسمالي ؛ فالعولمة ليست إلاّ تفتيت للخلية الرأسمالية الإمبريالية ، خلية النواة أو المركز وحوله المحيط أو الأطراف والتي هي البنية الوحيدة التي يحيا فيها النظام الرأسمالي . العولمة هي الصورة الحية لتفكك النظام الرأسمالي .

أقرأ "يجب أن نحاكم لينين" جيداً فلا أحسب الكاتب إلا من الجناح اليميني في حزب المحافظين البريطاني وخاصة عندما يتحدث عن الديموقراطية والقمع الإيديولوجي وعن الفرد كبرغي في آله وعن دور النقابات . أحسب أن الكاتب لم يسبق له أن كان على اتصال بأي فرقة ماركسية وليس عضواً أمضى عمره في الحزب الشيوعي اللبناني ككريم مروّه .

( 2 )

ما يفاجئني حقاً اليوم هو أن الدكتور سمير أمين يؤكد (في لقاء له مع شبكة زد نت 31 يناير 03) على أنه ماركسي ، بل وأنه جزؤ من الحركة الشيوعية !! سمير أمين الذي كان قد رفض الفلسفة الماركسية (الديالكتيك) ، قانون التطور الإجتماعي ، عام 1985 في كتابه (أزمة المجتمع العربي) واشتهر اسمه في الغرب كونه مرتداً على الماركسية وأسسها الرئيسة يعود اليوم وبعد عشرين عاماً ليعلن أنه ماركسي بل وشيوعي أيضاً . إنه لأمر مفاجئ حقاً ويبعث على الدهشة . من يرفض الديالكتيك الماركسي ويطعن فيه لا يمكن أن يكون له إبتداءً أدنى علاقة بماركس . إعلان ماركسيته وشيوعيته اليوم ليس صادقاً فأي استعراض أولي لنشاطاته الحالية ولأفكاره حول مختلف المسائل المتعلقة بالنظام الدولي القائم وبحركة تقدم المجتمعات تكذب هذا الإعلان تكذيباً بائناً ـ وهذا أمر لا يتعارض مع الإقرار بأن لسمير أمين إضاءات مميزة أنارت مناطق ظلت معتمة في الفكر الماركسي .

الشاب يوسف فيساريونوفتش جوغاتشفيلي (ستالين ـ 22 عاماً ) كتب في العام 1901 تحت عنوان " الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي وواجباته الملحة " ينتقد حزبه، حزب الإشتراكيين الديموقراطيين الروس، حزب بليخانوف ولينين، لتوجهه الفكري والدعوي إلى المثقفين الذين لا مصلحة لهم في الثورة الإشتراكية مهملاً العمال ذوي المصلحة الحقيقية بالثورة . في الحقيقة أن ذلك الخلل الذي انتقده ستالين مبكراً جداً ظل هو الخلل الأكبر في الحركة الشيوعية وهو ما انتهى بها إلى ما هي عليه اليوم . المثقفون ورغم كل ما يقال عن المثقف العضوي يظلون موئلاً لخيانة الثورة الإشتراكية إذ من الطبيعي أن يقاوم المثقفون تنازلهم عن ميزة التثاقف كمهنة ارتزاق، كما تقتضي الإشتراكية، بغير الإكراه . وليس أدل على ذلك من خيانة هؤلاء المثقفين، مثل نيقولاي بوخارين، للثورة الإشتراكية وقد اصطفوا بقوة وراء خروتشوف وهو يرتد على اللينينية وعلى الماركسية طيلة توليه السلطة 1954 ـ 1964 وصفقوا له بحماس شديد في الوقت الذي كان مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية قد بدأ يسجل نجاحات لم تكن في الحسبان في الحرب العالمية الثانية وما بعدها، فالفضل في حماية البشرية جمعاء من الوقوع في براثن النازية يعود فقط، وكما يعترف أخصائيو الاستراتيجية الغربية، للمشروع اللينيني بقيادة ستالين .

فاجأ خروتشوف قيادة الحزب وهيأته العامة في المؤتمر العام العشرين للحزب عام 1956 بفيض من الأكاذيب حول ممارسة ستالين لطقوس عبادة الفرد . لم يول ِالحزب الأهمية اللازمة لتلك الحملة الشعواء وأظهر استعداداً للتضحية بشخص ستالين رغم مآثره العظيمة من أجل تأمين سلامة تطور الثورة ـ ويجب ألا يغيب عن البال هنا أن خروتشوف ومن موقعه كمسئول عن تنظيم الحزب بعد رحيل ستالين كان قد حشد أزلامه في المواقع القيادية . كان على القيادة أن تسكِت خروتشوف وتطرده من قاعة المؤتمر ليس فقط بسبب أكاذيبه بل أيضاً بسبب مخالفته لأبسط قواعد نظام الحزب . تأخرت القيادة، المكتب السياسي، لأكثر من عام لتسحب عنه الثقة في حزيران 1957 فكان على خروتشوف إثر ذلك أن يتنحى في الحال عن مركز الأمين العام إلا أن دعيّ الديموقراطية في المؤتمر العشرين استعان بالعسكر وقام بما يشبه الإنقلاب العسكري بتدبير من الماريشال جوكوف وانتهى الأمر إلى طرد جميع البلاشفة الذين سحبوا عنه الثقة من الحزب ومن القيادة . ومن السخرية حقاً أن خروتشوف الذي نعى ، كما ينعى شيوعيو البورجوازية الوضيعة اليوم ، على عهد ستالين فقدان الديموقراطية قام بانقلاب عسكري للبقاء في القيادة بينما كان ستالين بالمقابل قد ألحّ على إعفائه من القيادة في المؤتمر التاسع عشر عام 1952 . وما يزيد من مرارة السخرية هو أن مثقفي الأحزاب الشيوعية بمن فيهم القادة زادوا تصفيقاً لخروتشوف وما كان ذلك لينمّ إلاّ عن خيانة للثورة أكثر منه عن جهل في أبسط قواعد الماركسية .

بالرغم من أن إدارة خروتشوف كانت قد شكّلت بداية الطريق لانهيار المشروع اللينيني وأن هرطقات خروتشوف مثلت انحرافاً خطيراً عن السياسة اللينينية في عبور الإشتراكية ، بالرغم من كل هذا فإن الشيوعيين من ذوي الأصول البورجوازية الوضيعة ليس فقط لم يعترضوا على الإنحراف بل هللوا له وصفقوا بحرارة لقائدهم " المنقذ " خروتشوف !! هؤلاء " الشيوعيون " الذين هيمنوا على القيادات في الأحزاب الشيوعية عامة هم الذين تسببوا بانهيار الإتحاد السوفياتي وهم الذين ما زالوا يخنقون ماركس ولينين كيلا تنكشف خيانتهم للإنسانية جمعاء وليس للمشروع اللينيني فقط . ما زالوا يدافعون ، أو يسكتون على الأقل ، عن تلك الخيانة التاريخية التي لا توازيها خيانة أخرى في تاريخ البشرية . نحن لا نظلم هؤلاء " الماركسيين الشيوعيين " ذوي الجلود البورجوازية الوضيعة طالما أنهم لم يعتذروا عن خيانتهم بل وبحرص بالغ يسكتون سكوتاً مطبقاً يثير الشبهات عما إقترفه خروتشوف من خيانة للماركسية اللينينية .

استولت هرطقات خروتشوف على "الماركسي الشيوعي" سمير أمين. بل إنه بـزّ خروتشوف في موضوع " اشتراكية " الفلاحين (!!) فعزا انهيار مشروع لينين إلى الإصلاح الزراعي الذي قام به الحزب بقيادة ستالين عام 1929 ثم أدار الأسطوانة الغربية المشروخة إياها حول دكتاتورية ستالين والبيروقراطية؛ وذهب بعيداً فطعن في الديالكتيك الماركسي وعاب على لينين استعجاله الإشتراكية في روسيا المتخلفة . اليوم يأتي أمين بنظرية جديدة ـ ولدى سمير أمين هواية جامحة في صناعة النظريات ـ تقول أن المشروع اللينيني استنفذ حدوده وبالمثل ثورة التحرر الوطني . ما يثير أكثر من تساؤل إزّاء مثل هذا الإدعاء البورجوازي المشبوه هو كيف استنفذت ثورة أكتوبر الإشتراكية حدودها ولم تستنفذ الرأسمالية حدودها بل انبعثت من جديد في إطار العولمة كما يقول أمين نفسه !! ما هي الحدود التي وصلت إليها ثورة أكتوبر ؟ هل نقلت روسيا إلى النظام الرأسمالي أم أنها وضعت الأساس لقيام النظام الرأسمالي ؟ كان أمين قد أكد أن سبب فشل مشروع لينين هو الثورة الزراعية عام 1929 ومصادرة أراضي الكولاك ـ وهذا بالمناسبة إدعاء لنيقولاي بوخارين في بداية الثلاثينيات كما عاد خروتشوف لنفس الإدعاء وقد أدّى هذا أخيراً إلى انهيار المشروع اللينيني ـ لكنه يعود اليوم ليدعي أن ثورة أكتوبر استنفذت حدودها وهو ما يعني أنها لم تفشل !! يبدو أن الدكتور سمير أمين لم يتعرف على الإشتراكية الماركسية وقد غلبت عليه السياسة اليسارية الفرنسية . بل أكثر من ذلك فإنه يجهل طبيعة النظام الرأسمالي طالما أنه تحدث سابقاً عن رأسمالية الدولة في الإتحاد السوفياتي وهو يشارك اليوم بوريس يلتسن في الوهم أن تمليك مشاريع الدولة لأشخاص يعني بصورة آلية الإنتقال إلى النظام الرأسمالي !! تعب لينين وهو يكرر أن الإشتراكية إنما هي محو الطبقات أي إلغاء علاقات الإنتاج نهائياً من المجتمع ليس لإقامة علاقات أخرى غيرها بل للعبور إلى الشيوعية التي لا تعتبر نظاماً إجتماعياً بمعنى نظام ذو معايير وقوانين محددة . الشيوعية مجتمع بلا معايير وبلا قوانين فيه كل الحريات لكل الناس . الشيوعية هي الفردوس لكن على الأرض . ممتهنو اللعب بالسياسة يزعمون أن الإشتراكية هي نظام اجتماعي عادل مستقر وهذا تضليل واستغباء للناس ـ كل الإشتراكيين غير الشيوعيين هم كذبة مخادعون فليس هناك نظام اشتراكي . أما النظام الرأسمالي فهو بناء إجتماعي يستغرق بناؤه مئات السنين وتتكون حجارته من مصفوفات قيمية وثقافية وحقوقية تترافق مع عادات محددة في الإنتاج وفي الإستهلاك وإعادة الإنتاج . خيار النظام الرأسمالي أعدمته نهائياً البورجوازيات الروسية عندما رفعت السلاح بوجه البلاشفة عام 1918 ولن يبعث من جديد في حال من الأحوال حتى لو امتلك آلاف الروس مليارات الدولارات . ثم إن التاريخ ليس غرّاً ليسمح للروس ببناء النظام الرأسمالي بعد انهياره في مواطنه الأصلية !! وعلامَ استند أمين ليدعي أن ثورة التحرر الوطني استنفذت حدودها ؟ ما الذي حققته ثورة التحرر الوطني ؟ في كتابه (أزمة المجتمع العربي) ادّعى أمين أن البورجوازية الوطنية لم تقرر نهائياً فك الروابط مع مراكز الرأسمالية وخانت ثورتها ـ كيف لطبقة أن تخون ثورتها !! لا أحد يعلم إلا أمين ـ لكنه اليوم يتخلى عن فكرة الخيانة ليدعي أن ثورة التحرر الوطني استنفذت حدودها ! إلى ما وصلت ؟ لا أحد يعلم حتى ولا أمين ! الحق أن مثل هذه الإدعاءات لا تعيب إلا مدّعيها . لو سلمنا بصحة مثل هذه النظريات الصغيرة المصطنعة لتوجب علينا أن نسلم لفكرة تقول أن " التاريخ مكتوب على الجبين ! " لكن أمين لا يسلّم بذلك طالما أنه يناضل من أجل تحقيق مجتمع " العدالة الإجتماعية الديموقراطية " !! وكي أتحاشى الدخول في شرح يطول حول زيف نظام " العدالة الإجتماعية الديموقراطية " فإنني أتحدى أمين وغير أمين أن يحدد علاقات الإنتاج في هكذا نظام .

كون أمين رجل ثقافة غزيرة لا يعني على الإطلاق أنه ماركسي وشيوعي كما أعلن . فهو ينشط اليوم نظرياً وعملياً لإقامة "النظام البديل" (Alternative) وعالم مختلف تسوده " العدالة الإجتماعية الديموقراطية " وعولمة إنسانية تشمل مجموعات مناطقية ؛ ويقوم على تحقيق كل هذا جبهة تضم قوى متباينة التوجهات كالتيارات السياسية والعقائدية التي تقاوم الليبرالية الجديدة والحركات النسوية والخضر وأنصار البيئة!!

أي ماركسي لديه أدنى إلمام بالماركسية يدرك تماماً أن مشروع أمين هذا ليس له أي علاقة بالماركسية . هذا مشروع بورجوازي تكلم عنه ليبراليو الثورة الفرنسية قبل أكثر من قرنين . ماركس تحدث عن ثورة تقوم بها البروليتاريا ( يا عمال العالم اتحدوا !) لإقامة دولة دكتاتورية البروليتاريا من أجل محو الطبقات وإقامة الحياة الشيوعية . العبارات التي استخدمها أمين في التنظير لمشروعه الجديد تدل مباشرة على أن السيد أمين نفسه لا يعرف طبيعة المشروع الذي يدعو لبنائه ، لذلك يقول " البديل " و " عالم مختلف " بقصد تحاشي استخدام تعبير " الطريق الثالث " فيتماثل مع بلير وكلنتون وأمثالهما . غير أن " البديل " و " عالم مختلف " و " الطريق الثالث " هي أسماء لما لا إسم له ! كما يلاحظ أن أمين لم يدع البروليتاريا إلى الإنضمام إلى جبهته المكلفة بإقامة " البديل " مما يؤكد أن لا علاقة لمشروعه بماركس .

ويدهشنا أكثر عندما يقول أن "البديل" اسمه "الإشتراكية" !! نعود لنؤكد مرة ثانية وثالثة بل والألف أن الإشتراكية ليست نظاما إجتماعياً بحال من الأحوال . إنها في الحقيقة اللانظام حيث لا يتواجد فيها علاقات إنتاج ثابتة وهي مرحلة لا تستغرق أكثر من 30 عاماً في أكثر البلدان تخلفاً تسعى خلالها دولة دكتاتورية البروليتاريا إلى تحطيم وإلغاء كل علاقات للإنتاج دون أن تقيم بديلاً لها ؛ إنها حقاً اللانظام وهي البرزخ للعبور إلى الشيوعية . هكذا قال ماركس ، وأتحدى كل الإشتراكيين أن يقولوا غير ذلك !! أما أن يأتي الدكتور سمير أمين بفرق شتّى من البورجوازية الوضيعة مثل أنصار البيئة وأنصار المرأة ومناهضي العولمة من أجل تحقيق مشروع هم لا يعرفون هويته فهذا أمر لن يأتي بشيء ولن يتجاوز حد إعلان لبيان سياسي .

الطاعون القاتل المتفشي بدرجة مرعبة بين الماركسيين هو " التسيّس " أي إنقلاب الماركسي إلى مجرد سياسي يمتهن العمل في السياسة . لا يميّز هؤلاء الذين امتهنوا السياسة من الماركسيين أن ثمة إختلافاً نوعياً بين الماركسي من جهة والسياسي من جهة أخرى بل إن الماركسي يبلى في تابوت السياسة . السياسة هي مجرد أداة من أدوات الصراع الطبقي العديدة ؛ هناك ماركسيون لا يشتغلون في السياسة على الإطلاق ؛ وفي الحياة الشيوعية التي بشر بها ماركس حيث كل الناس شيوعيون لا أحد يشتغل في السياسة أو يتحدث بها على الإطلاق وذلك بسبب انعدام الصراع الطبقي وانعدام الدولة بالتالي . الماركسيون الذين إنقلبوا إلى سياسيين لم يعودوا ماركسيين على الإطلاق ولذلك تجدهم غير قادرين على قراءة تاريخ المشروع اللينيني أو التجربة الإشتراكية السوفياتية قراءة صحيحة وغير قادرين بالتالي على نقد التجربة السوفياتية . عبثاً يحدثنا هؤلاء في السياسة بعد أن إنقلبوا على ماركس وفشلوا في قراءة التجربة الإشتراكية السوفياتية . يزعم هؤلاء أن مشروع لينين للثورة الإشتراكية العالمية بدءاً من روسيا كان محكوماً بالفشل منذ البداية ويقول بعض هؤلاء ، ومنهم سمير أمين ، أن الثورة الزراعية التي قام بها ستالين عام 1929 كانت السبب في إفشال التجربة السوفياتية ، كما يجمع هؤلاء وأولئك على أن غياب الديموقراطية كان السبب المباشر في انهيار المشروع . كل هذه القراءات هي قراءات سياسية بورجوازية تغيب فيها روح الصراع الطبقي . التاريخ امتحن مشروع لينين بقساوة بالغة الشدة ومع ذلك عبر كل الامتحانات بنجاح باهر ، من الحرب الأهلية وحروب التدخل 1918 ـ 1921 إلى سياسة النيب والانتعاش الاقتصادي 1922 ـ 1926 إلى الثورة الزراعية 1929 ـ 1931 إلى التصنيع الكثيف 1928 ـ 1938 إلى الإنتصار الباهر على النازية 1941 ـ 1945 إلى إعادة البناء وتجاوز أوروبا الغربية الأقل تضرراً 1946 ـ 1951 . لا يجوز بعد كل هذه الامتحانات العسيرة والقاسية أن نشكك بقابلية المشروع اللينيني للحياة طالما أن التكرار يعلم الحمار كما يقول المثل الشعبي . لو لم يقِم ستالين مجمّعاً عملاقاً للصناعات العسكرية حال عودته من بوتسدام 1945 ثم مات مبكراً أو أغتيل عام 1953 لما انتهى المشروع اللينيني إلى ما انتهى إليه . ظهر هذا المجمع العملاق أقوى من الحزب بعد رحيل ستالين فعزل مالنكوف من القيادة وأتى بخروتشوف عام 1954 وعزل جميع البلاشفة من قيادة الحزب لصالح خروتشوف 1957 وأطاح بخروتشوف لصالح مروّج السلاح بريجينيف عام 1964 وأطاح بالحزب وبغورباتشوف عام 1991 وأتى بيلتسن الذي قام بتفكيك الإتحاد السوفياتي وتهديم ما تبقى من مشروع لينين فوق الأرض ، وما زال هذا المجمع الصناعي العسكري يمسك بكل السلطة في روسيا الإتحادية حتى اليوم ، ولذلك لا تصادق روسيا من الدول اليوم إلا تلك التي تشتري منها الأسلحة مثل إيران وسوريا !!

السياسي سمير أمين يجافي كل منطق ماركسي حين يقول أن مشروعه للتغيير " العدالة الإجتماعية " يتطلب ديموقراطية حقيقية . والسؤال الذي لن يستطيع أمين الإجابة عليه هو .. ما هي الميكانزمات التي تقيم الديموقراطية في أي مجتمع ؟ هل الديموقراطية تسبق التغيير أم التغيير يسبق الديموقراطية ؟ وما حاجة الناس للتغيير إذا ما كان لديهم ديموقراطية ؟؟ وهل تنبت عوامل التغيير في مناخ الديموقراطية ؟؟ يجتر السياسيون مفهوماً خاطئاً للديموقراطية فيفهمونها على أنها مجموعة الحريات العامة كحرية القول وحرية المعتقد وحرية النشر وحرية التنظيم وما إلى ذلك ، لكن هل تشكل هذه الحريات الميكانزمات القادرة على تنظيم المجتمع ؟؟ أم أن وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج (وسائل العيش) هي ما ينظم المجتمع وينتظم حياة الناس ؟؟ وإذا كانت هذه الأخيرة هو ما ينتظم حياة الناس فلماذا لا تحدد هذه الميكانزمات مصفوفة الحريات الملائمة لها والتي تفسح المجال لتطورها ؟؟ ينسى هؤلاء السياسيون أن ضرورة البقاء المعتمدة على ضرورة الإنتاج تسبق كافة الضرورات الأخرى . من المعيب حقاً أن أناساً يدعون الماركسية ويظلون مع ذلك أسرى قيود المثالية فيتهيأ لهم أنهم قادرون على تحقيق النظام السياسي أو الإجتماعي الذي يرتئون !! هم يجهلون أن خيارات الإنسان مهما كانت قدراته تظل محددة بالظروف السائدة .

ما سرني فعلاً من الأفكار الحديثة للدكتور سمير أمين هو أنه الماركسي الوحيد الذي وافقني على أن النظام الرأسمالي لا يمكن له أن يستمر في الحياة في غير بنية خلوية لها نواة وهي المركز المتروبول الإمبريالي ولها محيط وهو البلدان التابعة للمركز . لكن بدل أن يصل إلى ما توصلت إليه في اعتبار العولمة انهياراً حقيقياً للنظام الرأسمالي في العالم كله وقد كفت مراكزه الكلاسيكية عن أن تكون مراكز إنتاج وتحولت إلى مراكز استهلاك ، بدل أن يصل إلى مثل هذه النتيجة الواضحة تعثر فادعي تارة أن العولمة إنما هي تجديد لحياة النظام الرأسمالي وتارة أخرى اضطر إلى الإعتراف إلى أن ماكينة النظام الرأسمالي لم تعد تعمل وهو ما سماه بالإنجليزية (Obsolescent Capitalism) وترجمته الحرفية " الرأسمالية المهجورة " . ويظهر أن ما اضطر الدكتور أمين إلى ابتسار مثل هذا الإسم ـ الذي لا يعمل أيضاً ـ هو افتراضه أن ليس بعد النظام الرأسمالي إلا النظام الإشتراكي ـ طالما أنه يعتبر الإشتراكية نظاماً اجتماعياً مستقراً ـ لكن النظام الماثل اليوم ليس هو النظام الإشتراكي بالتأكيد وليس هو النظام الرأسمالي الكلاسيكي المعروف ، لذلك سماه الرأسمالية المهجورة أو الخربة . ومرة أخرى يقوم سؤال لا يستطيع سمير أمين الإجابة عليه وهو .. لماذا الناس بحاجة لنظام لا يعمل أو مهجور (obsolescent) كما وصفه ؟ في مواجهة هذا السؤال يعاند أمين ويكابر معترفاً أن ليس لديه حتى الآن الإجابة وسيبحث عنها في المستقبل . والحق أنه لن يجدها على الإطلاق وكان عليه أن يقر بأن النظام الرأسمالي لم يعد موجوداً .

ما يفتقده " الماركسيون " بصورة عامة من ماركس هو الفلسفة المادية والمنطلق الذي يحدد صحة المسار. المنطلق الأولي لماركس في بحثه السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي كان دائما أسلوب الإنتاج السائد أو قوى الإنتاج ومنها أدوات الإنتاج . انطلق أمين من مكان آخر ولم يلق ِ بالاً لقوى الإنتاج وأدوات الإنتاج السائدة اليوم . ولو فعل ذلك لوجد أن وسائل الإنتاج السائدة اليوم هي وسائل ليست رأسمالية حيث أن الإنتاج بمجمله في الدول الرأسمالية سابقاً لم يعد إنتاجاً رأسمالياً . حوالي 75% من مجمله هو من الخدمات بأنواعها . وسائل إنتاج الخدمات ليست من الوسائل الرأسمالية حيث يتم إنتاج الخدمات بدون عمال بروليتاريا وبدون رأسمال وبدون أدوات إنتاج أو مصانع وبدون مواد خام . انهيار النظام الرأسمالي تجسد في العولمة التي تفتقد الرافعة القادرة على إقامة نظام عالمي مكتمل القسمات . ما نراه اليوم هو اللانظام غير القابل للحياة (Inviable) أو الفوضى (Anarchy) . إزّاء هذا يترتب على الماركسيين دون غيرهم ألاّ ينقلبوا إلى مثاليين فيقترحوا على الناس مشاريع وهمية وغرّارة كما يفعل السيد أمين في مشروعه " العدالة الإجتماعية الديموقراطية " وكثيرون غيره يقترحون " مشروعاً قومياً نهضوياً " . عليهم أن يعودوا إلى ماركس كي يستطيعوا الكشف عن قوى الإنتاج الفاعلة اليوم والتأشير إلى المعالجات الممكنة نحو تصويب مسار التاريخ وتصحيح العلّة .

3

كنت أملت أن اللغة خانت كبير الماركسيين العرب، كما وصف دائماً محمود أمين العالم ، حين قال لإحدى الجرائد السعودية (اليمامة) يعرّف الليبراليين الجدد بأنهم الذين .. " تخلّوا عن أفكار وإيديولوجيات سابقة بعد تجارب فكرية وسياسية ونضالية فاشلة كالشيوعية والماركسية والإشتراكية والقومية والبعثية والصحوة الإسلامية وغير ذلك " . لكنني ومن متابعة آخر أنشطة العالم الفكرية تبيّن لي بكل وضوح أنه إنما كان يعبّر عن نفسه كليبرالي مستجد تخلّى عن إيديولوجية فاشلة، حد قوله، هي الماركسية الإشتراكية أو الشيوعية. نعم ، المرجع العربي التقليدي في الماركسية، محمود أمين العالم، تخلى عن ماركسيته الفاشلة، كما وصفها، وأصبح ليبرالياً جديداً. والعالِـم لا يخجل من هذا التحول فقد أكده إلى صحيفة العربي الناصرية قائلاً .." أنا لست ماركسياً " !! وكنت اجتهدت حينذاك أيضاً لأن أفسر قوله هذا تقليداً لماركس حين قال .. " أنا لست ماركسياً " على اعتبار أن الشيء ليس هو نفسه بذات اللحظة وقد غيرته الحركة التي لا تتوقف أبداً داخله، إلا أن تفسيري قد تبيّن فيما بعد أنه كان تبريرياً، فمحمود أمين العالم لم يعد ماركسياً ، كما أكد ، بل أصبح ليبرالياً مستجداً كما وصف .

لقد تخلى محمود أمين العالم عن مشروعه الشيوعي " الفاشل " ليبحث عن مشروع ليبرالي فكتب مقترحاً .. " تشكيل برلمان أو جبهة للمثقفين العرب يضم مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والإجتماعية وكفاءاتهم العلمية والعملية على نحو ديموقراطي للمساهمة في اقتراح صياغة عقد اجتماعي قومي جديد موحد يكون مرجعيتنا في المرحلة الراهنة فضلاً عن وضع مشروع تنموي إنتاجي عقلاني علمي ديموقراطي شامل لأمتنا العربية يراعي ما بين مجتمعاتنا من تباين في الظروف وتفاوت في المستويات ، مشروع قومي عملي يقدم بدائل وحلولاً للقضايا القومية المختلفة لا مجرد شعارات مجردة تعبوية ، على أن تشارك مختلف القوى المنتجة والمبدعة والحية في المجتمعات العربية في مناقشته وإغنائه والسعي من أجل تبنيه وتنفيذه عملياً " ـ لم يتخلَّ محمود عن الماركسية فقط بل أصبح بحاجة لمن يقوده ، لمن يؤشر له المسار !! إنه يستبدل اليوم الحزب الشيوعي بنادي للمثقفين !! ليس لنا إزّاء هذه الحالة البائسة إلا أن نعبّر عن إشفاقنا العميق على من شغل لفترة طويلة مركز الأمين العام للحزب الشيوعي المصري بالقول .. مسكين محمود أمين العالِـم الذي لم يعد يعرف أين المسار !!

ها هو قد انقلب إلى مثالي صرف، لا يوازيه في المثالية سوى يوحنا اللاهوتي في رؤياه وقد رأى مملكة في السماء لا تعمل بالقوانين الأرضية ! يداهمني الحزن والأسى الشديدين حين أرى من تعلمنا من كتاباته قبل نحو ستين عاماً المبادئ الأولى للماركسية وكان المرجعية الأولى في الماركسية في عالمنا العربي يطلّـق مرجعيته باحثاً عن ليبرالي أو قومي أو بعثي أو إسلامي كي يبني مشروعا فكرياً جديداً يكون مرجعية له بعد أن ألقى براية الماركسية في الوحول القذرة . لئن حافظ سمير أمين على إعلان نفسه ماركسياً وشيوعياً فإن محمود أمين العالم تجاوزه في التجدد والتموّض فأخذ يعلن أنه ليس ماركسياً وأنه أصبح ليبرالياً بعد أن ثبت له " فشل تجربته النضالية الماركسية الإشتراكية الشيوعية ". أنا لا أعلم إذا كان العالِـم قد انضم إلى المؤتمر القومي العربي الإسلامي في بيروت أو أن هيئة المؤتمر تجاهلته ولم تدعه للإنضمام إليها مع أن البرلمان، برلمان المثقفين، الذي يدعو العالِـم إلى تأسيسه، وقد أصبح قضيته الكبرى، لا يختلف بالشكل وبالمحتوى عن المؤتمر القومي العربي الإسلامي في بيروت. ولعله أقتنع بالبيان الصادر عن ذلك المؤتمر في حزيران 2005 فاعتبره مرجعيته بدل الماركسية " الفاشلة " وانطلق يدعو إلى الوقوف جبهة واحدة في وجه العدو الإسرائيلي والحفاظ على طهارة القرآن الكريم وعدم السماح للصهاينة بتدنيسه، ثم دعم " المقاومة " العراقية في جهادها لطرد الإحتلال من العراق والوقوف وراء حزب الله في لبنان ـ لئن خاضت البورجوازية الوضيعة صراعاً طبقياً مريراً ضد البروليتاريا السوفياتية وحققت بالتالي نصراً تاريخياً تمثل بانهيار مشروع لينين العظيم فلماذا لا يفلح القوميون والإسلاميون بتضليل العالِـم ؟! وما يستثير الشفقة أكثر على العالِـم هو أن الذين ضللوه اليوم لم يستطيعوا تضليله يوم كان لهم مشروع حقيقي على الأرض . القوميون والإسلاميون فقدوا كل الفرص لاحتفاظهم بمهنة العمل في السياسة حال انهيار مشروعهم الوطني مع بداية الإنهيار السوفياتي، أصبحوا عاطلين عن العمل تماماً بعد أن فقدوا كل مهنة أخرى ولم يعد الناس يصغون إلى خطاباتهم السقيمة الخشبية وهو ذات الخطاب الذي يتبناه العالِـم اليوم ويعتبره مرجعيته الراهنة دون أن يلتفت إلى أن هذا الخطاب لم يعد يؤمّن لأصحابه أية وظيفة سياسية.

إنني وبكل الصدق أشعر بالحرج الشديد وأنا أتهم محمود أمين العالم بعد أن كان المناضل الماركسي الشيوعي الصلب الذي واجه أقسى المحن والصعوبات طيلة حياته النضالية وقد امتدت عقوداً، أتهمه بالرياء والنفاق. وإلا فكيف لمحمود وبعد أن تفقّه في العلوم الماركسية أن يطالب بكتابة " عقد إجتماعي تنموي جديد " للشعوب العربية يراعي التباينات فيما بينها ويضمها إلى بعض في وحدة واحدة !! يطالب بمثل هذا العقد دون أن يقول كلمة واحدة حول علاقات الإنتاج فيما يدعو إليه من تعاقد . هو لم يقل لنا أن علاقات الإنتاج لم يعد لها قيمة فاعلة في العقود الإجتماعية، ونحن نقول له بالمقابل أن شبكة علاقات الإنتاج هي الشبكة القوية التي تحمل وحدها المجتمع، أي مجتمع وبكل أطيافه، كوحدة متفاعلة واحدة. علاقات الإنتاج، أي كيف يؤمن الناس رزقهم اليومي، هو ما يكتب كل العقود الإجتماعية. يقول العالِـم أن الطلائعيين العرب من المثقفين بحاجة إلى صياغة مشروع يأخذ بيد الأمة نحو بناء مستقبلها تاركاً تحديد معالم المشروع لبرلمان المثقفين دون أن ينسى أن يتكرّم على قوى الإنتاج وقد طالب بإتاحة الفرصة (!!) لها في مناقشة المشروع ـ ليس في تصميمه! ـ ودون أن يتطرق إلى روافع المشروع. ما عساها تكون طبيعة تلك القوى التي ستقوم بتحقيق المشروع ؟؟ لم يخبرنا العالِـم !! هو افترض، كما يبدو، أن يقوم المثقفون مقام الأئمة ، يؤمون بالناس يبشرونهم بالجنّة فيحتشد الناس وراءهم لبناء الفردوس الموعود !! تلك هي رؤيا العالِـم اليوم وهي أشبه برؤيا يوحنا اللاهوتي !! يتساءل العالِـم .. " لماذا لا يجتمع المثقفون ويتوحدون في أشكال متنوعة من خلال الجمعيات المدنية من أجل الضغط وخلق سلطة فاعلة حقيقية من أجل التغيير الإجتماعي في عالمنا العربي " ـ شعر العالِـم أن تساؤله هذا جدير بالسخرية فسارع قائلاً .. " هذه دعوة ليست جديرة بالسخرية على الأقل " . أن يقوم المثقفون بانقلاب على السلطة وخلق سلطة بديلة تتكفل بالتغيير الإجتماعي في عالمنا العربي ، كما رأى العالِـم، ليس جديراً بالسخرية فقط، بل أكثر من ذلك فإنه يستحضر إلى الخاطر " إنقلابية " مشيل عفلق الشهيرة لدى تأسيس حزب البعث في نهاية الأربعينيات حيث أناط تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية جميعها إلى أولئك الذين ينقلبون على ذواتهم بغض النظر عن الطبقة التي ينتمون إليها ـ ينقلب الرأسماليون على ذواتهم فيصطفوا مع العمال الذين انقلبوا على ذواتهم أيضاً فيتعاونوا متحدين في تحقيق الاشتراكية !! وبالانقلابات أيضاً تتحقق الحرية والوحدة !! وهكذا فهم صغار العسكريين انقلابية عفلق على طريقتهم فتبعثنوا وقاموا بانقلابات عسكرية عديدة في سوريا والعراق وحققوا ما حققوا من انهيارات مروّعة في هذين البلدين اللذين ابتليا بالانقلابيين العفالقة.

لنفرض أن ما يطالب به العالِـم اليوم قد تحقق فاستعاد الفلسطينيون كل فلسطين وشكلت حماس وفتح حكومة فلسطين الوقف ، كما تمكنت ما تسمى زوراً بالمقاومة العراقية من هزيمة المحتلين وشكلت حكومتها برئاسة عزت الدوري نائب صدام، وأن الأقطار العربية اتحدت في فدرالية ونصبت خليفة عليها من سبط العلويين أو الهاشميين، لنفرض أن كل هذا، وهو الإطار العام لرؤيا العالِـم والمؤتمر القومي الإسلامي، قد تحقق فعلاً، فماذا بعد ؟!! ما الذي سيتغير في حياة العربي ؟ ما بعد ذلك لن يكون إلا موت الفلسطيني جوعاً لأن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن يموّلا الولاية الفلسطينية من الخلافة الفدرالية العربية؛ وسوف لن تستقبل أوروبا وكندا واستراليا المهاجرين العرب طالما أنهم مواطنو خلافة عظمى؛ وفي الولاية العراقية سيبز عزت الدوري صدام حسين في بناء القصور وتبذير الأموال وسيقيم تماثيل له في كل الشوارع والساحات بغض النظر عن طلعته غير البهية طالما أنه امتلك السلطة بقوة الإرهاب وليس عن طريق السرقة مثل صدام . ما الذي سيتغير على المواطن العربي ؟!!

رغب العالِـم في أن يكون أبعد نظراً من برلمان القوميين والإسلاميين العرب فطالب أن يتضمن العقد فصلاً إجتماعياً تنموياً . لكن ، وطالما أن التنمية الإجتماعية لا تقع إلا على الأرض ووفق قوانينها، وليس قوانين السماء، فإن المطالبة لن تحقق شيئاً طالما أن القوانين الفاعلة في التنمية ظلت مجهولة وغير محددة ومعلومة . هل التنمية المطلوبة هي اشتراكية أم رأسمالية وما هي القوى التي من شأنها أن تحقق أياً منهما ؟؟ لو أفصح العالِـم عن طبيعة التنمية المطلوبة لوقع في ورطة لا فكاك منها، فإما أن تكون اشتراكية وقد أمست مستحيلة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، كما أكد هو نفسه، وإما أن تكون رأسمالية وهو خيار يتوقف على موافقة الولايات المتحدة أولاً وأخيراً فالفدرالية العربية ليست أقوى وأهم من الصين وهي الدولة العظمى؛ وكل من الحالتين، الإشتراكية أو الرأسمالية، تعني طبقة من المجتمع دون الأخرى وهذا أمر له تداعياته الخطيرة. وفي اجتناب مثل هذه الورطة الصعبة كان المؤتمر القومي الإسلامي أبعد نظراً من العالِـم !! وهو ما يضيرنا ، للحق .

ومما يسترعي الإنتباه في أدبيات العالِـم الحديثة هو تركيزه على وحدة "الأمة العربية" ـ من أخبر العالم أن العرب هم أمة واحدة ؟ لا يمكن أن يكونوا أمة إلا إذا سبق في التاريخ وأن كانوا أمة بكل المعايير المعروفة . لم يسبق أن كان العرب أمة واحدة وليس أدل على ذلك من أن مشروع النهضة العربية الحديثة الذي صاغته البورجوازية الشامية بقيادة الشريف حسين بن علي في العام 1916، وهو أول وآخر مشروع قومي، قام على قاعدة وحدة المشرق العربي مستبعداً مصر وكل عرب أفريقيا، بل إن المستعمرين الإنجليز هم الذين أرغموا عرب المشرق على قبول مصر كقطر عربي عضواً في جامعة الدول العربية. وحدة الأمة لا تتم إلا في بوتقة نظام الإنتاج الرأسمالي، وهو النظام الذي لم يظهر في العالم العربي على الإطلاق. لم يتجاوز أحد من علماء الإجتماع والأنثروبولوجيا الرائد الماركسي ستالين في تعريفه للأمة وتحديد ركائزها الأربعة المتمثلة بوحدة الأرض واللغة والإقتصاد والتكوين النفسي ـ وحدة الأرض لم تتحقق في العالم العربي قبل مائة عام . كانت الصحارى تفصل بين بلدانهم وهي أصعب على العبور من البحار. ولعلنا جميعاً نتفق على أنه لم يحدث عبر التاريخ أن جمعت أي قطرين عربيين وحدة إقتصادية طالما أن النظام البطريركي الريعي في الإمبراطوريات القديمة لم يوفر أي تفاعل إقتصادي بين الولايات المختلفة في الإمبراطورية. ولا يمكن الإدعاء بأن التكوين النفسي للقبائل السعودية هو نفسه لأهالي المدن اللبنانية أو السورية كبيروت ودمشق وحلب. واللغة العربية هي حديثة العهد في المغرب العربي ولم تصبح بعد لغة التخاطب لدى عموم المغاربة. فهل إصرار العالِـم على الوحدة العربية هو من باب السياسة الشعبوية ؟! ثم ماذا سيغنم العرب من الوحـدة ؟ ما اجتمع الضعيف مع الضعيف إلا وازدادا ضعـ-فاً، والمثل الشعبي يقول سـاخراً " عريان وقع على مصلّخ ".

ونقرأ العالم يكتب .. " الدولة ضرورة قومية في البلاد النامية كبلادنا بوجه خاص كأداة لتنميتها وتطويرها إنتاجياً وخدماتياً " .. يا للهول !! نرجو أن يسمح لنا المفكر الفيلسوف محمود أمين العالم أن نؤكد له بأن من يتخلى عن الماركسية لن يعود قادراً على إنتاج أي فكر سياسي ذي قيمة. نحن نعارض العالِـم هنا رأساً ومباشرة ونؤكد على أن الدولة في بلاد كبلادنا اليوم هي منظمة تعمل ضد الإنتاج وتطوير الإنتاج وضد قوى التقدم. فيما قبل سبعينيات القرن الماضي وعندما كانت تخوض بلادنا، كسائر بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ثورة التحرر الوطني وتوطيد الإستقلال كانت الدولة في هذه البلدان هي دولة البورجوازية الوطنية المعنية ببناء إقتصادها المستقل الخاص بها. كانت الدولة دولة الثورة وتعمل لتحقيق أهداف الثورة . أما فيما بعد السبعينيات وانهيار ثورة التحرر الوطني، تبعاً لتراجع الثورة الإشتراكية العالمية في الستينيات وما بعدها، لم تعد الدولة هي دولة الثورة بل غدت دولة الهزيمة. دولة السادات فيما بعد حرب 73 ليست مثل دولة عبد الناصر فيما بعد حرب 67، بل هي النقيض لها وقد أعلن ذلك السادات نفسه في خطابه الشهير حالما تحقق من الهزيمة في معركة الدبابات شرق القناة إذ قال .. " مصر لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة ". الدولة في عموم البلدان النامية بعد انهيار حركة التحرر الوطني غدت أسوأ منها في عهود التبعية المباشرة للإمبريالية. الدولة في بلادنا اليوم هي دائرة مغلقة (Closed Circle) بمعنى أن لا علاقة لها بمكونات المجتمع ولا تخص أياً من طبقاته ولذلك تميل جاهدة إلى منع تحقيق أي تنمية لأي من طبقات المجتمع لأن ذلك سيضر بمستقبلها طالما أن الطبقة القادرة المكتملة النمو هي التي تستولي دائماً على السلطة وعلى الدولة. لئن كانت الدولة التابعة للإمبريالية مقيدة بتحقيق معادل لفائض الإنتاج الوارد إليها من المتروبول فالدولة اليوم، فيما بعد انهيار الإستقلال، غير ملزمة بشيء سوى بتوليف الشروط التي تسمح بنهبها للثروة الوطنية. والهوية التي تؤهل الشخص إلى دخول دائرة الدولة المغلقة (العصابة) هي الفساد والإفساد ولا شيء غيرهما ـ يستطيع العالِـم أن يتحقق مما نقول مباشرة فينظر إلى أحوال الإنتاج والخدمات في مصر اليوم وهي تدعو للرثاء بل وللقرف .

المشروع الملح اليوم في سياسات العالِـم المستجدة هو مقاومة العولمة الأمريكية الرأسمالية ! ـ ما هي العولمة ؟ ولماذا هي أمريكية ؟ ولماذا هي رأسمالية ؟ تفسير ذلك يقع على عاتق المؤتمر القومي الإسلامي وليس على العالِـم الذي للأسف لا يعلم بأن أولئك المؤتمرين تحت راية القومية والإسلام هم أكثر الناس إفلاساً في الفكر السياسي وهذا حقيقة تعرفها تماماً شعوبهم العربية المسلمة. ولعله من المفيد هنا أن نشير سلفاً إلى معارضة رئيس الولايات المتحدة الأميركية للعولمة. فقد بدأ بل كلنتون خطابه في مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل ديسمبر 1999 وهو يسمع من بعيد خارج القاعة صيحات المتظاهرين ضد العولمة، بدأ مخاطباً المؤتمرين .. " ولماذا تدهشون من الإعتراض على العولمة فأنا مثلهم (المتظاهرين) لدي اعتراضات كثيرة على العولمة " وقال أيضاً .. " أنا مسرور بوجود هؤلاء المتظاهرين حولكم فهم يمثلون الملايين والملايين من البشر متسائلين عما يمكن لمنظمتكم أن تجلبه للبشرية .. " . رئيس الولايات المتحدة الأميركية ينضم إلى المتظاهرين ضد العولمة في عاصمة واشنطن ، سياتل !! فما عساكم تقولون أيها السادة المناضلون ضد العولمة الرأسمالية الأميركية ؟؟

المؤسف حقاً هو أن المشتغلين في السياسة قلّما يتنبهون إلى الوجه الآخر للسياسة وهو الإقتصاد . فالعولمة التي يسيء فهمها عامة السياسيين إنما هي هجرة المؤسسات الإنتاجية الرأسمالية من مراكزها الرأسمالية الكلاسيكية (المتروبول) إلى الأطراف، وهجرتها تعود لسببين رئيسيين هما الأجور المرتفعة في المركز والضرائب الباهظة التي تفرضها دولة المركز بالإضافة إلى غلاء الخدمات اللازمة للإنتاج . عندما تهاجر مثل هذه المؤسسة الرأسمالية من الولايات المتحدة مثلاً إلى ماليزيا أو سنغافورة فإن الطرف الخاسر هو الولايات المتحدة بالتأكيد حتى وإن امتلك عدد من الأميركيين تلك المؤسسة في المهجر. فالعمال الأمريكان الذين كانوا يعملون في تلك المؤسسة يفقدون وظائفهم وينضمون إلى جيوش العاطلين، والثروة التي كانوا ينتجونها يومياً بجهودهم تتلاشى نهائياً، والضرائب التي كانت تجبيها الدولة من تلك المؤسسة تنعدم تماماً فلا تعود الدولة قادرة على إنتاج الخدمات لصالح الشعب.

إزاء مثل هذه الصورة الحيّة يجب أن يسلّم المتاجرون بسياسة المعارضة للعولمة بأن الهجرة الواسعة للمؤسسات الرأسمالية من المراكز الرأسمالية الكلاسيكية إلى الأطراف في العالم الثالث والتي اتخذت اسم العولمة (Globalization) إنما هي التجسيد الحيّ لانحلال النظام الرأسمالي وخاصة أن بلدان الأطراف لا تمتلك التربة الصالحة لإحياء النظام الرأسمالي من جديد حيث أنها بالحد الأدنى غير قادرة على إنتاج العسكرة الضرورية لحماية مثل هذا النظام القائم أصلاً على منهج القمع والإستغلال . ليتأكد العالِـم ومن هم مثل العالِـم أن نضالهم ضد العولمة إنما هو في النهاية مقاومة لإنحلال النظام الرأسمالي وهو بالتالي مسعى لتأبيده .

ثم لم يقل لنا العالِـم ما هي أدواته في مقاومة العولمة. هل سيدعو عامة الشعب المصري إلى منع دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى مصر وتوظيفها بإقامة مصانع جديدة على الطريقة الرأسمالية ؟ البطالة تجاوزت في مصر نسبة 30% وأقصى ما يطمح إليه العاطل عن العمل هو العثور على وظيفة تؤمن له ولعائلته المعاش. تتبارى الدول اليوم في اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية لتوظف في بلادها وتستغل عمالها (!!) ورغم ذلك يتعفف أصحاب رؤوس الأموال عن قبول مثل هذه الدعوة عكس ما كان في عصور الإستعمار الذهبية. الحزب " الشيوعي " الصيني يدعو بإلحاح أصحاب رؤوس الأموال الأجانب إلى توظيف أموالهم في الصين ، فلماذا ستصغي جماهير الشعب المصري إلى دعوة العالِـم الإفقارية ؟! لسوء حظ العالِـم وسائر المحتجين على العولمة من الماركسيين الذين ألقوا براياتهم في الوحول ومن القوميين الذين فقدوا وظائفهم السياسية ومن الإسلامويين المتاجرين بدينهم هو أنه لا وسيلة للقضاء على العولمة إلا بقيام ثورة مضادة في مراكز الرأسمالية الإمبريالية تعيد لنظام الإنتاج الرأسمالي حيويته المفقودة وروحه التي توفاها باريها ـ وقبل أن ننتهي من موضوع العولمة لا بدّ من الإشارة إلى أن جميع المعارضين للعولمة والذين يحتشدون للتظاهر في كل عاصمة ينعقد فيها مؤتمر لمنظمة التجارة العالمية (WTO) أو السبعة الكبار (G7) هم من البورجوازية الوضيعة الذين ينتمون إلى قاع الطبقة الوسطى ومن شذّاذ الآفاق ومن بعض الذين لم يتحققوا بعد من أنهم فقدوا وظائفهم في العمل في السياسة إلى الأبد. ومع ذلك ورغم كل ذلك فلنا أن نتساءل كما تساءل وليام كلنتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية قبل سبع سنين عجاف .. أي خير ستجلبه العولمة للبشرية ؟!! أستطيع أن أؤكد اليوم أن أسوأ كارثة نزلت بالبشرية عبر التاريخ هي انهيار النظام الرأسمالي بالتزامن مع انهيار المشروع اللينيني الإشتراكي، وما كان ذلك ليكون لولا الطبقة الوسطى السوفياتية ممثلة بالمجمع الصناعي العسكري وبعصابة نيكيتا خروتشوف .

ذهب العالِـم وغير العالِـم إلى أن الماركسية نظرية فاشلة وبرهانهم على ذلك هو انهيار مشروع لينين في الإتحاد السوفياتي ونحن إذ نسلّم بأن مشروع لينين قصّر عن عبور مرحلة الإشتراكية ولم يتوصل إلى أهدافه النهائية، نطالب هؤلاء الماركسيين سابقاً أن يعترفوا بأن عالم اليوم، بعجره وبجره، هو في النهاية من صناعة مشروع لينين ؛ بل ولنا أن ندحض مزاعم الفشل ونثبت أن مشروع لينين، وهو التجربة السوفياتية، هو برهان قاطع على صحة النظرية الماركسية وليس على فشلها. كل الذين تحدثوا عن فشل التجربة السوفياتية وخلصوا إلى فشل الماركسية لم يستطع أحد منهم أن يعلل النجاحات الباهرة التي حققها البلاشفة منذ قيام الثورة 1917 وحتى ارتقاء نيكيتا خروتشوف مركز القيادة 1954 ولم يستطع أحد منهم أيضاً أن يعلل الإنتكاسات المتتالية منذ 1954 وحتى انهيار المشروع عام 1991 . لا يجوز أبداً أن نعزو الإنتكاسات في النصف الثاني من عمر التجربة إلى خلل في الماركسية ونتجاهل النجاحات الباهرة في نصفه الأول ، كما لا يجوز أيضاً أن نتجاهل الإنتكاسات في النصف الثاني من عمرها إلا إذا وجدنا أسبابها تقع خارج النظرية الماركسية.

يحرن كل الذين يقولون بفشل الماركسية في الرجوع معنا إلى أعمال المؤتمر الإستثنائي الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1959 ، يحرنون بصورة تدعو إلى الريبة والظنون حيث أن أعمال ذلك المؤتمر الشائن شكلت بداية تراجع الثورة الاشتراكية العالمية . ماذا قرر ذلك المؤتمر برئاسة خروتشوف ..
1. إلغاء الصراع الطبقي من أعمال الدولة، والصراع الطبقي كما هو معروف في الماركسية محرك التطور في المجتمع.
2. إلغاء دكتاتورية البروليتاريا التي هي الشرط الوحيد الذي حدده ماركس لعبور الإشتراكية .
3. تعظيم دور الفلاحين في بناء الإشتراكية وهو ما يعاكس تطور الإشتراكية الماركسية .
4. تفكيك الوحدة العضوية بين الثورة الإشتراكية وثورة التحرر الوطني التي هي من أهم المبادئ اللينينية .

منظمة بهذه المبادئ هي، وبحكم النظرة الأولى، منظمة معادية للإشتراكية وللشيوعية حتى وإن كان اسمها " الحزب الشيوعي السوفياتي ". هذا الحزب وبعد أن لعب فيه خروتشوف تبديلاً وتخريباً، وبعد الإنقلاب العسكري في حزيران 1957 وطرد جميع البلاشفة، رفاق لينين، من قيادته في الكتب السياسي، أخذ ينتهج سياسة تتعاكس تماماً مع روح الماركسية وتتناقض مع مبادئها الأساسية .

إزّاء هذه الوقائع التي لا سبيل لإنكارها يمكن القول بكل ثقة واطمئنان أن النجاحات الباهرة في التجربة الإشتراكية السوفياتية تعود للماركسية كليّة الصحة، كما وصفها لينين، وأما الإنتكاسات والانهيارات والأفشال فلا تعود إلا للسياسات المعارضة للماركسية ولأسباب تقع خارجها. لذلك يترتب على الذين ألقوا براياتهم الماركسية في الوحول أن يعيدوا النظر في مواقفهم .




#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكذوبة إقتصاد المعرفة
- القطيعة مع الوحدة العربية وقد خرجت من التاريخ
- الجاهل عدو نفسه / رد على السيدة سعاد خيري
- العولمة .. إنزلاق عن مسار التاريخ
- نمورٌ أم جراءٌ أسيوية?
- التاريخ.. يتصل وينفصل
- من الفوضى الخلاقة إلى الشرق الأوسط الجديد
- العولمة.. رحلة خارج التاريخ
- إعلان رامبوييه .. أخطر إنقلاب في التاريخ وهو أساس النظام الد ...
- اكذوبة إقتصاد المعرفة مرة أخرى
- إقتصاد السوق صيحة مشبوهة
- اليسار الغدّار
- القوى المطلقة للماركسية


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - فؤاد النمري - ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول